السعودية وعواقب إشاعة الإرهاب

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: طالما اعتقدت وتصورت بعض الدول ذات القدرات المالية والبشرية في المنطقة، من تقمّص دور الدول الكبرى التي فرضت سطوتها السياسية بقوة السلاح، وتأثيرها الثقافي بترويج الافكار وزرع الجماعات والتنظيمات الثقافية في البلاد الاسلامية. وهو ما فعلته بريطانيا وفرنسا تحديداً خلال حقبة الاستعمار. هذا التصور قرّبه حكام المنطقة اكثر الى التصديق، عندما غيّر العالم الغربي من خطابه مع العالم الثالث بشكل عام، بعد ان تغيرت الاوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية في البلاد الغربية نفسها، حيث عكفوا على معالجة مشاكلهم الداخلية، ثم البحث عن وسائل اخرى لتحقيق مصالحهم وطموحاتهم في البلاد الاسلامية، بأقل كلفة ممكنة. ويمكن ملاحظة هذه النزعة في (ايران الشاهنشاهية) في حقبة الستينات والسبعينات، ثم في (عراق صدام) في الثمانينات، ويبدو ان الدور للسعودية كان للسعودية في التسعينات، وما تزال الرياض تحاول تمديد صلاحية هذا الدور الى أمد غير معلوم.

بدايةً؛ لنرَى ما يقدمه السعوديون من نتاج وعطاء للآخرين.. فهل هو من قبيل الابداع التقني أو الفكرة النيرة الكاشفة للحقائق الانسانية والدينية..؟ او مشاريع ومبادرات اقتصادية ناهضة تنتشل البلاد الاسلامية من أزماتها ومشاكلها؟

في معظم الدول الاسلامية، من أقصى الشرق وحتى أقصى الغرب، يمكن ملاحظة آثار السعودية في الجوامع وأماكن العبادة، حيث يبشرون بالمذهب الوهابي الذي يعني بإطاعة الملك والحاكم، كونه تنطبق عليه الآية الكريمة: "أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم". ويحظر احترام وتقديس أي رمز تاريخي، واتخاذه قدوة في الحياة. ومنها جاءت خشيتهم من تشييد المقابر على مراقد الأئمة المعصومين عليهم السلام، وأولياء الله الصالحين، واي قائد أو رمز يكنّ له الناس الحب والوفاء، لأن  السمع والطاعة للحاكم القائم وحده.. فهم يطبقون المقولة الشهيرة: "الحكام أمناء على الشعوب، والعلماء أمناء على الحكام". لكن يبدو أن محاولات التأثير في العقيدة لم يؤت الثمار المرجوة، لوجود من هم أقوى حجة وبرهاناً وتأثيراً في الساحة، وهم الشيعة، فكان اللجوء الى وسائل التأثير على السلوك، من خلال الترويج لما يسمى بالسلفية، الداعية الى التطرّف والتقوقع في زاوية مظلمة بحجة الاقتداء بـ "السلف الصالح"، ثم تكفير الآخرين أو محاولة إقصائهم وتصفيتهم إن توفرت الامكانية، وهذا ما أولد "السلفية الجهادية" في عديد البلاد الاسلامية.

 في غضون هذه المسيرة، حاول السعوديون إيجاد مكان لهم في الخارطة السياسية الشرق أوسطية، بعد التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة والعالم مطلع التسعينات من القرن الماضي، أبرزها انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك ما كان يسمى بالمعسكر الشرقي في اوربا. ثم التحولات في مسار القضية الفلسطينية، وفي منظومة الأمن العربي التي هدمتها دبابات صدام لدى اجتياحها الكويت.

وبعد فترة قصيرة من أحداث الحادي عشر من ايلول في نيويورك وواشنطن، أجرت مجلة "تايم" الامريكية حواراً مفصلاً مع العاهل السعودي الملك عبد الله، وجاء العنوان على الغلاف: "لن تتمكن امريكا من الانتصار لوحدها". هذا العنوان المتضمن لدلالات ومعاني عميقة وعديدة، يكشف عما يخبئه الحكام السعوديون، بعد أن اصطدموا بالوجود  العسكري الامريكي المكثّف في الخليج، وربما كانوا يتصورون أن واشنطن تشاطرهم الاعتقاد، بأن نهاية غزو صدام للكويت، ضربات جوية قاصمة واجتياح بري محدود بمشاركة خليجية بالدرجة الاولى لتحرير الكويت، ثم عودة الجنود الامريكيين الى ديارهم، ليقبض السعوديون ثمن أتعابهم واستضافتهم للقيادة الكويتية خلال الاحتلال ومساعداتها اللوجستية وغير ذلك، وبالمحصلة؛ تحقق الرياض وجودها السياسي والعسكري في المنطقة، لاسيما وأن كلاً من ايران والعراق، كانا في تلك الفترة، مشغولان بإزالة آثار الحرب والدمار. إلا ان الرياض تفاجأت من هرولة الكويت نحو سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية العسكرية مع امريكا، وتواجد عدد كبير من القوات الامريكية على اراضيها، كما هو الحال في الاراضي السعودية. ومذ ذاك، بدأ العالم يشهد ملامح التطرف والتعصب المذهبي على يد التيار السلفي، من خلال تجربة "طالبان" في افغانستان، ثم ولادة تنظيم "القاعدة" من رحم هذا التعصب والتطرف.

