الاماكن ودلالات التسمية

 

شبكة النبأ: ماهي الاسباب التي تتدخل في اختيار تسميات دون غيرها للاماكن والمواقع التي نعرفها الان؟

هناك اسباب عديدة، يتداخل فيها السياسي والديني والعاطفي والتاريخي وغيرها، مثلما تتداخل نفس الاسباب في اختيارنا لاسماء ابنائنا وبناتنا عند ولادتهم..

لاتستقر الاسماء على حالها في احيان كثيرة، فهي تتغير تبعا للظروف وخاصة السياسية منها، مثلما تتغير اسماؤنا تبعا لظروف اجتماعية ناشئة..

الاسماء الشخصية الغريبة عادة ماتكون محل سخرية واستهزاء من قبل الاخرين، الذين يعتقدون ان اسماءهم هي الافضل والاجمل، وكثيرا ماتشهد اروقات المحاكم رفع دعاوى من قبل الكثيرين لتغيير اسمائهم التي لاتعجبهم بعد تقدمهم في السن، وخروجهم من سيطرة الاب الذي اختار لهم تلك الاسماء..

اسماء المدن والاماكن ايضا يلحقها تغيير في فترات زمنية معينة، الا ان الفارق بينها وبين الاسماء الشخصية ان الاولى تخضع للتوثيق التاريخي وتتناقلها الاجيال فيما بينها، والثانية تندثر ويطويها النسيان بعد رحيل اصحابها، الا مايتبقى منها في الذاكرة للاشخاص المقربين من اصحاب تلك الاسماء، حتى يحين رحيل اصحاب تلك الذاكرة ايضا..

اولى الباحثون الاهتمام لتسميات الاماكن التي تطلق عليها، واصبح ذلك علما يختص بها، عرف باسم (الطبونيميا) وهو فرع أساسي من اللسانيات أو هو تفرع من فرع منها، هو علم أصول الكلمات وأشكالها. والمصطلح «طبونيميا» معرب عن اليونانية ومنحوت من كلمتين: توبوس ومعناها المكان، و أونيما ومعناها الاسم أو اللقب. تهتم الطبونيميا بدراسة أسماء الأماكن، وتشتمل في مفهومها العام على دراسة التسميات الجغرافية والفلكية كافة، معناها ومبناها وأصلها وانتشارها في مختلف المناطق، كأسماء الأماكن المأهولة والدول والبلدان، والمعالم الجغرافية الطبيعية كالجبال والأنهار والصحارى، والمنشآت التي يقيمها البشر كالطرق والمباني والساحات وغيرها، إضافة إلى أسماء الكواكب والنجوم والمذنبات وغيرها. أما المفهوم الضيق للمصطلح فيقتصر على أسماء المدن والقرى وغيرها من الأماكن المأهولة.

يمكن أن تصنف التسميات الجغرافية، اعتماداً على معانيها والدوافع التي اختيرت على أساسها في أصناف عدة. فالمعروف أن الأسماء نوعان: أسماء عامة مثل «جبل» و«نهر» وأسماء خاصة مثل «بردى» أو «قاسيون» والفارق بين النوعين واضح. وانطلاقاً من هذا التقسيم يتبين وجود نوعين رئيسين من الأسماء الخاصة هما: أسماء وصفية وأسماء تذكارية أو تكريمية، فالأسماء الوصفية تشير إلى طبيعة المَعْلَم ومواصفاته، كالجبال الصخرية، أو بحر الشمال، أو نهر الأعوج أو نهر العاصي أو طرابلس (تريبوليس ومعناها المدن الثلاث) والقليعة والقسطل وجباب وقنوات وغيرها. وقد تأتي التسمية من هذا النوع عشوائية أو مضللة أو من قبيل المصادفة، كما هي الحال، لما سمي المحيط الهادئ أول مرة، فالمحيط المذكور ليس بهذه الصفة، وثمة جزء صغير منه فقط ينعم بالهدوء فعلاً. ومثل ذلك البحر المتوسط، فقد سمي بهذا الاسم لتوسطه العالم القديم، وخرج عن كونه كذلك بعد عصر الاكتشافات.

