أجمعت الشيعة على إمامة الإمام الجواد (ع)

بالرغم من صغر سنه

خضير العواد

 

لقد امتازت أمامة الإمام الجواد عليه السلام بالكثير من العجائب التي لم يتعود عليها المجتمع المسلم بشكل عام والشيعي بشكل خاص، فقد رحل الإمام الرضا عليه السلام وعمر ابنه الجواد عليه السلام تسع سنوات في أكثر الروايات التي أظهرت كبر سنه أما بقيت الروايات فكانت ما بين السابعة والثامنة، فهذا العمر الصغير لم تتعود عليه الأمة لمن يتصدى لأعباء الإمامة بل يعتبر من اللامعقولات أن يتصدى الإمام لأعباء الإمامة وهو في هذا السن الصغير، لأن الأمر يتطلب العلوم الكثير والتجربة الواسعة والإلمام بكل ما يدور حوله من مصاعب الحياة ومشاكلها.

 ولكن بالرغم من هذا السن الصغير للإمام الجواد عليه السلام فقد أجمعت الأمة على إمامته ولم تتفرق كما هو الحال في زمن جده الباقر (ع) عندما ذهب بعض الشيعة الى إمامة أخيه زيد وكذلك الإمام الصادق عليه السلام وكذلك زمن جده الكاظم عندما ذهب بعض الشيعة الى إمامة أخيه إسماعيل وكذلك زمن أبيه الرضا عليه السلام بالرغم من كبر سنه عندما أستلم أعباء الإمام بعد وفاة ابيه الإمام موسى الكاظم عليه السلام فقد ظهرت فرقة الواقفة الذين وقفوا على إمامة الإمام الكاظم عليه السلام، فقد أسهمت الكثير من العوامل في دعم وإظهار إمامة الإمام الجواد عليه السلام وإجماع الشيعة حولها.

 من هذه العوامل المهمة والمعروفة ما بين الموالين لأهل البيت عليهم السلام هي تعريف الإمام الرضا عليه السلام بإمامة ابنه الجواد عليه السلام والتأكيد عليها ما بين الموالين بالرغم من صغر السن وإظهار الأدلة الدامغة التي تؤيد هذه الإمامة، فقد روية عن صفوان بن يحيى أنه قال: قلت للرضا نسألك قبل أن يهب الله لك ابا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهب الله لك واقر عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من ؟ فأشار بيده الى أبي جعفر عليه السلام وهو قائم بين يديه فقلت له: جعلت فداك وهو ابن ثلاث سنين ؟ قال وما يضر من ذلك قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين، وعن محمد بن ابي عابد وهو كاتب الإمام الرضا (ع) كان الإمام (ع) يذكر أبنه محمد بكنيته وإذا وصلته رسالة من الإمام الجواد (ع) قال عليه السلام (كتب اليّ أبو جعفر.....) وإذا كتبت رسالة لأبي جعفر بأمر الإمام الرضا (ع) فأنه كان يخاطبه باكبار واحترام والرسائل التي تأتي من الإمام الجواد كانت في غاية البلاغة والجمال، ويقول محمد بن أبي عابد سمعت الإمام الرضا (ع) يقول (أبو جعفر وصيّي من بعدي وخليفتي من أهل بيتي)، وغيرها من الروايات والأخبار التي تثبت قيام الإمام الرضا (ع) بإزالة اللبس والإشتباه في موضوع إمامة الجواد (ع) بالأدلة والبراهين القرآنية والعقلية ومهد بكافة الطرق والأساليب فكان يأمر أصحابه بالسلام عليه بالإمامة والإذعان له بالطاعة كما في قوله لسنان أبن نافع (يا بن نافع سلم واذعن له بالطاعة فروحه روحي وروحي روح رسول الله (ص).

 ومن العوامل المهمة الأخرى علم ومعجزات الإمام الجواد عليه السلام، إن الشيء الملفت للنظر هو كثرة الأسئلة التي وجهت الى الإمام (ع) في فترة حياته القصيرة وكان الإمام (ع) يجيب على مئات من الأسئلة في يوم واحد وكانت هذه الأسئلة تنطلق من حب معرفة الإمام وإمتحانه، وحاول المخالفون أن يسخروا من الإمام الجواد (ع) لأنه صغير السن (صبي) فجالسه كبار علمائهم وناظروه على مختلف الأصعدة فرأوه بحراً زاخراً لا ينفد من العلوم وينبوعاً لا ينضب من العطاء، فقد حاوره كبار العلماء والقضاة والفقهاء منهم القاضي يحيى بن أكثم والقاضي أبن أبي داود وغيرهم كثير وقد غلبهم جميعا بالحجة والدليل العظيم الذي لا لبس فيه وقد أشاد المخالف قبل الموالف بهذه الأدلة والحجج الدامغة بل أخذ بها ألد أعدائه وخصومه لقوة وواضحات دليله كما هو الحال في قضية قطع يد السارق عندما أخذ المعتصم برأي الإمام الجواد عليه السلام.

