سوريا... معارضة تتآكل ودعم يتراجع

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يدرك المجتمع الدولي ان المعارضة السورية باتت في وضع هو الاسوأ منذ بداية الازمة، واصبحت رهان خاسر لا يعول عليه اقرب الداعمين لها، سيما بعد تنامي ظاهرة التناحر الدموية التي اندلعت بين الفصائل المسلحة داخل الاراضي السورية.

ويرى المراقبون ان تلك الفصائل والجماعات المعادية لبعضها تسببت بتآكل نفسها وعزز من قوة شوكة الحكومة السورية، التي نجحت في تحقيق مكاسب ميدانية مؤثرة الى جانب نجاحات سياسية على الصعيد الدولي.

في الوقت الذي احبطت المعارضة جميع سيناريوهات توحيد الصفوف وبات الانقسام العائق الاكبر امام محاولات فرض تسوية سياسية يحفظ ماء وجهها, فيما اقرت العديد من الدول الداعمة للمعارضة بالاضافة الى المنظمات الحقوقية الدولية ارتكاب الجماعات المسلحة العديد من الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين، فضلا عن عمليات تعذيب واعدام منظمة بحق اسرى الجيش السوري.

فقد قالت منظمة هيومان رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الانسان إن مقاتلي المعارضة السورية قتلوا 190 مدنيا على الأقل واحتجزوا أكثر من 200 رهائن أثناء هجوم في اللاذقية في أغسطس آب وتقول المنظمة انها تورد بذلك أول دليل على ارتكاب قوات المعارضة جرائم ضد الانسانية.

وقالت المنظمة إن العديد من القتلى اعدمتهم قوات مسلحين متشددين بعضهم على صلة بتنظيم القاعدة عندما اجتاحوا مواقع للجيش فجر يوم الرابع من أغسطس آب ثم تقدموا إلى عشر قرى قريبة يقطنها أفراد الطائفة العلوية التي ينتمي لها الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي أول زيارة مصرح بها من الحكومة لسوريا منذ بدء الصراع قبل عامين ونصف العام قامت هيومان رايتس ووتش ومقرها نيويورك بتوثيق سلسلة من عمليات القتل الطائفية التي نفذتها القوات المناهضة للأسد خلال حملة أوسع نطاقا شنتها قوات المعارضة المدعومة من الغرب.

ويفيد تقرير المنظمة الذي يحمل عنوان "مازال يمكنك رؤية دمائهم" أن أسرا بكاملها أعدمت في بعض الحالات أو اطلقت النار على أفرادها وهم يحاولون الهرب.

وحددت المنظمة خمس جماعات معارضة قامت بدور رئيسي في تمويل وتنظيم وتخطيط وتنفيذ هجمات اللاذقية منها جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام وهما على صلة بتنظيم القاعدة بالإضافة إلى جماعة أحرار الشام الإسلامية ووحدة أخرى للجهاديين الأجانب.

وعرضت هذه الجماعات أعمالها في تسجيلات فيديو وبيانات بعضها استخدم لتأكيد ما ورد في تقرير المنظمة. وتقول هيومان رايتس ووتش إن الهجمات مولها بدرجة كبيرة مانحون أفراد مقيمون في الخليج. بحسب رويترز.

لكن لم يظهر دور واضح لمقاتلي الجيش السوري الحر الجناح العسكري للتحالف المعارض الرئيسي في سوريا الذي تدعمه صراحة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول الخليج العربية السنية.

وفي تسجيل فيديو نشر يوم 11 أغسطس آب ويبدو أنه صور في اللاذقية قال سليم ادريس رئيس اركان الجيش السوري الحر إن الجيش السوري الحر شارك في الهجوم بدرجة كبيرة.

لكن لاما فقيه الباحثة بالمنظمة التي أمضت عدة أيام في اللاذقية في شهر سبتمبر أيلول وتحدثت مع سكان وجنود ورجال ميليشيات وأطباء ومسؤولين قالت إنها لا يمكنها تأكيد وجود الجيش السوري الحر يوم الرابع من أغسطس آب عندما وقعت الأعمال الوحشية.

