سوريا وشراذم المعارضة الدموية

 

شبكة النبأ: يزداد يوما بعد يوم تشرذم وانقسام المعارضة السورية التي منذ نشأتها استخدمت العنف والاسلاح للتحقيق اهدافها المشبوهة، حتى وصلت إلى طريق مسدود عندما طُرح القرار المفاجىء لعدد من المجموعات البارزة المسلحة في سوريا، برفض الاعتراف بما يسمى الائتلاف الوطني المعارض وتشكيل إطار جديد يضم جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، وهو ما أضفى شكوكا حول القدرة التمثيلية للمكون الابرز في المعارضة السورية والذي يحظى بدعم الدول الغربية.

حيث وجهت هذه الخطوة ضربة قاسمة للمعارضة في الخارج، ويتضح من هذا القرار أن الجماعات المسلحة وما يسمى بالمعارضة السورية أكثر انقساما وتشرذما وتوافق في الرؤى مما تبدو عليه او تظهره وسائل الإعلام غير المنصفة للقضية الشعب السوري.

فعلى الرغم من كل الجهود الحثيثة التي تبذلها الدول الداعمة لها من أجل خلق انسجام او توافق في الموقف والقرار لما يسمى بالمعارضة السورية تزاد الانقسامات والتقاطعات بصورة حادة، ليعكس عدم التجانس الذي تتسم به المعارضة المسلحة المزعومة، مدى الأجندة التي تهدف اليها الدول الداعمة الإقليمية والدولية المحرضة للمعارضة خاصة من المتطرفين، لتظهر حيث تظهر غاياتهم إلى أي مدى وصل الصراع المستمر منذ 30 شهرا.

إذ يرى الكثير من المحللين أن عجز المعارضة السورية عن الاتحاد أدى إلى احجام الدول الغربية عن امدادها بالاسلحة حتى مع تحقيق الجيش السوري في الاشهر الماضية لمكاسب، لتأتي رفض مجموعات مقاتلة الاعتراف بالائتلاف السوري ويضعف موقفها أمام الغرب، فهم يشعرون بخيبة الأمل لعدم قدرة قيادتهم السياسية في الخارج على تكوين جبهة موحدة تقنع القوى الخارجية بإمداد المعارضة بمزيد من الدعم العسكري والمالي، فضلا عن استمرارهم بارتكاب جرائمم حرب وانتهاكات حقوقية صارخة في سوريا.

فيما يرى معظم المحللين الحقوقيين ان انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أصبحت هي القاعدة في سوريا اليوم، حيث تظهر معدلات القتل المرتفعة إلى أي مدى تفاقم الصراع، ويرى هؤلاء ان مساعي بعض الأطراف الإقليمي الى استعادت هيمنتها مجددا، ساهمت بشكل كبير في اشعال فتيل الحرب ذات الصبغة الطائفية بين أبناء الشعب السوري مما أدى إلى مأساة راح ضحيتها الآلاف من المدنيين في سوريا وشاعت الفوضى والدمار في بلاد بسبب الممارسات الارهابية من لدن الجماعات المسلحة المتمردة.

في حين يعتبر بعض الخبراء في شؤون الارهاب والتمرد، ان هذا القرار يفرغ المعارضة المسلحة من عدد من مكوناتها الابرز، ويقول "الخطوة مضرة جدا (بالجيش الحر) لان هذه المجموعات تمثل شريحة مهمة من المعارضة المسلحة، وتضم افضل مقاتليها"، ويتشارك الخبراء في النزاع السوري آرون لوند هذا الرأي. وكتب هذا المحلل السويدي على مدونته "يتعلق الامر بتمرد مجموعة كبيرة من +التيار الاساسي+ على قيادتها المفترضة، والتحالف مع قوى اكثر تشددا"، ويقول الخبراء في شؤون المجموعات الاسلامية في سوريا توما بييريه ان هذه المجموعات رفضت قبل عام الوقوف الى جانب جبهة النصرة في مسألة رفض الاعتراف بالائتلاف المعارض، ويقول "بعد مأزق الاسلحة الكيميائية، فقد بعض المسلحين الامل في ان يتمكنوا من الاستفادة من عناصر ايجابية من التفاهم مع الغرب".

