العراقيون... بين الهوية الوطنية ووطنية الهوية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تحيل الكثير من التعبيرات اللغوية التي يستعملها العراقيون في احاديثهم اليومية الى الشعور بتميزهم امام الاخرين، مفترضين ان هذه التعبيرات هي الدال والمدلول الحقيقي لمعانيها دون النظر او العمل على تجسيدها افعالا ملموسة على ارض الواقع..

فتعبير مثل (ارفع رأسك انت عراقي) لاينطبق على حال العراقيين الذين يحلمون بالهجرة الى خارجها والتخلي عن جنسيتهم العراقية لاجل جنسية بلد اخر.. وشعار (انا عراقي وافتخر) لاتجد له مجالا او تطبيقا على ارض الواقع امام الكفر بهذه العراقية ومحاولة الانعتاق المستميت منها..

وشعارات السياسيين حول الهوية الوطنية لاتجد لها تاسيسا على واقع يعمل هؤلاء السياسيين انفسهم على ترسيخه معنمدين على (القومية – الطائفية – العشائرية) والتي تصبح بالمحصلة النهائية هي المرجعية الحاكمة لشعاراتهم وافعالهم.

يبرز التناقض واضحا وجليا في الافتخار (الرومانسي) لمسألة الانتماء الى هوية عراقية جامعة، وبين الواقع الذي يعيشه العراقيون والذين يصنعونه بسلوكهم اليومي المستمر.

هذا التناقض الحاد بين المثال والواقع ليس وليد اللحظة الراهنة، لحظة افتراق السياسة عن الثقافة والاجتماع، بل تراكم طويل يعود الى تاسيس الدولة العراقية، والتي سمحت في بداية تشكلها على تسيد هويات فرعية على حساب الهوية الجامعة.

(العروبة) و(السنية) بما تمثلانه من ايديولوجية تحيل الاولى الى القومية والثانية الى الدينية، عملت على ازاحة قوميات اخرى مثل (الكردية – التركمانية- قوميات صغيرة اخرى) والدينية (الاسلام بوجه واحد) عملت على ازاحة هويات دينية اخرى (الشيعة – مجموعات دينية صغيرة اخرى) وحاولت صهرها مستعينة بما تملكه من ادوات للسلطة طيلة عقود طويلة..

بعد العام 2003 برزت الهويات الفرعية داخل الدولة العراقية (وهي التي تفككت بعد هذا التاريخ) واصبحت تلك الهويات اقوى من الدولة التي يراد اعادة تشكيلها..

ماهي الهوية، وماهي الوطنية، وهل توجد هوية وطنية عراقية فاعلة الان؟

الهُوِيَّةُ ( في الفلسفة ) : حقيقةُ الشيءِ أَو الشخص التي تميزه عن غيره.

حقيقة مطلقة في الأشياء والأحياء مشتملة على الحقائق والصفات الجوهرية : (هوية النفس الإنسانية، بطاقة الهوية). منسوبة إلى هو.

وللهوية كما يذهب الى ذلك محررو كتاب (مفاتيح اصطلاحية جديدة) علاقة بالتطابق مع الذات عند شخص ما او جماعة اجتماعية ما في جميع الازمنة وجميع الاحوال.

وهي تتعلق بكون شخص ما او كون جماعة ما قادرا او قادرة على الاستمرار في ان تكون ذاتها، وليس شخصا او شيئا اخر.

ويعنى سؤال الهوية بطرق محددة في تخيل جماعات اجتماعية وتاسيسها والانتماء الجماعي لها.

الخطابات السائدة والمهيمنة حول الهوية تتسم بافتراضها ان الهوية او التمايز عند شخص ما او جماعة ما انما هي تعبير عن جوهر او خاصية داخلية ما. ومن خلال هذا المنظور تكون الهوية سمة طبيعية وابدية تصدر عن التطابق مع الذات والفرد او الكيان الجمعي المكتفي ذاتيا..

هناك اراء اخرى تميل الى تبني موقف مضاد لهذا المنظوروالى التاكيد على وضعية البناء الاجتماعي لجميع الهويات. فينظر الى الهويات على انها تتاسس في سياقات اجتماعية وتاريخية محددة، وانها خيالات استراتيجية، عليها ان تتجاوب مع الاحوال المتغيرة، ومن ثم فهي عرضة للتغير واعادة التصوير باستمرار.

في عصر التغيرات الكونية الكبرى الذي نعيشه ونشهد تسارع احداثه، اصبحنا نرى فقدانا مستمرا للهوياات القديمة التي اصبحت محددة وضيقة، وهناك تاسيس وامكانات جديدة.. من هذا المنظور الصاعد دعا ستيوارت هول الى اننا نشهد انبثاقا لانواع جديدة من الذوات والهويات، وحسب تعبيره: (تفتنرض الذات هويات مختلفة في مختلف الازمنة، هويات ليست موحدة حول ذات متماسكة،. ففي داخلنا تكمن هويات متناقضة، تسحبنا في اتجاهات مختلفة، بحيث تغير تماهياتنا وتتنقل باستمرار).

