المرأة العاملة... بين استنزاف العمل وجور القوانين

 

شبكة النبأ: للمرأة دور اساسي و مهم في نمو وبناء المجتمعات ونهضتها، فهي تشكل نصف المجتمع لكنها وعلى الرغم من كل ذلك لاتزال تعاني الكثير من المشاكل و الانتهاكات، ومنها الاقصاء و التميز الذي يمارس ضد المرأة العاملة، حيث لاتزال هذه الشريحة المهمة تكافح في سبيل الحصول على كامل حقوقها العادلة المنصوص عليها في القوانين والانظمة كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان مشاركة المرأة في بناء المجتمع اصبح امر اساسي خصوصا في ظل النمو المتسارع والتحولات الاقتصادية العالمية التي اثرت على اسواق العمل في جميع انحاء العالم، لذا فمن ضروري تحقيق المساواة بين العاملين والعاملات خصوصا في الدول النامية وباقي الدول الاخرى التي لاتزال تعارض عمل المرأة او اشراكها في مختلف مجلات الحياة الاخرى هذا بالإضافة الى توفير حقوقها العامة، وفي هذا الشأن فقد وضع تقرير السعودية على رأس قائمة الدول التي تحد قوانينها من الفرص الاقتصادية للمرأة وذكر أن جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المناطق التي سجلت أقل تقدم على مدى الخمسين عاما الماضية في تحسين الفرص الاقتصادية للمرأة.

وقال التقرير الذي أعده البنك الدولي إن حقوق المرأة تحسنت بدرجة كبيرة على مستوى العالم في السنوات الخمسين الماضية لكن 90 بالمئة تقريبا من جملة 143 دولة شملها التقرير مازال فيها قانون واحد على الأقل يحرم المرأة من وظائف معينة أو فتح حساب مصرفي أو الحصول على رأسمال أو اتخاذ قرارات مستقلة.

وأظهرت الدراسة أن 28 دولة بها عشرة أوجه للتمييز القانوني أو أكثر بين حقوق الرجال والنساء وأن نصف هذه الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و11 دولة منها في منطقة افريقيا جنوب الصحراء. ويظهر التقرير أنه عندما يحدث تمييز في الحقوق القانونية بين الرجل والمرأة يقل عدد النساء اللاتي يملكن مشاريع خاصة ويزيد التفاوت في الدخول وهو استنتاج قد يؤدي إلى نظرة جديدة لمسألة تحسين الفرص الاقتصادية للمرأة وما قد يترتب على ذلك من خفض نسبة الفقر في العالم.

وقال جيم يونج كيم رئيس البنك الدولي بمناسبة نشر التقرير الذي يحمل عنوان "عمل المرأة والقانون" "عندما يشارك الرجل والمرأة في الحياة الاقتصادية على قدم المساواة يمكنهم المساهمة بطاقاتهم في بناء مجتمع مترابط واقتصاد متين. وبدأت العديد من الدول في أنحاء العالم إزالة العوائق القانونية التي تحول دون مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية إلا ان التقدم في هذا المجال كان متفاوتا.

وقال أوجستو لوبيز كلاروس مدير المؤشرات العالمية في البنك الدولي انه في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي وافريقيا جنوب الصحراء وشرق آسيا جرى تخفيض القيود القانونية بمقدار النصف منذ عام 1960. لكن منطقة الشرق الأوسط سجلت أقل تقدم وتراجعت بعض البلدان. وأزالت مصر واليمن من دستوريهما حظر التمييز على أساس الجنس. وسمحت ايران للأزواج بمنع زوجاتهم من العمل وقيدت حركة المرأة وعملها في القضاء.

من جانب اخر فالوضع الاقتصادي للنساء وعائلاتهن في الولايات المتحدة يعتبر أكثر هشاشة اليوم مقارنة بأي وقت مضى. ورغم أن النساء هن نصف قوة العمل في المجتمع، إلا أنهن يعانين من فوارق اقتصادية كبيرة في الأجور، مقارنة بالرجال. وغالبا، يبلغ عدد النساء اللاتي يكسبن رواتب منخفضة في الولايات المتحدة، حوالي الثلثين من إجمالي الأشخاص الذين يحصلون على رواتب منخفضة. كذلك، تعاني النساء من معدلات فقر مرتفعة، مشابهة لأوضاعهن الاقتصادية قبل 17 عاما. وتعتبر النساء من الأشخاص الأكثر إشهارا لإفلاسهن، فضلا عن أن نسبة مدخرات التقاعد لديهن هي أقل، مقارنة بالرجال.

