هل يمكن أن يتغلب الإغناء الحيوي على سوء التغذية؟

 

شبكة النبأ: على الرغم من أن إغناء الأغذية الأساسية، مثل دقيق القمح والملح، قد أصبح إجراءً روتينياً في بعض الأجزاء الحضرية من منطقة غرب إفريقيا المُعرضة لسوء التغذية، إلا أن الإغناء الحيوي (Biofortification) - الذي يعني زراعة خضراوات وحبوب وبقوليات ذات قيمة غذائية أكبر- لا يزال ظاهرة جديدة نسبياً بالنسبة لتلك المنطقة، ومع ذلك فمن المتوقع أن ينتشر بقوة على مدار العقد المقبل، وذلك بحسب خبراء الأمن الغذائي.

يستضيف المعهد الدولي لسياسات البحوث الغذائية (IFPRI) برنامج هارفست بلس (HarvestPlus)، وهو عبارة عن برنامج يعمل على زراعة أنواع مختلفة من البطاطا الحلوة والمنيهوت وموز الجنة (نوع من الموز يستخدم في الطبخ) والذرة والأرز وغيرها من المواد الغذائية الغنية بفيتامين (أ) والزنك والحديد- وهي أكثر العناصر الغذائية التي تفتقر إليها شعوب الدول النامية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

والجدير بالذكر أن المشروعات التي تستخدم هذه النباتات لمواجهة سوء التغذية يتم تنفيذها في مختلف أنحاء آسيا وإفريقيا، بما في ذلك موزمبيق وأوغندا.

وفي السنغال، تتعاون منظمة ياجيندي، وهي منظمة غير حكومية تعمل في مجال الأمن الغذائي، بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، مع برنامج هارفست بلس لإدخال البطاطا الحلوة البرتقالية الغنية بفيتامين (أ) (التي كانت قد اختفت لأسباب غير معروفة) إلى الدولة، وإحلال بذور الدُخن المستخدمة حالياً ببذور الدُخن اللؤلؤي الغنية بالحديد. وفي نهاية المطاف، يأملون في إنتاج الأرز الغني بالزنك والذرة البرتقالية الغنية بفيتامين (أ).

في هذا الصدد، قال تود كروسبي، رئيس منظمة ياجيندي: "نريد أن نصل إلى مرحلة نرى فيها البطاطا الحلوة البرتقالية أكثر من أي صنف آخر في السنغال." وأضاف: "نأمل أن نتمكن من إحلال بذور الدُخن الحالية بدخن معزز حيويا بحلول نهاية المشروع"، أي في غضون ما بين 5 إلى 10 سنوات. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

أُدخلت تكنولوجيا الإغناء الحيوي إلى إفريقيا منذ عدة سنوات، ولكن من المتوقع أن يتسارع الإقبال عليها في ظل انخراط نشط ليس فقط من قبل الحكومات والمؤسسات البحثية والمؤسسات غير الربحية، بل وأيضاً من قبل شركات ضخمة متعددة الجنسيات. وتعمل شركة نستلة، على سبيل المثال، منذ فترة طويلة في مجال الإغناء بالمغذيات الدقيقة وتتبنى الآن تكنولوجيا الإغناء الحيوي، ولديها خطط لدمج نبات المنيهوت الغني بفيتامين (أ) وأصناف الأرز الغنية بالحديد والزنك من نيجيريا ومدغشقر، على التوالي، في خطوط إنتاجها المستقبلية. وفي عام 2008، حدد توافق آراء كوبنهاغن الإغناء الحيوي كأحد أهم خمسة حلول للتحديات التي تواجه التنمية على مستوى العالم.

نقص المغذيات

وفقاً لمؤشر الجوع الخفي العالمي التابع للمعهد الدولي لسياسات البحوث الغذائية، الذي صدر في يونيو 2013، توجد 18 من أكثر 20 دولة تعاني من نقص المغذيات الدقيقة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وفي كثير من الأحيان، يُطلق على نقص المغذيات الدقيقة اسم "الجوع الخفي" نظراً لعدم ملاحظته. وفي هذا الصدد، قالت كينداي سامبا، مستشارة التغذية لقطاع غرب إفريقيا في برناج الأغذية العالمي أن "آثار التقزُّم تبدو أكثر وضوحاً أمام أعيننا، ولكن تظهر بعض المشكلات أخرى مع فقر الدم الحاد أو نقص فيتامين (أ)، التي قد تؤدي إلى إصابة الأطفال بالعمى. ولكن قبل ذلك، لا نعرف مدى خطورتها." وأضافت أن معدلات سوء التغذية والتقزم "عادة ما يصاحبها نقص شديد في الفيتامينات وفقر الدم."

