الصومال... معضلة القرن الافريقي

 

شبكة النبأ: على الرغم من الدعم المتواصل الذي تتلقاه الحكومة الصومالية من قبل بعض الحكومات والمنظمات الاقليمية والدولية التي تسعى الى تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة بناء المؤسسات المهمة في البلاد، التي عانت من حرب اهلية ومعارك شرسة اسفرت عن سقوط العديد من الضحايا، لا تزال هذه الدولة تعاني الكثير من المشاكل والتحديات الامنية خصوصا مع انتشار المجاميع المسلحة ومنها حركة الشباب الاسلامية المتشددة المرتبطة بالقاعدة والتي لاتزال تواصل اعمالها العسكرية النوعية من خلال استهداف بعض المواقع والأهداف المهمة وتجنيد الانتحاريين الشباب كما يقول بعض الخبراء، وفي هذا الشأن فقد قتل ستة اشخاص على الاقل وجرح اربعة اخرون في هجوم نفذه المتمردون الاسلاميون الصوماليون في حركة الشباب ضد زعيم مدينة كيسمايو الصومالية الساحلية الاستراتيجية، بحسب ما افاد شهود ومسؤولون محليون واخرون من الشباب.

واستهدف الهجوم احمد مادوبي الاسلامي السابق الذي اصبح زعيم حرب يسيطر منذ طرد الشباب من كيسمايو في تشرين الاول/اكتوبر 2012، على منطقة جنوب الصومال تدعى جوبالاند. وهذه المنطقة التي لا تخضع لسيطرة السلطات في مقديشو، تضم مناطق جوبا الوسطى وجوبا السفلى وجوبا الوسطى الادارية على طول الحدود مع كينيا. وبحسب مسؤول امني في ميليشيا راس كامبوني بزعامة مادوبي، فان الهجوم وقع في منطقة مكتظة في كيسمايو حيث كان يمر موكب الزعيم المحلي. وقال هذا المصدر عثمان محمد انه هجوم انتحاري، موضحا ان سيارة مفخخة اصطدمت بسيارات الموكب ما اوقع عددا من القتلى. واضاف نجا احمد مادوبي من الهجوم وخرج منه مصابا بجروح طفيفة.

وقال الشاهد علي حسين قضى ستة اشخاص غالبيتهم من الحراس الامنيين لكن مادوبي يبدو انه نجا. واعلنت حركة الشباب قبيل ذلك تبني الهجوم. واكدت الحكومة الصومالية التي تعارض سلطة مادوبي في جوبالاند، الهجوم. ويؤكد الهجوم على مادوبي ان حركة الشباب لا تزال تشكل تهديدا لعودة السلام الى بلد في حالة حرب اهلية منذ عقدين.

الى جانب ذلك قالت الشرطة إن سيارة ملغومة ومن يشتبه أنه انتحاري استهدفا مطعما مشهورا في العاصمة الصومالية مقديشو ما أسفر عن مقتل 15 شخصا على الأقل. ولم يتضح على الفور من الذي نفذ الهجوم على مطعم فيليدج الذي يملكه رجل الاعمال الصومالي المعروف أحمد جاما الذي عاد الى وطنه من لندن لاقامة مشروعه التجاري رغم نصيحة الاصدقاء بعدم عمل ذلك.

لكن الشبهات تحوم على الارجح حول حركة الشباب الاسلامية المتشددة التي نفذت حملة تفجيرات انتحارية رغم انسحابها من المدينة في عام 2010 تحت وطأة ضغوط عسكرية. وقال ضابط الشرطة أحمد نور من ان 15 شخصا على الاقل قتلوا. وقال محمد يوسف المتحدث باسم سلطات مقديشو انه بعد انفجار السيارة الملغومة مباشرة فجر المهاجم الانتحاري نفسه في المطعم. وقال في البداية انفجرت سيارة ملغومة عند مدخل المطعم وعندما تجمع الناس بالداخل فجر المهاجم الانتحاري نفسه.