وقالت فقيه باحثة وحدة هيومان رايتس ووتش في الشرق الاوسط وشمال افريقيا المختصة بسوريا ولبنان عن عملية اللاذقية التي نفذتها قوات المعارضة "المنازل دمرت واحرقت. أغلب القرويين لم يعودوا لديارهم."

والتقت فقيه مع حسين شلبي هو علوي من قرية بارودة فر من قريته في الرابعة والنصف صباحا يوم الرابع من أغسطس آب مع اقتراب مقاتلي المعارضة. وقالت فقيه انه ترك زوجته وهي في العقد السادس من عمرها وتتكيء على عصا للسير وابنه المقعد البالغ من العمر 23 عاما.

وقال شلبي انهما قتلا ودفنا خلف منزله. وزارت فقيه المنزل ورأت الثقوب التي خلفها إطلاق النار على سرير الابن وقالت وهي تعرض صورة للغرفة "أمكنني رؤية الدم المتناثر على الجدار."

وأظهرت لقطات فيديو نشرها المعارضون على الانترنت صورا للابن شلبي وزوجته مع المقاتلين أثناء الهجوم. وقالت هيومان رايتس ووتش إن نطاق هجمات على المدنيين ودرجة تنظيمها تشير إلى التعمد وتجعلها جرائم ضد الانسانية. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من مئة ألف شخص قتلوا في الصراع المستمر من عامين ونصف العام.

الى ذلك دعا المجلس العسكري الاعلى للجيش السوري الحر الى "وحدة الصف" و"نبذ التفرقة" بين المجموعات المقاتلة ضد النظام السوري، مؤكدا مرجعية الائتلاف المعارض ك "مظلة سياسية" للعمل الثوري.

وتأتي هذه الدعوة بعد اقل من اسبوعين على اعلان 13 مجموعة مقاتلة في سوريا بعضها مرتبط بهيئة الاركان، رفضها الائتلاف الوطني والحكومة الموقتة، وتشكيل اطار جديد ذات توجه اسلامي.

ودعا المجلس الى "وحدة الصف ونبذ كل أشكال التفرقة، على قاعدة الاحترام المتبادل ورفض كل أشكال شرذمة الصفوف من خلال الدخول في تقسيمات فئوية للجسمين العسكري والسياسي"، وذلك في بيان وزعه االمكتب الاعلامي للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

واكد المجلس "ضرورة احترام مؤسسات الثورة السورية، على رأسها الائتلاف الوطني الذي يشكل المظلة السياسية للعمل الثوري وقيادة الاركان ورئاسة الحكومة (الموقتة للمعارضة)"، وذلك اثر اجتماع للمجلس مع رئيس الائتلاف احمد الجربا ورئيس الاركان اللواء سليم ادريس وقادة الجبهات، بحسب ما جاء في البيان.

وجرى خلال الاجتماع "توضيح وجهات النظر المتبادلة وتبديد بعض الالتباسات، بعدما شرح رئيس الائتلاف حيثيات المرحلة والظروف التي أحاطت بعمل الائتلاف في اللحظة المفصلية من تاريخ ثورتنا".

وكانت مجموعات مقاتلة بارزة مثل جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، ولواء التوحيد واحرار الشام ولواء الاسلام، اعلنت في 27 ايلول/سبتمبر عدم اعترافها بأي "تشكيلات معارضة" في الخارج بما فيها الائتلاف والحكومة الموقتة، داعية الى التوحد ضمن "اطار اسلامي" يقوم على الشريعة.

وطرح القرار شكوكا حول القدرة التمثيلية للمكون الابرز في المعارضة السورية والذي يحظى بدعم الدول الغربية. كما رأى محللون ان القرار رد على ضغوط متزايدة على المعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 الذي يسعى المجتمع الدولي الى عقده في تشرين الثاني/نوفمبر، سعيا للتوصل الى حل للازمة السورية بمشاركة ممثلين للنظام والمعارضة.

