تشير موجة التفجيرات التي طالت المواقع الحساسة في أربيل مؤخرا
والمتمثلة في وزارة الداخلية ومديرية الاسايش الى ان اقليم كردستان
العراق لم يعُد في منأى عن الضربات الارهابية التي يجوب دوي انفجاراتها
بقية مدن العراق بشكل عشوائي يوميا، وليس مجافاة للحقيقة القول بأن ما
حصل في الاقليم هو شظية من شظايا الحرب الأهلية الدائرة على الأراضي
السورية والتي اتخذت منحىً آخر في نهاية المطاف بعد أن باتت الحركات
المتطرفة تشكّل الجزء الأكبر مما كان يسمى بـ (المعارضة السورية)،
وخاصة بعد الانشقاقات الأخيرة التي رجّحت كفة الحركات المتطرفة على
حساب الحركات الوطنية داخل المعارضة المسلحة السورية.
رغم ان السلطات المحلية في الاقليم قد أعلنت مرارا طلب العون من
المجتمع الدولي والحكومة العراقية أزاء مسألة النزوح الجماعي من
المناطق السورية نحو الاقليم ألا أن سلطة الاقليم لم تخطو خطوات عملية
مبكرة لتأمين المناطق الحدودية مع منطقة الجوار الملتهبة: (ضبط الحدود)،
بل على العكس، كانت قد (فتحت الحدود على مصراعيها) وتعاملت ومنذ
البداية مع انفلات الوضع الأمني على الحدود مع سورية بطريقة لم تكن
حذرة ومسؤولة، بمعنى آخر، فقد كان توسيع منطقة النفوذ السياسي هو
الزاوية الوحيدة التي نظرت من خلالها سلطة الاقليم للأحداث من حولها
الأمر الذي تسبب في اتساع دائرة الطموح السياسي دون دراسة متأنية لما
يجري على أرض الواقع، وبالتالي تم اغفال عملية وضع الخطط الكفيلة
بتلافي الأضرار الجانبية والقادرة على مجابهة المتغيرات المحتمل حدوثها
في ساحة الصراع السوري.
سواء ما تعلق فيما بعد، بالاشتباكات بين أكراد سورية والحركات
الارهابية، أو المتعلق منها بفشل المفاوضات بين حزب العمال الكردستاني
والحكومة الاردوغانية بسبب تنصل الحكومة التركية عن وعودها المتفق
عليها من قبل الطرفين.
بعبارة أخرى، بمعزل عن التدخلات الارتجالية من قبل سلطة الاقليم على
خط الأزمة السورية، فان السلطات في الاقليم كانت قد تناولت ملف النزوح
رغم ما ينطوي عليه من محاذير (لاتقبل التأجيل)، كانت قد تناولته بشكل
نظري/اعلامي مع الحكومة المركزية والمنظمات الدولية لم يتعدى أروقة
وسائل الاعلام، فقد كان التركيز من قبل سلطة الاقليم وطوال هذه الفترة
على ملفات أخرى (قابلة للتأجيل)، من حيث عدم تماسها المباشر مع حياة
الفرد في اقليم كردستان العراق إذا ما قورنت بالأضرار التي من الممكن
أن ينجم عنها التدفق العشوائي من المناطق السورية الى الإقليم.
وبالإضافة الى شكلية الطرح فإن السلطة في الاقليم أساسا قد أدخلت نفسها
في مرحلة العجز الرسمي عن ايجاد حل حقيقي لمعضلة النزوح التي أدت فيما
بعد نتيجة افتقارها الى الضبط والتنظيم أن تشكّل ثغرة أمنية يتم من
خلالها تمرير الأسلحة والعناصر الارهابية المسلحة أيضا.
لقد أدى الخلل الأمني المشار اليه الى ايقاظ الخلايا النائمة
التابعة للحركات السلفية داخل الاقليم والتي لم تكن تمتلك الامكانيات
اللازمة لإختراق الاجهزة الأمنية داخل الاقليم فيما سبق، لكنها إستطاعت
أن تكون حاضنة لما تم تمريره من أسلحة وعناصر ارهابية الى الاقليم خلال
الفترة المنصرمة، فقد أشارت وسائل الإعلام الى أن سيارات الإسعاف التي
استخدمت في العملية الارهابية في أربيل، هي ممن تم الاستيلاء عليها من
قبل الجماعات المسلحة التابعة للقاعدة في كل من الموصل وكركوك وطوز
خورماتو، وبالنتيجة لم يكن باستطاعة العناصر الارهابية المتدفقة تنفيذ
فعلها الاجرامي دون وجود حواضن لها داخل الاقليم.
فيما مضى كانت الضربات التي سبقت الأخيرة والتي تم على أثرها تحجيم
وجود التنظيمات الارهابية داخل الاقليم، كانت قد تمت في اليوم الأول من
أيام عيد الأضحى المبارك في الأول من شباط 2004، وكنت قد كتبت في حينه
مقال بهذا الشأن بعنوان (الإرهاب ربيب الشيطان) تكوّن من جزئين. في
الحقيقة ومما يستوجب الاشارة له، ان المعالجات الأمنية كانت ناجعة في
حينه أدّت الى إنهاء فعلهم الارهابي حتى عام 2007 حين استهدفوا مقر
وزارة الداخلية.. الا أنهم عادوا لإستهداف الاقليم مجددا، يوم الأحد
الفائت بطريقة لاتخلو من التحدي تمثلت في طبيعة الأهداف الحكومية التي
تعرّضت للإستهداف وحجم الفعل الارهابي ودقة التنفيذ. الأمر الذي يتطلب
فعلا مضاعفا من قبل الجهات المختصة لمنع ذلك من التكرار.
كما ان اتساع حجم الفعل الارهابي الأخير وما يرافقه من أوضاع سياسية
لا زالت معلّقة داخل الاقليم وملفات أخرى مع الحكومة المركزية لم تُحسم
بشكل قطعي الى الآن، يتطلّب أن تتخذ المعالجة الأمنية هذه المرّة، طابع
الحذر والابتعاد عن توظيف المعالجات لإثارة الخصوم ونيل المكاسب على
حساب الفرقاء في داخل وخارج الاقليم. فالوضع الأمني والسياسي المحيط
بهذه العملية الأخيرة يختلف اختلافا جذريا عن سابقاتها سواء على الصعيد
الداخلي أو الخارجي، مما يستدعي التنازلات المتبادلة للوصول الى درجة
من التوافق مع الفرقاء السياسيين. وبالمقابل الارتقاء بدرجة التعاون
والتنسيق الأمني بين اربيل وبغداد والقفز على الخلافات وإعادة ترتيب
الأولويات التي تحكم العلاقة بين الطرفين.
ليكن حقن الدم العراقي وارساء الأمن في الاقليم وبقية المحافظات
العراقية هو الهم المشترك من خلال وضع استراتيجية أمنية مشتركة تُرسم
من خلالها آلية فعالة لمجابهة الارهاب في الداخل وتكفل حصانة الحدود
العراقية من خطر موجات التطرف المرشحة الى الانتشار أكثر في العراق
والمنطقة بزمن قياسي قد يكون كانتشار النار في الهشيم أو هو أسرع. نسأل
الله الشفاء للجرحى والرحمة على أرواح ضحايا الارهاب في عموم العراق،
ورَحمَ الله مِنَ الأحياءَ مَنْ إعتَبَر. |