أما الأسماء التذكارية والتكريمية فكثيرة جداً، وتطلق على المعالم تكريماً لأصحاب تلك الأسماء؛ والمثال عليها القسطنطينية أوقسطنطينوبوليس، نسبة إلى الامبراطور الروماني قسطنطين الذي اتخذها عاصمة بدلاً من روما، وكان اسمها من قبل بيزنطة، ثم سميت اصطنبول وهو اسم مركب منحوت من اليونانية، وسمّاها العثمانيون الأستانة من الأصل نفسه، ومثل ذلك أفاميا التي بناها سلوقس الأول نيكاتور، وسمّاها باسم زوجته الفارسية «أباميا»، وكذلك أنطاكية واللاذقية والقاهرة (سمّاها جوهر الصقلي القاهرة المعزية نسبة إلى المعز لدين الله معد بن إسماعيل الفاطمي) وغير ذلك. ومن الأسماء ما يطلق تفاؤلاً بالمكان، كرأس الرجاء الصالح الذي أطلقه البحارة العرب على أقصى نقطة في جنوب إفريقيا، أو بحر بنطس الذي أطلقه اليونان القدماء على البحر الأسود بمعنى البحر المضياف. وثمة أسماء قد لا يكون لها معنى على الإطلاق، وخاصة للناس العاديين. و الطريف في هذا المجال أسماء الأعاصير البحرية المدمرة التي مصدرها المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وقد جرى علماء الأرصاد على إطلاق أسماء أعلام أنثوية محببة عليها مع قسوتها وشدة تدميرها، كإعصار بيتسي وإعصار نانسي وجين وآن وغيرها.

في العراق، واذا اخذنا بعض التسميات لمحلات العاصمة بغداد، نجد ان كل منطقه في بغداد لها اسمها وكل اسم له تأريخه.. وقد يكون الاسم حديثا وقد يكون واغلا في القدم.. فقد يسمى باسم شخص او ظرف معين.

نذكر هنا اصل التسميات لبعض مناطق بغداد:

محله الباروديه: نسبة الى البارود خانه وهي بنايه كانت تستعمل لخزن البارود.

الفضل: نسبة الى جامع انشأ بالقرب من قبر الفضل ابن سهل بن بشر الشافعي الواعظ البغدادي المتوفي سنه 548 ه.

الميدان: نسبة الى الميدان الذي ظهر في القرن التاسع الهجري وهو بمثابه ساحه عرضات مخصصه للاغراض العسكريه.

الكولات: تنسب الى الكولات وهي جمع كوله وتعني مملوكه فهي المحلة التي نزلها جنود المماليك في بغداد في عهد توليهم الحكم<1750_1831م>.

تحت التكيه: نسبة الى تكيه قديمة كانت تقع في اخر محلة قمبر علي وهي تقع ادنى من التكيه.

باب الاغا: تنسب الى اغا الانكشاريه في العصر العثماني والباب معناه الدائره الرسميه او المقر الرسمي للاغا.

سوق الغزل: ينسب الى السوق الشهير بتجارة الغزول في العصر العثماني وكان في العصر العباسي جزءا من حرم دار الخلافه العباسية وبني فيه جامع القصر الذي سمي بجامع الخلفاء.

الدهانة: عرفت في العصر العثماني بالدهانة نسبة الى باعة الدهن الذين تكثر محلاتهم هناك.

المربعه: نسبه لوقوعها على تقاطع شارعين.

الصدرية: عرفت بهذا الاسم بالقرن الثامن للهجره 14م نسبه للشيخ صدر الدين ابراهيم الحموي الشافعي الزاهد المتوفي سنه 722ه والمدفون فيها.

السنك: عرفت بهذا الاسم بالعصر العثماني وهي كلمه تركية ومعناها الذباب اشاره الى كثره الذباب فيها.

باب الشيخ: نسبه الى باب الشيخ عبد القادر الكيلاني المدفون فيها سنه 561ه.

