أمريكا بين ايران واسرائيل... خارطة طريق مجهدة

 

شبكة النبأ: ما بين المماطلة السياسية والدبلوماسية الناعمة يموج اعقد صراع بين خصمين سياسيين هما إسرائيل وإيران منذ سنوات عديدة بحيث أضفى صراعهما جدلية وازدواجية على المستوى الدولي لما يحتويه من مناورات سياسية وأجندات مفتوحة.

فبعدما وصلت العلاقات بين الغريمين أدنى مستوياتها في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من خلال التصريحات النارية والاتهامات المتبادلة بشأن عدة قضايا حساسة أبرزها الملف النووي الايراني، يبدو الآن أن الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني انتهج منذ تنصبيه سياسية براغماتية تدريجية مرنة لتعامل مع الخلافات والقضايا الدولية وابرزها الخلاف مع إسرائيل وأمريكا، فأستبدل معه لهجة التصريحات النارية وقذف التهم بـ النبرات التصالحية ودبلوماسية ناعمة تجاه خصومه، وقد جسد التنسيق الدبلوماسي بين ايران والولايات المتحدة مؤخرا ناجح أولي لهذا السياسية مع امريكا بعد المكالمة الهاتفية التاريخية بينه وبين الرئيس الامريكي باراك اوباما، واتخذت حكومة إيران الجديدة في عهد الرئيس المعتدل نسبيا حسن روحاني نهجا لينا بالتزامن مع الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة حيث وافقت على استئناف المفاوضات النووية الدولية والتي ستشمل اجتماعا بين وزير خارجيتها جواد ظريف ونظيره الأمريكي جون كيري.

لكن اصطدمت حملة الرئيس الايراني الجديد لاستمالة الغرب واختلاف نهجه عن سلفه الذي كان ينفي حدوث محارق نازية لليهود بحائط شك في خصمها اللدود اسرائيل زاد صلابة بمواصلة طهران لبرنامجها النووي.

على الرغم من وصف الرئيس الايراني محرقة النازي بانها جريمة بحق اليهود والتهنئة إلايرانية بالسنة اليهودية الجديدة، الا أن اسرائيل شكك بجهود الرئيس الايراني وقالت إنه ينبغي للعالم ألا ينخدع بمبادرات إيران التصالحية بشأن برنامجها النووي بعد أن قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما للجمعية العامة للأمم المتحدة إن واشنطن مُستعدة للتعامل مع طهران دبلوماسيا، كما عبرت عن قلقها من اجتماع محتمل بين الرئيسين الامريكي والايراني قائلة ان طهران سعت للمصالحة مع القوى العالمية كحيلة حتى تمضي قدما في برنامجها النووي.

حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان "تعتقد إيران أن كلماتها المهدئة وإجراءاتها الرمزية ستمكنها من مواصلة مسيرتها الى (امتلاك) القنبلة" الذرية.

كما قال مسؤول اسرائيلي رفيع يشارك في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة لرويترز "توقعنا منذ انتخاب روحاني ان يجرى حوار أمريكي مع ايران، "هدفنا هو تأكيد ان هذه المحادثات ..اذا اجريت.. سيرافقها فعل وبصورة عاجلة. الايرانيون يبتسمون ويخدعون وهذا ما يتعين فضحه".

وسيشير نتنياهو في محادثاته مع الرئيس الامريكي باراك اوباما في البيت الأبيض وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الى ما يرى انه نفاق ايراني يهدف الى تفادي فرض عقوبات اجنبية مع دخول المرحلة النهائية لانتاج اسلحة نووية.

وحسب تعبير القناة الثانية بالتلفزيون الاسرائيلي فمن المفترض ان يقوم نتنياهو بدور لا يحسد عليه "كمفسد للحفل" في محاولة للحد من اي توقعات غربية بحدوث انفراجة بخصوص برنامج ايران النووي.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رأى اوباما ان اقتراحات روحاني ربما "تقدم الاساس لاتفاق ذي مغزى" مع ايران لكنه لم يصل الى حد تقديم اي عرض بتخفيف العقوبات التي تشل الاقتصاد الايراني، وسلم مسؤول أمريكي كبير تحدث بشرط عدم ذكر اسمه بصحة الشكوك الاسرائيلية بشأن صدق روحاني لكنه أصر على ضرورة اختبار مقترحات روحاني عبر المشاركة الدبلوماسية.

