تسليح المعارضة السورية... اولية تغيير موازين القوى

 

شبكة النبأ: بينما دخلت أتون الحرب السورية عامها الثالث، لا يزال الدمار في سوريا ينتشر كالهشيم بالنار، فما يجري حالياً في هذا البلد المنهار هو سباق تدمير مضطرد لتحقيق غايات وأجندات الهيمنة والنفوذ جسدتها المؤامرات الخارجية وجرائم الجماعات المسلحة الداخلية عن طريق الحرب بالوكالة، حتى أصبحت سوريا اليوم مرتعا للصراعات الاقليمية والدولية ومكانا مستهدفا لدى بعض الدول المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان الشرق الأوسط، لجعلها  محور الصراع الشرق الأوسطي.

حيث تتسابق الدول الداعمة  للجماعات المسلحة في سوريا من دول الخليج وبعض الدول الغربية على تسليح مقاتلي المعارضة تسليح نوعي، مما اذكى سؤالا هاما هو هل ان غاية الداعم الاستثناي من لدن هذه الدول استهداف دولة أم مناهضة نظام؟.

إذ يرى الكثير من المحللين ان الدعم الاستثنائي من لدن الغرب والخليج للمعارضة المسلحة مع صدارة القاعدة على ساحة القتال في سوريا، سيهدد الأمن الإقليمي والدولي، في ظل تصاعد دوامة الحرب الملتهبة، مما يذكي مخاوف من تحول الصراع في سوريا إلى حرب إقليمية او ربما اوسع من ذلك.

فمنذ عدة أشهر احتلت قضية تسليح الجماعات المقاتلة في سوريا، حيزا كبيرا من أولويات القوى الدولية لكنها اتسمت بتباين مواقفها وخاصة بين السعودية والغرب الجهة الداعمة للجماعات المسلحة، إذ تسعى كل من الإدارة الخليجية وحلفاءها من الغرب الى إيجاد أساليب واستراتيجيات جديدة لتمرير أجنداتها من خلال الأزمة السورية الحالية، وذلك بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري للجماعات المسلحة في سوريا، واستخدام سلوك الاستثناء الذي يقود إلى الاستثناء بشأن التسليح، خصوصا بعدما انشق مقاتلو ما يسمى بالجيش الحر وانضمامهم لجبهة النصرة المتطرفة ذات الصلة بتنظيم القاعدة.

ولعل فرنسا والسعودية من ابرز الدول التي تدعم المسلحين في سوريا فالمملكة دعمت منافسي القاعدة السلفيين في سوريا، في محاول لتعزيز إسلاميين منافسين لتنظيم القاعدة المهيمن على جماعات المعارضة وقد ساعدت في ترتيب اندماج بين جماعات معارضة مسلحة حول دمشق تحت قيادة زعيم تدعمه، كما ان تسليح فرنسا للجماعات المسلحة، خصوصا بعدما حققت القوات السورية انتصارات متتالية على قوى المعارضة المسلحة خاصة خلال الاونة الاخيرة، كلها محاولة لقلب موازين القوى العسكرية على الارض لصالح المعارضة المسلحة.

حيث أوضحت التطورات والأحداث العسكرية الاخيرة على الساحة السورية، المخاوف الخليجية والغربية من تهدد الانتصارات العسكرية للجيش السوري بضرب أجنداتها وتقويض نفوذها في المنطقة، مما دفع بهم للشعور بخطر فقدان فرصة الهيمنة، وبالتالي دعاهم هذا الشعور الى اتخاذ عدة إجراءات تعتمد على سياسة الدعم الاستراتجي في العمليات العسكرية.

وليس واضحا إلى أي مدى يمكن أن تغير مثل هذا الدعم العسكري ميزان الصراع في سوريا، فعلى الرغم من كل الجهود الحثيثة التي تبذلها الدول الداعمة لها من أجل خلق انسجام او توافق في الموقف والقرار لما يسمى بالمعارضة السورية المدعوم من الغرب والخليج،  تزاد الانقسامات والتقاطعات بصورة حادة، ليعكس عدم التجانس الذي تتسم به المعارضة المسلحة المزعومة، مدى الأجندة التي تهدف اليها الدول الداعمة الإقليمية والدولية المحرضة للمعارضة خاصة من المتطرفين، لتظهر حيث تظهر غاياتهم إلى أي مدى وصل الصراع المدمر.

