جنيف-2... بين ضغط امريكا وعرقلة السعودية

 

شبكة النبأ: تظهر المستجدات الاخيرة في القضية السورية، مؤشرات غامضة حول مؤتمر السلام الدولي المسمى بـ جنيف الثاني الذي تأخر انعقاده طويلا بسبب هوة الخلافات والانقسامات الشاسعة بين اطراف النزاع المستمر منذ اكثر من ثلاثين شهرا .

فعلى الرغم من الجهود الدولية الحثيثة المبذولة لتسوية الأزمة السورية، حيث تسعى كل من الإدارة الأمريكية والروسية الى إيجاد أساليب واستراتيجيات جديدة لمعالجة الأزمة السورية الحالية، لكنها لم تصل الى اتفاق حاسم لحد الآن، ولعل ابرز الاسباب الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الدور المستقبلي الذي يلعبه الرئيس السوري بشار الاسد، فعلى الرغم من كل الضغوط والانتقادات الدولية ما زالت روسيا متمسكة بمواقفها اتجاه سوريا وخصوصا الرئيس الاسد، كما يعرقل انعقاد مؤتمر ما يطلق عليه دبلوماسيو الأمم المتحدة "جنيف 2" المناقشات الخاصة باختيار ممثلي حكومة الأسد والمعارضة السورية اذ لم يتم الاتفاق بعد على اسماء المفاوضين المحتملين. وايضا قضية مشاركة إيران.

ليتأتي الرئيس السوري بشار الاسد ويوجه ضربة قاسية الى الجهود الدبلوماسية الغربية والعربية لعقد مؤتمر جنيف-2 معلنا ان شروط نجاح هذا المؤتمر غير متوافرة راهنا ومؤكدا من جهة اخرى انه لا يرى "اي مانع" على الصعيد الشخصي للترشح للانتخابات الرئاسية العام المقبل، كما وتواجه المحادثات عقبات كبيرة منها تشرذم المعارضة والتناحر بين جماعات المقاتلين ورفض الرئيس السوري بشار الاسد التنازل عن السلطة. ولا يعترف عدد كبير من فصائل المعارضة المسلحة التي تقاتل على الارض وأغلبهم اسلاميون بالمعارضة السورية في المنفى التي يدعمها الغرب.

حيث أضحت خطط عقد مؤتمر لإنهاء الحرب السورية في مهب الريح بعد أن رفضت المعارضة الحضور ما لم يرحل الرئيس بشار الأسد عن السلطة وبعد أن أوضحت السعودية أنها لن تستمر في التعاون مع الولايات المتحدة فيما يخص سوريا.

ومارست الدول الغربية وحلفاؤها في الشرق الأوسط ضغوطا على المعارضة المنقسمة للمشاركة في المحادثات المقترحة رغم أن الأسد أوضح أنه لن يستجيب لمطالبة المعارضة بأن يتنحى كشرط مسبق لحضور المحادثات.

فقد قال الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة مع تلفزيون "الميادين" الذي يتخذ من بيروت مقرا ردا على سؤال عما اذا كان مؤتمر جنيف-2 سينعقد، "لا يوجد موعد ولا يوجد عوامل تساعد على انعقاده الآن اذا اردنا أن ينجح"، واضاف "من هي القوى المشاركة فيه؟ ما هي علاقة هذه القوى بالشعب السوري؟ هل هي قوى ممثِّلة للشعب السوري أم قوى ممثِلة للدول التي صنعتها؟".

غير انه اكد مشاركة نظامه في المؤتمر الذي كان اعلن الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي انه سينعقد في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، مشيرا الى ان "المشاركة ليس فيها مشكلة، وليس فيها محاذير، وليس لها شروط".

وجدد الرئيس السوري بوضوح اكثر من السابق موقفه من الترشح الى الانتخابات المقبلة، قاطعا الطريق امام كل الدعوات الموجهة اليه للتنحي، وتزامن موقف الاسد مع تصريح لوزير الخارجية الاميركي جون كيري من باريس اعتبر فيه ان الحرب في سوريا لن تنتهي في حال بقي الاسد في منصبه.

كما وجه الرئيس السوري انتقادا شديدا الى السعودية، وصف الاخوان المسلمين بانهم "مجموعة ارهابية تعتمد على النفاق وليس على الدين"، ويشكل الاخوان احد مكونات الائتلاف السوري المعارض الذي لا يزال منقسما في شان المشاركة في جنيف-2 والذي سيحاول الغربيون والعرب في لندن اقناع ممثليه بالجلوس الى طاولة المفاوضات مع النظام السوري في اطار اجتماع لمجموعة اصدقاء سوريا.