وقال المسؤول "انهم متشككون في النوايا الايرانية -وهو امر يمكن فهمه بالنظر لتاريخهم مع طهران- لكننا نرى احتمالا لتحقيق تقدم.. سيفوق بالتأكيد ما تحقق على مدى سنوات عدة مضت" مضيفا ان واشنطن تنسق مع اسرائيل وحلفاء أمريكا في الخليج.

بينما أكد روحاني في أول كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي قاطعها الوفد الاسرائيلي استعداد ايران للدخول على الفور في محادثات "محددة باطار زمني" بشأن القضية النووية،  وعلى الرغم من ذلك لم يعرض تقديم أي تنازلات جديدة.

من جهته قال وزير المالية الاسرائيلي يئير لابيد ان مقاطعة الكلمة اعطت الايرانيين ميزة، وأضاف في بيان اشار الى درجة من الشقاق الداخلي الذي قد يمثل تحديا آخر لنتنياهو "علينا ان ندع الايرانيين يكونون هم من يرفض السلام ولا نبدو كما لو اننا غير منفتحين للتغيرات".

واثناء وجود نتنياهو في الامم المتحدة العام الماضي لوح بنموذج قنبلة من الورق المقوى ليوضح ما وصفه بتقدم ايران نحو القدرة على انتاج أسلحة نووية. لكن مصادر اسرائيلية قالت انه سيختار هذا العام توصيل رسالة اقل بهرجة.

وقال مستشار للحكومة الاسرائيلية مشارك في وضع السياسة الخاصة بايران لكنه ليس من دائرة المقربين لنتنياهو "لا أظن ان هذا وقت الحيل. سيجعل كلامه مباشرا لتجنب أي سوء فهم لاسيما مع الامريكيين"، فيما قال مسؤول اسرائيلي ان خطاب نتنياهو "سيزيج الستار عن التمويه الذي يمارسه الايرانيون في مسعى لكسب الوقت بينما يسيرون قدما لتحقيق النجاح النووي" واصفا النقطة التي سيتوفر فيها لدى ايران يورانيوم مخصب كاف لصنع قنبلة نووية سريعا اذا ما قررت ذلك.

وفي الاطار ذاته أفاد تقدير رسمي إسرائيلي بأن إيران تملك الان أجهزة طرد مركزي تحول بسرعة اليورانيوم منخفض التخصيب إلى وقود قنابل مما يضعها على مسار سريع لامتلاك أسلحة ذرية حتى إذا تخلت عن يورانيوم بدرجة نقاء متوسطة كان محط تركيز إسرائيل في السابق، وقال مسؤولون امريكيون أيضا ان هناك امكانية لعقد اجتماع قمة بين الرئيس الامريكي باراك أوباما والرئيس الايراني حسن روحاني والذي سيكون لقاء تاريخيا بعد عداء دام أكثر من 30 عاما.

وبيقى السؤال الاهم هل ستتحول هذه المؤشرات الايجابية من الاقوال والمظاهر الى الافعال والقرارات، وعلى الرغم من التكهنات العديدة الخاصة بتطور هذه العلاقات الدبلوماسية يرى أغلب الخبراء والمحللين السياسيين أن احتمالات حدوث تطور فعال ومباشر، غير وارد في الوقت الراهن، كون الدبلوماسية الناعمة لرئيس ايران الجديد شكلت تحديا لاسرائيل، كما أدى التقارب الأمريكي الإيراني في قمة الأمم المتحدة ضيق إسرائيلي كبير.

وخلافا للرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد الذي دأب على الدخول في مواجهات يفضل الرئيس الايراني الجديد ان يمد يده بقدر وقال انه "سيقدم الوجه الحقيقي لايران كدولة متحضرة محبة للسلام".