ويرى البعض إن الدعم العلني لبعض الدول من خلال تزويد المجموعات الإرهابية ومنظمة القاعدة بالسلاح، فاقم الأوضاع الإنسانية بشكل ملحوظ، وتقلل من فرص التوصل إلى تسوية عبر التفاوض للنزاع المستمر منذ عاميين تقريبا.

وفي هذا السياق عقد هولوند اجتماعات مع مسؤولين سعوديين وقطريين كبار وهما بلدان يزودان مقاتلي المعارضة بالفعل بالأسلحة وتعهد بزيادة المساندة العسكرية للمساعدة على تحاول  تغيير ميزان القوة على الأرض، وتعد فرنسا أحد ابرز الداعمين للجماعات المسلحة في سوريا حيث أشار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولوند للمرة الأولى إلى أن باريس تسلح مقاتلي المعارضة السورية “في إطار منظم” بالنظر إلى أنهم أصبحوا الآن محصورين بين الحكومة السورية من جانب والإسلاميين المتشددين من جانب آخر، وكان تركيزها الرئيسي على المساعدة في هيكلة قيادة الجيش الحر وتقديم التدريب للمقاتلين في الأردن وكذلك تبادل معلومات الاستخبارات، وقال متحدث باسم ائتلاف جماعات المعارضة المسلحة السورية ان الولايات المتحدة بدأت توزيع بعض الاسلحة الفتاكة على مقاتلي جماعات المسلحة في سوريا، فيما أكدت مصادر بالمعارضة السورية مؤخرا استلام معدات حربية منها اسلحة مضادة للدبابات بتمويل سعودي وصلت الشهر الماضي عبر الاردن.

في حين تشعر المعارضة السورية بخذلان شديد من قرار واشنطن ابرام اتفاق مع موسكو لازالة الاسلحة الكيماوية للرئيس السوري بشار الاسد لكن دبلوماسيين يحذرون الائتلاف الوطني السوري المعارض من انه يخاطر بفقدان الدعم الغربي اذا لم يتكيف مع الواقع الجديد.

ويقول دبلوماسيون ومصادر من المعارضة ان الخلاف الذي ادى الى نفور المعارضة السورية من الولايات المتحدة يهدد باخراج الجهود الدولية لانهاء الحرب الاهلية السورية المندلعة منذ سنتين ونصف السنة عن مسارها، ويأتي الخلاف في حين تتحول الحرب الى حالة من الجمود في ميدان المعركة وكان مقاتلو المعارضة يتطلعون الى الولايات المتحدة لامالة الكفة لصالحهم بالتدخل عسكريا ضد سوريا.

وتقول المصادر ان الخلاف الدائر في الكواليس والذي يبدو ان تركيا والسعودية تنحازان فيه الى صف المعارضة تطور مع ابرام الولايات المتحدة وروسيا اتفاقهما لتدمير الترسانة الكيماوية للاسد بعد هجوم بغاز الاعصاب على مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في دمشق ادى الى مقتل المئات.

وتأمل الولايات المتحدة ان يفتح الاتفاق الباب امام التوصل لتسوية سياسية اوسع لكنه قلص فرصة توجيه ضربة امريكية لقوات الاسد كانت المعارضة تأمل ان تضعفه عسكريا وترغمه على حضور مؤتمر جديد مقرر للسلام، وقال دبلوماسيون تابعوا اجتماعا كبيرا للمعارضة في اسطنبول ان افتقار الائتلاف للمرونة في التعامل مع الاولويات الدبلوماسية المتغيرة كما اوضحها اوباما يمكن ان يحرم المعارضة من الدعم الغربي.

ويحتاج الجيش الحر المدعوم من دول غربية وعربية الى اي اصدقاء يمكنه الحصول عليهم في حين يكافح للتعامل مع الفوضى المتزايدة في مناطق المعارضة، واصبحت التوقعات المتدهورة للمعارضة وخلافها مع واشنطن امرا واضحا في اجتماعها في اسطنبول حين تغيب الدبلوماسيون الامريكيون.

وقال دبلوماسي “يجب على الائتلاف ان يحدث جلبة في الحدود المناسبة وان يدرك انه توجد لعبة بين القوى الكبرى، واعترف مسؤول كبير في المعارضة ان اجتماع الائتلاف الذي اختتم لم يتوصل الى اي استراتيجية جديدة. وكانت المعارضة لا تزال تترنح من الاتفاق الامريكي الروسي الذي وصفه بأنه كان “صفعة على الوجه” للمعارضة.

