على اعتاب محرم... منبر للبكاء وآخر للبناء

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الدموع وقورة بطبعها، تفرض احترام من تتساقط على خديه، او تترقرق في مقلتيه.. وهي ايضا تستدر مشاعر العطف على صاحبها.. كثيرا ما يتفاعل الناس مع الدامعين، وكثيرا مانشاهد الشخصيات العامة في لحظات الاعتراف والانكسار امام عدسات الكاميرا، يذرفون دموع ندم او توبة او طلب سماح..

لا اتحدث عن مقدار الصدق في تلك الدموع، فحتى الطغاة والظالمين تتساقط دموعهم في لحظة انسانية عابرة من اعمارهم.. معظم الناس لايسيطرون على مشاعرهم وهم يشاهدون دموعا في عيون طفل او امراة او رجل طاعن في السن، وجميعنا راينا دموع الامهات والاباء والابناء على احبتهم الذين فقدوهم في سجون طاغية العراق او في المقابر الجماعية التي احتوت اجسادهم..

الدمع وقور، ولاتدمع عينا الانسان الا في لحظة انكسار او تفجع او الم لاتستطيع الكلمات ان تعبر عن عمقه، انها مرادف لفصاحة اللسان الذي يمكنه التعبير بكلمات دالة ومعبرة..

لا أسرع من دمعة شيعي، وهو يحتضن كل هذا الموروث من الالام والقهر والاقصاء والتهميش، وهو ما سمي بالمظلومية الشيعية، انها سريعة النزول لايمكن ايقافها، ولشدة حرارتها تتحول الى بكاء متواصل ونحيب..

مواسم الدمع والبكاء متواصلة عند الشيعة، تكاد تغطي جميع ايام تقويمهم الزمني، يتناوبون خلالها في البكاء على جميع ائمتهم الذين توزعت مصائرهم بين فنون متعددة من التشريد والقتل..

ذروة البكاء الشيعي، ولحظة انطلاقتها القصوى تكون في الايام الاولى لشهر محرم الحرام.. وتخف تدريجيا لتعود الى التصاعد مرة اخرى عند اقتراب الزيارة الاربعينية في شهر صفر..

لاتقتصر ايام محرم الاولى، والتي يطلق عليها في الموروث الشيعي تسمية (واقعة الطف او عاشوراء) او الايام التي تليها على البكاء على صاحب تلك الايام واهل بيته (سلام الله عليهم) بل تمتد لتشمل الكثير من صور التعبير عن تلك الواقعة، من مثل رفع الرايات والاعلام، وانتشار السواد، والطبخ والاطعام في الاماكن العامة ( الشوارع والساحات والحسينيات) وهي في كل هذا تعبير عن مدى الحزن والتفجع على مصاب الامام الحسين واهل بيته (عليهم السلام) مصداقا للرواية المتداولة (الحسين عبرة وعبرة) بفتح العين الاولى وكسر الثانية.. الاولى تعني الدموع والبكاء، والثانية تعني المثل والقدوة.

هل نحن كشيعة محبين لاهل البيت (عليهم السلام) ننتهج تمام السبيلين دون تفريط وافراط في سبيل واحد منهما على حساب الاخر؟

تستبطن المظلومية الوعي والادراك بحجمها ومساحتها والاسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تجعلها تتناسل في كل زمان ومكان.. والمظلومية لاتقتصر على وجه واحد من وجهيها (المظلوم – الظالم) وهو ما يحصل في واقعنا المعاش.

نحن نؤكد على صفة (المظلوم) الذي نتمثل واقعة استشهاده، لكننا كثيرا ماننسى (الظالم) الذي يعيش بيننا مستمرا ويوزع ظلمه علينا.. الظالم هو من اوجد الظلم، والظلم هو نتاج طبيعي لسلوك هذا الظالم، ولا يكون ظلم في فراغ او دون ارض لاستيلاده.

الحسين (عليه السلام) لم يخرج لاجل ازاحة الظلم، بل خرج لاجل ازاحة الظالم، لانه يعرف ان الظلم هو وليد سلوكه.. اراد الحسين (عليه السلام) ان يعلمنا ادراك الظلم والمظلومية من خلال الظالم، وليس العكس.

منبر البكاء، يشتغل على (العبرة) فتح العين، ومنبر البناء الذي ادعو اليه يشتغل على (العبرة) بكسر العين.. والعبرة هنا مثل واخلاقيات وسلوك تكتنز النبل والاستقامة والفضيلة، نحتاج الى تمثلها في حياتنا وجميع خطواتنا، ونتعلم منها الوقوف بوجه الظالم كي نمنعه من انتاج الظلم، مهما كان قرب هذا الظالم منا، حاكما او مسؤولا يتحكم بالرقاب والارزاق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/تشرين الاول/2013 - 19/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م