لا نملك الا ما نعطيه للآخرين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: وهؤلاء الاخرون ليسوا الجحيم الذي كتب عنهم الفيلسوف الفرنسي سارتر في مسرحيته التي حملت عنوان (لا مخرج)  وهي مسرحية عن الوجود كتبها في العام1944. نُشرت باللغة الفرنسية باسم (وي كلو) ومعناها: دون مشاهدين أو خلف الأبواب المغلقة. والترجمات الإنجليزية كانت بعنوان:(في الكاميرا)، (لا مخرج)، (نهاية مسدودة). عُرضت هذه المسرحية لأول مرة في مايو 1944، مباشرة قبل تحرير فرنسا في الحرب العالمية الثانية.المسرحية تحتوي على أربع شخصيات فقط. وهذه المسرحية هي مصدر مقولة سارتر الشهيرة: (الجحيم هو الآخرون).

نحن نعيش مع الاخرين دوما وابدا، وهم ايضا يعيشون معنا على اعتبار اننا (اخرين) بالنسبة لهم..

العيش مع الاخرين يقتضي فلسفة او فنا يمتلكها الجميع تقريبا وعلى كافة المستويات، الاقتصادية او التعليمية او الثقافية، ولا فرق في فلسفة العيش وفنونه بين الرجال والنساء الا بفارق الشخصية والاستعدادات واللمسة الاخيرة..

يقوم فن العيش المشترك بين الاخرين على ركيزتين اساسييتين هما العطاء والاخذ.. وتتعدد تمظهرات هاتين الركيزتين بتعدد المواقف والمواقع.. فهي عطاء مادي او معنوي او عاطفي، وتتعدد بالتالي معها مظاهر الاخذ بالمقابل..

ان تاخذ يعني انك قد اعطيت سابقا، كلمة طيبة او ابتسامة تشجيع صادقة او ترحيب بمودة صافية، او انك قد اعطيت عبر فتح يدك ومنحت مالا او هدية او غيرها، انها تعود اليك ولو بعد حين..

اخرون، وكثير منهم يستعجلون الاخذ قبل العطاء، ولاينفكون يحاصروك بطلبات الاخذ.. انهم لايقدمون شيئا للمقابل، كمن يسحب مبالغ من البنوك وهو لايضع فيه الا رصيدا بسيطا، لتنراكم الديون عليه من فائض الاخذ، ليصبح مفلسا ويشهر افلاسه بعد حين..

ومنهم، وايضا هم كثيرون هؤلاء الاخرين، من يعطون كل شيء دون انتظار لاسترداد ما أعطوه، ويصدق ذلك كثيرا في مجالات العلاقات الانسانية..

الخطوات تترك اثارها خلف السائرين، من هنا مر هذا الرجل، او عبرت تلك المرأة، احيانا هو المرور والعبور المتعجل، واحيانا اخرى هو المتأني، البطيء، الذي يسير على مهل وروية، ويتفحص اين يضع تلك الخطوات..

بمقدار مايعطي / تعطي، تكون الخطوات بارزة كالنقش لايمحو اثرها دورات الزمن بليلها ونهارها، فهو/ هي، قد اعطيا او منحا الخلود لتلك الخطوات عبر فن العطاء، وكل شيء في الحياة فن وفلسفة، دون تعقيد نظري لتلك الكلمات..

الحب لايمكن ان يكون حبا دون طرف اخر يستريح في احضانه، والاحضان ليست بالضرورة ماتعارفنا عليه، فالطيبة والتسامح وقبول الاخر والصدق في المشاعر والحميمية في السلوك، هي احضان للحب باوسع مافي الكلمة من معنى..

القلب البشري لايمكن له ان ينبض بهذه الحيوية دون ان تحتضنه الضلوع وتحميه من الاذى.. وحتى وهو في حالات ضعفه ووهنه، يمكن ان تنعشه وتثيره لفتة عطاء غير متوقعة..

هل يمكن للانسان ان يمتلك شيئا، ويساعد في تنمية انسانيته وليس سحقها؟

قد يتبادر الى الذهن ان الامتلاك لايكون الا عبر جميع الماديات، لكن هذا جزء من الوهم، وهو جزء كبير اختفت خلفه انسانية الانسان، او انسانية الاخرين، والذين اصبحوا تبعا لمنطوق الامتلاك هذا هم الجحيم، طالما ان الامتلاك بهذا الشكل يولد الحسد والجشع والطمع والرغبة الشريرة وكل ما من شانه ان يلحق الاذى بالاخرين من اجل الاستحواذ على اكثر مما يمتلكون..

الحقيقة اننا لانمتلك الا مايمكننا اعطاؤه، لهذا تساوت في الولادة والموت ، طقوس العري والستر للجسد الانساني، لانملك الشيء ونملكه في الوقت نفسه، ثم ينزع عنا ذلك بلمحة اقل من انعطافة البصر الى جهة وعودته مرة اخرى.. فلسفة وفن الحياة اننا لانملك الا مانعطيه للاخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/تشرين الاول/2013 - 25/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م