عقوبات إيران... بداية النهاية لخارطة طريق قديمة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: مع ازدياد المؤشرات الحقيقية لحدوث انفراج في النزاع النووي بين ايران والغرب عبر المسار الدبلوماسي، لا تزال التوقعات بحدوث انفراج كبير بعيد المنال ما لم تقترن الأقوال بالافعال، مما أدى إلى طرح سيناريوهات كثيرة متباينة بشأن احتمالية توقيت انهاء الازمة النووية المستعصية منذ عشر سنوات.

فقد لمحت الولايات المتحدة بإمكانية تخفيف بعض العقوبات المفروضة على إيران في مقابل ان تتخذ طهران خطوات ملموسة لإبطاء تخصيب اليورانيوم وتسليط الضوء على برنامجها النووي، لكن البلدين قالا ان اي اتفاق سيكون معقدا وسيستغرق وقتا.

وهذا ما جسدته المرحلة الاولى من المفاوضات الرسمية بين القوى الدولية الستة مع إيران بشأن برنامجها النووي.

أذ يرى الكثير من المحللين ان الحل التفاوضي بين الجانبين يتوقع أن يؤدي إلى رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية التي شلت الاقتصاد الإيراني إذا اتخذت طهران خطوات تؤكد الغرض السلمي لبرنامجها.

وقد أدت العقوبات التي فرضتها واشنطن والاتحاد الأوروبي عام 2011 إلى خفض صادرات إيران النفطية بأكثر من مليون برميل يوميا مما حرم طهران من عائدات بيع تقدر بمليارات الدولارات شهريا ورفع معدلات التضخم والبطالة، وانخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى النصف خلال العام الماضي وفرضت الولايات المتحدة عقوبات أكثر تشددا بسبب المخاوف المتعلقة بالبرنامج النووي الذي ترى واشنطن إنه يمثل تهديدا مباشرا على إسرائيل وحلفائها من دول الخليج العربية.

فيما يرى محللون آخرون ان التوصل الى نتائج ملموسة لحل الأزمة النووية بين إيران والغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، يبدو بعيدا في الوقت الراهن، كون اتخاذ قرار بشأن القضية النووية مسألة حساسة وخطيرة على أجندة الولايات المتحدة والأجندة الدولية، فضلا عن الصراع الطويل القائم بين واشنطن وطهران، مما يعني ان التوصل إلى تسوية سريعة وقاطعة أمراً صعبا بسبب الأيديولوجيات المتناقضة وأهداف السياسة الخارجية المتعارضة، فضلا عن معضلة فقدان الثقة بين الإطراف المتخاصمة، لذا ليس من السهل الحصول على تسوية سريعة لنزاع يشوبه الغموض ومستمر منذ عقد تقريبا ويشي بمخاوف من اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق دعت المفاوضة الاميركية حول البرنامج النووي الايراني الكونغرس الى الاحجام عن تشديد جديد للعقوبات الاقتصادية بحق طهران بهدف تسهيل المفاوضات الدولية مع ايران التي بدأت في جنيف، وقالت وندي شيرمان مساعدة وزير الخارجية الاميركي في مقابلة مع القناة الفارسية لشبكة "صوت اميركا" العامة "نعتقد ان الوقت حان لاستراحة لنرى ما اذا كانت المفاوضات ستتقدم"، واضافت شيرمان التي تمثل واشنطن في المفاوضات بين مجموعة خمسة زائد واحد (الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والمانيا) وايران، "بدأنا نفهم الواحد الاخر وننظر الى حاجات كل طرف والى تطلعات شعبي بلدينا".

وعقدت جولة مفاوضات اولى في 15 و16 تشرين الاول/اكتوبر في جنيف، ابدت شيرمان على اثرها تفاؤلا نسبيا داعية الكونغرس الى التروي، واوضحت المتحدث باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي ان الادارة تعمل مع النواب الاميركيين لتعليق العملية التشريعية الراهنة، وتبنى مجلس النواب في تموز/يوليو قانونا شديدا يشمل خصوصا قطاع صناعة السيارات في ايران، على ان يتبنى مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الديموقراطيون سلسلة اجراءات تمهيدا لدمج الصيغتين، لكن اي جدول زمني لم يعلن فيما من المقرر ان يبدأ اعضاء مجلس الشيوخ عملهم في الخريف.

وقالت بساكي "قلنا ان اي تحرك برلماني ينبغي ان يتفق مع استراتيجية التفاوض لدينا مستقبلا، نفهم انه يمكن ان يبحث الكونغرس عقوبات جديدة، لكننا نعتقد ان الوقت حان لاستراحة"، واضافت "سيكون مفيدا في الوقت الراهن التحلي بالليونة"، واعلن اعضاء نافذون في مجلس الشيوخ بينهم الرئيس الديموقراطي للجنة الشؤون الخارجية روبرت مننديز استعدادهم لتعليق بحث فرض عقوبات جديدة اذا وافقت طهران على وقف فوري لتخصيب اليورانيوم، وتستانف المفاوضات مع طهران في السابع والثامن من تشرين الثاني/نوفمبر في جنيف.