في السنغال، يعاني ثلاثة أرباع الأطفال دون سن الخامسة و56 بالمائة من الإناث اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 إلى 49 سنة من نقص الحديد، تمشياً مع معدلات مذهلة من نقص الحديد في شتى أنحاء غرب إفريقيا. ويمكن أن يتسبب فقر الدم في صوره الأكثر اعتدالاً في الخمول وإعاقة النمو وإلحاق ضرر لا يمكن علاجه بالمخ، أما في أشد حالاته فقد يؤدي إلى الوفاة.

وفي كل عام، يلقى نحو 1.1 مليون طفل دون سن الخامسة حتفهم نتيجة لنقص فيتامين (أ) أو الزنك. ويسبب النقص الحاد في الزنك سحجات في الجلد وغيرها من مظاهر اعتلال الصحة، بينما يؤدي نقص فيتنامين (أ) إلى أضرار في الرؤية لنحو ثلاثة ملايين طفل في عمر ما قبل الدراسة على المستوى العالمي.

من الأبيض إلى البرتقالي

استغرق التوسع في إحلال شتلات البطاطا الحلوة بيضاء اللون بصنف آخر برتقالي اللون عامين. وقدم برنامج هارفست بلس إلى معهد البحوث الزراعية السنغالي (ISRA) 150 شتلة من 25 صنفاً، ونجح المعهد السنغالي في تحويلها إلى 8,800 شتلة. كما قامت منظمة ياجيندي بتوزيع هذه الشتلات على المزارعات من خلال شبكة تضم 5,000 نادي من نوادي الأم إلى الأم ، وإلى المزارعين التجاريين والتجار. واستهدفت هذه العملية أضخم منطقتي إنتاج في البلاد، وهما منطقة سادل في إقليم ماتام في شمال شرقي البلاد ومنطقة أروندو في إقليم باكل في شرق البلاد.

وتأمل المنظمة من خلال استهداف هذه المناطق، التي تنتج وتسوِّق 80 بالمائة من البطاطا الحلوة في البلاد، أن يكتمل الإحلال التام للبطاطا الحلوة بيضاء اللون في نهاية المطاف. إلى ذلك، قال بابي سيني، كبير المستشارين الفنيين والرئيس السابق لمنظمة ياجيندي: "يجب على المرء أن يفهم السوق أولاً قبل أن يستطيع إحداث تغيير." وهذا يشمل معرفة المناطق التي يتم فيها زرع وبيع الجزء الأكبر من المحصول، ومن هم القائمون على زراعته، وكيف يصل إلى الأسواق على المستوى المحلي والوطني والإقليمي.

إضافة إلى ذلك، قدم برنامج هارفست بلس عدداً قليلاً من أجولة الدخن اللؤلؤي إلى معهد البحوث الزراعية السنغالي منذ نحو عامين، ونجح المعهد في تحويل تلك الكمية الصغيرة إلى 2,400 كيلوجرام من البذور، أو ما يكفي لزراعة 600 هكتار، كل منها يستطيع إنتاج ما بين 1 إلى 1.5 طن. ويرى كروسبي أن المنظمة سوف تتمكن بحلول نهاية المشروع من إحلال أصناف الدخن الأقل تغذية بأصناف مدعمة بالحديد.

المكملات الغذائية والإغناء الحيوي

في إطار جهودها الصحية، بدأت وكالات دولية منذ 15 عاماً في تقديم جرعات من فيتامين (أ)، ولاحظت حدوث انخفاض كبير في معدلات وفيات الأطفال. والآن، تشارك معظم الدول الإفريقية في إعطاء المكملات الغذائية التي تحتوي على فيتامين (أ) إلى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ست سنوات و59 شهراً.

من بين النهج الأخرى المتبعة في السنغال لسد الفجوة التغذوية تدعيم الطعام بالمكملات الغذائية الدقيقة. إذ يعمل التحالف الوطني لتدعيم الغذاء (COSFAM) منذ عدة سنوات مع منظمات غير حكومية، مثل منظمة هيلن كيلر انترناشونال ومبادرة المغذيات الدقيقة والتحالف العالمي للتغذية المحسنة، من أجل تدعيم زيت الطهي بفيتامين (أ) ودقيق القمح بحمض الفوليك.

أما الجهات المنخرطة في الإغناء الحيوي، فلا تتطرق إلى هذه الأساليب، ولكنها تقول أن الناس بحاجة إلى معرفة كيفية تولي مسؤولية احتياجاتهم التغذوية لكي يتمتعوا بصحة أفضل.

