قيم التقدم: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

شبكة النبأ: تعد المحاسبة من أهم ضوابط تحسين السلوك، لاسيما لذوي المناصب العليا، والمسؤوليات الكبيرة، فإذا كانت المحاسبة حاضرة وموجودة، كان التصحيح حاضرا، ويصح العكس، والمحاسبة تأتي على نوعين، محاسبة ذاتية يقوم بها الانسان نفسه، ومحاسبة خارجية تؤديها القوانين والشرائع والاعراف وما شابه.

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قاعدة اسلامية، ذكرتها احدى الآيات القرآنية في سورة آل عمران، وقد جاء في نصها الحكيم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)، هذه القاعدة ينبغي أن تضبط حركة المسؤولين الكبار وعموم انشطتهم عندما يؤدون مهامهم بخصوص مسؤولياتهم التي تتعلق بادارة شؤون الدولة والمجتمع، وكلما كان المسؤول ملتزما بروح النص القرآني الوارد في الآية الكريمة المذكورة، كقاعدة لمحاسبة الانسان مسؤولا كبيرا او صغيرا، كلما كان اقرب للصواب من غيره، ويصح العكس، بمعنى أوضح كلما كانت مسؤولية الانسان ومنصبه اكبر وأخطر، وتعلق بعدد اكبر من الناس، كلما توجّب الالتزام بقاعدة (الامر بالمعروف) اكثر فأكثر.

فإذا تمت محاسبة المسؤول الكبير بدقة، وعدالة، وفقا لقاعدة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)، من دون محاباة او مجاملة، أو خوف من النفوذ والجاه والمنصب، كلما كانت النتائج ذات مردود ايجابي واسع للمجتمع، علما ان المسؤول الصغير عندما يرى بعينيه وبصيرته ان المسؤول الكبير تمت محاسبته بعدالة، وتمت معاقبته على اخطائه التي ارتكبها مهما كان حجمها او تأثيرها، كبيرا او صغيرا، فإن المسؤول الصغير سوف يرتدع، وسيفكر الف مرة، قبل أن يقدم على ارتكاب الخطأ.

ولا ينحصر هذا الامر بفرد او مسؤول دون غيره، بل الكل سواسية ازاء هذه القاعدة السلوكية الفكرية، التي ينبغي أن تحكم الجميع، وعندما تصبح منهجا عاما، ملزما لكل افراد وجماعات الدولة والمجتمع، فإن النتائج ستكون مهمة على صعيد تحسين اداء الفرد، والجماعة والدولة والمجتمع عموما، لاسيما أن امة الاسلام من الامم التي تصدرت الفعل الانساني القويم منذ انبثاق الرسالة النبوية العظيمة.

يقول المفكر والاديب، الشهيد، آية الله، السيد حسن الشيرازي، في مقال له بعنوان (مواصفات الأمة الاسلامية) في هذا الصدد: أنتم ـ أيها المسلمون! خير أمة أخرجت للناس، لأنكم الأمة القائدة: (تأمرون بالمعروف)، وهو كل خير وتقدم وانطلاق...(وتنهون عن المنكر)، وهو كل شر وتخلف وانغلاق... فما دمتم تمارسون صلاحيتكم كأمة قائدة، فأنتم خير أمة أخرجت للناس. وإذا تخليتم عن ممارسة صلاحيتكم كأمة قائدة، لم تكونوا خير أمة أخرجت للناس.

هكذا يمكن أن نفهم مدى خطورة تطبيق هذه القاعدة ونتائجها، فيما لو خضع لها المسؤول الكبير اولا، ثم صغار الموظفين ومن كل المراتب، فضلا عن عامة الناس، فالجميع يجب أن يخضع لقاعدة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ولكن اهمية وأولوية هذه القاعدة يجب أن يتم تطبيقها على الكبار اولا حتى يرتدع الصغار عن ارتكاب الاخطاء المتعمَّدة.

إن قيمة هذه القاعدة السلوكية الفكرية الاخلاقية، تكمن في تحسين الاداء على الصعيد الفرد والجماعي، في الدولة والمجتمع، على أن تضمن الجهات المعنية تطبيقها على الجميع، وأولهم من يتصدرون قيادة الدولة والمجتمع، وكلما التزمت مكونات المجتمع بما تذهب اليه هذه القاعدة من قيمة عملية فكرية كبيرة، كلما أمكن تحييد بؤر الشر، وتقليص المشاكل التي تحد من تطور الدولة، ومن ثم اضفاء حالة الانصاف والعدل في النسيج المجتمعي عموما، وعدم الاقتصار على الفقراء او الضعفاء او البسطاء، عندما نريد أن نطبق هذه القاعدة، لان الغبن سوف يبدو واضحا، خاصة اذا تمكن المسؤول من تحييد المضمون العادل لقاعدة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)، عند ذاك سوف تحدث حالة الاختلال (كما تؤشر ذلك حالات واقعية عاشها المسلمون ولا يزالون)، تنتج عنها ظواهر سلبية تنتعش في مجتمعات ضعيفة، تغيب فيها قيمة المحاسبة المنصفة والعادلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/تشرين الاول/2013 - 25/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م