وبعد خمسة عقود من حملة قانون المساواة في الأجور، لا زالت المرأة في الولايات المتحدة تكسب فقط 77 سنتا مقابل كل دولار يكسبه الرجل في الوظيفة ذاتها، ما يجعل الفرق بين أجر المرأة والرجل يبلغ 11 ألف دولار، سنويا. وغالبا، فإن النساء غير المتزوجات، أو المطلقات، أو الأرامل، هن الأكثر معاناة من اقتصاد غير مستقر.

الى جانب ذلك تصدرت فرنسا خلال العام 2012 التصنيف الذي يقيس نسبة النساء في مجالس ادارة اكبر 200 شركة في العالم مطيحه بالولايات المتحدة على ما اظهرت دراسة جديدة. وتشكل النساء اكثر من ربع (25,1 %) من مجالس ادارة اكبر الشركات الفرنسية الواردة بين المئتي شركة هذه في حين ان هذه النسبة كانت 20,1 % في 2011 على ما اظهرت الدراسة التي اجرتها مركز "كوربوريت ويمن دايركترز انترناشونال" للدراسات في واشنطن.

وتجاوزت فرنسا الولايات المتحدة التي بلغت النسبة فيها 20,9 % ، متأثرة بقانون اقر العام 2011 يفرض على الشركات العامة والمدرجة اسهمها في البورصة رفع نسبة النساء في هيئاتها الادارية بحلول العام 2017 الى 40 %. وقالت ايرين ناتيفيداد رئيسة المركز المعد للدراسة ان الارتفاع الملفت في عدد النساء الاعضاء في مجالس ادارة الشركات الفرنية يثبت ان من المكن تسريع الحركة ان توافرت الارادة. بحسب فرانس برس.

وقالت الدراسة ان فرنسا باتت تتجاوز بكثير النسب الوسطية البالغة 15 % المسجلة في اكبر 200 شركة في العالم التي حددتها مجلة "فورتشون". واضافت ناتيفيداد ان نظام الحصص يعطي ثماره ومن غير المجدي القول ان النساء يمكنهن الوصول بطريقة طبيعية دولة الى المناصب الادارية.

وقال المركز ان ما مجموعه 18 دولة (اسبانيا وايطاليا.) اعتمدت نظام الحصص لتعزيز مكانة المرأة في الشركات حاذيه حذو النروج التي بلغت هدفها المتمثل بنسبة 40 %. لكن الدول الثلاث التي تتمتع بأكبر اقتصاد في العالم اي الولايات المتحدة والصين واليابان فلا تعتمد اليات كهذه وسجلت اضعف تقدم بين عامي 2011 و2012 على ما اوضح المركز. الا ان شركة بروكتر اند غامبل الاميركية هي التي تضم اكبر نسبة نساء في هيئاتها الادارية وتصل الى 5 %. وذكرت مجلة فورتشون ان 17 شركة فرنسية (توتال واكسا وبي ان بي باريبا..) هي من بين اكبر 200 شركة في العالم في مقابل 57 شركة اميركية.

من جهة اخرى أظهرت دراسة أن الصورة السيئة التي يكونها المجتمع الألماني عن الأمهات العاملات هي من الأسباب التي تفسر نسبة الولادات المنخفضة في البلاد. وتعد ألمانيا من البلدان الأوروبية التي تسجل أدنى نسبة خصوبة مع أقل من 1,4 طفل للمرأة الواحدة، بحسب ما ذكر المعهد الفدرالي للأبحاث الديموغرافية في دراسته.

 وشرح معدو الدراسة إلى أن هذا الواقع لا يعود إلى أسباب عملية فحسب، كوجود عدد غير كاف من دور الحضانة في ألمانيا، بل ايضا الى الصورة السلبية السائدة في المجتمع عن الام التي تترك طفلها في دار للحضانة حتى يبلغ سن الثالثة، بحجة انها تريد العمل.

