اردوغان والزعامة... طموحات قد تقود تركيا الى المجهول

 

شبكة النبأ: تشهد تركيا نوبات صراع واضطراب متجددة على الصعيدين السياسي والحقوقي الاونة الاخيرة بشكل مضطرد، وقد تجسدت هذه النوبات بالممارسات والإجراءات التي قامت بها السلطات التركية بالانتهاكات الحقوقية من خلال قمع الاحتجاجات الشعبية الكبرى في صيف  العام الحالي، وتجدد الخلافات مع الجبهة الكردية، الى جانب القرارت المثيرة للجدل على غرار قرار رفع الحظر عن ارتداء الحجاب او اطالة اللحى في الادارات التركية وبعض التعديلات القانونية المثيرة للجدل مثل تعديل قانون الخاصة بالجيش، فضلا عن التخبطات في السياسية الخارجية وخاصة ازاء القضية السورية.

لتكشف هذه الممارسات عن تغطرس وأجندات القادة السياسيين في تركيا داخليا وخارجيا، ولعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان له الدور الابرز في انتهاج هذه الممارسات السياسية التي جسدتها طموحاتها المحلية والدولية وذلك بلعب الأوراق الدبلوماسية بصبغة براغماتية على المستويين المحلي والدولي، وهو ما سمح له بهيمنة على الساحة السياسية التركية على مدى عشر سنوات الماضية.

لكنه لا يستطيع ترشيح نفسه مرة أخرى لمنصب رئيس الوزراء في الانتخابات العامة التي تجري في 2015 وفقا لقواعد حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له، وسرت توقعات بأن يرشح نفسه لمنصب رئيس له صلاحيات تنفيذية لكن خططه لتعزيز سلطات هذا المنصب تعثرت، ويتوقف ما سيحدث في انتخابات العام القادم على ما اذا كان اردوغان سيتمكن من تمرير دستور جديد يتضمن مواد تتصل بأن تكون للرئيس صلاحيات تنفيذية وإن كان احتمال اتخاذ هذه الخطوة يقل تدريجيا مع اقتراب الانتخابات، حيث تعثرت محاولات وضع مسودة دستور جديد بسبب الخلافات بين الأحزاب السياسية الرئيسية الأربعة خاصة مسألة زيادة صلاحيات الرئيس.

إذ يرى الكثير من المحللين إن أسلوب اردوغان في السنوات القليلة الماضية أصبح استبداديا بالهيمنة على الحياة السياسية في البلاد، لكنه لكن في الوقت نفسه يواجه جملة من التحديات والمشكلات السياسية والحقوقية سواء على المستوى الداخلي او الخارجي، لذا يرى أغلب المحللين أن ارودغان يقود تركيا بقبضة حديدية كونه ينتهج ايدلوجية سياسية جديدة باعتماد اتجاهات عديدة في السياسة الخارجية من خلال مبدأ المصلحة السياسية بغطاء براغماتي، الى جانب توسيع نفوذه محليا، فلم يخف اردوغان طموحه لخوض انتخابات الرئاسة بعد أن تنتهي فترة ولايته الثالثة كرئيس للوزراء رغم أن حزب العدالة والتنمية قد يغير أيضا اللائحة الداخلية للحزب بما يسمح لاردوغان بالسعي للترشح لفترة رابعة كرئيس للوزراء.

لكن شعبية اردوغان في الداخل والخارج تراجعت بعد الحملة الضارية التي شنها على محتجين معارضين للحكومة في الاونة الاخيرة، كما أثرت التحركات الإقليمية للنظام الاستبدادي في تركيا والذي يحكم منذ عقد تقربيا، في تدويل الأزمات داخل سوريا ومصر وبلدان أخرى.

في الوقت نفسه تتهم تركيا دولا غربية وعربية بالكيل بمكيالين لعدم استنكارها الاطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين، والواقع انها تتبع سياسية تكيل بمكيالين، فهي تناشد بالحرية وتطالب بالحقوق الإنسانية والمساواة والعدالة الاجتماعية من جهة للدول الخارجية، ومن جهة أخرى تستخدم هذه الدول كل وسائل ضد شعبها.