وقد حض وزراء الخارجية الاوروبيون المعارضة السورية على المشاركة في المؤتمر فيما شدد الموفد الاممي الاخضر الابراهيمي على وجوب ان يضم المؤتمر "كل من له مصلحة ونفوذ في الشأن السوري".

وقبل ايام من وصوله الى دمشق في اطار جولة اقليمية يقوم بها تحضيرا لمؤتمر السلام، طلب الرئيس السوري من الابراهيمي "عدم الخروج عن اطار المهام" الموكلة اليه، داعيا اياه الى التزام الحياد، وقال "نطلب منه أن يلتزم بمهامه. ان لا يخرج عن اطار مهامه. هو مكلف بمهمة وساطة، الوسيط يجب ان يكون حيادياً في الوسط،  لا يقوم بمهام مكلف بها من قبل دول أخرى"، وكانت للابراهيمي محطة في بغداد على ان يزور وايران وتركيا وقطر قبل ان ينتقل الى جنيف للقاء ممثلين عن الجانبين الروسي والاميركي.

وفي حين اعلن الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي اثر لقائه الابراهيمي ان المؤتمر سيعقد في 23 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، تجنب الابراهيمي من بغداد تحديد موعد للمؤتمر، وتاتي التحضيرات لمؤتمر جنيف بعد صدور قرار عن مجلس الامن الدولي يقضي بتفكيك الترسانة الكيميائية للنظام السوري، الامر الذي وافق عليه النظام ويتعاون في تنفيذه بحسب منظمة حظر الاسلحة الكيميائية المشرفة على العملية، وقد عزز هذا التطور الذي تم برعاية روسية اميركية موقع النظام الذي عاد، ولو من باب تفكيك اسلحته المدمرة مفاوضا اساسيا للمجتمع الدولي.

وترتب موسكو وواشنطن لعقد محادثات سلام بشأن سوريا في جنيف الشهر القادم لكن الاطراف المتحاربة لم تبد استعدادا لتقديم تنازلات. وقتل أكثر من 100 الف شخص اثناء الحرب الاهلية التي بدأت في مارس اذار 2011، وتؤيد القوى الغربية مدعومة من دول عربية وتركيا قوات المعارضة بينما تؤيد روسيا وايران الاسد.

وهاجم الاسد بشدة عددا من الدول التي اتهمها بالتورط في دعم الارهاب في سوريا وذكر على وجه الخصوص الولايات المتحدة قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا فضلا عن الاخوان المسلمين الذين وصفهم بانهم "مجموعة ارهابية وهم يسيرون من ارهاب الى ارهاب اشد"، وقال ان السعودية "تقوم بشكل علني بدعم المجموعات الارهابية في سوريا. امدادها بالمال وامدادها بالسلاح وطبعا دعمها سياسيا واعلاميا".

في الوقت نفسه قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج الذي يستضيف اجتماعا تحضره 11 دولة في لندن إن من الحيوي حضور المعارضة المدعومة من الغرب للمحادثات، وقال في مؤتمر صحفي "نحن نحث الائتلاف الوطني السوري على الالتزام الكامل (بحضور المحادثات وأن يقود أي وفد يمثل المعارضة في جنيف ويشكل نواته الأساسية".

غير ان فصائل المعارضة غير راغبة في مناقشة أي شيء غير الرحيل الفوري للأسد الذي قال انه لا يرى مانعا في ترشحه في الانتخابات العام القادم.

ويرفض كثير من المقاتلين داخل سوريا وأغلبهم إسلاميون الاعتراف بائتلاف المعارضة في الخارج الذي يؤيده الغرب، ومنيت جهود توحيد الصفوف بانتكاسة أخرى عندما تكشف أن رئيس المخابرات السعودية قال إن المملكة ستجري تغييرا كبيرا في علاقتها مع الولايات المتحدة احتجاجا على عدم تحركها بشكل فعال فيما يخص الحرب الأهلية في سوريا ومبادراتها للتقارب مع إيران.

وذكر مصدر قريب من السياسة السعودية أن الأمير بندر بن سلطان أبلغ دبلوماسيين أوروبيين بأن واشنطن لم تتحرك بفعالية في الأزمة السورية وفي قضايا أخرى تخص الشرق الأوسط. وقال المصدر إن هذا التغير في الموقف السعودي تحول كبير.