واضافت الدراسة أن المجتمع الألماني يربط بين عمل الأم وتراجع رفاه الطفل ويعتبر أن الاب لا يملك القدرات التربوية نفسها التي تتمتع بها الأم. وختمت الدراسة بأن الأمهات الألمانيات يفضلن عدم انجاب الأطفال في هذه الحالة لأنهن لا يحبذن البقاء في المنزل ولا العمل بعد انجاب الاطفال. وسيحق لكل من لديه طفل دون الثالثة من العمر وضع طفله في دار للحضانة أو لدى مربية أطفال معتمدة. وستحصل كل عائلة تترك أطفالها الذين لم يتموا الثالثة من العمر في المنزل على علاوة من الدولة قدرها مئة يورو شهريا.

اما في اليابان فقد اظهرت دراسة اعدتها وزارة الصحة اليابانية ان يابانية واحدة من كل ثلاث يابانيات شابات غير متزوجات تريد ان تكون ربة منزل. وهذه الدراسة الواسعة حول عقلية الشباب الياباني تظهر ان مفهوم لزوم المرأة للمنزل وخروج الرجل للعمل لا يزال راسخا في صفوف النساء على الاقل. فقد اظهرت الدراسة ان 34,2 % من اليابانيات العازبات بين سن الخامسة عشرة والتاسعة والثلاثين يرغبن في ان يصبحن ربات عائلة فيما ترغب 38 % بشيء اخر والبقية لا تعرف من الان.

في المقابل تبين ان رجلا من كل خمسة رجال، يرغب في ان تلزم زوجته المنزل. ولا يعرف 50 % منهم من الان فيما يفضل 30 % ان تعمل زوجته. واذا ما سئل الرجال والنساء لماذا يفضلون ان تبقى الزوجة في المنزل، يرد 61 % منه ان ألنساء لديهن اشياء كثيرة يقمن بها غير العمل خارج المنزل مثل المهام المنزلية وتربية الاطفال. ويرى 29 % ان دور المرأة هو في دعم زوجها حتى يتمكن من العمل بجدية ويعتبر 18 % ان معاش الزوج يفترض ان يكفي. اما الاسباب التي تدفع الرجال الى تفضيل عمل المرأة فهي اولا المسائل المادية خصوصا ان كان مدخول الزوج عندما يكون موظفا جديدا غير كاف على الدوام لتغطية نفقات العائلة.

في السياق ذاته وفيما يخص بعض القوانين والتشريعات الخاصة التي يعتبرها البعض تقيد لحرية المرأة العاملة فقد قضت المحكمة العليا في ولاية ايوا الامريكية بحق ارباب العمل في فصل الموظفات اللائي يرون انهن جذابات اكثر مما يجب. وفي قرار بالإجماع ايدت المحكمة بعدم خرق طبيب اسنان قانون الحقوق المدنية بالولاية عندما فصل مساعدة رأت زوجته انها تمثل تهديدا لزواجهما. وكانت المساعدة ميليسا نيلسون تعمل عند طبيب الاسنان جيمس نايت منذ اكثر من عشر سنوات.

وقال نايت في المحاكمة انه لفت نظر نيلسون اكثر من مرة الى انها ملابسها ضيقة جدا وكاشفة ومشتتة للانتباه. ولكن في 2009 بدأ نايت في تبادل رسائل نصية مع نيلسون. وطبقا للأقوال فان معظم تلك الرسائل كانت متصلة بالعمل وليس منها ضرر. ولكن رسائل اخرى كانت ايجابية بشكل اكثر ومن بينها رسالة سأل فيها نايب نيسلون كم مرة بلغت فيها النشوة. ولم ترد نيسلون قط على هذه الرسالة.