ومن جانبه، يؤكد كروسبي أن الإغناء الحيوي طريقة مستدامة ورخيصة التكلفة نسبياً لأنها لا تتطلب سوى حقن أولي للبذور، وليس معرضاً للتحديات التي تواجه سلسلة الإمداد التي يمكن أن تعقد الحملات الجماعية. وقال: "إنها طريقة تتيح للناس أن يتحكموا في مصيرهم التغذوي من خلال الزراعة،" مضيفاً "إنها تغذية بأسعار معقولة."

ومكن الحصول على الأطعمة المعززة بمكملات غذائية دقيقة في المدن، لكنها غالباً لا تتوافر بنفس القدر في المناطق الريفية، وفقاً لمحللي الأسواق.

ومع ذلك، فإن تشجيع المزارعين على زراعة محاصيل مُغذيّة أكثر لا يعني أن الناس- لاسيم االنساء والأطفال -سوف يتناولون هذا الطعام. وبالتالي، فإن هناك حاجة إلى التثقيف ومبادرات تغيير السلوك وزيادة الوعي الصحي العام.

وفيما يتعلق بالأمور التي يجب القيام بها لتقليل نقص المغذيات في السنغال، تقول سامبا من برنامج الأغذية العالمي: "نحتاج إلى نهج شامل يعالج الأسباب المتعددة، التي تشمل ضعف تنوع النظم الغذائية، وقلة استهلاك المنتجات الحيوانية، والملاريا، والطفيليات، والتغذية في الأشهر الأولى من حياة الأطفال - كل هذا يمكن أن يسبب فقر الدم."

وفي السياق نفسه، طالبت هيلين شوارتز، أخصائية التغذية في منظمة اليونيسيف، أيضاً بتشجيع الناس على تغيير طرق طهي الخضراوات من أجل تجنب الإفراط في عملية الطهي الذي تؤدي إلى تقليل العناصر المغذية.

تقبل التغيير

قال سيني أنه ما لم يتولى الناس إدارة التغير في حياتهم بأنفسهم، فلن يتغير شيء. وأضاف أن منظمة ياجيندي تستهدف نوادي الأمهات، حيث تقوم بتثقيفهن حول كيفية تعزيز طرق التغذية والرعاية الصحية وكذلك أساليب البستنة والزراعة والفرص التجارية.

وحتى الآن، يوجد إقبال من السنغاليين في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء على استخدام الأطعمة المدعمة بالمكملات الغذائية الدقيقة حيثما تكون متوفرة، وذلك بحسب ما قاله رولاند كوبكا، أخصائي التغذية الإقليمية في منظمة اليونيسيف، مستشهداً باستهلاك الدقيق المدعم بالحديد وحمض الفوليك وزيت الطهي المدعم بفيتامين (أ).

وتأمل منظمة ياجيندي أن يُقبل المستهلكون السنغاليون على تناول البطاطا الحلوة البرتقالية أيضاً، لأنها أطرى وأكثر حلاوة من البيضاء. ومن أجل تعزيز هذا القبول، تخطط المنظمة لإطلاق حملة في وقت لاحق من هذا العام بعنوان "تناول البرتقالي"، لحث الناس على تناول الفواكه والخضراوات برتقالية اللون من البابايا إلى الجزر إلى الذرة البرتقالية.

من المتوقع أن يرحب المزارعون أيضاً ببذور الدخن المدعمة بالمكملات الغذائية الدقيقة التي تنضج في فترة تتراوح ما بين 60 إلى 90 يوماً.

ومن ناحية أخرى، يرى باندا ندياي، مدير مبادرة المغذيات الدقيقة في السنغال، أنه لكي تحظى مبادرات تدعيم الأغذية بالمكملات الغذائية الدقيقة والإغناء الحيوي باهتمام طويل الآجل، يجب أن تتولى الحكومات زمام مثل هذه المبادرات وإعداد سياسات واضحة توجه تطويرها.

وهذا يتطلب تحولاً في طريقة التفكير، من التفكير في الزراعة كوسيلة لإنهاء انعدام الأمن الغذائي إلى النظر إليها باعتبارها وسيلة لمكافحة سوء التغذية. وحول هذه النقطة قال كروسبي: "الزراعة المخصصة لتحسين التغذية- وتبني نهج وبائي تجاهها – لا يزال مفهوماً حديثاً جداً."

كما حذر من أنه لضمان أن يظل الإغناء الحيوي ملكية محلية، يتعين تمكين المعاهد البحثية الوطنية والإقليمية من نشره على نطاق واسع قبل أن تتدخل الشركات متعددة الجنسيات وتسيطر عليه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/تشرين الاول/2013 - 23/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م