وبعد اسابيع من الاحباط عندما حول المجتمع الدولي اهتمامه الى التفاوض على اتفاق للتخلص من الترسانة الكيماوية للاسد كان الائتلاف الوطني السوري يأمل في استخدام الاجتماع السنوي للجمعية العامة لحشد التأييد لقضيته.

وقال أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري في مؤتمر صحفي انهم توجهوا الى الامم المتحدة ليعلنوا شعور الشعب السوري بالإحباط من تقاعس المجتمع الدولي وتخليه عن التزاماته الاخلاقية والسياسية والقانونية نحو شعب "يتعرض للذبح كل يوم".

ورغم سلسلة اجتماعات ثنائية من بينها اول اجتماع للائتلاف مع الوسيط الدولي الاخضر الابراهيمي الا ان الانباء التي ترددت عن انفصال بعض فصائل المعارضة عن الجيش السوري الحر المدعوم من الغرب طغت على جهود الائتلاف.

وتعاني قوات المعارضة السورية من انقسامات متزايدة منذ اندلاع الانتفاضة ضد الاسد منذ أكثر من عامين ونصف العام والتي تحولت الى حرب أهلية. وتتصاعد حدة التوتر أيضا بين الجماعات الاسلامية التي تزداد قوة وتلك التي تؤيد رؤية علمانية لمرحلة ما بعد الاسد.

وقال وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل الذي أرسلت بلاده أسلحة الى جماعات معارضة أمام وفود من 100 دولة يطلق عليها "أصدقاء سوريا" ان الائتلاف السوري والجيش السوري الحر في أمس الحاجة الى شيء يزيد ايمانهم بالمجتمع الدولي وقناعتهم بان جميع الاطراف تقف معهم.

ورغم ان الامير سعود الفيصل دعا الأطراف الداعمة للجيش السوري الحر الى زيادة دعمهم العسكري له لتغيير ميزان القوة على الأرض إلا ان الانقسامات التي حدثت مؤخرا ستزيد على الأرجح من صعوبة إقدام الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة على ارسال اسلحة الى المعارضين خشية سقوط هذه الاسلحة في ايدي اسلاميين متطرفين.

وقال الامير سعود ان افضل وسيلة لمنع المتطرفين من التأثير على مستقبل سوريا هو زيادة دعم المعتدلين الى أعلى مستوى مضيفا ان التعبير عن القلق من سقوط الاسلحة في ايدي متطرفين أصبح "ذريعة" لعدم التحرك. بحسب فرانس برس.

وبسبب هذه الانقسامات اضطر قائد الجيش السوري الحر سليم ادريس الى قطع اجتماعاته مع مسؤولي الدفاع والمخابرات الفرنسيين في باريس ليتوجه الى سوريا للتحقق من أسباب رفض هذه الفصائل للائتلاف الوطني السوري والجيش السوري الحر.

وقال دبلوماسي غربي "عليهم ان يرو مدى ما لهذا الأمر من سوء". وأمضى مسؤولون من الائتلاف الوطني السوري في نيويورك.

وقال دبلوماسي غربي آخر "بالطبع هذا يؤدي الى زيادة المضاعفات. وأضاف "هذا لا يغير حقيقة انه يوجد جماعات معتدلة عملنا معها. على العكس يجب ان يزيد عزمنا على مساعدتهم."

وكرر زعماء الائتلاف مطالبهم بالاسراع في إرسال الاسلحة قائلين ان الولايات المتحدة وفرنسا وهما الداعمان الرئيسيان من الغرب لا تفعلان ما يكفي وركزا كثيرا على قضية الاسلحة الكيماوية.

وأظهر بيان مصور بالفيديو نشر على الانترنت أن اكثر من 30 فصيلا من المعارضة السورية انفصلوا عن الائتلاف الوطني السوري الذي يدعمه الغرب وجناحه العسكري. ورغم انهم يشكلون نسبة صغيرة من قوة المعارضة إلا ان هذا الإعلان من جانب عشرات الوحدات من مختلف مناطق البلاد يزيد من تقويض الجهود الدولية لبناء قوة عسكرية مؤيدة للغرب لتحل محل الرئيس بشار الأسد.

