الفجوة الطبقية بين الحاكم والمحكوم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في المجتمعات المتأخرة، يمكن أن نلاحظ بسهولة ومن دون عناء، (فجوة) واسعة تفصل بين الطبقة الحاكمة والطبقة الاوسع، وهي الطبقة الشعبية او الطبقة الفقيرة، وهذه الفجوة الطبقية، تأخذ طابع البذخ والتبذير والتعالي بالنسبة للطبقة الحاكمة، وتأخذ طابع الفقر والذل والحرمان بالنسبة للطبقة المحكومة او الطبقة الفقيرة، بمعنى أوضح أن المسؤول في الحكومة غالبا ما يتعالى في سلوكه مع المواطنين، باستثناء ما يتعلق (بالاعلام)، حيث يظهر المسؤول او القائد وكأنه حريص على الشعب ومتواضع، حتى الطغاة يتصنعون حب الشعب ومراعاة الفقراء عندما يتعلق الامر بالاعلام، أما الحقيقة فهي تؤكد بما لا يقبل الشك حالة التكبر والبذخ بالنسبة لمن ينتمي من الموظفين والمسؤولين للطبقة الحاكمة، مقابل حالة الفقر المدقع والحرمان والجهل الذي يرتع فيه الفقراء في الدول المتأخرة.

هناك ظاهرة أكدها المراقبون المعنيون بالانظمة السياسية في الدول المتأخرة، ومنها الدول العربية والعراق بطبيعة الحال، هذه الظاهرة تتعلق بالكفاح المدني المعارض للانظمة الجائرة التي تتحكم بثروات الشعوب فتسرقها وتتمتع بها الطبقة الحاكمة، فيما تترك الفقر والحرمان والجهل للطبقة المحكومة، وعندما ينجح المعارضون ويصلون الى دفة الحكم، هؤلاء المعارضون انفسهم يتحولون الى طبقة حاكمة تضطهد الطبقة الفقيرة المحكومة، وينسى المعارضون نضالهم ومبادئهم وكفاحهم، وهم يبذخون ويتنعمون بثروات وأموال الطبقة الفقيرة، حدث هذا الشيء في دول عديدة، سقط فيها الطغاة بقوة المعارضة، لكن المعارضين تحولوا الى سراق لثروات الشعب عندما اصبحوا حكاما.

ولم يتوقف الامر عند سرقة مال وحقوق الفقراء، بل نشأت قيم متخلفة تتملق المسؤول وترفع من شأنه، وتجعله متميزا عن المواطنين الآخرين، في حين ان القانون المعلن لا يفرق بين مواطن فقير ومسؤول غني وقوي، فالصحيح ان الكل سواسية امام القانون، ولكننا نلاحظ ان المسؤول الحكومي، غالبا ما يُحاط بهالة من الترحيب والتكريم والتزلّف المفتعل من لدن الكثير، حتى الفقراء انفسهم يتملقون المسؤول صاحب السلطة او المنصب او المال!.

هذه الظاهرة وغيرها هي التي أسهمت بطريقة او اخرى في صنع فجوة طبقية واسعة بين الاثنين، وعندما يتعلق الحديث بالعراق، فلا يختلف الامر كثيرا، بمعنى ان ظاهرة الفرق بين الطبقة الحاكمة والمحكومة ليست غائبة، بل على العكس اصبحت واضحة جدا، وتزداد رسوخا مع كل يوم جديد، بمعنى اننا في العراق ازاء صناعة طبقة متعالية متعطشة للثراء والبذخ على حساب الطبقة المحكومة، إذ تشير الارقام الواردة او المثبتة والمعلنة مطلع العام الجاري من وزارة التخطيط الى ان نسبة الفقر في العراق تصل الى 23% من الشعب، وهي نسبة كبيرة في بلد يضم بأراضيه ثروات نفطية ومعدنية هائلة، فضلا عن ان الطبقة الحاكمة فيه تنحدر في الغالب من جذور فلاحية فقيرة، بالاضافة الى آخرين يدّعون أنهم من التكنوقراط، وهكذا يتضح أن ما يحدث من تجاوز على المال العام، وهو امر لا يمكن ان ينكره احد (مسؤول او غيره)، يتم بأيدي الفقراء القدماء الذين اصبحوا اليوم اغنياء على حساب الطبقة الفقيرة.

والمفارقة المؤلمة ان فقراء الامس ومعارضي الطغاة أنفسهم يشكلون الطبقة الحاكمة اليوم، لهذا قد تبدو صناعة الفجوة الطبقية بين الحاكم والمحكوم غريبة، فضلا عن كونها تحزّ في النفس، إذ كان المأمول من طبقة الحكم في العراق اليوم، ان تردم الفجوة بين الطبقتين الحاكمة والمحكومة لا أن تزيدها بعدا وسعةً، لذلك فإن هذه الفجوة الطبقية تسيء لعراق اليوم، عراق الديمقراطية الجديدة، لذا على الطبقة الحاكمة وخاصة اصحاب الجذور التي تتحدّر من الفقراء، ان يردموا هذه الفجوة، وان لا يتعالى المسؤول على الناس، كذلك على الناس ان يحتفظوا بكرامتهم، ويكفوا عن التملق والتزلف للمسؤول الذي كان بالامس فقيرا مثلهم، واصبح اليوم يتنعّم ويبذخ بأموالهم ونسي انتسابه بالامس لطبقة الفقراء!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/تشرين الاول/2013 - 22/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م