في سياق متصل قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إنه سيرشح نفسه للرئاسة في الانتخابات المقرر إجراؤها العام القادم اذا طلب منه حزبه ذلك ونفى وجود اي خلافات بينه وبين الرئيس التركي عبد الله جول.

وقال اردوغان "لم أتخذ هذا القرار بصورة مؤكدة بعد. لو كنت متيقنا من هذا القرار لكنت أعلنته"، وأضاف "لدينا نظام وهذا النظام قائم على المشورة. أهم جزء من هذه المشورة في اللحظة الحالية هو حزبي. مهما كانت المهمة التي يحملني حزبي إياها ومهما كان ما يريده لي فإنني سأسعى لتنفيذه."

ويتبقى اقل من عام على اول انتخابات رئاسية شعبية تجريها تركيا وزادت التكهنات بشأن طبيعة الدور الذي سيلعبه اردوغان وجول الذي يشغل منصب الرئيس حاليا وهو شرفي الى حد كبير، ويحق لجول الذي اظهرت استطلاعات الرأي انه أكثر شعبية كمرشح لانتخابات الرئاسة القادمة ان يبقى في المنصب لفترة ثانية لكنه لم يعلن عن عزمه القيام بذلك.

وكان الاثنان من الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية عام 2001 وهما حليفان منذ زمن طويل. لكن العلاقات بينهما توترت في بعض الاحيان على مدى العام الماضي خاصة بسبب حملة للشرطة على متظاهرين مناهضين للحكومة هذا الصيف، ونفى اردوغان وجود اي صراع على الرئاسة بينه وبين جول.

وقال "لا اعتقد انه سيكون هناك قرار يؤدي الى ان يسير كل منا في طريق. ما اعنيه هو اننا سنجري المشاورات الضرورية والمفاوضات فيما بيننا اذا كانت هناك حاجة لذلك"، وتختلف طبيعة اردوغان الصارمة المندفعة وجول الاكثر اعتدالا صاحب التوجه الهاديء وهو اختلاف تجلى في تعاملهما مع الازمة في كل من سوريا ومصر وخلال اسابيع من الاحتجاجات في تركيا هذا الصيف.

وفي خطابه في جلسة افتتاح البرلمان رحب جول بالاحتجاجات السلمية وقال انها مؤشر على النضح الديمقراطي في تركيا وحذر من الاستقطاب السياسي قائلا ان ذلك يضر بنسيج الامة، وفي المقابل ندد اردوغان مرارا بالمحتجين الذين نزلوا الى الشوارع في انحاء تركيا في يونيو حزيران في أكبر تحد لحكمه المستمر منذ عشر سنوات ووصفهم بانهم "رعاع"، وتحدثت وسائل الاعلام عن طموحات جول السياسية وتكهن البعض بامكانية عودته الى منصب رئيس الوزراء الذي شغله لفترة قصيرة عام 2002.

وفي لاطار ذاته قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إن تركيا قد تخفض نسبة الأصوات التي يتعين أن يحصل عليها أي حزب سياسي لدخول البرلمان إلى خمسة بالمئة من الأصوات أو ربما تلغي هذا الشرط تماما، وكانت نسبة العشرة بالمئة من الأصوات المعمول بها في الوقت الراهن قد حالت دون دخول جماعات كردية البرلمان. وهذا التعديل قد يساعد على دفع عملية سلام مع الأكراد قدما.

