أيهما أهم للنجاح... العمل أم النسب؟

مئة كلمة وكلمة في قواعد الحياة

 

شبكة النبأ: توجد في كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين، الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، قواعد للفكر والسلوك، يمكنها، فيما لو التجأ إليها الفرد والمجتمع، أن تفتح مسارات صحيحة لهذا البناء، شريطة الالتزام بالتطبيق بعد الايمان بها، وهي من نوادر الحكم وجواهر الكلم، وكلنا نتفق على ان الانسان يحتاج الى قواعد صحيحة للبناء، لكي يبني حياته بالصورة الصحيحة، وطالما ان المجتمع يتكون من مجموع الافراد وتقاربهم مع بعض، فإن المجتمع برمته يحتاج الى تلك القواعد السليمة حتى يبني عليها حياته، وهذه القواعد موجودة في نهج البلاغة، إذ تهدف سلسة مقالات (مئة كلمة وكلمة)، أن تصل الى قواعد تساعد الانسان على البناء السليم، لاسيما اننا نعيش في عالم محتقن، تحكمه ضوابط ومصالح وأخلاقيات مادية بحتة.

تعد ظاهرة التقاعس من المصاعب التي تعاني منها المجتمعات المتأخرة، نعم هناك ظواهر كثيرة ومتنوعة، تسهم في هدر طاقات الفرد والجماعة، ولكن التقاعس عن العمل، والتبجح بالنسب والانتماء، تعد من الاسباب التي تعود بالفشل الذريع للفرد، واذا توسع اطارها فانها ستشمل بأضرارها المجتمع برمته، وقد لاحظ الخبراء المعنيون ان الاشخاص او المجتمعات التي تتصف بالتهرب من العمل، وتميل الى الدعة والتكاسل والخمول، تحاول أن تبتكر التبريرات التي تقنع بها الاخرين، حتى تبقى حالة التقاعس والخمول قائمة!.

في حين هناك مجتمعات حققت قفزات هائلة نحو التقدم، لانها آمنت بأن العمل والابتكار هما الركيزتان الأساسيتان لتحقيق التقدم والانتماء الى الركب العالمي المتقدم، كما نلاحظ ذلك في القفزة التي حققتها الصين والهند والكوريون وغيرهم.

لماذا التهرّب من العمل

من المشاكل الكبيرة التي ترافق هذه الظاهرة، هي اقترانها بظاهرة ملاصقة لها يمكن وصفها بالتبجح واعلان التفوق على الاخر، ليس من خلال الابداع او الابتكار او الانتاج الذاتي الافضل، بل هناك من يتقاعس بحجة أن أباه من الاثرياء المتميزين، أو انا حسبه ونسبه عريقا وكبيرا، وهكذا توجد الكثير من انواع التبجح التي تلاصق ظاهرة التقاعس، واكثرها وضوحا وخطورة، ظاهرة النسب والتبجح به على حساب العمل والانتاج الفعلي.

وهناك حكمة وردت في نهج البلاغة تتعلق في هذا الموضوع، إذ قال الامام علي عليه السلام في هذه الحكمة القيّمة: (مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ).

نلاحظ هنا أن الابطاء في العمل، يعني الكسل والخمول والتعاجز، وايجاد التبريرات الكثيرة للتهرب من العمل، سواءً على مستوى الافراد او الجماعات، واذا حدث هذا الابطاء فإن النتيجة ستكون كارثية على الفرد ومن ثم على المجتمع، والادهى من ذلك، أن حسن النسب للاسرة العريقة لا يمكن ان يكون بديلا عن الانجاز المميز، بمعنى ان الانسان الفرد والجماعة مطالبان كلاهما بتحقيق الانجاز المطلوب عمليا، ولا يصح التهرب من هذه المسؤولية مهما كانت الحجج، لاسيما قضية الانتساب الى عوائل واسماء عريقة، كالقادة والعلماء والشخصيات التاريخية، بل على العكس، إذ ينبغي أن يكون حسن الانتماء وعراقته، دافعا اضافيا لتحقيق النجاح والعمل الافضل، باعتبار ان من ينتمي الى اسرة عريقة وتنحدر جذوره من رجالات وشخصيات وتواريخ متميزة، عليه ان يشكل امتدادا لهم، لا أن يتذرع بهم ويتحجج بانجازاتهم لكي يتهرب من دوره في الحياة!.

معالجة ظاهرة الخمول

إن الابطاء هنا تعني عدم الرغبة بالعمل، أو اضاعة وقت العمل، وهي ظاهرة تتصف بها المجتمعات المتأخرة، ومنها بل ربما في مقدمتها الشعوب العربية والاسلامية، إذ في الغالب لا يتم احترام وقت العمل ويتم التحايل من اجل تضييع هذا الوقت بعيدا عن الانتاج، ويتم ذلك بطرق تحايل عديدة، والنتيجة هي تأخر الفرد والمجتمع، وهناك مرافقة التبجح للتهرب من العمل، بحجة انه يتميز على الاخرين بنسبه وحسبه وانتمائه!.

من بداهة القول ان الحكمة التي وردت في نهج البلاغة، تذهب الى وجوب معالجة ظاهرة ترك العمل بسبب النسب، فالعمل والانتاج الفردي والجماعي، ليس له علاقة بطبيعة نسب الانسان، او انتمائه الى عائلة عريقة، مهما كانت الخدمات التي قدمتها تلك الاسرة للمجتمع، وهذا لا يعني أن يتبجح الانسان بتاريخيه الاسري، ويجعل من هذا التميز حجة او سببا للتهرب من العمل والابتكار، كذلك لابد أن تتنبّه الجهات المعنية كافة الى مثل هذه الظواهر الخطيرة من اجل الحد منها ومعالجة اسبابها، بمعنى تضع الخطوات الفعلية لمعالجة ظاهرة الابطاء في العمل.

كذلك لابد أن تفهم الجهات المعنية كافة، أن الانتقال بالمجتمع، من حالة الركود والسكون وعدم الانتاج، الى الحالة الاخرى، حالة التوثب والنشاط والحيوية والعمل الدؤوب، تستدعي اجراءات عملية متواصلة، فضلا عن تحديث المنهج السلوكي للمجتمع، وهو امر ليس سهلا، ولا يمكن تحقيقه بالتمنيات فقط، او باجراءات عشوائية ارتجالية، او باتخاذ خطوات بسيطة غير مدروسة، لا توازي أهمية هذا الهدف الكبير، الذي يتكفل بنقل شرائح المجتمع كافة، من حالة السبات العملي والفكري، الى حالة الانتاج المبدع والتحاق بالركب المجتمعي العالمي المتقدم، وهو امر ليس من السهل تحقيقه ما لم تشترك به جهات عديدة معنية بالامر.

وعلى العموم لابد من فهم الحكمة التي اقتبسناها من نهج البلاغة، ومن ثم العمل وفق مضمونها بالنسبة للافراد والمجتمع ككل، لتحقيق الهدف المنشود في تحويل الركود الى نشاط متواصل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/تشرين الاول/2013 - 19/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م