السياحة في مصر... محاولات الانعاش في خضم عنف متفاقم

 

شبكة النبأ: تحركات وجهود مكثفة تقوم بها الحكومة المصرية لأجل إنعاش قطاع السياحة الذي يعتبر من أهم مصادر الدخل القومي للبلاد، والذي تضرر بشكل خطير في الفترة السابقة جراء الأحداث والاضطرابات السياسية والأمنية التي اثرت سلبا على اقتصاد مصر واسهمت بازدياد معاناة الشعب المصري الذي عانى الكثير بسبب فشل الرئيس المخلوع محمد مرسي في إدارة الحكومة وانقاذ البلاد كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان الحكومة المصرية الحالية وعلى الرغم من المشاكل والتحديات التي تثيرها جماعة الإخوان المحظورة بشكل مستمر، قد أطلقت العديد من البرامج والخطط و المبادرات المهمة لإنقاذ الاقتصاد الوطني وانعاش السياحة في مصر التي تعتبر من أبرز الدول السياحية في العالم، فبعد أن كانت تستقبل ملايين السياح كل عام تعرضت المنتجعات السياحية في البلاد لضربة موجعة حين نصحت حكومات أوروبية مواطنيها بعدم السفر إلى مصر لقضاء العطلات بسبب أعمال العنف التي اندلعت بعد أن عزل الجيش الرئيس الإسلامي محمد مرسي.

ودفع التحذير بعض شركات السياحة الأجنبية إلى وقف جميع رحلاتها إلى مصر مما وأد انتعاشا مؤقتا لقطاع كان يساهم بنحو 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك في عام 2011. وهوى دخل مصر من السياحة إلى 1.67 مليار دولار في الربع الثاني من العام بانخفاض 663 مليون دولار عن نفس الفترة من العام الماضي حسب بيانات البنك المركزي الصادرة.

ورغم أن المقاصد السياحية على البحر الأحمر ظلت بمنأى عن أعمال العنف والاحتجاجات التي تشهدها القاهرة بصفة أساسية ومدن أخرى فإن تحذير الدول الغربية من السفر لمصر أدى إلى تهاوي أعداد السياح وحرمها من شريان الحياة. وتظهر بيانات شركة إس.تي.آر جلوبال لأبحاث الفنادق أن معدل الإشغال في منتجعات البحر الأحمر تأثر بشدة نتيجة حظر السفر وهبط إلى أدنى مستوى في أربع سنوات. ولم يشغل الزائرون سوى 48.8 بالمئة من غرف الفنادق في اغسطس آب مقارنة مع 65.2 بالمئة في نفس الشهر من العام الماضي ومع 74.8 بالمئة في اغسطس آب 2010 وفقا لشركة إس.تي.آر. في الغردقة التي تضم 166 فندقا هوت نسبة الإشغال إلى نحو 20 بالمئة بسبب غياب السائح الأجنبي.

ووفقا لكريم محسن العضو المنتدب لشركة سيلفيا تورز السياحية فقد أغلقت 50 بالمئة من فنادق الغردقة أبوابها لعدم وجود سياح أجانب. وقال أحمد عبدالله محافظ البحر الأحمر لدينا أكثر من 50 ألف غرفة فندقية بالغردقة ونسب الإشغال الحالية نحو 11 ألف غرفة فقط. هدفي الآن هو إشغال باقي الغرف بالكامل. لكن حال الفنادق هناك يظل أفضل منه في القاهرة وفي الأقصر وأسوان بجنوب مصر. وفي الأقصر وجد أن هناك ستة نزلاء اخرين فقط غيره في فندق ونتر بالاس الفخم المؤلف من 200 غرفة. وعند المدخل وقفت ناقلة جنود مدرعة تحرس الفندق الذي يعود عمره إلى 100 عام.

وكان معبد الكرنك الهائل الذي يعج عادة بالسياح شبه خاو. وقال المرشد السياحي في معبد رمسيس الثاني إنه لم تصل إي حافلة سياح منذ ثلاثة أشهر ولم يستقبل المكان سوى مجموعات متفرقة من خمسة أو عشرة زوار. ويقول ناصر حمدي رئيس الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة إن نسب إشغال الفنادق في الغردقة وشرم الشيخ تبلغ الآن نحو 20 بالمئة مقارنة مع ما بين خمسة وستة بالمئة في القاهرة وبين واحد واثنين بالمئة في الأقصر وأسوان.

وينتقد محسن من سيلفيا تورز تحذير الدول الغربية لرعاياها من السفر لمصر قائلا لا يوجد سبب لفرض دول العالم حظر سفر على مصر. الحظر يعاقب الشعب المصري كله. ولا تقف المعاناة عند الفنادق وانما تمتد إلى قطاعات أخرى تعيش على السياحة مثل البازارات. ويقول جمال حسين الذي يعمل في بازار سياحي بالتأكيد تأثرنا بشدة. بندفع إيجارات وورانا مسؤوليات.

