ماذا يحدث للحكومة السعودية، وهل هي في مأزق على الصعيد الخارجي
والداخلي نتيجة السياسة المتبعة في التعامل مع التحولات والتغيرات
السريعة في المنطقة، بحيث عجزت السياسة السعودية بمواجهة تلك الأحداث
الى درجة الامتناع من إلقاء كلمتها في جمعية الامم المتحدة، وان ترفض
السعودية منصب عضو غير دائم في مجلس الامم المتحدة؟!.
بلا شك الحكومة السعودية، في حالة صدمة وغضب من تطور الاوضاع في
المنطقة والتحولات والتغيرات بشكل مخالف لما كانت تسعى له عبر سياستها،
وبالخصوص على الساحة السورية، اذ انها كانت مصرة على إسقاط النظام
السوري بنفس الأسلوب الذي سقط به نظام القذافي في ليبيا عبر الحصار
والسلاح، وان يستمر الحصار والعزلة والضغط على ايران؛ وليس كما يحدث إذ
تمكن النظام السوري الخروج من الحصار الدولي وفتح قنوات سياسية دولية،
وتطورت العلاقات الغربية وبالذات الامريكية مع ايران الى حد التواصل
المباشر بين زعيمي البلدين لأول مرة منذ اكثر من ثلاثة عقود!!.
لقد نقلت وسائل الاعلام الدولية وكما كتب العديد من المفكرين
والكتاب والمحللين، بان السعودية تعيش في مأزق خارجي، إذ تعرضت سياستها
لضربات موجعة منها بما يخص المشهد السياسي في سوريا، عبر الاتفاق
الروسي الامريكي على حل الأزمة سياسياً، اي بما يخالف وجهة نظر
السعودية، -وبما يتفق مع دول الممانعة التي ترفض التسليح في سوريا
وتطالب بحل الأزمة السورية عبر الأساليب السياسية-، ام في لبنان
فالخسائر فادحة بفشل مشروع من تعتمد عليهم السعودية في لبنان من تغيير
المعادلة والوصول للحكم، مما أدى الى قيام السعودية بمحاولات لإقامة
علاقات جديدة مع من يمثلون جماعة الثامن من آذار مثل تيار عون، وفي مصر
التي تشهد حالة من عدم الاستقرار بعد مساهمة السعودية في اسقاط حكومة
الاخوان ودعم العسكر، قد فتح عليها باب غضب الاخوان المسلمين في العالم
وليس فقط في مصر، وتوتر علاقتها مع تركيا بسبب الموقف من المشهد المصري،
وخسائر سياسية في تونس فالسعودية متهمة من قبل الشعب التونسي بدعم
سياسة الرئيس السابق بن علي الاستبدادية الذي ثار الشعب ضده وهرب الى
السعودية التي ترفض تسليمه، واتهام السعودية بدعم التيار الديني
التكفيري في تونس بالاضافة الى توتر العلاقة مع حركة النهضة التي وقفت
مع الاخوان حكومة مرسي رافضة موقف السعودية المتشدد من حركة الاخوان،
بالإضافة الى حالة عدم الاستقرار في اليمن المجاور المهدد بالانقسام،
وضعف التيار الموالي للحكومة السعودية هناك، وخسارة التيار الديني
الإخواني، وبذلها محاولات لبناء علاقة مع أعداء الأمس الحوثيين
والجنوبيين، وفشل السلطات البحرينية المدعومة من السعودية ودول الخليج
ماليا وسياسيا وعسكريا في القضاء على ثورة الشعب البحريني المستمرة
لغاية اليوم وتتصاعد، واستمرار الخراب والدمار والقتل في افغانستان
وعدم سيطرة السعودية على الوضع هناك، وفشل كبير في العراق من ايجاد
ارضية لبناء مصلحة سياسية لها مع القوى السياسية هناك، وفشل في مواجهة
ايران،... حيث تشعر السعودية بانها كانت مجرد لعبة دمية قد تم
استخدامها في دعم المصالح الامريكية - بعدما رمت السعودية كل ثقلها
السياسي والمالي لتلك الأهداف (مواجهة ايران) ومنها تحويل ايران العدو
الأول للامة العربية، واللعب على الوتر الطائفي.. - إذ قدمت الحكومة
الامريكية مصالحها عبر الاتفاق مع ايران على حل الملفات بينهما ومنها
الملف السوري والملف البحريني وغيره. بينما السعودية كانت على الهامش.
وبعد هذا الواقع الجديد حاولت السعودية بتغيير سياستها، عبر دعوة
الرئيس الايراني لزيارة السعودية وعقد قمة ثنائية في محاولة لترتيب
الملفات!. ولكن الرئيس الايراني الجديد محمد روحاني أعتذر!!.
الحكومة السعودية في حيرة من امرها، وفي حالة غضب وهناك من يصفها
بالتخبط نتيجة الإحباط، وبالخصوص في التعامل مع الامم المتحدة المؤسسة
التي يلعب بها الكبار فقط والبقية مجرد كمبارس، وربما السعودية ليست
غاضبة بعد عقود من الزمن من لعب دور الكومبارس، وإنما غاضبة من المؤسسة
الدولية لانها لم تتخذ موقفا حاسما لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا
كما حدث في ليبيا. فالسعودية تريد رأس الأسد بأي ثمن، وبأي طريقة فهي
دعمت بكل الإمكانات - السياسية والمالية والعسكرية - المعارضة المسلحة،
وعدم تحقيق ذلك في المدى القريب كما تريد وحدوث العكس عبر الاتفاق على
بقاء نظام الأسد وحل الوضع السوري عبر الدبلوماسية هزيمة كبيرة للسياسة
السعودية.
اما ما يقال بان السعودية غاضبة بسبب موقف المؤسسة الدولية من
القضية الفلسطينية، فهو محاولة للهروب من الحقيقة والواقع الصعب المحير
والصدمة والإحباط، اذ ان موقف الامم المتحدة السلبي من قضية فلسطين لم
يتغير منذ تأسيسها عبر دعم مصالح دولة اسرائيل.
الحكومة السعودية تواجه مأزقا صعبا بسبب التغيرات والتحولات
المتلاحقة السريعة في المنطقة منذ اندلاع الثورات العربية الشعبية التي
أطاحت بأنظمة لها علاقة وطيدة معها، ووصلت الثورات الى دول الجوار
البحرين واليمن، بل الى داخل الاراضي السعودية التي تشهد حراكا
ومظاهرات للمطالبة بالتغيير والإصلاح لغاية اليوم رغم استخدام القوة
البوليسية القمعية.
الحكومة السعودية في حالة غضب واحباط نتيجة فشل سياستها الخارجية،
لانها لغاية الان لم تستوعب الدرس وتفهم المرحلة والتغيرات والوضع
الجديد في المنطقة، مشكلتها انها مازالت مصرة على استخدام نفس السياسة
السابقة، والمشكلة الأكبر في الحكومة السعودية هو الوضع الداخلي
المتأزم بسبب سياستها الداخلية التي لا تتناسب مع المرحلة التي تمر بها
شعوب المنطقة من رغبة التغيير والإصلاح الشامل لبناء دولة المواطنة
الحقيقية القائمة على العدالة والقانون.
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/alialgarash.htm |