وفي اواخر 2009 اكتشفت زوجة نايت تلك الرسائل النصية وطلبت من زوجها فصل نيلسون لانها تمثل تهديدا كبيرا لزواجهما. وفي اوائل 2010 قام بفصلها قائلا ان علاقتهما اصبحت تضر بعائلته. ورفعت نيلسون دعوى قضائية قالت فيها انها لم تفعل شيئا خطأ وانها كانت تعتبر نايت صديقا وفي منزلة والدها وانها لم تفصل من عملها الا بسبب نوعها كأنثى.

وقال القضاة السبعة وكلهم رجال ان السؤال الاساسي الذي طرحته هذه القضية هو ما اذا كان يمكن بشكل قانوني فصل موظفة لم تقم بسلوك عابث لمجرد ان رئيس العمل يرى ان هذه الموظفة جذابة بشكل لا يقاوم. وقضت المحكمة العليا ان بإمكان رؤساء العمل فصل الموظفات اللائي يرون انهن جذابات اكثر مما يجب وان مثل هذه الاعمال لا ترقي الى حد التفرقة غير القانونية.

الى جانب ذلك تنصح خبيرة التوظيف الألمانية، كارولين لوديمان، المرأة بعدم ارتداء الملابس القصيرة والملتصقة بالجسم في العمل إذ إنها تعكس عدم جديتها، وتُفقد مديرها الثقة في كفاءتها الوظيفية. وتعلل خبيرة التوظيف بمدينة شتوتغارت سبب ذلك قائلة إن ملابس المرأة في العمل مازالت تخضع للقاعدة التالية المزيد من الاحتشام يعني المزيد من الجدية والكفاءة، مشيرة إلى ضرورة تجنب المرأة ألوان الباستيل قدر المستطاع، والتي عادة ما يرتديها الأطفال، وتعكس البراءة وقلة الخبرة، ومن ثم فهي لا توحي بنضج شخصية المرأة، وقدرتها على اتخاذ القرارات الحاسمة. وكي يكتمل المظهر الجاد الذي يعكس نضج الشخصية والكفاءة الوظيفية، تنصح خبيرة التوظيف الألمانية لوديمان بارتداء الأحذية المغلقة من الأمام دائماً. وفي حال ارتداء أحذية ذات كعب عالٍ، ينبغي أن يكون الكعب حينئذ عريضاً.

وفيما يخص بعض المشاكل الصحية التي قد تتعرض لها العاملات فقد أظهرت دراسة نشرت في كندا أن النساء اللواتي يعملن في مناصب متدنية ويعانين الاجهاد في عملهن معرضات للإصابة بالسكري أكثر بمرتين من النساء اللواتي يتولين مناصب رفيعة . وخلافا للرجال، تواجه النساء الاجهاد أحيانا باستهلاك كميات أكبر من السكر والمواد الدهنية، بحسب ما شرح بيتر سميث أحد معدي الدراسة. وبعد دراسة دامت تسع سنوات، لاحظ سميث وزميله ريتشار غلازييه وجود علاقة بين درجة الاستقلالية في العمل وتواتر حالات السكري في أوساط النساء. وبتعبير آخر، قد تميل النساء المجهدات إلى استهلاك كميات أكبر من السكر والمواد الدهنية، على حد قول سميث.

ويبدو أن الاجهاد في العمل يزيد احتمال الاصابة بالسكري من خلال ظاهرتين. أولا، اضطراب الجهاز العصبي الصماوي وجهاز المناعة، ما يؤدي إلى إنتاج كميات أكبر من الهرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين، وثانيا، تغير السلوك الغذائي وطريقة استهلاك الطاقة بغرض التعويض ربما. وبعد متابعة 7433 شخصا على مدى تسع سنوات، لاحظ الباحثان أن نسبة حالات السكري المرتبطة بالإجهاد في العمل لدى النساء تبلغ 19%.

وهذه النسبة أكبر من النسبة الخاصة بالتدخين والشرب والنشاط الجسدي ومستوى استهلاك الخضار والفاكهة، لكنها أدنى من النسبة المتعلقة بالبدانة. ولم يلاحظ الباحثان وجود علاقة بين الاجهاد في العمل والسكري لدى الرجال لأن هؤلاء يتفاعلون مع الاجهاد بطريقة مختلفة، إن على صعيد الهرمونات أو على صعيد العادات الغذائية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/أيلول/2013 - 21/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م