هناك أيام لا نبيع فيها بجنيه واحد. لما باكسب كويس بصرف كتير لكن الآن أشتري الضروري فقط لأن الدخل انخفض بنسبة 50 بالمئة عما كان عليه في 2010. وتكشف جولة سريعة في بعض فنادق الغردقة أن معظم السياح من بريطانيا التي استثنت منتجعات البحر الأحمر من تحذيرها لرعاياها من السفر لمصر.

وبيد أن مصر لم تقف مكتوفة الأيدي أمام أزمة السياحة التي تلقي بظلال قاتمة على اقتصاد واهن بالفعل يسعى للتعافي.

وانطلق وزير السياحة هشام زعزوع في جولات شملت روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا سعيا لاستئناف الرحلات السياحية لمصر. ويبدو أن الزيارات بدأت تؤتي بعض الثمار. فقد قال عبدالله محافظ البحر الأحمر إن أعضاء وفد روسي زار الغردقة للتعرف على الوضع أبلغوه أنهم تأكدوا أن الأمور طبيعية في الغردقة وأنه سيبدأ تسيير الرحلات من روسيا للغردقة وشرم.

وقالت مايا لوميدزه المديرة التنفيذية لرابطة وكلاء السياحة الروس إن عشرة آلاف سائح روسي مستعدون لزيارة الغردقة فورا إذا وافقت الحكومة الروسية على إلغاء حظر السفر لمصر وإن العدد قد يصل إلى 100 ألف خلال شهر واحد. وبدا المحافظ متفائلا وهو يقول سنصل إلى نسب إشغال تامة بأذن الله مع عودة السياحة الروسية والالمانية. وقالت وزارة السياحة المصرية إن هولندا وبلجيكا والسويد وجمهورية التشيك قررت رفع حظر السفر.

وجاءت الرياح أيضا بما تشتهي السفن فقد غيرت الحكومة الألمانية نصيحتها ولم تعد تطالب السائحين بالامتناع عن زيارة مصر كليا واكتفت بمطالبتهم بتوخي الحذر ويشمل ذلك الرحلات لمنتجعات البحر الأحمر. وأعقب ذلك على الفور اعلان شركة توي الألمانية التابعة لتوي ترافيل أكبر شركة سياحة في أوروبا استئناف الرحلات لمصر.

وكانت شركات سياحية من بينها توماس كوك ألمانيا قد أعلنت عزمها استئناف الرحلات مع اقتراب فصل الشتاء حتي قبل أن تغير الوزارة نصائحها بشأن السفر لمصر. وقالت توماس كوك إن الوضع في مصر تحسن وإن منتجعات البحر الاحمر التي تجتذب محبي الشواطئ والغطس هادئة.

ويقول بعض العاملين في السياحة أن التغطية الإعلامية لأعمال العنف مسؤولة جزئيا عن الإضرار بالصناعة خاصة وان التحذير الغربي من السفر لمصر جاء بعد مشاهد القتل التي نقلتها قنوات التلفزيون في منتصف اغسطس آب أثناء فض اعتصامين لمؤيدي الرئيس المعزول في القاهرة. وألقى محافظ الغردقة باللوم على الإعلام قائلا إنه بينما كان يودع فوجا المانيا في المطار قالوا لي إن الإعلام لديهم كان يخوفهم من الذهاب إلى مصر. وأضاف عبدالله الفضائيات الأجنبية تنقل صورة غير حقيقية عن الأوضاع في مصر.

ويبدو أن الحكومة فطنت إلى تأثير صورة مصر في وسائل الإعلام على صناعة السياحة وأهمية محو صورة "الإرهاب" التي تبث الذعر في نفوس السياح وتدفعهم للفرار. وبعد أسابيع طويلة ظلت فيها قنوات التلفزيون المصري تعرض مشاهد المواجهات الدامية بين قوات الأمن ومسلحين مؤيدين للرئيس المعزول الذي ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين تحت شعار "محاربة الإرهاب" دعت الحكومة وسائل الإعلام إلى حذف هذا الشعار واستبداله بعبارة "مصر في طريقها إلى الديمقراطية". بحسب رويترز.

وقال ناصر حمدي رئيس الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة إن الهيئة أعدت أفلاما ترويجية عن السياحة في مصر للأسواق العربية والأوروبية والروسية وستنشر إعلانات في وسائل الإعلام ووسائل المواصلات الأجنبية لتشجيع السياحة في مصر. وعلى صعيد السياحة الداخلية أطلقت الحكومة المصرية العديد من البرامج الترويجية لتشجيع المصريين على السفر لقضاء العطلات بأسعار مخفضة. ويؤكد عماري عبد العظيم عضو اتحاد الغرف السياحية أن الأمن والاستقرار أهم عوامل جذب السائح الآن. لكنه يفضل النظر للنصف الممتلئ من الكوب قائلا هذا هو أفضل وقت لترتيب قطاع السياحة وبنائه لأنه في حالة عودة السياحة لن تجد وقتا للبناء.

