واشنطن والرياض... مساحة الاتفاق وحدود الافتراق

عريب الرنتاوي

 

أصعب ما تواجهه الدبلوماسية السعودية في بحثها عن "حليف دولي" بديل لحليفها الاستراتيجي في واشنطن، أنها لن تجده، لا في أوروبا المتماهية جوهرياً مع الولايات المتحدة في الملفات والأزمات الكبرى (دع عنك عدم قدرة أوروبا على تعويض الثقل الأمريكي الحاسم على الساحتين الإقليمية والدولية)، ولا في مجموعة "البريكس" الصاعدة، بقيادة روسية – صينية، التي تبدو في مواقفها وسياساتها أبعد كثيراً عن المواقف السعودية.

ومن دون حليف دولي موثوق وفاعل، ستجد المملكة نفسها في وضع استراتيجي صعب، أو بلا غطاء دولي إن جاز التعبير، الأمر الذي من شأنه إضعاف قدرة المملكة على مواجهة التحديات والتهديدات التي تعترضها، ويضعف مكانتها في حسابات توازن القوى الإقليمية، وتحديداً في مواجهة إيران.

لهذا يُستبعد على نطاق واسع، أن تصل الخلافات بين الرياض وواشنطن على أهميتها، إلى مستوى القطع والقطيعة بين الدولتين الحليفتين... وسيظل بالإمكان البحث عن "قواسم ومصالح مشتركة"، وهي ليست قليلة، تُبقي خطوط التواصل والتعاون بين الجانبين ممدودةً، حتى هبط سقف هذه العلاقات وتعثرت بعض قنواتها.

في معظم أزمات المنطقة الرئيسة، يقف البلدان على ضفتين متقابلتين من الصراع الدائرة فيها... الرياض تخشى التقارب الأمريكي – الإيراني، وواشنطن تعدّه وسيلتها لتفادي حرب "كونية" فاشلة ثالثة في غضون عشر سنوات عجاف للسياسة الأمريكية في المنطقة... الرياض تريد حسماً عسكرياً وتدخلاً مباشراً وعسكرة وتسليحاً في سوريا لإسقاط حكم الأسد، فيما أنظار واشنطن متسمرة حول إتمام "صفقة الكيماوي" بوصفها ضمانة لأمن إسرائيل في المقام الأول والأخير، وهي ماضية في جهود "جنيف 2" برغم "الفيتو السعودي"، وليس مستبعداً أن تكيّف واشنطن نفسها مع "صورة معدّلة، مزيدة ومنقحة" لنظام الأسد، لمواجهة تهديدات القاعدة والإرهاب، طاويةً ملف تغيير النظام، لعشريّات قادمة من السنين.

في مصر، تدعم السعودية بقوة العهد المصري الجديد، وترى فيه "خشبة خلاصها" من الإخوان المسلمين، لا في مصر وحدها، بل وفي المنطقة بعمومها... فيما واشنطن التي لا تتخذ موقفاً عدائياً حاداً من هذا النظام، لا تكف عن التلويح بقطع المساعدات عنه، وهي فعلتها جزئياً، ولا تتوقف عن تذكيره بتسريع نقل السلطة لحكومة منتخبة، يشترك فيها الإخوان وحلفاؤهم... وهذا ما عدّته الرياض، عبثاً بأمنها وأمن حلفائها.

حتى الآن، لا يبدو أن المملكة تمتلك من أوراق الضغط والتأثير على واشنطن، سوى القليل الأقل، وبما لا يكفي لوقف اندفاعة واشنطن الجديدة وراء "الكيماوي السوري" و"النووي الإيراني"... والأرجح أن حسابات واشنطن الاستراتيجية – الكونية، لا تُبقي سوى مساحة قليلة للمملكة وحساباتها ومواقفها ومصالحها، وهذا ما يدعو للاعتقاد بأن مناخات التوتر والفتور وانعدام الثقة، ستستمر ردحاً من الوقت، قبل أن تعود المياه بين البلدين، إلى مجاريها.

والأرجح أن المملكة ستسعى للتعويض عن "خسرانها" للثقل والمظلة الأمريكيين، من خلال تنويع شبكة "مشترياتها" و"مبيعاتها"... مشترياتها من السلاح ومبيعاتها من النفط... لكن واشنطن مثل روسيا، باتت منتجاً رئيساً للنفط والغاز، وبصورة أفقدت الورقة النفطية السعودية قيمتها الاستراتيجية "المُتخيّلة" في الضغط على واشنطن، كما أن السعودية التي بنت منظومتها العسكرية بالكامل على التكنولوجيا الأمريكية، ستكون الأكثر خُسراناً إن هي فكرت في إجراء تبديل عميق لمصادر تسلحها ومنظوماتها القتالية.

وستلجأ السعودية كذلك، إلى بدائل إقليمية للتعويض خسارتها الأمريكية، وثمة من يعتقد أن المملكة ستذهب بعيداً في دعم المعارضات المسلحة في سوريا من دون ضوء أخضر أمريكي، وستعمل على تأليب أطراف إقليمية وتحشيدها خدمة لمصالحها في إسقاط الأسد وتحجيم إيران

لكن المدقق في المشهد الإقليمي، يرى غياباً لـ"الحوامل" التي يمكن أن ينهض عليها رهان من هذا النوع... فالسياسة الخارجية التركية على وشك استكمال استدارتها حيال الأزمة السورية، بدءاً من العراق، والعلاقات التركية – الإيرانية ليست من النوع القابل للعبث والتبديد كرمى لمصالح أية دولة أخرى، حتى وإن كانت بحجم السعودية، ومصر عائمة على بحر من المشكلات الداخلية، والخليج منقسم على نفسه حيال معظم الملفات الإقليمية الرئيسة، وكذا الحال بالنسبة لبقية اللاعبين المحتملين.

ثم أن اتجاه تطور المعارضات السورية، يرفع من أسهم القاعدة بتفريعاتها ومسمياتها المختلفة على حساب الجيش الحر والائتلاف والمجلس الوطني وكل أصدقاء المملكة، وهي جهة لم تسقط يوماً السعودية من "لائحة الأعداء والخارجين عن المّلة"، ما يدفع على الاعتقاد بأن هناك حدوداً ضيقة لما يمكن للمملكة أن تفعله، وهامشاً محدوداً أمام دبلوماسيتها للمناورة والاستدارة.

إن صحت هذه القراءة، وأظنها صحيحة، ستجد المملكة نفسها مضطرة للتكيف بعد فترة من الغضب والانفعال، مع معطيات الوضعين الإقليمي والدولي الجديدين، وسيترتب على عملية التكيف هذه، إعادة "توزين" لأدوار ومواقع وتحالفات مختلف دول الإقليم، ستصعد إيران كقوة إقليمية، بصورة جديدة وأدوار جديدة، وستنكفئ "قدرة النفط" على بناء أو تعظيم الأدوار الإقليمية لمنتجيه ومصدريه.

* مركز القدس للدراسات السياسية

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/areebalrantawi.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/تشرين الاول/2013 - 24/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م