على الصعيد نفسه قال مسؤول رفيع في البيت الأبيض إن الولايات المتحدة لا تتطلع لتخفيف العقوبات على إيران "في المرحلة الأولى" من المفاوضات بشأن برنامجها النووي، واضاف بن رودس مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية قوله في قمة رويترز بواشنطن إنه يجب على إيران أن تتخذ "خطوات ملموسة" لمعالجة المخاوف بشأن برنامجها النووي قبل أن يتسنى لواشنطن تخفيف العقوبات عن طهران.

وقال رودس في حوار استمر ساعة إن إحدى السبل لتخفيف العقوبات على إيران سيكون السماح لها بالوصول إلى أموالها المجمدة. واستدرك بقوله إن هذا مجرد احتمال بين عديد من الاحتمالات وانه لا يريد أن يلمح إلى إنه تم تحديد مسار مفضل للتعامل مع الملف الإيراني، وكانت صحيفة نيويورك تايمز قالت في تقرير لها في 17 من أكتوبر تشرين الأول إن هذا أحد السبل لتخفيف المتاعب الاقتصادية لإيران دون إلغاء العقوبات.

وقال رودس "لا نفكر في أي شيء يتعلق برفع العقوبات في المرحلة الأولى من اي مفاوضات أو اتفاق لأنه سيكون من المهم اختبار نوايا إيران"، وأوضح رودس أن إدارة أوباما تريد من الكونجرس إبداء بعض المرونة لبحث امكانية ابرام مثل هذا الاتفاق قائلا إن البيت الأبيض يريد من المشرعين ان يأخذوا في الاعتبار التقدم الذي يتم إحرازه في المفاوضات وهم يدرسون أي عقوبات جديدة. بحسب رويترز.

ويسعى الكونجرس لتشديد العقوبات على إيران لكن البيت الأبيض يريد فسحة من الوقت لإعطاء فرصة للمفاوضات مع ايران، ومن المقرر ان تستأنف المفاوضات التي تضم بريطانيا والصين وفرنسا والمانيا وروسيا والولايات المتحدة يومي السابع والثامن من نوفمبر تشرين الثاني، وقال رودس "مازلنا نريد هذه المرونة لمتابعة هذا المسار الدبلوماسي. هناك فرصة نريد اختبارها"، وأضاف "هذا لا يعني أن الكونجرس لن يدرس فرض عقوبات جديدة. بل يعني أن يدرسوها وان يأخذوا في الاعتبار التقدم الذي نحرزه على الصعيد الدبلوماسي واننا نحتاج لقدر من المرونة للتوصل إلى اتفاق".

من جهته قال مسؤول كبير بالحكومة الأمريكية للصحفيين وقال المسؤول إن اي تخفيف للعقوبات سيكون "موجها ومتناسبا مع ما تعرضه طهران على الطاولة." وتقول إيران إن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية.

وفي تلميح إلى ان واشنطن قد تدرس بجدية تخفيف العقوبات يضم الوفد الأمريكي إلى المحادثات واحدا من خبرائها البارزين في مسألة العقوبات هو آدم زوبين مدير مكتب وزارة الخزانة للرقابة على الاصول الأجنبية، ويرأس وكيل وزارة الخارجية ويندي شيرمان -وهو ثالث أرفع دبلوماسي بوزراة الخارجية- الوفد الأمريكي، وينضم ايضا اكبر مسؤول بالاتحاد الأوروبي في مجال العقوبات إلى وفد الاتحاد في المحادثات التي تقودها كاثرين اشتون مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي.

ويأتي اجتماع في أعقاب انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني في يونيو حزيران. ويقول الرئيس الإيراني المعتدل نسبيا انه يرغب في تحسين علاقات إيران مع الغرب لرفع العقوبات التي اعاقت اقتصاد بلاده القائم على النفط.

من جهتها حذرت إسرائيل التي يفترض على نطاق واسع بانها الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط الغرب من تخفيف العقوبات قبل ان تبدد طهران بواعث القلق بشان طموحاتها النووية، وقال مسؤول إسرائيلي إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتصل هاتفيا برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند ليخبرهما بأن العقوبات توشك على تحقيق الهدف منها.

وقالت شيرمان إن العقوبات الاساسية -التي لم تحددها- يجب ان تبقى مفروضة حتى يتم معالجة كافة المخاوف الامريكية حيال البرنامج النووي الايراني لكنها لمحت ببعض الاستعداد لتخفيف جزئي للعقوبات اثناء المفاوضات.

وقالت انه نظرا للتعقيد الفني لضمان الاتفاق بشأن البرنامج النووي الايراني فسيكون من المفيد ايجاد سبيل لوقف تقدمه لإعطاء فرصة للمفاوضات، وانتقد السناتور الجمهوري مارك كيرك شيرمان لحثها مجلس الشيوخ على ارجاء فرض اي عقوبات اضافية على ايران قبل المحادثات، وعليه تشير التكهنات والمعطيات آنفة الذكر حول إمكانية إنهاء الأزمة النووية او تخفيف العقوبات الاقتصادية بانه لا يمكن حدوث انفراجة مرتقبة بين عشية وضحاها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/تشرين الاول/2013 - 24/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م