العواقب القانونية للحروب اللاقانونية

حاتم حميد محسن

 

تفيد معظم المؤشرات بان الولايات المتحدة ستجد نفسها حالاً متورطة في الحرب الاهلية السورية. امريكا تتهم الحكومة السورية باستخدام الاسلحة الكيميائية ضد شعبها وهو تجاوز للخط الاحمر الذي وضعه اوباما قبل سنة والذي يعني تغيير قواعد اللعبة. من الواضح ان اللعبة بالنسبة لواشنطن ولندن وباريس قد تغيرت بالفعل. غير ان هناك شيء واحد لم يتغير هو القانون الدولي الذي هو الحاكم الوحيد لحالات استخدام القوة.

ذلك لا يعني ان فريق محامي الحكومة الامريكية سوف لن يحاولوا في النهاية تقديم نوع من التزكية القانونية. التغطيات الاخبارية تشير الى ان المسؤولين في الادارة الامريكية يضغطون على اولئك المحامين في هذا الاتجاه. المحامون سيكونون متعاونين، خاصة إذا كان اجماع السياسيين على استخدام القوة قويا، واذا كان هناك دليلاً واضحاً على مسؤولية الحكومة السورية عن الهجوم.

ولكن يتحتم على المحامين ان يكونوا على وضوح بان واجبهم هو تزويد زبائنهم – كبار مسؤولي الادارة الامريكية - بالمشورة القانونية وليست الاخلاقية. ان مهمة المحامين هي ليست القول ما اذا كانت الحرب على سوريا هي الشيء الصحيح، وانما ان يحددوا ما يقوله القانون، ويوضحوا المواقف التي تبنّتها الولايات المتحدة في ظروف مشابهة في الماضي، وان يتنبأوا بالنتائج القانونية والمؤسسية لإنتهاك القانون.

اذاً ما هو القانون؟ المبادئ الاساسية المعروفة (The black-letter law) في استخدام القوة هي شديدة الوضوح: وفق ميثاق الامم المتحدة - المعاهدة المركزية التي صاغتها الولايات المتحدة ومعها حلفائها بعد الحرب العالمية الثانية - تُمنع الدول من استخدام القوة ضد الدول الاخرى ما لم يأت رداً كشكل من الدفاع الذاتي الانفرادي او الجماعي او استجابةً لتفويض من مجلس الامن الدولي. وطوال تاريخ الميثاق لما بعد الحرب، كانت دعوات الدفاع الذاتي دائماً مثاراً للجدل. فقد سعت الدول – خاصة الولايات المتحدة- لتوسيع الحالات التي تقع تحت تعريف الدفاع الذاتي.

غير ان حالة الدفاع الذاتي في سوريا تنتهك مفهوم الدفاع الذاتي في جوهره الاصلي. ما يهم الادارة الامريكية، طبقا لبيانات المسؤولين، هو "البشاعة الاخلاقية" لهجوم كيميائي على مواطنين. ولكن هناك نفس المقدار من البشاعة يتمثل بعدم وجود هجوم او تهديد بالهجوم على الولايات المتحدة يبرر الدفاع الذاتي الانفرادي ولا اي هجوم على التحالف يبرر الدفاع الذاتي الجماعي كمسألة قانونية.

ومع عدم وجود احتمال لصدور قرار من مجلس الامن، فان الولايات المتحدة تُركت بلا حجة قانونية قوية لاستخدام القوة. بعض الدول، والمنظمات غير الحكومية، والاكاديميين سعوا لصياغة استثناءات لمتطلبات تفويض مجلس الامن، هذه المتطلبات عادة تأتي تحت عنوان التدخل الانساني او وفق الشكل المعاصر (مسؤولية الحماية R2P). كلا الاستثنائين ينطلقان من موقف اخلاقي بان الدول مدينة لمواطنيها بواجب الرعاية، وعندما تنتهك الدول ذلك الواجب بارتكاب جرائم كبرى، يجب عندئذ استخدام القوة كآلية لوقف تلك الجرائم او درئها. لكن اي من الاستثنائين لا يمتلك قوة القانون. الولايات المتحدة ذاتها رفضت التدخل الانساني كتبرير قانوني لحرب كوسوفو عام 1999 حتى عندما دعمتها بريطانيا (ولا تزال كذلك)، لكن المملكة المتحدة كان لديها القليل من الحلفاء في المسألة. ان الـ R2P كان مقدساً لدى الامم المتحدة عام 2005، ولكن حتى في تلك القضية كانت الامم المتحدة أعلنت بانه لابد من تفويض من مجلس الامن الدولي لأي تدخل محتمل كي يكتسب الاهلية القانونية.

اوباما ايضا شجع الافكار المضادة لإستخدام اسلحة الدمار الشامل، مثل بروتوكول جنيف لعام 1925 في تحريم استعمال الاسلحة السامة (التي تُعتبر سوريا احد اطرافه). هذا التحريم ربما اُعلن بقوة، لكن المعاهدة ذاتها لا توفر اساسا لاستخدام القوة. وهي كما الوسائل الاخرى في ذلك الوقت، لا تتحدث ابداً عن عواقب الانتهاكات.

لذا، ما لم يفوض مجلس الامن للقيام بعمل، فان الولايات المتحدة وشركائها في التحالف سيكونون في انتهاك واضح للقانون الدولي لو استخدموا القوة العسكرية ضد سوريا. سمّها ما شئت: "غير قانونية "ان كنت صريحاً، او "غير منسجمة مع القانون الدولي" ان كنت محاميا، او "يصعب الدفاع عنها" ان كنت دبلوماسيا. كلها تشير الى نفس الشيء: لا يوجد قانون دولي يؤيد هجوم امريكا على سوريا، حتى في حالة القتل الواسع باسلحة محرمة دوليا.