النصه: سميت بذلك لانخفاض اراضيها عن سائر محلات الاعظمية ولذا فانها كانت معرضة للغرق بماء النزيز على الدوام.

السفينه: سميت بذلك في نهاية القرن التاسع عشر نسبه الى سفينة كانت ترسو هناك كل ثلاثة اشهر وكان الاعظميون القدامى يتاجرون معها.

راس الحواش: انشأ سنه 1931م وهي تمثل اخر عمران الاعظميه وبعدها بساتين تمتد حتى باب المعظم.

الكريعات: نسبه الى عشيره الكريعات العربية التي نزلت فيها ابان العصر العثماني.

هيبه خاتون: نسبه الى سيده صالحه كانت تسكن الاعظميه في اواخر العصر العثماني ودفنت فيها سنه 1919م

راغبه خاتون: نسبه الى احدى سيدات بغداد في اواخر العصر العثماني وهي من املاكها.

الصليخ: تصغير (صلخ)وهي نصف البئر المكروبة التي تبنى على حافه دجله وتسقى فيها البساتين والمزارع وكانت تسمى في العصر العباسي باسم الشماسيه وهم خدم الكنائس والاديره سابقا هناك.

نجيب باشا:سميت باسم محمد نجيب باشا الذي تملك ارضها في اثناء ولايته على بغداد سنه 1842_8949م واليه نسبت المحله فيما بعد.

الكسره:سميت بهذا الاسم نسبه الى الكسره التي حدثت في سدتها من جهة النهر بسبب فيضان نهر دجله سنه 1925م.

ولو اخذنا تسمية الاندلس نجد ان العديد من المؤرخين المسلمين يذكرون أن أصل تسمية الأندلس تنسب إلى قوم سكنوا تلك البقعة من شبه الجزيرة الإيبيرية، وهم "الأندلوش"، وذكر البعض عنهم أنهم "الأندليش"، وعند ابن خلدون "قندلس" أو "فندلس".. وكل تلك الأسماء إنما هي إشارات من بعيد إلى تلك القبائل الجرمانية (الأوروبية المتبربرة) التي سكنت جنوب شبه جزيرة إبيريا في فترة من الفترات، وهم قبائل الوندال فعرفت تلك المنطقة باسمهم " فانداليتا " أو " فاندالوسيا " أي بلاد الوندال.

وفيما يتعلق بمصر، فيذهب الدكتور/ عبد الحليم نورالدين، أن تسمية مصر قد تكون ذات أصل مصري قديم.. ويذكر في كتابه (آثار وحضارة مصر القديمة ج1) أنه و منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وردت مسميات مصر على النحو التالي:

اللغة الأكدية = مصرى، اللغة الآشورية = مشر، اللغة البابلية = مصر، اللغة الفينيقية = مصور، اللغة العربية القديمة = مصرو، العبرية = مصراييم.

أي أن مصر قد عرفت منذ فترة مبكرة بتسميات قريبة من كلمة مصر الحالية، أما عن الأصل المصري لتلك الكلمة – والمرجح أنه انتقل لهذه اللغات- فهو كلمة " مجر" أو " مشِر "، والتي تعني المكنون أو المُحصّن... وهي كلمة تدل علي كون مصر محمية بفضل طبيعتها، ففي الشمال بحر، وفي الشرق صحراء ثم بحر، وفي الجنوب جنادل (صخور كبيرة) تعوق الإبحار في النيل، أما الغرب فتوجد صحراء أخرى.. وحتى اليوم تعرف مصر لدى المصريين بأنها " المحروسة".

** أما عن أصل كلمة مصر من وجهة النظر العربية: فكلمة " مصر" والتي جمعها " أمصار" تعنى المدينة الكبيرة، تقام فيها الدور والأسواق و المدارس وغيرها من المرافق العامة ( راجع المعجم الوجيز مادة م ص ر)، فهكذا كان إطلاق هذا الإسم على مصر على أساس كونها من أقدم المدنيات الباقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/تشرين الاول/2013 - 9/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م