ويسلط المحللون الضوء على غياب تنظيم جهادي اساسي ينشط في سوريا هو ما يسمى بـ "الدولة الاسلامية في العراق والشام" عن التشكيل الجديد، وترتبط الدولة الاسلامية بتنظيم القاعدة، واشتبكت في الاسابيع الماضية مع بعض مجموعات المعارضة المسلحة، ويعتبر لوند ان غياب الدولة الاسلامية عن التوقيع على البيان قد يعكس رغبة هذه المجموعات "بعزل" الدولة بسبب الاشتباكات المتكررة مع مجموعات اخرى ذات توجه اسلامي معتدل، الا ان المحللين يعتبرون ان الخطوة الجديدة ستؤثر على رغبة الدول الغربية بتسليح مقاتلي المعارضة من خلال اللواء ادريس.

كما ستؤدي هذه الخطوة الى تعثر محاولات التوصل الى حل سياسي للازمة السورية المستمرة منذ نحو 30 شهرا، نظرا الى ان الائتلاف المعارض سيفقد بعضا من نفوذه على المجموعات الميدانية، ويقول خبير في مركز "كارنيغي" الشرق الاوسط يزيد صايغ "صحيح ان المعارضة لم تكن تحقق تقدما (سياسيا)، لكن فقدانها التأثير سيفرض تحديات اضافية، وقدرتها التمثيلية ستصبح مشكلة اساسية".

فكما يبدو إنه سيمثل هذا القرار انتكاسة للزعماء الأجانب الذين يحاولون دعم جماعات المعارضة الاقرب للتيار المدني وطمأنة الناخبين المتخوفين من تورط أكبر في الحرب السورية. وقد يعيد البعض التفكير في مساعدة المقاتلين والتي تشمل تزويدهم بالسلاح من دول خليجية عربية ومساعدات أخرى غير مميتة من أوروبا والولايات المتحدة، وبالنسبة للأسد الذي اسعده بالفعل الدعم الدبلوماسي من روسيا الذي أحبط خططا أمريكية لقصف قواته بعد هجوم كيماوي فإن أي ائتلاف أقوي للمعارضة قد يتحدى تفوق جيشه في القتال.

وقد يكون الابتعاد عن الجيش الحر متعلقا بالمكان أيضا فمعظم الجماعات التي وقعت لتشكيل الكيان الجديد هي كتائب في شمال سوريا حيث تسيطر المعارضة على قطاعات كبيرة من الاراضي، وبغض النظر عن الخلفيات الايديولوجية يرفض عدد كبير من جماعات المعارضة داخل سوريا الائتلاف الوطني السوري المعارض ويتشككون فيه، ويتهم منتقدون الائتلاف بعدم الشفافية فيما يتعلق بالتمويل وبالعمليات السياسية التي يقوم بها. ويقول المنتقدون إن الائتلاف منفصل عن الشعب السوري.

جرائم حرب وانتهاكات انسانية

في سياق متصل قالت محققة دولية معنية بحقوق الانسان ان جرائم الحرب التي يعزى ارتكابها الى المعارضة السورية وقع اغلبها على ايدي مقاتلين اجانب وهو ما يسلط الضوء على خلاف يزداد عمقا في صفوف المعارضة ويمثل عقبة في سبيل محادثات السلام.

وقالت المحققة كارن كونينج ابو زياد لرويترز في جنيف "اذا كنت ستبحث عن الجماعات (المعارضة) التي ترتكب أفظع الجرائم فابحث على وجه الخصوص عن المقاتلين الاجانب فهي حيث يقاتل المقاتلون الاجانب"، وأضافت انه في تباين مع ذلك يحاول سليم ادريس رئيس المجلس العسكري الاعلى الذي يشرف على تجمع فضفاض من المقاتلين يعرف بالجيش الحر "غرس قانون حقوق الانسان" وتدريب الجنود على قوانين الحرب، وهو ماسيعيق محادثات للسلام كما يدعو ما يسمى بمؤتمر "جنيف 2".