ان الولايات المتحدة ستبحث على الارجح عن وسائل اخرى لتبرير افعالها. فهي كان لها سلوكا مشابها في مواقف سابقة حينما اراد المسؤولون استخدام القوة ولكن لم يجدوا اساساً قانونياً واضحاً للقيام بذلك، تلك المواقف كانت مرشداً لهم. العديد من المعلقين يشيرون الى حرب كوسوفو، لسبب واضح، باعتبارها السابقة السياسية والقانونية في مشاورات محامي الحكومة. في حرب البوسنة عام 1999، ادركت الولايات المتحدة وحلف الناتو حجم الكارثة الانسانية الكبيرة في البلقان، في عمليات التطهير العرقي الصربية للالبان في كوسوفو. لكن روسيا الفيدرالية، كما هي الان، رفضت اي استخدام للقوة من جانب مجلس الامن الدولي، وهو ما اجبر الناتو للبحث عن اسس قانونية دولية اخرى.

محامو الحومة الامريكية الذين يخشون من تأسيس سابقة قانونية يمكن ان تستغلها الدول الاخرى في الصراعات المستقبلية، رفضوا اعطاء رخصة بذلك. بل، هم عملوا مع صانعي السياسة لايجاد عدد من العناصر التي، وفرت في السياق الخاص بكوسوفو، تبريراً لاستخدام القوة (وان لم تكن عقوبات قانونية). تلك العناصر تضمنت التهديد بكارثة انسانية، اثارة عدم الاستقرار في المنطقة، وعجز مجلس الامن. لكنهم ايضا اعتمدوا على فشل يوغسلافيا السابقة في الاستجابة لطلبات مجلس الامن الدولي.

اما في حالة سوريا، لم تكن هناك طلبات سابقة لمجلس الامن الدولي. ولكن يبدو ان الولايات المتحدة تتجه فعلاً لإحياء ذلك الاتجاه العام.

وفي مقابلة له مع PBS، حدد اوباما عدداً من العوامل ذات الخصوصية الملائمة للموضوع السوري، خاصة الحاجة المفترضة لدعم المبدأ الدولي ضد استخدام الاسلحة الكيميائية.

ومن المنظور السياسي، فان ما يسمى بـ اتجاه العوامل الذي طُبّق في كوسوفو يُعتبر اتجاهاً جذاباً، كونه يجعل القوة تبدو شرعية حتى عندما تكون غير قانونية، والعديد من صناع السياسة يهتمون بالشرعية اكثر من القانونية، خاصة حينما لا توجد هناك تبعات قانونية واضحة للفعل. ولكن القول بان القانون والشرعية هما متعارضان- او بعبارة اخرى، ان اطار ميثاق الامم المتحدة هو غير شرعي حين يسمح لبعض الدول ارتكاب اعمالاً وحشية تصدر عنها او عن حلفائها - فان هذا النوع من الحيل القانونية يضر بنزاهة القانون الدولي ومؤسساته، بما في ذلك مجلس الامن الدولي. ومع تزايد قوة بعض الدول مثل الصين فان الولايات المتحدة ستندم كونها عملت على إضعاف القوة القانونية لمجلس الامن بشأن استخدام القوة.

اخيراً، ماذا عن نتائج هذا النوع من خرق القوانين. المسؤولية الجنائية هي على الاغلب غير مطروحة. مع ذلك ربما لمحكمة الجنايات الدولية سلطة قضائية في الاستخدامات غير القانونية للقوة في المستقبل، استخدام القوة بشكل غير مشروع الآن لا يخلق نفس النوع من المسؤولية في ظل القانون الدولي كما في مسائل الجرائم ضد الانسانية، جرائم الحرب، والتطهير العرقي. الدول عموما لا تحقق او تعاقب على مثل هذه الاستخدامات للقوة التي يستخدمها القادة الاجانب في ظل ولاية قضائية دولية. القليل من الدول ان وجدت ستكون قادرة على معالجة الاستخدامات اللاقانونية في محاكمها الوطنية.

ان مسؤولي ادارة اوباما يمكنهم الاستمرار في التجوال في اوربا، (ربما ليس في روسيا البيضاء). لكن صناع السياسة يجب ان يستمروا في التفكير بالنتائج القانونية لنظام ميثاق الامم المتحدة. هل الاستخدام غير المشروع للقوة ضد سوريا يجعل من الصعب جدا للولايات المتحدة الشكوى من الاخرين الذين يستخدمون القوة خارج مبدا الدفاع الذاتي او تفويض مجلس الامن؟ هل ذلك يساهم في تطوير مبادئ غير دستورية للتدخل الانساني، في ظله يمكن لأي دولة استخدام قوانينها الخاصة بها؟ او، هل ان هذا النوع من انتهاك القانون يعزز المبادئ الاخرى للقانون الدولي، مثل مبادئ ضد استخدام الاسلحة الكيميائية او استهداف المدنيين؟ بما ان المحامين في الادارة الامريكية يعملون ايضا بعمق مع المؤسسات الدولية، فهم سوف يريدون معرفة ما اذا كان استخدام القوة في سوريا قد يعقّد الجهود الاخرى والعلاقات ضمن الامم المتحدة.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/hatimhameed.htm

................................................

David Kaye الشؤون الخارجية Foreign Affairs، 29 أغسطس 2013.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/أيلول/2013 - 17/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م