 ومن معجزاته سلام الله عليه هو حضوره من المدينة الى خراسان بطرفة عين ليحضر غسل وتكفين ودفن والده الإمام الرضا عليه السلام، يقول ابو الصلت الهروي وكان خادم الإمام الرضا عليه السلام: عندما تناول الإمام الرضا (ع) السم دخلت معه الى البيت وأمرني أن أغلق الباب فغلقته وعدت الى وسط الدار فرأيت غلاماً عليه وفرة ظننته أبن الرضا (ع) ولم أك قد رأيته من قبل ذلك، فجلس مع الرضا (ع) مدة تناجيا فيها ثم ضمه الى صدره بعدها تمدد الإمام الرضا(ع) على السرير وغطاء ابنه محمد بالرداء وقال (يا أبا الصلت عظم الله أجرك في الرضا فقد مضى) فبكيت قال (لا تبك هات الماء لنقوم في تغسيله) ثم أمرني بالخروج فقام بتغسيله وحده وكفنه وحنطه الى أن قام الإمام بجميع مراسيم الوفاة ثم عاد في نفس تلك الليلة الى المدينة.

 ومن معجزاته عليه السلام عن يحيى بن أكثم قال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله (ص) فرأيت محمد الجواد (ع) يطوف به فناظرته في مسائل عندي، فاخرجها الي فقلت له: والله إني أريد أن أسألك مسألة وإني لأستحي من ذلك، فقال عليه السلام لي (أنا أخبرك قبل أن تسألني عن الإمام ؟) فقلت هو والله هذا، فقال عليه السلام (أنا هو)، فقلت ما هي العلامة ؟ فكان في يده عليه السلام عصا فنطقت وقالت إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة.

ومن العوامل المهمة والخطيرة التي دعمت إمامة الإمام الجواد عليه السلام وجود الأصحاب العلماء المؤمنين المخلصين الذين يعرفون مصاديق الإمامة وخصائصها، لأن التجربة جديدة وفريدة على الموالين لأهل البيت عليهم السلام فقد اجتمع كبار الشيعة منهم الريان بن الصلت ويونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى وآخرون وخاضوا في الكلام حول المأزق الذي يمرون به حتى بكى بعضهم لشدة الحيرة، فقال يونس دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي، فقال الريان بن الصلت إن كان أمر من الله جل وعلا فأبن يومين مثل أبن مائة سنة وإن لم يكن من عند الله فلو عمر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي به السادة أو بعضه وهذا مما ينبغي أن ينظر فيه، فقد سافر الى مكة بعد إستشهاد الإمام الرضا عليه السلام لأداء مراسيم الحج ثمانون شخصاً من علماء وفقهاء بغداد والمدن الأخرى، وفي أثناء الطريق عرجوا على المدينة للقاء الإمام الجواد عليه السلام ايضاً، فنزلوا في بيت الإمام الصادق عليه السلام حيث كان خالياً آنذاك وكان الإمام عليه السلام طفلاً فدخل الى مجلسهم وعرّفه للحاضرين شخص يسمى (موفق) فنهضوا جميعاً احتراما له وسلموا عليه وعندئذ طرحوا اسئلتهم وكان الإمام يجيب عليها بشكل كامل ففرح الجميع (حيث شاهدوا فيه سيماء الإمامة واطمأنوا بإمامته أكثر) وأثنوا عليه ودعوا له.

فبالإضافة للأصحاب المؤمنين المخلصين كان كبير بني هاشم والعلويين علي بن جعفر بن محمد الباقر وهو عم الإمام الرضا عليه السلام وهو من كبار العلماء يؤيد إمامة الإمام الجواد عليه السلام ويظهر مكانته الجليلة ما بين العامة بالرغم من صغر عمر الإمام عليه السلام، يقول محمد بن الحسن بن عمار: كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه (ابا الحسن عليه السلام) إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام المسجد فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه، فقال له أبو جعفر عليه السلام يا عم أجلس رحمك الله فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم، فلما رجع علي بن جعفر الى مجلسه جعل اصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ فقال أسكتوا إذا كان الله عز وجل (وقبض على لحيته) لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أنكر فضله ؟؟ نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا عبد له.

فهؤلاء الأصحاب العلماء وهذا العم الجليل كان وجودهم من العوامل المهمة التي وحدة الشيعة على إمامة الإمام الجواد عليه بالرغم من صغر سنه، لأنهم هم الذين يعيشون مع العامة من الناس والذين يختلطون بهم في مختلف المدن والأمصار ويعتبرون نقطة الوصل ما بين العامة والإمام عليه السلام، وهذا القاعدة الرصينة والقوية من الصحابة كانت نتاج وزرع الإمام الرضا عليه السلام الذين أهلهم وأوصلهم الى هذا المستوى من الإيمان والعلم بالرغم من خطر الواقفة وبقية الفرق المنحرفة وضلال وبطش بني العباس في ذلك الزمان.

بالإضافة الى هذه العوامل المهمة التي دعمت إمامة الجواد عليه السلام يوجد عامل مهم آخر، لم يولد للإمام الرضا عليه السلام أي ولد إلا الإمام الجواد عليه السلام مما جعل الشيعة الموالين يتجهون جميعهم الى هذا المولى العظيم الذي ملئ الدنيا بعلمه ومعجزاته بالرغم من صغر سنه فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/khadairalawad.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/تشرين الاول/2013 - 6/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م