تركيا والاتحاد الأوربي... هل تبدد حلم الانضمام؟

 

شبكة النبأ: يبدو ان مؤشرات فشل الانضمام التركي الى الاتحاد الاوربي أظهرت ما دأبت به الحكومة التركية في المدة الاخيرة على اللهاث وراء سراب الانضمام الى الوحدة الاوروبية، وبدت بموقع الذليل والتابع، كونها مستعدة لعمل اي شيء لارضاء الاتحاد الاوروبي، الذي واصل زيادة مطالبه تنفيذاَ لرغبة مدفونة وهي عدم انضمام تركيا الى الاتحاد مهما كانت درجة الاستجابة للشروط، وهو ما جسده اعتراف تركيا مؤخرا بأنها قد لا تنضم ابداً للاتحاد الاوروبي بسبب المواقف المتحاملة للاعضاء الحاليين للاتحاد فيما يبدو انه اول اعتراف على مستوى عال بان المحاولة التي تبذلها انقرة منذ عشرات السنين قد تفشل.

فعلى الرغم من الخطوات الجديدة بين الجانبين لتمهيد الطريق امام مشوار تركيا الصعب الطويل للحصول على العضوية الكاملة للاتحاد الأوروبي في بداية العام الحالي واعتبار الانضمام للاتحاد الأوروبي أولوية إستراتيجية لتركيا، الا أنه توجد الكثير من المعوقات السياسية والديموغرافية  تعسر انضمامها للاتحاد الاوروبي ،ولعل المستجدات الاخيرة بقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة التركية شكلت عقبة اساسية امام سير مفاوضات الانضمام، فيرى الاتحاد الاوربي ان قيم الديمقراطية غير قابلة للتفاوض بالنسبة لاوروبا، في الاشارة الى ان قمع الحكومة التركية للاحتجاجات الشعبية منافي لمعاير الحرية والديمقراطية، اضافة الى النزاع حول جزيرة قبرص المقسمة التي لا تعترف بها تركيا ومعارضة من جانب دول أعضاء رئيسية في الاتحاد الاوروبي مثل فرنسا والمانيا، وتشعر الدولتان دائما بقلق من السماح لبلد اغلب سكانه من المسلمين بالانضمام للاتحاد الاوروبي خشية ان تؤدي الاختلافات الثقافية لتركيا وحجمها الى صعوبة اندماجها.

في حين شكلت علاقات العداء والتوتر مع جيرانها بهدف لعب دور اقليمي ودولي بارز وخاصة مع سوريا ومصر، الجارتين المهمتين لتركيا، واستعدائهما لا يشكل تراجعا عن سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم فقط، بل ان هؤلاء بالاضافة الى العراق هم الجيران العرب، وبدونهم تفقد تركيا محورا مركزيا من دورها كعنصر رابط بين الشمال والجنوب، بين الشرق والغرب، واذا اضفنا لهذه الاقطار ايران، والتي ان لم تضاف بالكامل الى قائمة الخصوم، فان عناصر اساسية من الخصام موجودة معها، بسبب التباين في المواقف بين تركيا وايران من سوريا وبالتالي بين حزب الله ولبنان، العلاقات مع ايران نتيجة الازمة السورية، ليست في افضل حالاتها.

ويرى هؤلاء المحللون ان ما حققه الاكراد في العراق والأكراد في سوريا، سيفتح شهية الاكراد الاتراك، ان تراكم الاحداث ممكن ان يعيد تركيا الى حالة العداء مع معظم جيرانها، وهو الامر الذي كان تجنبه اساساً في السياسة التركية التي نقلت تركيا الى الوضع المتقدم لكنها اليوم تتراجع بشكل مضطرد خاصة على الصعيد السياسي، لذا يرى الكثير من المحللين تركيا بحاجة لمراجعة بعض مواقفها حول القضايا آنفة الذكر، وعليه يبقى انضمام تركيا أمر غير مرجح في الوقت الراهن.

انضمام عسير

في سياق متصل قال وزير شؤون الاتحاد الاوروبي التركي أجمن باغيش في مقال نشر في صحيفة تلجراف اللندنية ان من المرجح بشكل اكبر ان تتفاوض تركيا على منحها حرية دخول خاصة لسوق الاتحاد الاوروبي مثل النرويج، واضاف ان تركيا عانت من الاجحاف في كل من طموحاتها للانضمام للاتحاد الاوروبي وفشل محاولتها في الاونة الاخيرة لاستضافة الاولمبياد دون ان يحدد اي دولة بالاسم. بحسب رويترز.

وقال "يجب عليهم (الاتحاد الاوروبي) ان يفهموا انهم لايضروني بتأجيلي.انهم يضرون انفسهم"، واعلن وزير المالية الالماني فولفجانج شيوبله بشكل صريح اعتراض برلين في يوليو تموز قائلا ان تركيا ليست جزءا من اوروبا، وتراجعت نسبة التأييد للانضمام للاتحاد الاوروبي بين الاتراك الى 44 في المئة هذا العام بعد ان كانت 73 في المئة عام 2004 وذلك حسبما ذكر تقرير لصحيفة مارشال فند الالمانية.

أولوية إستراتيجية

على الصعيد نفسه اجتمع وزير الخارجية الليتواني ليناس ينكفيتشيوس الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي بوزير شؤون الاتحاد الاوروبي وكبير المفاوضين التركي اجيمين باجيس في عاصمة ليتوانيا (فيلنيوس) اليوم وناقش المسؤولان مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وقضايا أخرى تتعلق بهذا الملف.

