عاشوراء.. الطريق نحو الوعي والتقدم

قبسات من فكر المرجع الشيرازي -دام ظله-

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ما الذي يدفع الحكام دائماً، لأن يعرقلوا مسيرة إحياء ذكرى الإمام الحسين، عليه السلام؟ ثم ما الذي يدفع بالمقابل الشعوب، أفراداً وجماعات، لأن يضحوا بأموالهم و أرواحهم للحاق بهذه المسيرة؟

هنالك إجماع على أن "المعادلة العاشورائية" تقضي بهلاك واضمحلال أي نظام حكم – مهما كانت  قوته – يصطدم بالشعائر الحسينية، فيكون مصيره ، مصير "يزيد" بل الدولة الأموية كلها، كما ان إحياء الشعائر الحسينية من قبل افراد المجتمع، يعني استلهام دروس التحدي والحرية والكرامة من الامام الحسين، عليه السلام، واصحابه. وهذا بحد ذاته يجعل المجتمعات والشعوب ذات خطر داهم وعظيم على الانظمة السياسية والحكام، وبكلمة؛ تتكرر واقعة الطف من جديد، ويحصل  الاصطفاف بين جبهة الحق وجبهة الباطل.

ومع صحة هذه المعادلة، وتحقق مصاديقها على الواقع، في الماضي والحاضر، فان هنالك حقيقة أخرى، وهي أن الحكام والانظمة السياسية يتحاشون دائماً تكرار الأخطاء القاتلة التي أودت بيزيد بن معاوية والأمويين الى الهاوية. لذا نلاحظ في التاريخ والقديم والحديث، حكاماً تقربوا الى الامام الحسين، عليه السلام، وفي الوقت نفسه تجنبوا الاصطدام بالشعائر الحسينية، كما فعل المأمون العباسي، وفي التاريخ الحديث، ما قام به بعض الحكام في البلاد الاسلامية من التظاهر بالتزام الاحكام الاسلامية والمحافظة على الظواهر الدينية، ليكونوا بعيدين عن الانتهاك الفاضح للدين والاخلاق، كما ارتكبه يزيد.

لكن بقي السؤال عن الجانب الآخر من القضية، وهم الجماهير والشعوب، فهي ماضية في سعيها للحاق بمسيرة عاشوراء، سواءً لاقى الأمر معارضة أو غيرها من الأنظمة الحاكمة.

الاجابة يمكن ان نستلهمها من حديث أدلى به سماحة المرجع الديني  آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي – دام ظله- بحضور عدد كبير من المبلغين والخطباء على اعتاب عاشوراء الامام الحسين، عليه السلام، حيث أكد سماحته على ضرورة إحياء الشعائر الحسينية بمختلف اشكالها، عادّاً هذه الشعائر طريقاً نحو تكريس الوعي والمعرفة والثقافة، مستشهداً بمقطع من زيارة الإمام الحسين ، عليه السلام، الخاصة بعيدي الفطر والأضحى المباركين؛ "..فأعذر في الدعاء، ومنح النصيحة، وبذل مهجته فيك، حتى استنقذ عبادك من الجهالة، وحيرة الضلالة..".

وبما ان نهضة الامام الحسين، عليه السلام، أوجدت هزّة عنيفة في النفوس والوجدان، فمن المؤكد ان يتمخض عن هذه الهزّة، ولادة جديدة للانسان من دون شوائب او تشوهات في الفكر العقيدة. وهذا يفسر للباحثين والمؤرخين، بل ويزيل العجب عنهم لكل ذلك الإصرار والتحدي لمجرد الوصول الى مرقد الامام الحسين، عليه السلام، فمن الزائرين من قُتل، ومنهم من تعرض للاضطهاد والتنكيل والتشريد والاعتقال. وهذه المسيرة، بدأت منذ عهد المتوكل العباسي، واستمر حتى عهد النظام الصدامي البائد، وما تزال. فالزائرون لهذا المرقد الشريف يعرفون أنهم يكسبون شيئاً عظيماً لا يجدونه في أي مكان آخر بالعالم، ويفتخرون أن تنسب اليهم ألقاب مثل "الفدائي" أو "الحسيني"، وهي ألقاب تستتبع المواجهة والتضحية للإصلاح والتغيير. وهذا تحديداً ما يجعل الزائرين، ومنذ القدم، يبدون استعدادهم لدفع ضرائب باهضة للوصول الى المرقد الشريف، قبل التفكير بالتضحية في ساحة المواجهة مع النظام الجائر والحاكم الطاغية.

من هنا نجد سماحة المرجع الشيرازي، يؤكد على حاجتنا للزيارة وإقامة الشعائر الحسينية، وليس حاجة الإمام الحسين عليه السلام، ويقول: "ان الامام الحسين، عليه السلام، لن يعود الى الحياة اذا حزننا وابدينا الجزع والأسى الشديدين.."،  في حين نرى العودة الى الذات وإصلاح النفوس، هو الذي يتحقق من خلال زيارة مرقد الإمام الحسين، عليه السلام، وإقامة الشعائر الحسينية، وهذا ما لاحظناه في أفراد وجماعات وشعوب، نالت كرامتها وحريتها استلهاماً من مدرسة كربلاء، قبل ان تنال الاستقلال السياسي وتبني كيان الدولة الجديدة على أنقاض الديكتاتورية والظلم. وأبرز مثال على ذلك، العراق.. فقد سبق الالتزام بالشعائر الحسينية، الالتزام بالمبادئ السياسية والحزبية لمعارضة النظام الحاكم، وهذه بحد ذاتها تُعد مفارقة كبيرة تسجل في التاريخ السياسي لشعوب المنطقة، حيث اتخذ النظام الصدامي البائد، في مراحل من حكمه، اجراءات أمنية وعسكرية كبيرة، بحجم مواجهة خطر انقلاب عسكري، أو انتفاضة مسلحة، بينما كانت لمواجهة السائرين على الاقدام نحو كربلاء المقدسة، أو لمطاردة المقيمين لمجالس العزاء وإطعام الزائرين وإقامة سائر الشعائر الحسينية.

والمفارقة الاكثر مدعاة للحزن والأسى، أن شعباً مثل الشعب الهندي، او افراد في مجتمعات مسيحية في اوربا وامريكا وغيرها، او حتى في مجتمعات بوذية، يستضيئون بنور المدرسة الحسينية، ويهتدون الطريق الى الحرية والكرامة، وهم في بلادهم معززين مكرمين لا أحد يتعرض لهم، ولا يتعرضون للقمع والتنكيل، بينما يسجل التاريخ مواقف مريعة ومخزية لأنظمة حكم اسلامية ما تزال تطارد من يقيم الشعائر الحسينية، او تسعى لتحجيمها و إفراغها من محتواها الحقيقي. وربما تكون كربلاء الحسين، والشعائر الحسينية، امتحاناً تاريخياً على مر الزمن للحكام في البلاد الاسلامية لحقيقة نواياهم في إفساح المجال لشعوبهم لأن تتنفس  الحرية وتمتلك الوعي والبصيرة والتطلع نحو آفاق المستقبل، فالشعوب المتحضرة والمتقدمة، لم تصل الى مراقي العلم والمعرفة، وهي حبيسة الجهل والضلال، إنما قرأت الوعي والعلم والرشاد مما ورثته من مفكريها وعلمائها، بينما للشعوب الاسلامية سبق كبير وكنز عظيم يتمثل بالامام الحسين، عليه السلام، و دروسه وعبره التي هي أشبه بالشمس الساطعة تضيئ كل يوم ، ليوم جديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/تشرين الاول/2013 - 26/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م