وقال اردوغان في خطابه عن سياسات الدولة إن ما يطلق عليه اسم "مجموعة الاجراءات الديمقراطية" سيسمح بالتعليم بلغات غير التركية في المدارس غير الحكومية وهو مطلب يدعوا له الساسة والنشطاء الأكراد منذ فترة طويلة، لكن مع كل ذلك رفض متمردون وساسة أكراد في تركيا مجموعة من الاصلاحات السياسية التي اقترحها حزب العدالة والتنمية الحاكم قائلين إنها لا تهدف لانهاء صراع مستمر مع الدولة منذ 29 عاما وان المتمردين سيقدمون ردهم الاسبوع القادم.

من جهة أخرى قال الرئيس التركي عبدالله جول إن الاحتجاجات السلمية التي هزت بلاده في الصيف دليل على النضج الديمقراطي في البلاد لكنها اتخذت مسارا خاطئا حين تحولت لأعمال عنف، وحث جول الذي يتناقض نهجه التصالحي إلى حد بعيد مع النهج الخشن لرئيس الوزراء طيب اردوغان الأتراك على إظهار الاحترام لوجهات النظر المغايرة والعمل معا على تعزيز الديمقراطية في تركيا.

وكانت احتجاجات الصيف إحدى أكبر التحديات التي واجهت حكم اردوغان منذ وصل حزبه العدالة والتنمية ذي الأصول الإسلامية للسلطة قبل عشرة اعوام حيث تحولت في أواخر مايو ايار من مظاهرة ضد خطط لتطوير ميدان في اسطنبول الى استعراض أوسع للتحدي لحكم اردوغان الذي اعتبره المحتجون استبداديا.

سياسية مثيرة للجدل

منذ وصوله الى السلطة عام 2002 جعل العدالة والتنمية من انهاء حظر الحجاب في الوظيفة العامة رمزا لتركيا علمانية معتدلة تحافظ على هويتها الاسلامية دون التخلي تماما عن مبادئها العلمانية والذي يعد من معاركه المفضلة.

وبعد السماح به بالفعل للطالبات في الجامعات اصبح الحجاب مسموحا به للمدرسات في الجامعات والنائبات البرلمانيات وكل العاملات في الادارات العامة.

فقد اثار قرار رفع الحظر عن ارتداء الحجاب او اطالة اللحى في الادارات التركية، وهو الاجراء الذي كانت تريده حكومة رجب طيب اردوغان الاسلامية المحافظة منذ وقت طويل، الجدل في البلاد باعتباره شرخا جديدا في جدار العلمانية.

وهذا القرار الذي اعلنه اردوغان كاجراء في اطار اصلاح ديموقراطي في مجال حرية العقيدة، يرضي بالتاكيد ناخبي حزبه العدالة والتنمية (المنيثق عن التيار الاسلامي) مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في اذار/مارس 2014.

الا انه لم يشكل مفاجأة كبيرة بعد ان فتح حزب العدالة والتنمية في السنوات الاخيرة، خطوة خطوة، الطريق امام رفع الحظر عن الحجاب في المؤسسات العامة بعد السماح به بالفعل في الجامعات وفي المحاكم بالنسبة للمحاميات وفي الامتحانات.

وطالب رئيس الحكومة الذي ترتدي زوجته وابنته الحجاب شانهما شان القيادات النسائية في حزبه "بانهاء الحظر في المؤسسات العامة (...) والاجراءات التمييزية بحق النساء والرجال"، الا ان الحظر سيظل ساريا بالنسبة للعاملين في الشرطة والجيش والادعاء والقضاء.

الا ان وزير العدل سعد الله ارغين المح الى ان النساء العاملات في المؤسسات التي تفرض زيا رسميا مثل الجيش والشرطة يمكنهن ايضا الحصول على هذا "الحق" اذا سمحت لهن المؤسسات التي يعملن بها بذلك، واشار العدالة والتنمية الى ان هذا الاجراء الجديد لا يشمل السماح بارتداء النقاب، الذي يغطي جسد المراة من راسها الى اخمص قدميها ولا يظهر سوى عينيها، في الادارات العامة لان النساء العاملات يجب ان يكن "مكشوفي الوجه".