واتضحت ملامح هذه المؤشرات التصالحية عندما تفادى روحاني في مقابلة مع شبكة سي.ان.ان التلفزيونية استخدام كلمات تنفي حدوث محارق اليهود -التي كان يستخدمها سلفه المتشدد محمود أحمدي نجاد- مع ابتعاده ايضا عن الاعتراف بمقتل ستة ملايين يهودي بأيدي النازيين.

حيث قال روحاني ان المحارق "جريمة منكرة" على الرغم من ان نطاقها مسألة متروكة لتقديرات المؤرخين، وقال افرايم زوروف مدير مكتب مركز سيمون فيزنتال بالقدس وأحد متعقبي النازيين "من الناحية الظاهرية التصريحات مرحب بها وتمثل تغييرا مرحبا به عن تصريحات سلفه. لكن بالنسبة لكونها صادرة من رئيس دولة لا تزال تدعو علنا لتدمير اسرائيل فليس لهذه التصريحات ..بصراحة.. أهمية كبيرة وهي فعليا بلا معنى".

لكن روحاني شن هجوما على خصم ايران اللدود اسرائيل، وقال "من ناحية اخرى هذا لا يعني انك يمكنك ان تقول ان النازيين ارتكبوا جرائم ضد جماعة ولذلك فان تلك الجماعة الان يجب ان تغتصب ارض جماعة اخرى وتحتلها... هذا ايضا عمل يجب إدانته".

في المقابل هون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من شأن تقارير أفادت بأن الرئيس الإيراني الجديد ووزير خارجيته قدما تهنئة بمناسبة السنة اليهودية الجديدة، واحتلت رسائل على تويتر صادرة فيما يبدو عن الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف العناوين الرئيسية للصحف في إسرائيل والتي قدما من خلالها التهنئة لليهود بالسنة اليهودية الجديدة.

ومثلت رسائل التهنئة تغيرا في لهجة الخطاب الذي كان سائدا في عهد سلف روحاني الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي ترك منصبه والذي أثار غضب إسرائيل مرارا بالدعوة إلى القضاء على "الكيان الصهيوني".

حيث اكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو السبت انه لا يثق بالتصريحات الايرانية الاخيرة التي خلت من نبرة تصعيدية، متهما طهران بالسعي الى حرف الانظار عن برنامجها النووي.

فيما حيث تباينت ردود فعل الإسرائيليين ما بين السعادة والتشكك تجاه تقارير أفادت بأن الرئيس الإيراني الجديد ووزير خارجيته وجها تهنئة لليهود بمناسبة السنة اليهودية الجديدة.

وفي مؤشر على تغير في لهجة الخطاب كتب الرئيس الجديد حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف فيما يبدو تعليقات بالإنجليزية على تويتر لتهنئة اليهود بالسنة اليهودية الجديدة التي بدأت هذا الأسبوع. وتعلن إيران منذ فترة طويلة احترامها الرسمي للديانة اليهودية بينما تندد بإسرائيل، ولم يكن هناك رد فعل رسمي لكن الإسرائيليين العاديين انقسموا بشأن مغزاها.

في حين بعض المنتقدين ان ايران تماطل لكسب الوقت من اجل تطوير قدرات للاسلحة النووية، وهذا تراها اسرائيل التي لا تثق باشارات التهدئة التي تصدر من ايران، كون العلاقات بين الخصمين متوترة منذ عقود، وتقول إسرائيل إن جميع الخيارات مطروحة لمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية قد تعرض يوما وجودها للخطر.

لذا يرى اغلب ان استمرار الجدل السياسي الحساس بين الغريمين الاسرائيلي الايراني، يصنع مؤشرات الايجابية والسلبية وبؤر الصراع في الكر والفر والعديد من علامات الاستفهام حول مديات انفراج حدة هذا الصراع المتجذر الذي يهدد الامن والسلام العالمي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/أيلول/2013 - 22/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م