ثياب الامبراطور واسمال الصعاليك

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: القسم الاول من العنوان ورد مصادفة مع عنوان كتاب للشاعر فوزي كريم (ثياب الامبراطور: مقالة في السياق الشعري السائد) قسم فيه شعراء العرب الى مجموعتين: مجموعة أسماها شعراء (التجربة الروحية) و (الحيرات المربكة) ومجموعة ثانية أطلق عليها مجموعة أو مدرسة شعراء النص والصناعة الشعرية وشعراء لعبة الشكل واللفظ , أو شعراء فصل النص عن التجربة..

العنوان في قسمه الاول ليس المراد منه محاورة الشاعر في ما كتبه حول الشعر، بل هو اقرب الى الدلالة التي حملتها قصة (ثياب الامبراطور) للكاتب الدنماركي هانز كرستيان أندرسون. والتي تكشف عن نفاق السلطة والحاشية والجموع المضطهدة.

ولا اقصد بالصعاليك، ومفردها الصعلوك وهو الفقير الذي لا يملك المال الذي يساعده على العيش وتحمل أعباء الحياة, بل استخدمها في ما تجاوزت اليه في دلالاتها اللغوية حين اخذت معاني أخرى كقطاع الطرق الذين يقومون بعمليات السلب والنهب.

وايضا الصعلوك في الدلالات الجديدة هو:

(ضعيف - خارج على القانون – لص). وهذه الدلالات الجديدة يمكن ان تنطبق على الكثير من سياسيي العهد الجديد في العراق بعد العام 2003، الذين ورثوا تلك (الصعلكة) من العهد السابق مع اضافات تناسب التوجهات الديمقراطية الانتقالية الجديدة..

العنوان بشقيه مجموعة افكار حول الملابس التي يرتديها الناس، وما تحمله من دلالات رمزية تظهر الكثير من حمولات القوة والسلطة والنفوذ والغنى والفقر، وهو ما نراه بشكل واضح وملموس في ما يرتديه اصحاب الوظائف الحكومية واصحاب المصالح المرتبطين بهم، من تجار ومقاولين وحمايات خاصة وغير ذلك.

اتاح لي احد الاصدقاء فرصة لقاء مع محافظ احدى المدن العراقية، حيث التقاه لتهنئته بمنصبه الجديد.. في الوقت الفاصل بين زمن الانتظار واللقاء كنت اتمعن النظر في الجالسين في قاعة الانتظار الذين ينتظرون دورهم للقاء المحافظ، وايضا في الموظفين المرتبطين اداريا بهذا المنصب، من مدير المكتب الى المصور والاعلامي والساعي الذي يقدم المشروبات الباردة للضيوف.. معظم المتواجدين كانوا يرتدون ما بات يعرف في الاوساط العراقية على اختلافاتها الاقتصادية والثقافية بالزي الرسمي، والذي يتمايز عن الزي الكلاسيكي لدى باعة الملابس الذين اخترعوا تلك التسمية لهذه الملابس يضاف اليها نوعا اخر ثالث وهو (هاف كلاسيك)..

كان يجلس امامي احد الاشخاص وكنت اشعر به يتململ في جلسته وهو يعدل ربطة عنقه يمينا وشمالا، ويضع حقيبته على الكرسي بجانبه وليس على الارض، دلالة اخرى على ما كان يعانيه من ارتباك وهو يرتدي هذا الزي الرسمي. كنت اشعر به يختنق، ودقائق الانتظار تطول عليه..

مدير المكتب لا يبتسم، فالرسمية التي عليها والتي تمنحها له صفته الوظيفية وما يرتديه من تلك (الملابس الرسمية) تتعارض مع الابتسام، فالعبوس وقار واحتشام، والشخص المبتسم لايخيف الاخرين..

حزنت لمظهر الساعي، كان قصير القامة وكانت البدلة ترتديه ولا يرتديها، لكنه كان بارعا في تحركاته، ربما يعود ذلك الى الحذاء ذي المقاس الكبير الذي كان يرتديه ولا يناسب قياس اقدامه، لكن للضرورة احكامها، فالاناقة ومواكبة الموضة في الشكل اهم مما يشعر به من ارتياح..

هل ثمة علاقة بين الزي او اللباس او الثياب بالسلطة وتمظهراتها من القوة والنفوذ والسيطرة؟

مفاهيم القوة والسلطة والنفوذ، تعتمد فى اجزاء كثيرة منها على ما يدركه الاخرون عنها وما تتركه من انطباعات فيهم. وقد استخدم كتاب صدر تحت عنوان (السلطة والأزياء: تاريخ عالم السياسة والمظهر الخارجى)، «عدسة الموضة» لرصد التحولات السياسية والاجتماعية التى طرأت على العالم من خلال نوعية الملابس المستخدمة على مر العصور، ونقلت مجلة «تايم» الأمريكية عن الكتاب أبرز ١٠ أزياء استُخدمت لتأكيد النفوذ. وفى مقدمة القائمة، يأتى «الريش»، الذى كان زعماء القبائل الأمريكية الأصلية (الهنود الحمر) والمحاربون القدامى يرتدونه لقرون. وإلى جانب جاذبيته للعين، حظى «ريش النسر» بمعنى رمزى، لأن كل واحدة منه تعنى تحقيق انتصار أو إنجاز عمل شجاع.

ويعتبر الثوب الرومانى (التوجا) أبرز الملابس التاريخية، واسُتخدم الثوب، لتمييز الأحرار عن العبيد. وكان يرمز للقوة والسلطة لدى الشعب الرومانى.