ولتنفيذ هذا الاصلاح سيكتفي الحزب الحاكم باصدار مرسوم رسمي منهيا بذلك شرعية حظر يندرج في اطار المبادىء العلمانية التي ارساها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك، وفي عام 1999 تقدمت مروة قواقتشي النائبة التركية الاميركية التي انتخبت عن حزب ينتمي للتيار الاسلامي لاداء اليمين الدستورية وهي تضع الحجاب. لكنها اضطرت الى ترك القاعة وسط صيحات الاستهجان قبل ان تجرد من جنسيتها التركية.

وقبل ستة اشهر من موعد الانتخابات البلدية ترى المعارضة الاشتراكية الديموقراطية في اعلان اردوغان "استفزازا" بعد حركة الاحتجاجات التي اجتاحت تركيا حزيران/يونيو الماضي، وقالت النائبة ايمان غولر عضو حزب المعارضة الرئيسي الداعم للعلمانية، حزب الشعب الجمهوري، انها "ضربة خطيرة للجمهورية القومية والمدنية".

ودعا رئيس هذا الحزب كمال كيليتشدار اوغلو "جميع المواطنين الاتراك ، بمن فيهم الاعلى مستوى، الى احترام القواعد السارية"، وتوجه في هذا الاطار الى خير النساء غول، زوجة الرئيس عبد الله غول، التي حضرت خطابا لزوجها في البرلمان وهي ترتدي حجابها، في سابقة من نوعها، وذلك بعد يوم واحد فقط من اعلان اردوغان.

وكتب بكير جوسكن مستهجنا في عموده بصحيفة جمهورييت المعارضة "انها مجرد خطوة جديدة نحو تركيا متحولة الى دولة دينية، لا اكثر ولا اقل"، من جانبه اعتبر الاستاذ الجامعي احمد كيليتش اوغلو استاذ القانون في جامعة انقرة ان الحكومة التركية فتحت بذلك الطريق لاسلمة الدولة التركية.

وقال "انها خطوة اولى نحو البرقع في تركيا" منددا ب"انحراف (اسلامي) شديد الخطورة" وحالة "استقطاب" في الوظيفة العامة بين المتدينين وغير المتدينين، في المقابل اعتبرت منظمة مسلم در الاسلامية غير الحكومية ان هذا الاصلاح "غير كاف" وحثت الحكومة على السماح بالحجاب "دون تمييز" في جميع المؤسسات العامة.

صوت البرلمان التركي لصالح تمديد تفويض يسمح بإرسال قوات إلى سوريا عند الضرورة لمدة عام آخر بعدما قالت الحكومة إن الاستخدام المحتمل لأسلحة كيماوية من جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد يشكل تهديدا لتركيا، وأيدت تركيا التدخل العسكري في سوريا وأصيبت بخيبة الأمل إزاء ما تعتبره ترددا في الموقف الغربي.

وبينما تساهم تركيا بثاني أكبر قوة برية في حلف شمال الأطلسي إلا أن من المستبعد أن تقوم وحدها بأي عملية عسكرية في ظل معارضة أغلبية الرأي العام للتدخل.

من جهته قال الرئيس السوري بشار الأسد إن تركيا ستدفع ثمنا غاليا لدعمها مقاتلي المعارضة الذين يسعون للاطاحة به متهما أنقرة بإيواء "إرهابيين" على حدودها وتوقع أن ينقلبوا عليها قريبا، وفي مقابلة مع قناة (خلق تي.في) التلفزيونية التركية تذاع وصف الأسد رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان بأنه "متعصب" وقال إن تركيا تسمح "للارهابيين" بعبور الحدود لمهاجمة الجيش السوري والمدنيين، وسمحت تركيا كذلك لمقاتلي المعارضة بعبور الحدود من سوريا وإليها لكنها بدأت تشعر بالقلق بسبب الانقسامات بين مقاتلي المعارضة وتزايد نفوذ الاسلاميين المتشددين في سوريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/تشرين الاول/2013 - 1/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م