برامج ومشاريع

في السياق ذاته تبدأ وزارة الدولة لشؤون الآثار بالاشتراك مع وزارة السياحة مشروعا لسياحة الترانزيت التي تتيح لمن يتوقف عدة ساعات بالقاهرة زيارة معالمها الأثرية. وقال محمد إبراهيم وزير الدولة لشؤون الآثار في بيان إن هذه النوعية من السياحة تهدف إلى إنعاش حركة السياحة وتعطي الزائر فكرة عن الحالة الأمنية وتلمس مدي الاستقرار الذي بدأ يعم البلاد من جديد من خلال تنظيم رحلة إلى معالم القاهرة ومنها منطقة الأهرام وقلعة صلاح الدين والمتحف المصري المطل على ميدان التحرير بؤرة الاحتجاجات.

وأضاف أنه ناقش سياحة الترانزيت التي ستطلق في مصر لأول مرة مع وزيري الطيران المدني والسياحة المصريين بحضور السفير الياباني بالقاهرة في محاولة لتنشيط حركة السياحة الوافدة. وإعادتها من جديد إلي سابق عهدها وأن زائر الترانزيت ستكون له أسعار مخفضة لدخول هذه المزارات. وتابع أنه ناقش مع سفير اليابان رفع حظر زيارة مصر والذي فرضته الحكومة اليابانية منذ "ثورة 25 يناير" 2011 كما عقد لقاءات موسعة مع مسؤولين منهم السفير البولندى بالقاهرة ومديرا معهدي الآثار الفرنسي والألماني بالقاهرة مشيرا إلى تأكيدهم الكامل على دعم مصر في شتى مجالات العمل الأثري وتنشيط حركة السياحة ونقل حقيقة الأوضاع الأمنية إلى حكوماتهم وشعوبهم تمهيدا لرفع حظر تفرضه بعض الحكومات على مواطنيها لزيارة مصر.

الى جانب ذلك دعا وزير الدولة لشؤون الاثار بمصر رجال الأعمال والمؤسسات المصرية للإسهام في استكمال مشاريع أثرية متعثرة بسبب قلة التمويل وتراجع إيرادات السياحة بسبب الاحتجاجات. وقال محمد إبراهيم وزير الدولة لشؤون الآثار في بيان إن إيرادات الوزارة انخفضت "بشكل كبير" خلال شهر أغسطس حيث بلغت ثلاثة ملايين جنيه مصري (434461 دولار) بنسبة تناقص قدرها 80 في المئة عن الإيرادات في الفترة نفسها من العام الماضي والتي بلغت حوالي 35 مليون جنيه مصري.

وأوضح أن التراجع في الإيرادات سببه "قلة أعداد السائحين الوافدين لمصر نتيجة للأحداث الجارية في الشارع المصري وما يحدث من أعمال إرهابية من بعض الجماعات المتطرفة. وقال إن تراجع الإيرادات أدى إلى تعثر مشاريع أثرية تشمل إقامة متاحف وتطويرها وإعادة تأهيل المواقع الأثرية. وحث رجال الأعمال المصريين على الإسهام في استكمال المشروعات المتوقفة سوف تعد الوزارة لوحة شرف بأسماء المساهمين توضع في تلك المشروعات تقديرا وتكريما لهم.

وكانت الوزارة قالت إنها ستطرح المراحل المنتهية من متحف الحضارة الذي سيكون سجلا لحضارتها عبر العصور للاستغلال السياحي المتمثل في مسرح ومطعم ومركز تجاري وساحة انتظار للسيارات قبل افتتاح المتحف بهدف الحصول على دخل وعائد مادي مناسب يسهم في سرعة الانتهاء من مشروع المتحف الذي سيعرض أيضا إنجازات الإنسان المصري في مجالات الحياة المختلفة منذ فجر التاريخ إلى الآن.

على صعيد متصل اعلن التلفزيون المصري نقلا عن وزير السياحة هشام زعزوع انه تم تجميد العلاقات السياحية بين مصر وايران وذلك لأسباب تتعلق ب "الامن الوطني". وكانت الرحلات الجوية التي تجلب سياحا ايرانيين الى مصر بدأت في عهد محمد مرسي لتواكب تحسنا في العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ 1979. وانتقد متطرفون دينيون حينها قرار استئناف الرحلات الجوية وانتقدته ايضا اجهزة الامن التي تتهم ايران بالتدخل في الشؤون المصرية. بحسب فرانس برس.

وقال الوزير، بحسب التلفزيون ان تعليق السياحة مع ايران على علاقة بالأمن الوطني. وكانت السلطات المصرية علقت منح التأشيرات السياحية للإيرانيين مستجيبة بذلك لانتقادات محافظين سنة مناهضين للتقارب مع طهران. وقطعت العلاقات بين البلدين في 1979 بعد الثورة الايرانية وموقف القيادة الايرانية الجديدة من توقيع مصر اتفاقية سلام مع اسرائيل. لكن الرئيس السابق مرسي كان يرى انه يتعين ادماج ايران في الدبلوماسية الاقليمية. في المقابل اكدت السلطات المصرية الجديدة بعد الاطاحة بمرسي انها تفضل سياسة خارجية اكثر تقليدية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/تشرين الاول/2013 - 6/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م