والثوب الذي هو بمثابة (الهوية) بالنسبة للكثيرين وخاصة الحكام المستبدين، جعل الكثير من الديكتاتوريين الذين لا يحكمون بالعقل يتزيون بأثواب تعكس ما يريدونه من قراراتهم. هتلر وموسوليني حبسا جسديهما في البدلة العسكرية ليفرضا هذا النمط على مجتمعيهما، صدام هجر البدلة المدنية في وقت الحرب، وارتدى عباءات نفاقاً للقبائل عند زياراته للمناطق البدوية، ومثله فعل حافظ الأسد الذي ترك لسكان كل منطقة سورية تمثالاً في زي رجالها، أما عارض الأزياء العربي الأشهر القذافي فقد تقلّبت ألوانه بين العربي والإفريقي، وبقيت خطوط أزيائه اختراعاً خاصاً بمصمميه تجعل من القذافي جنساً مراوغاً فوق تصنيفات المؤنث والمذكر.

يرى الباحث المغربي الدكتور عبد الرحيم العطري أن اللباس منتوج ثقافي خالص، به ومن خلاله نعلن عن انتماءاتنا التراتبية وانحداراتنا الاجتماعية، بل وحتى عن مواقفنا واختياراتنا العقائدية والمذهبية والسياسية. فليس هناك من لباس صامت، إنه حمّال أوجه ومعانٍ، وناطق بالمعلن والمضمر من خطابات وتمثلات وممارسات.

والرمز يتكرس وتتأسس سلطته التأثيرية عن طريق الاستعمال، كما أنه عن طريق «تطقيس» الرمز وتصريفه في المجال، تتوطد هذه السلطة وتصير موجبة للخضوع والهيبة، فالبناءات الخاصة، مثلاً، بالمساجد والكنائس وقباب الأولياء المتجهة نحو السماء، تؤسس لسلطة الرمز، من خلال حضوره المجالي. كما أن لباس الشرطي أو الإمام أو القس أو القاضي، يؤسس ذات السلطة ويسوغها مجتمعياً، بما يدل على أن اللباس لا يحتمل قراءة خطية وحيدة، بل يستوجب مداخل متعددة للقراءة والاشتغال.

وللباس ثلاث وظائف على الأقل: تمثيل الواقع رمزياً، إعادة إنتاجه اجتماعياً، وتكريس سلطته رمزياً ومادياً. وبالطبع فإن اللباس لا يمكنه، ولوحده، استدماج وتصريف هذه الوظائف، فلابد له من تمفصلات مع حقول أخرى، تمنحه القدرة على إعادة إنتاج الواقع وتبرير سلطته.

إن اللباس في حقل التنافس الاجتماعي لا يكون منذوراً للصدفة، إنه إعلان للهوية وتجذير للوجاهة، ولهذا نجده يختلف من مناسبة لأخرى، فالأفراد في الحياة الاجتماعية، وكما يقول ليفي ستراوس «لا يتواصلون مع بعضهم بعضاً بالكلمات التي ينطقونها وحدها، بل يتواصلون أيضاً بالملابس التي يرتدونها، والطعام الذي يأكلونه، والطريقة التي يقفون بها، والطريقة التي يرتبون بها أثاث الغرفة...»، فكل ممارسة في هذا الحقل، ومهما كانت بسيطة، تضمر رسالة معينة، يتوجب فك شفراتها، من أجل تأمين موقع اجتماعي أو إعادة ترتيبه وصيانته من جديد.

الزي الرسمي في عراق العهد الجديد، من بدلة وربطة عنق استبدالا للزيتوني والخاكي والسفاري في عهد النظام السابق، حيث كانت ترمز تلك الازياء الى التمايز في القوة والنفوذ ودرجات القرب من السلطات العليا في التراتبية السلطوية للنظام السابق..

في ما يتعدى ذلك، وعن الازياء وعصرنا الراهن الذي نعيشه على ايقاع ماتنتجه العولمة في جميع المجالات، نشرت دورية «بوبيولار كالشر» (الثقافة الشعبية) بحثا عنوانه: «نسيج ثقافي: الأزياء والهويات والعولمة» عن أزياء الشعوب وصلة ذلك بالهوية ومعنى ذلك في عصر العولمة.

أشار البحث كمثال إلى التغير الكبير في الصين خلال الثلاثين سنة الماضية. وقال: اختفت أزياء ماو تسي تونغ، وظهرت آخر الموضات الغربية.

وأضاف: «يظل الصينيون متأثرين بالتقسيمات والطبقات الاجتماعية التي ورثوها عن أجدادهم، وكانت واضحة في الملابس، قبل أن يأتي ماو ويوحدها. وهاهم يرون الموضات الغربية الراقية رمز الأرستقراطية، بينما تخطى الغربيون مرحلة الأرستقراطية. في نفس الوقت، وبسبب الفقر الذي لا يزال منتشرا في ريف الصين، انتشر البنطلون من قماش «الجينز» والقميص «تي شيرت». ولا بأس في ذلك، فهذا الأسلوب في اللبس يجعل الريفي في الصين يحس وكأنه صار مثل الريفي الأميركي.

وفي قمة النظام السياسي والاجتماعي الصيني، صارت عولمة الملابس واضحة، حيث ذهب «زي ماو»، وحلت محله البدلة الغربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/أيلول/2013 - 23/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م