قيم التخلف: التربية بالخوف

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة قيم من نوع آخر، تناقض قيم التقدم التي تسهم في عمليات البناء المجتمعي، تلك هي قيم التخلف التي تشيع عادة تقاليد وسلوكيات وافكارا، تكرّس عمليات التخلف في عموم أنشطة الدولة والمجتمع على حد سواء، ومن اجل معرفة مخاطرها لابد من الخوض فيها، كنقيض خطير لقيم التقدم، من أجل فهمها والتعامل معها بما يحد من هذا المخاطر، لأن الامراض بأنواعها والمخاطر من اي نوع، تتطلب فهما ودراسة دقيقة لها، ومعرفة سماتها واشكالها، ومن ثم الشروع في مكافحتها بطرق علمية مدروسة ومخطط لها بصورة علمية سليمة تحد من تأثيراتها على المجتمع.

ومن قيم التخلف التي تسود في المجتمعات والدول الضعيفة، قيمة التربية بالخوف، بمعنى غالبا ما تُبنى شخصية الانسان منذ الولادة - في الشعوب المتخلفة- على الخوف والقمع والاجبار، من دون توفير المعرفة والاقناع ومراعاة الكرامة الانسانية، ولا شك أن الشخصية التي تبنى على الخوف والقهر ستكون ضعيفة ومهزوزة وتفتقر للصلابة والقدرة على مجاراة الحياة، بسبب ضعف الشخصية وشعورها الدائم بالنقص، فضلا عن فقدانها لأهم عنصر من عناصر بناء الشخصية القوية المنتجة المتفاعلة، ألا وهي ( الثقة بالنفس).

فعندما يتعرض الانسان الى القهر والاضطهاد والظلم، وعندما يكون اسلوب القمع حاضرا على الدوام في حياتي، وعندما يحيطه الخوف في المحيط العائلي والمدرسي والعملي، فإن النتيجة سوف تكون شخصية ضعيفة تماما بحيث لا يمكن ان يكون لها اي دور في الحياة على الصعيد الفردي او المجتمعي، وهكذا يكون هذا النوع من الناس الذين تربّوا على الخوف والقمع، بلا ادوار مهمة وناجحة في الحياة، بل هم غالبا ما يشكلون ثقلا على العائلة وعلى المحيط المجتمعي الذي يتحركون فيه.

لذلك فإن الخوف يدمر شخصية الانسان تدميرا كاملا، ويجبره على اتخاذ الكذب كوسيلة او كسلوك دائم يحتمي به من وسائل البطش والقهر والقمع التي يتعرض لها، من المسؤولين عنه/ كأن يكون رب العمل او رب الاسرة او اي انسان مسؤول عنه يستخدم القمع ضده، لهذا يكون هذا النوع من البشر شبه مشلول ومحطم وخامل، وغير قادر على التفكير او الابتكار او الابداع في اي مجال كان، كونه نشأ طفلا في واقع الخوف والقمع والقهر، الذي حطم شخصيته، وجعله كائنا هامشيا في الحياة، يشبه الآلة التي لا تسير ولا تتحرك الا بأوامر من الازرار التي يضغط عليها العامل او المحرك لها.

من هنا يتضح لنا خطر التعامل بالقمع وفرض الخوف على الانسان، لانه لا يجد طريقة يبعد من خلالها الخطر عن نفسه، إلا بطرق الخداع والكذب والتملق وما شابه، وكل هذه الصفات مدمرة للبناء الفردي والمجتمعي على حد سواء، إذ لا يمكن أن يتم بناء مجتمع منتج ومبدع ومتطور في ظل قيمة التربية بالخوف، لأنها تسلب الانسان شخصيته السليمة، وتحيله الى كائن محطم مسخ لا إرادة له ولا قدرة على التفكير والعمل، فضلا عن عدم قدرته على التعامل السليم مع المشكلات التي تعترض حياته مهما كانت صغيرة او تافهة، فهذا النوع من الناس يخاف من كل شيء، لانه نشأ في حاضنة الخوف، ويخشى القمع لانه نشأ في محيط قامع له ولقدراته، لهذا يكون في الغالب عاجزا مترددا، يخشى اتخاذ اي قرار مستقل حتى لو كان القرار سهلا او بسيطا، بسبب ضعف الشخصية التي أسهم الخوف والقمع بتجريدها من قدراتها وامكانياتها الطبيعية التي يتحلى بها كل انسان.

من هنا لابد للعائلة والمدرسة والدائرة التي يتحرك فيها الانسان، أن تعمل على رفض التعامل معه بالخوف أو القمع وكل أشكال القهر، لأن هذه الظاهرة تعد من الظواهر المدمرة والمانعة لكل انواع التقدم والنجاح، بسبب تدميرها لقدرات الانسان كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/أيلول/2013 - 18/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م