واضاف “لا يمكن لدول الخليج ان تقول ذلك صراحة لكن يوجد ميل متزايد لتجاهل الامريكيين وتوجد فجوة كبيرة الان بين الامريكيين من جانب والسعوديين والاتراك والاماراتيين من جانب آخر. حتى قطر ليست سعيدة بالاتفاق.. كما لو أن المشكلة كانت الاسلحة الكيماوية وليس نظام الاسد"، وتمثل دول الخليج الداعم المالي الرئيسي للمعارضة وتقدم الاسلحة لكتائب مقاتلي المعارضة عبر تركيا.

في الوقت نفسه قال مسؤولان في الإدارة الأمريكية إن البنتاغون قد وضع اقتراحاً على الطاولة لتدريب القوات العسكرية الأمريكية للمعارضة السورية المعتدلة وتجهيزها، ونقلت شبكة (سي ان ان) الأمريكية عن المسؤولين أنه في حال المصادقة على الاقتراح فإن ذلك سيزيد بشكل دراماتيكي دور القوات الأمريكية في الحرب السورية وسيجعل لأول مرة الجنود الأمريكيين على تماس مباشر مع قوات المعارضة السورية.

وذكرت الشبكة الأمريكية أن الاقتراح التدريبي طرح لأول مرة في الأيام التي أعقبت هجوم أغسطس كوسيلة لتصعيد الدعم الأمريكي للمعارضة، وقال أحد المسؤولين إن الاقتراح يتطلع لتدريب الجنوب الأمريكيين بعض المتمردين على الأسلحة الصغيرة والقيادة العسكرية والسيطرة والتكتيكات العسكرية، لكن الأسلحة لن تقدمها الولايات المتحدة بشكل مباشر لأن ليس للبنتاغون السلطة الشرعية لتسليح هؤلاء.

كما افادت صحيفة "واشنطن بوست" ان "الولايات المتحدة بدأت تزويد مسلحي المعارضة السورية بأسلحة ومعدات تقنية"ـ ونقلت الصحيفة عن مصادر اميركية وسورية ان "وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" بدأت تسليم شحنات مساعدة من المواد القاتلة في الايام الـ15 الماضية"، واوردت الصحيفة على موقعها الالكتروني ان وزارة الخارجية ارسلت آليات ومعدات اخرى، بما يشمل تجهيزات اتصالات متطورة وتجهيزات طبية لميدان القتال.

واعلنت "سي آي ايه" في اتصال مع وكالة "فرانس برس" انه ليس لديها اي تعليق على معلومات "واشنطن بوست"ـ وشحنات الاسلحة التي تنحصر بحسب الصحيفة بأسلحة خفيفة وذخائر تصل في وقت حساس في المواجهة الدامية بين مسلحي المعارضة والجيش السوري، وبرز آخر التطورات في سوريا تدريب وكالة الاستخبارات الأمريكية أول دفعة من المقاتلين السوريين، وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الاميركية جون كيري خلال جلسة استماع امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب امس "نحن مستعدون لفعل المزيد من اجل مساعدة المعارضة السورية"، مقرا في الوقت نفسه بأن الآلية التي اعتمدت في حزيران لتعزيز دعم المعارضة تأخرت بعض الشيء.

وخلال الجلسة ذاتها قال رئيس اركان الجيوش الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي ان موضوع زيادة الدعم العسكري للمعارضة السورية يجب ان يناقش "بطريقة اكثر انفتاحا"، في اشارة الى وجوب اخراج هذا الدعم من الإطار السري الذي تحيطه به "سي آي ايه".

لكن الجنرال ديمبسي ابدى في الوقت ذاته حذرا ازاء تسليح المعارضة السورية، وقال "انا ما زلت حذرا ازاء مسألة ما اذا كان علينا استخدام القوة العسكرية الاميركية لدعم المعارضة من اجل تغيير التوازن"، محذرا من "خطر التورط في منزلق لا ندرك معه تماما متى سينتهي هذا الدعم".

الى ذلك قالت مصادر من المعارضة السورية إن هناك 400 طن من الأسلحة أرسلت من تركيا إلى سوريا لتعزيز قدرات مقاتليها في مواجهة القوات الحكومية السورية بعد وقوع ما يشتبه أنه هجوم بأسلحة كيماوية على ضواح خاضعة لسيطرة المعارضة في دمشق، وذكر مصدر أن الشحنة الممولة بتمويل خليجي والتي عبرت من إقليم هاتاي التركي هي واحدة من أكبر الشحنات التي وصلت كتائب المعارضة منذ الحرب قبل أكثر من عامين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/تشرين الاول/2013 - 6/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م