سابقتان سعوديتان

عريب الرنتاوي

 

اعتذرت المملكة العربية السعودية عن "عدم قبول" عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة والمجلس على حد سواء... وقبل ذلك ببضعة أسابيع، كانت المملكة تسجل سابقة أخرى في تاريخ المنتظم الدولي، عندما امتنع وزير خارجيتها عن إلقاء كلمته المقررة أمام الجمعية العامة، ولم يطلب من مندوب بلاده الدائم إلقاءها بالنيابة عنه، كما لم يجر توزيع نصها على الوفود المشاركة.

ثلاثة أسباب أوردتها المصادر السعودية لتفسير هاتين السابقتين: فشل مجلس الأمن في معالجة القضية الفلسطينية، فشله في تحويل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وفشله في "وقف المذبحة" التي يتعرض لها الشعب السوري منذ عامين أو أزيد قليلاً.

في تحليل الأسباب الثلاثة الموجبة لتسجيل هاتين "السابقتين"، نستبعد العامل الفلسطيني، فمجلس الأمن عاجز منذ قيام المنتظم الدولي قبل سبعة عقود، عن توفير العادل والدائم للقضية الفلسطينية، خلال هذه الفترة وقعت "النكبة" و"النكسة"، وتهجّر ملايين الفلسطينيين، وانمحت قرى وبلدات عن الخرائط، وشنت إسرائيل سلسلة متصلة من الحروب والعدوانات المباشرة على الفلسطينيين في ثمانية دول عربية، ناهيك عن أعمال الاغتيال والترويع والاعتقال والتشريد... كل هذا لم يكن سبباً كافياً للتراجع عن عضوية هيئة من الهيئات الدولية، ولم يكن حجة للامتناع عن إلقاء خطاب أو قراءة موقف من على منصة دولية، برغم تراكم القرارات والبيانات الرئاسية الصادرة عن المجلس والجمعية العامة والأمين العام ومختلف المنظمات ذات الصلة.

أما حكاية "شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي"، فنحن نعرف أيضاً أن هذا "الشرق الأوسط" مدجج نووياً منذ ستينيات القرن الفائت، وحصرياً في إسرائيل، من دون أن يتسبب ذلك في "حرد" أحد أو استنكافه... فلماذا لا يقال مباشرة وصراحة، أن التقدم المطّرد في علاقات طهران بعواصم الغرب الكبرى، وتحديداً واشنطن، هو ما أزعج المملكة، ودفعها لاتخاذ خطوات كتلك التي اتخذتها، والتي لن تقدم ولن تؤخر في نهاية المطاف، لا على الغرب ولا على إيران ولا على مشروع التقارب المتسارع بين الجانبين... إن عبار "شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي" باتت في القاموس تستهدف البرنامج النووي الإيراني تحديداً، حتى لا أقل حصراً، في حين يجري التعامل مع البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي بوصفه واحدة من حقائق الشرق الأوسط، التي جرى التكيف معها والتسليم بها، بل والخضوع لجبروتها وتهديدها منذ زمن طويل.

لكن المدقق في السياسة السعودية وما سجلته من مواقف غير مألوف وغير مسبوقة، يرى أن السبب الرئيس يكمن في سوريا تحديداً، وربما أكثر من إيران... فالمملكة ومهما بلغ "التفاؤل" بحساباتها وقدرتها على التأثير، لم تكن تتوقع حرباً أمريكية على إيران كرمى لعيون دول الخليج، أو بعضها على الأقل... لكنها كانت تنتظر قراراً دولياً، من داخل مجلس الأمن أو خارجه، بتوجيه ضربة عسكرية لسورية، تطيح بنظام الأسد، وتحسم الأمر مع حكمه المتوارث منذ أزيد من أربعين عاماً... هنا مربط الفرس، وهذا ما قالته المصادر الفرنسية والتركية صراحة فيما اكتفت المملكة بقوله مداورة... وأكاد أجزم، بأن المملكة ما كانت لتغادر مجلس الأمن أو تمتنع عن عضويته، لو أن قرار التدخل العسكري في سوريا اتخذ من داخله أو حتى من خارجه.

والحقيقة أن "صفقة الكيماوي" وما فتحته من آفاق لمؤتمر "جنيف 2"، والتحسن في العلاقات الغربية – الإيرانية، وصمود الوفاق الأمريكي – الروسي، كلها عوامل جاءت بعكس ما اشتهته "سفن السياسة الخارجية السعودية"، ما ولّد حالة من الإحباط كشفت عنها كلمات البيان السعودي واوضحتها التعليقات الفرنسية والتركية على هذا البيان.

ثم أن إحباط المملكة من المنتظم الدولي، وامتناعها عن إلقاء كلمتها من على منصته، لم يمنعها من التفكير والتدبير لمشروع قرار جديد ستعرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة، يدين تدخل حزب الله في سوريا، وهي ساعية اليوم في تسويغ القرار وتسويقه، علماً بأن أزيد من عشرة آلاف "جهادي" من شتى بقاع الأرض، دع عنك "مجاهدات النكاح"، قد دخلوا سوريا بتمويل وتسهيل وتسليح من "المحور إياه"، هؤلاء لا يثيرون غضب المملكة، وهم لا يقترفون المجازر ولا يذبّحون الناس، بل يلقون الورود على المارّة ويوزعون المساعدات الإغاثية على المحتاجين من دون تمييز بين لون وعرق وجنس وطائفة، وحدهم مقاتلو حزب الله وجيش النظام، هم من يقتلون ويذبحون ويقارفون المجازر؟!.

من حق المملكة أن تعبر عن غضبها وإحباطها، فالتطورات الأخيرة في ملفات المنطقة، تتسبب في غضب كثيرين في أنقرة والرياض والدوحة وباريس... ومن حقها أن تنسحب من مجلس الأمن قبل أن تدخله، بل وأن تنسحب من أي محفل دولي إن شاءت، لكن من حق المراقب أن يتساءل: هل كانت المملكة على قناعة حقاً بأنها قادرة على توظيف الأمم المتحدة لخدمة أهداف سياساتها الخارجية، وهل فعلاً أغرتها هيمنتها على الجامعة العربية بحيث باتت تعقد أن بمقدورها إعادة انتاج وتعميم (وتدويل) التجربة على الأمم المتحدة؟ ألا يستدعي سقوط هذا الرهان البائس، محاسبة من أطلقه وروّج له وبنى عليه منظومة من السياسات والخطوات والإجراءات طوال عامين أو أكثر قليلاً؟ هل سنرى وقفة مراجعة ومحاسبة قريبة؟

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/areebalrantawi.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تشرين الاول/2013 - 16/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م