ووصف شاهد المشهد في مكان الحادث قائلا إن هناك مجموعة متشابكة من الطاولات المحطمة والمقاعد المختلطة بالدماء والاشلاء البشرية. وأغلقت قوات الامن المنطقة وطلبت من الناس الابتعاد خوفا من وقوع مزيد من الانفجارات. وفي سبتمبر ايلول العام الماضي هاجم انتحاريان نفس المطعم مما اى الى مقتل 15 شخصا. وفي أكبر هجوم من نوعه هاجمت حركة الشباب في وقت سابق مجمع الامم المتحدة الرئيسي مما ادى الى مقتل 22 شخصا على الاقل.

من جانب اخر قال شهود إن سيارة تقل أفراداً يرتدون زي قوات الأمن الحكومية انفجرت في سوق رئيسية في العاصمة الصومالية مقديشو وسمع دوي اطلاق نار في المنطقة. وذكر بعض الشهود أن قوات الأمن نقلت بعيدا ضحايا الانفجار لكن لم يتضح على الفور ما إذا كان هناك أي قتلى. وقالت الشرطة إنها تعمل على معرفة التفاصيل. وهددت حركة الشباب الإسلامية التي شنت عدة هجمات في مقديشو بمواصلة حملتها.

وأضاف أحد الشهود وهو مصرفي يدعى حسين انفجرت سيارة رباعية الدفع تقل رجالاً في زي رسمي، في سوق البكارة، وعلى الفور سمع دوي اطلاق نار. لا نعلم من يفعل ذلك. الرجال في السيارة كانوا جنوداً على ما يبدو. وقال شاهد في مكان الحادث إنه رأى السيارة المدمرة ونقل عن شهود آخرين قولهم إنهم رأوا جنوداً بداخلها. ولدى وصوله إلى مكان الحادث لم تكن هناك بعد أنباء عن قتلى أو جرحى.

في السياق ذاته أعلنت الولايات المتحدة انها تصدق الرواية بشأن مقتل جهادي أمريكي يقاتل في الصومال منذ العام 2006 كانت واشنطن رصدت مكافأة مالية لمن يقدم معلومات تقود إلى القبض عليه أو تصفيته. وقتل عمر شفيق الهمامي المعروف بـ(منصور الأمريكي) في مواجهات مع اسلاميي حركة الشباب الصومالية، رفاق سلاحه في السابق قبل اندلاع خلافات معهم، وفق ما اعلنت مصادر عدة في الصومال. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية ماري هارف ان هذه المعلومات ذات مصداقية، على رغم رفضها التأكيد بشكل رسمي على دقتها. وكان الهمامي من اشهر المقاتلين الاسلاميين الاجانب في الصومال.

ورصدت الخارجية الامريكية مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يقدم معلومات تقود إلى القبض عليه او تصفيته. واشارت هارف الى انه في حال تم تأكيد نبأ مقتله، سيتم سحب اسم هذا الامريكي المتحدر من ولاية الاباما جنوب من على قائمة المكافآت من اجل العدالة التي تصدرها الخارجية الامريكية منذ العام 1984 والتي ادرج اسمه عليها منذ الربيع الفائت. بحسب فرانس برس.

وهذا الامريكي البالغ 29 عاما والذي سبق ان اعلنت وفاته مرارا ثم تم تكذيبها، عرف بترويجه لأفكار حركة الشباب الصومالية من خلال ادائه مقاطع من موسيقى الراب ونشره تسجيلات مصورة ونشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي. الا انه اختلف نهاية العام 2012 مع القائد الاعلى لحركة الشباب احمد عبدي غودان، واثار مصيره مذاك تساؤلات عدة. وكان حسابه على موقع تويتر الذي يتسم اجمالا بالنشاط، خلا من أي تدوينة بين ايار/ مايو و5 ايلول/ سبتمبر حين اعلن انه لا يزال ارهابيا.

من جهة اخرى اكدت جماعة الشباب الاسلامية المتشددة في الصومال ان الاحداث في مصر وعزل الجيش للرئيس المصري المنتخب محمد مرسي اظهرت ان السلطة لا تأتي الا بالقوة وليس بالديموقراطية. وقالت الجماعة المتمردة في تعليقات على حسابها على تويتر ان مصير مرسي يظهر انه لن يسمح للإسلاميين بالحكم حتى اذا جاءوا للسلطة بالانتخابات. واضافت حان الوقت لرؤية العالم على نحو صحيح كما هو ومن دون نظارات وردية. التغيير لا يأتي إلا بالرصاص، لا بالصندوق.