فيما يتعلق بالوطنية، فهي كثيرا ماتحمل معاني عاطفية ووجدانية للمكان الذي يولد فيه الانسان ويألف وجوده فيه، او معنى فكري نظري، او معنى قانوني.

الوطنية حسب تعريفات عدد من الباحثين تعني (العاطفة التي تعبر عن ولاء الإنسان لبلده). والوطنية عند آخرين تعني (تقديس الوطن وتقديمه في الحب والكره بل والقتال من أجله.. حتى تحل الرابطة الوطنية محل الرابطة الدينية) والوطنية في معناها القانوني الحديث تعني (انتماء الإنسان إلى دولة معينة يحمل جنسيتها ويدين بالولاء لها). وتعرِّف الموسوعة العربية العالمية (الوطنية بأنها تعبير قومي يعني حب الشخص وإخلاصه لوطنه).

يشير غسان منير، في كتابه (معالم ومؤشرات الهوية الوطنية ومقاييسها، الهويات الوطنية والمجتمع العالمي والإعلام ) الى ان للهوية الوطنية مؤشرات ودلالات عديدة وقد تناولها الناس في حياتهم ومن هذه المؤشرات والدلالات للهوية الوطنية:

1. مكان الولادة.

2. روابط الأسلاف والأجداد.

3. الانتماء القبلي.

4. الالتزام بالعادات والتقاليد والأعراف.

5. الالتزام بالقوانين.

6. مكان الاقامة.

7. الالتزام بالزى التقليدي.

8. طول فترة الاقامة.

9. الاسماء والألقاب.

10. النشأة والتربية.

11. اللهجة.

12. الشكل والمظهر الخارجي

وتستعمل تلك المؤشرات للهوية عندما ينظر الناس الى غيرهم ويحاولون التعبير عن هويتهم الوطنية عن طريق استخدام هذه المؤشرات كما أنها من الممكن ان تستخدم ضمن الوطن الواحد وبين افراده بهدف تمتين الروابط الوطنية والثقافية وزيادة اللحمة والحس بالهوية الواحدة والمصير المشترك.

ويذهب علي الطراح في بحثه المعنون (الاوطان والهويات الوطنية: إشكالية علاقة الناس بالاوطان) الى القول: نتيجة لتلك الاحاسيس والمشاعر يصبح الوطن كفكرة قد تشكلت، فالناس يتعلمون تاريخ وطنهم ولكنهم باستطاعتهم نسيان هويتهم الوطنية وتذكرها من حين الى اخر، وبمقدورهم ايضا التعبير عنها، فهذه الإجراءات والمفاهيم سواء من التعلم الى النسيان الى التذكر الى التعبير تشير بوضوح الى ان مفهوم الوطن السياسي اي الدولة او الوطن قد انتقل من فكرة ومفهوم مجرد الى مادة مشكّلة وكأنها محسوسة، فهي ليست مجرد ارض ذات حدود او سيادة او نظام حكم اونظم اجتماعية او تراث او ذكريات او ماضي بل هي جميع ذلك وهذا ما يدفعنا للتعامل مع الوطن كشيء موجود اعلى من وضعنا الشخصي كأفراد وابعد مما ننظر إليه.

ولترسيخ الهوية الوطنية، يضع الباحث الاردني (محمد عبد الله الجريبيع) في بحثه المعنون (مدخل لدراسة الهويات الوطنية) عددا من النقاط والسياسات التي يجب ان تتبعها الدولة، منها:

1. العمل على بناء هوية وطنية تقوم على التراث الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي أنتجته كافة الفئات الاجتماعية المشكّلة للبناء الاجتماعي والذي تراكم عبر السنوات الطويلة، ودمجه على أساس التجربة المشتركة الايجابية لكافة الفئات.

2. سياسات حكومية تقوم على مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وبناء المؤسسات والابتعاد عن الفئوية والجغرافية.

3. دمج مفاهيم الهوية الوطنية الجديدة في مناهج التربية الوطنية والمدنية على مستوى التعليم الأساسي والثانوي والجامعي.

4. وضع سياسات تساعد على رفع مستوى الاندماج الاجتماعي لكافة فئات المجتمع.

5. إبراز التنوع في التراث واعتباره مصدر إثراء لدعم مسيرة بناء الدولة الحديثة.

6. تعميق التجربة الديمقراطية باعتبارها تجربة تساعد على تحقيق مبدأ العدالة وتعمق المشاركة لكافة المواطنين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/تشرين الاول/2013 - 3/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م