كما أكد محققون تابعون للأمم المتحدة معنيون بحقوق الانسان إن جماعات معارضة متشددة في سوريا منهم مقاتلون أجانب يدعون للجهاد صعدوا من جرائم القتل وجرائم أخرى في شمال البلاد، وقال باولو بينيرو رئيس لجنة التحقيق المستقلة لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة "في شمال سوريا هناك تصاعد في الجرائم وانتهاكات ارتكبتها جماعات مسلحة متطرفة مناهضة للحكومة مع تدفق مقاتلين أجانب. ألوية بأكملها مشكلة الآن من مقاتلين عبروا الحدود إلى سوريا و(المهاجرين) واحدة من أنشطها"ـ وقال المحققون من قبل ان مقاتلين أجانب من أكثر من عشر دول من بينها أفغانستان والشيشان وقوات النصرة التي لها علاقة بالقاعدة يدعمون المعارضين السوريين.

وقال فيتيت مونتاربورن "الان ربما كانوا أكثر. النقطة هي ان هذه العناصر المتطرفة لها أجندتها الخاصة بها وبالتأكيد الأجندة التي يسعون الى فرضها ليست ديمقراطية." وأضاف "هذا سبب قلق رئيسي من جانبنا".

على صعيد ذو صلة  تشعر المعارضة السورية بخذلان شديد من قرار واشنطن ابرام اتفاق مع موسكو للتخلص من الاسلحة الكيماوية للرئيس السوري بشار الاسد لكن دبلوماسيين يحذرون الائتلاف الوطني السوري المعارض من انه يخاطر بفقدان الدعم الغربي اذا لم يتكيف مع الواقع الجديد، ويقول دبلوماسيون ومصادر من المعارضة ان الخلاف الذي ادى الى نفور المعارضة السورية من الولايات المتحدة يهدد باخراج الجهود الدولية لانهاء الحرب السورية المندلعة منذ سنتين ونصف السنة عن مسارها.

في حين بعض المراقبيين ان الخلاف الدائر في الكواليس والذي يبدو ان تركيا والسعودية تنحازان فيه الى صف المعارضة تطور مع ابرام الولايات المتحدة وروسيا اتفاقهما لتدمير الترسانة الكيماوية للاسد بعد هجوم بغاز الاعصاب على مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في دمشق ادى الى مقتل المئات، واصبحت التوقعات المتدهورة للمعارضة وخلافها مع واشنطن امرا واضحا في اجتماعها في اسطنبول حين تغيب الدبلوماسيون الامريكيون.

واعترف مسؤول كبير في المعارضة ان اجتماع الائتلاف الذي اختتم لم يتوصل الى اي استراتيجية جديدة. وكانت المعارضة لا تزال تترنح من الاتفاق الامريكي الروسي الذي وصفه بأنه كان "صفعة على الوجه" للمعارضة، واضاف "لا يمكن لدول الخليج ان تقول ذلك صراحة لكن يوجد ميل متزايد لتجاهل الامريكيين وتوجد فجوة كبيرة الان بين الامريكيين من جانب والسعوديين والاتراك والاماراتيين من جانب آخر. حتى قطر ليست سعيدة بالاتفاق.. كما لو أن المشكلة كانت الاسلحة الكيماوية وليس نظام الاسد"، وتمثل دول الخليج الداعم المالي الرئيسي للمعارضة وتقدم الاسلحة لكتائب مقاتلي المعارضة عبر تركيا، ومع تردد المعارضة بصورة متزايدة في الذهاب الى جنيف قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ان الوقت حان لاجبارها على الحضور.

بينما يرى بعض الخبراء انه لكي تحظى المعارضة بمصداقية ينبغي ان تجيب على الاسئلة الكبيرة: كيف ستكون سوريا بدون الاسد؟ كيف ستتعامل المعارضة مع الازمة الانسانية؟ وكيف توحد الكفاح المسلح ضد الاسد، ان المعارضة تتصرف كما لو كانت زوجا يرد على خيانة زوجته، وهذه ليست استراتيجية.

ومن مفارقات النزاع السوري انه اذا كانت المعارك بين مقاتلي مجموعات جهادية وآخرين من مجموعات معتدلة قد تكاثرت في الاونة الاخيرة في بعض المناطق، فان الطرفين يقاتلون في مناطق جنبا الى جنب ضد الجيش السوري، وهو ما يعتبره البعض احد المؤشرات على تعقيدات هذا النزاع، وعليه في ظل تشرذم المعارضة وتشعب مجموعاتها يبدو أنها تسير صوب نهايتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/أيلول/2013 - 23/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م