وقال وزير الخارجية الليتواني في بيان انه "في الواقع العالمي اليوم يمكننا أن نذكر مجددا أن الاتحاد الأوروبي وتركيا شريكان سياسيان واقتصاديان مهمان للغاية" مضيفا أن نجاح تركيا في الاندماج في اوروبا هو بلا شك نجاح لأوروبا بأكملها، وأشار الى أن "كلا الجانبين (الاوروبي والتركي) يرغبان في أن تسير مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي بشكل سلس وبناء" مؤكدا أن الرئاسة الليتوانية للاتحاد الاوروبي تعير اهتماما كبيرا لهذه المفاوضات ومستعدة لمواصلة الإسهام في الأعمال التحضيرية لعضوية تركيا في الاتحاد.

في المقابل أكد أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي أن بلاده لا تزال تسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي، وفي مقابلة مع مجلة (فوكوس) الألمانية الصادرة، قال أوغلو إن الانضمام للاتحاد الأوروبي لا يزال يمثل “أولوية استراتيجية لتركيا” مشيرا إلى أنه لا رجعة عن عملية الانضمام، وتابع أوغلو حديثه: “ننتظر من ألمانيا كعضو رائد في الاتحاد الأوروبي الدعم في هذا المشروع وذلك على خلفية علاقاتنا الخاصة”.

وعن الاحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت تركيا ورد فعل الدولة على ذلك، قال أوغلو إن هذا يعد بمثابة “علامة على ديمقراطية صحية ورائدة” وأضاف أن نقد الحكومة مسموح به، وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وافقوا على مقترح من ألمانيا لفتح فصل مفاوضات “السياسة الإقليمية” مع تركيا، وهو الفصل الرابع عشر من إجمالي 35 فصلا ، على أن تبدأ المفاوضات في ضوء التقرير المنتظر من المفوضية الأوروبية في تشرين أول/أكتوبر المقبل بشأن عملية  الإصلاح الديمقراطى فى أنقرة. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

كان فيرنر فايمان مستشار النمسا وصف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بأنه “أمر غير متصور” في الوقت الراهن، وأوضح فايمان في مقابلة مع نفس المجلة أن حرية التظاهر والتعبير عن الرأي هي من حقوق الإنسان التي لا بد أن تراعيها تركيا حتى وإن كان هناك فوائد من تعزيز التجارة بين الجانبين التركي والأوروبي، في الوقت نفسه رأى فايمان أنه لا ينبغي قطع الجسور مطالبا باستمرار مفاوضات الانضمام، وأظهر استطلاع للرأي أجري لصالح مجلة “فوكوس″ أن 58% من الألمان يرفضون استمرار مفاوضات الانضمام مع تركيا بسبب العنف الذي استخدمته الشرطة مع المتظاهرين، في المقابل رأى 34% من الألمان أن قرار الحكومة الألمانية استئناف هذه المفاوضات “صحيح”.

موقف ألمانيا

من جهتها قالت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل انها ترحب باتفاق لاستئناف المحادثات مع تركيا بشأن الانضمام الى الاتحاد الاوروبي لكنها حذرت من انه في ضوء الحملة على الاحتجاجات المناهضة لحكومة أنقرة فان القيم الديمقراطية غير قابلة للتفاوض، وأبلغت ميركل البرلمان الالماني بأن الاتفاق لتحقيق تقدم في طلب تركيا الانضمام لعضوية الاتحاد مشروط باحترام حقوق الانسان وان الاصلاح السياسي يعني ان الاتحاد الاوروبي "لن يتصرف وكأن شيئا لم يحدث". بحسب رويترز.

وقالت ميركل "هذه النتيجة تجعل من الواضح ان تركيا شريك مهم لكن قيمنا الاوروبية الخاصة بحرية الاحتجاج وحماية حرية التعبير وسيادة القانون والحريات الدينينة سارية دائما وغير قابلة للتفاوض".

الاتحاد الأوروبي يوبخ تركيا

الى ذلك وبخ الاتحاد الأوروبي تركيا، بسبب قمع المظاهرات المناهضة للحكومة، مؤجلاً جولة جديدة من محادثات انضمامها الى الاتحاد أربعة اشهر على الأقل، لكنه قال إن "طريق نيل العضوية لا يزال مفتوحاً".

ولاقت الخطوة الأوروبية، التي نوقشت مسبقاً مع تركيا، رد فعل فاتراً من انقرة، وحالت دون وقوع ازمة في العلاقات بينهما، وكان من المخطط ان يفتح "الاتحاد الاوروبي" صفحة جديدة في المحادثات مع تركيا لإحياء مسعاها للانضمام الى الاتحاد، والذي جمد تقريبا منذ ثلاث سنوات، لكن المانيا ومعها النمسا وهولندا اوقفوا الخطة قائلين ان "هذا سيبعث باشارة خاطئة بعد ان قمعت الشرطة المحتجين في المدن التركية".

وايدت حكومات "الاتحاد الاوروبي" اقتراحاً اوعزت به المانيا بالموافقة على فتح الملف الخاص بالسياسة الاقليمية، لكن مع تأجيل انطلاق المحادثات رسمياً الى ما بعد اصدار المفوضية الاوروبية تقريرها بشأن الاصلاحات وحقوق الانسان في تركيا في التاسع من تشرين الأول/اكتوبر. بحسب فرانس برس.

وقال مايكل سبندلغير، وزير خارجية النمسا إن "اتفاق الاتحاد الاوروبي اعطى تركيا فترة مناسبة لبيان كيفية التعامل مع الحقوق الاساسية للمواطنين وكيفية تعاملها مع حق التظاهر وحق حرية التعبير"، وقال في فيينا "من وجهة نظري هذا ضروري جدا لأنه ينبغي الا تكون لدينا معايير مزدوجة في الاتحاد الاوروبي. لدينا قيم اوروبية وهذا يشمل ان تحترم الحقوق الاساسية للمواطنين".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/أيلول/2013 - 18/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م