وعندما فاجأ الامريكيون العالم وايضاً السعودية، الدولة الأشد حساسية وهشاشةً في المنطقة، بخطتهم ونواياهم الحقيقية إزاء العراق، بإسقاط نظام صدام، وإفساح المجال للقوى الشيعية بتولّي السلطة في العراق تحت شعار التجربة الديمقراطية، شعرت الاخيرة أنها يجب أن تتولى الأمر بنفسها، فكان التمويل والتجنيد والتعبئة الطائفية السافرة، لإفساد الأمر على الامريكيين وعلى العراقيين على حد سواء. وما يدفعهم الى هذا بشدة، شعورهم العميق بالخيبة والخسران أمام المنافس القوي في المنطقة، وهي ايران، التي استفادت وحققت الكثير من مصالحها في عراق ما بعد صدام، الامر الذي استدعى السعوديون التحرك بسرعة فائقة لمد جسور العلاقة مع الجهات والشخصيات المتضررة من النظام الجديد في العراق، ومدّهم بالمال الوفير لهدف واحد، وهو الإبقاء على عراق غير مستقر وغير آمن. وكان مثيراً حقاً لدى المراقبين، أن تساوي الرياض في تعاملها هذا، بين شخصيات سياسية عراقية كانت تعتد بنفسها مثل طارق الهاشمي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وبين جماعات ارهابية مسلحة تعيش بين الاحراش والمستنقعات أو الصحاري والفيافي. وقد ظهرت في وسائل الاعلام ولمرات عديدة وجوه ارهابيين سعوديين اشتركوا في تفجير السيارات والتسبب في سفك دماء النساء والاطفال، منهم شاب صغير ربما لا يتجاور عمره الخامسة عشر سنة، وكان يتحدث الى قناة سعودية بعد عودته ضمن صفقة مع الحكومة  العراقية، عن مشاركته في تفجير صهريج نفط وسط منطقة سكنية في العراق.

كما كشف الاعلام عن صدق المقولة المتداولة بأن الملك عبد الله قدم حوالي ملياري دولار لمعارضي العملية السياسية في العراق، بهدف إفشال التجربة وتحويلها الى جحيم في عيون العراقيين. فقد جاء في إقرار من السياسي والاعلامي المعروف، حسن العلوي، بأنه رافق وفداً من القائمة العراقية، وكان على رأس الوفد طارق الهاشمي. يقول: توجه الملك السعودي الى الهاشمي باللوم والتقريع المباشر، بأنه أعطاه ملياري دولار مع ذلك ما يزال الشيعة في الحكم...!

المراقبون الذين يتابعون مسلسل الترويج الارهابي – الدموي للسعودية في افغانستان وباكستان والعراق، ثم لبنان وسوريا، يلاحظون العد التنازلي للمكانة السياسية للسعودية في المنطقة بموازاة التصعيد الارهابي – الدموي المدفوع الثمن في هذه البلاد. وربما يتجاهل حكام الرياض تجارب حكام في المنطقة، تمادوا في اللعب بـ "ذيل الأسد" وحاولوا التطاول أو المساس بالمصالح الامريكية والغربية، فكانت عاقبتهم العقوبات القاسية ثم السقوط، وقد دفع ثمن هذه المغامرة بالدرجة الاولى الشعوب، كما حصل في ليبيا (القذافي)، وعراق (صدام). وبالرغم من ذكاء السعوديين بتحاشي المصالح الامريكية والغربية، إلا نار الارهاب الطائفي والممارسات الدموية والوحشية في العراق وسوريا، أكبر من أن تسيطر عليها الدوائر المخابراتية السعودية، وهذا ما لا ترتضيه واشنطن والعواصم المعنية الاخرى، إذ لا تريد ان تتعرض للإحراج أمام العالم بسبب سكوتها على المجازر التي تقع في مناطق تواجد مكثف لهم. من هنا يذهب بعض المراقبين الى احتمال إيقاف قطار هذه المغامرة بالقوة، بإجراء تغييرات في هيكلية النظام الحاكم في الرياض، إلا ان المشكلة، هي الوقت ليس إلا.. إذ لابد من الانتهاء من مشكلة النظام السياسي في سوريا وكذلك لبنان، لإخراج حكام الرياض من هذه المعمعة مع حفظ بعض ماء الوجه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/أيلول/2013 - 18/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م