وأضاف أنه لن يجرى مزيد من التنسيق مع الولايات المتحدة بخصوص الحرب في سوريا حيث تزود السعودية جماعات معارضة تقاتل الأسد بالسلاح والمال، وزاد غضب السعودية بعد ان تخلت الولايات المتحدة عن التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا ردا على هجوم بالغاز السام في دمشق في اغسطس آب. وجاء تراجع الولايات المتحدة في اعقاب موافقة دمشق على التخلي عن ترسانة اسلحتها الكيماوية، وتشعر السعودية أيضا بالقلق ازاء الدلائل على وجود مصالحة مبدئية بين واشنطن وطهران التي قد تدعى لحضور محادثات جنيف.

وقال عدة مسؤولين من بينهم الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي انهم يتوقعون عقد مؤتمر (جنيف 2) يوم 23 نوفمبر تشرين الثاني لكن الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة قالت انه لم يتحدد موعد رسمي حتى الآن.

وقال مسؤول أمريكي في لندن إن بريطانيا ومصر وفرنسا والمانيا وايطاليا والاردن وقطر والسعودية وتركيا والامارات العربية المتحدة والولايات المتحدة ستبحث جدول اعمال محادثات السلام ومساعدة المعارضة في الاستعداد لها.

وقالت واشنطن انها مستعدة لتقبل احتمال مشاركة ايران التي تدعم الاسد في مؤتمر جنيف لكن كيري قال ان من الصعب ان تقوم طهران بدور بناء ما لم تؤيد فكرة تشكيل حكومة انتقالية، وقال هيج ان ايران يجب ان تؤيد حكومة انتقالية مقترحة في سوريا تضم شخصيات من حكومة الاسد والمعارضة كسبيل إلى الحوار السياسي وإجراء انتخابات حرة.

ولا تزال الدول ال11 الغربية والعربية في "مجموعة اصدقاء سوريا" تحاول تجاوز الصعوبات التي تحول دون انعقاد مؤتمر جنيف-2 للسلام في سوريا مع نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، في ظل مقاطعة فئة من المعارضة السورية واعتبار الرئيس السوري بشار الاسد ان ظروف نجاح المؤتمر غير متوافرة.

من جهتها قاومت المعارضة السورية في الخارج دعوة دول غربية وعربية للالتزام بحضور محادثات السلام قائلة إنها لن تشارك إذا كانت هناك أي فرصة لتشبث الرئيس بشار الأسد بالسلطة.

وقال رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا في مؤتمر صحفي بعد اجتماع لندن إنه لن تجرى أي مفاوضات دون ضمان أن يكون موضوع اجتماع جنيف 2 هو الفترة الانتقالية ورحيل الأسد، في الوقت نفسه قالت الولايات المتحدة وروسيا في مايو أيار انهما ستعقدان مؤتمر (جنيف 2) في محاولة لإنهاء الحرب لكن مسعاهما تعثر في عقبات ضخمة ولم يحدد موعد نهائي للمؤتمر، وفي أحدث مؤشر على أن الأسد يشعر أنه في وضع يمكن الدفاع عنه قال إنه لا يرى مانعا في ترشحه في الانتخابات العام القادم.

حيث قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري بعد محادثات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف ان الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على حث الامم المتحدة على تحديد موعد لمؤتمر السلام بسوريا في وقت ما في الاسبوع الثاني من نوفمبر تشرين الثاني.

وقال كيري للصحفيين في مؤتمر صحفي مع لافروف "سنحث على تحديد موعد بأسرع ما يمكن"، ووصف كيري اجتماعه مع لافروف "بأنه من أكثر الاجتماعات البناءة التي عقدناها" وانهما تحدثا طويلا عن كيفية دفع الاطراف المتحاربة في سوريا الى الجلوس معا لاجراء محادثات في جنيف تعرف باسم جنيف 2"، وقال كيري "اتفقنا مجددا انه ما من حل عسكري هنا ومن مصلحتنا المشتركة الا يكتسب المتشددون المتطرفون من الجانبين اي وضع أقوى في سوريا ولهذا نعيد التزامنا اليوم بجهود محددة للغاية لتحريك عملية السلام بأسرع ما يمكن".

فكما يبدو انه كلما طال أمد هذا الصراع كلما اصبح معقدا أكثر فأكثر ولهذا السبب كثفت الجهود مجددا لدفع عملية السلام في جنيف.

وعليه تضفي المعطيات آنفة الذكر ان طلاسم الغموض والشكوك مازالت تحوم حول ماهية وتوقيت مؤتمر السلام جنيف2 على الرغم من الجهود الرامية من لدن القوى الدولية الكبرى وخاصة امريكا ورسيا لذا يبدو ان حدوث انفرجة او اتفاق حول عقد جنيف 2 صعبة التحقيق على المدى القريب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/تشرين الاول/2013 - 21/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م