وأرجع البيان الذي قرأه الضابط بالمعارضة عمار الواوي الانفصال إلى ما وصفه بالفشل الكارثي للائتلاف الوطني السوري وجناحه العسكري المجلس الأعلى العسكري. وقال إن سحب تلك المجموعات تأييدها للائتلاف عجل به تهميش القيادة المقيمة بالخارج للقوى الثورية العاملة على الأرض وانحراف تلك القيادة عن طريق الثورة.

في سياق متصل تتواصل في مدينة حلب في شمال سوريا المعارك من دون توقف بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة من دون احداث تغيير جذري على الارض، ما ينعكس احيانا احباطا في اوساط المقاتلين.

وروى ابو احمد الذي تنشط وحدته في حيي صلاح الدين وسيف الدولة في المدينة الواقعة شمال سوريا "نسيطر على مبنى ثم نخسره بعد يومين او ثلاثة، ثم نستعيده بعد اسبوع". وتابع المقاتل البالغ 42 عاما في حديث "ليس هناك تقدم. اننا لا نربح الحرب". واضاف "خذ هذا الشارع على سبيل المثال. سيطرنا عليه في ساعة واحدة قبل عام، ومذاك لم نتقدم مترا واحدا".

ومنذ سيطر معارضون مسلحون انذاك على عدد من احياء المدينة، تسعى القوات الحكومية الى طردهم منها لاستعادة السيطرة على المدينة التي كانت قبل الحرب تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد. معنويات المقاتلين متدنية، احدهم اصيب بجروح خطرة في الصدر برصاص قناص.

سند احد مقاتلي ابو احمد بندقيته الى الحائط وخلع سترة القتال. "هذه الحرب تستنفدنا"، قال متاففا. وتابع "طعامنا سيئ وغير كاف. لا يسعنا الاستحمام الا مرتين في الاسبوع عند توافر الماء".

لكن ما ينقص المعارضين ليس فعلا حدا ادنى من لوازم الراحة بقدر ما هي الوسائل المناسبة لخوض هذه الحرب، بحسب ابو احمد. وتنتقد المعارضة الغرب لعدم تزويدها بالاسلحة التي تجيز لها مواجهة القوة النارية لقوات النظام.

فتح القائد كيسا وافرغ محتواه ارضا، فبدأ مقاتلان بلملمة الرصاصات وتلقيم امشاط وضعوها في جعب سترتيهما. وقال ابو احمد "لا يمكننا هدر الذخيرة (...) ان هاجمنا الجيش الان بقوة فلن نملك الا ما يجيز لنا صدهم من دون خسارة عدد كبير من الرجال".

كل ليلة يكرر المعارضون التحركات نفسها، حيث يتنقلون عبر فجوات كبرى في الجدران ناجمة عن القصف. فجاة يطلق قناص الرصاص باتجاههم. لم يصب احد لكن المعارضين ركضوا الى مبنى مهجور وصعدوا الى الدور الرابع.

هناك قبعوا وسط ظلام حالك وانتظروا فيما اعدوا بندقياتهم الكلاشنيكوف لتكون جاهزة لدى بروز صوت او ومضة او خيال في الطريق. ورصدوا مجموعة صغيرة تحاول التنقل بسرعة في الشارع، ففتحوا النار وافرغوا امشاطهم. وقال احدهم بمرارة "كل ليلة الامر سيان". وتابع "ويكرر القادة نصحنا بالانتظار لان (قوات النظام) تعد خطة لمهاجمة صلاح الدين. لكن كل ما نفعل هو اطلاق النار من خلال فجوات في الجدران".

"لا يمكننا البقاء على هذا المنوال خمس سنوات او عشرا (...) وننتظر من الله ان يجعلنا نفوز بالحرب". وعلى الرغم من الاستياء لا يرى الرجال حلا اخر سوى مواصلة القتال.

وتسعى القوى الكبرى منذ اشهر الى تنظيم مؤتمر دولي لبحث حل سياسي لهذه الحرب التي اسفرت عن مقتل اكثر من 115 الف شخص بحسب منظمة غير حكومية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تشرين الاول/2013 - 16/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م