وكانت حركة الشباب تحكم الصومال الى حين طردها على يد قوات الاتحاد الافريقي من العاصمة ومناطق أخرى على مدى العامين الماضيين، لكنها لا تزال تسيطر على مناطق ريفية وتنفذ تفجيرات وهجمات بأسلوب حرب العصابات على الحكومة ومكاتب الامم المتحدة وأهداف أخرى. وقالت الجماعة أيضا انه ربما على الاخوان أن يتعلموا قليلا من دروس التاريخ وأولئك (المنتخبين ديموقراطياً) قبلهم في الجزائر أو حتى حماس. وفازت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة في الانتخابات البرلمانية في الاراضي الفلسطينية لكنها واجهت عزلة دولية. والغى الجيش الجزائري انتخابات عام 1992 عندما كان الاسلاميون على وشك الفوز بها. واضافت جماعة الشباب متى يستيقظ الإخوان المسلمون من سباتهم العميق ويدركوا عبثية جهودهم في إحداث تغيير. وتابعت بعد عام من التعثر والعوائق، أخيراً حصان الإخوان إلى المذبح ولن يرى ضوء النهار ثانية.

الجيش الاثيوبي

الى جانب ذلك اعلن المتحدث باسم الخارجية الاثيوبية ان الجيش الاثيوبي الذي دخل الصومال في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 لمحاربة متمردي حركة الشباب الاسلامية المتطرفة، بدأ الانسحاب من مدينة بيداوة الاستيراتيجية التي تقع جنوب غرب الصومال. واوضح دينا موفتي الجنود الاثيوبيون ينسحبون من بيداوة وقوة الاتحاد الافريقي في الصومال تحل محلهم. وتشير اثيوبيا منذ اشهر الى نيتها الانسحاب من الصومال وترك القوة الافريقية الداعمة للسلطات الصومالية الهشة، تسيطر على المواقع التي كانت تسيطر عليها. بحسب فرانس برس.

وفي آذار/مارس غادر جنودها بشكل مفاجئ بلدة حودور التي سيطر عليها على الفور الشباب وكانت مصادر متطابقة اشارت الى استعدادات تجري للانسحاب من بيداوة المدينة الكبيرة في جنوب الصومال التي تم تحريرها من متمردي الشباب في شباط/فبراير 2012. واضاف المتحدث لدينا جدول صارم لانسحاب الجنود الاثيوبيين من كافة العمليات هذا العام انطلاقا من مبدا ان الشباب لن يعودوا، مشيرا الى ان ذلك يفترض استراتيجية وتنسيقا لضمان عملية انتقالية بدون صدامات. ومنذ اشهر يثير انسحاب القوات الاثيوبية من جنوب الصومال قلقا وتساؤلات. ويقوم الجيش الاثيوبي بدور مهم في المنطقة ويشكك البعض في قدرة القوة الافريقية (17700 رجل) على الحلول محل القوات الاثيوبية دون حدوث فراغ في اماكن اخرى.

مخاوف متزايدة

على صعيد متصل اعربت الامم المتحدة عن مخاوفها حيال قانون الاعلام الجديد في الصومال بعد ايام من تحذير خبراء في الامم المتحدة من الفساد في الحكومة الجديدة في الدولة الافريقية. ودعا مكتب الامم المتحدة لحقوق الانسان حكومة الرئيس حسن شيخ محمود الى اعادة النظر في القانون الجديد الذي يطلب من الصحافيين كشف مصادرهم ويمنعهم من نشر معلومات ضد الاسلام او التقاليد الصومالية، بحسب بيان نشره المكتب.

وذكر روبرت كولفيل المتحدث باسم مكتب المفوض الاعلى لحقوق الانسان ان القانون غامض ويمكن استخدامه بسهولة لقمع حرية التعبير. ويطلب مشروع القانون الذي يمكن ان يتحول الى قانون خلال شهرين، من الصحافيين كشف مصادرهم اذا ما اثارت المعلومات المنشورة المشاعر العامة. وينص على وقف عمل الصحافيين المتهمين بانتهاك قانون الاعلام.

ورغم ان الحكومة الجديدة تتمتع بحكم محدود، فيما تقاتل القوة الافريقية متمردي حركة الشباب الاسلاميين، الا انها تعتبر بارقة امل لان الصومال تفتقر الى حكومة فعالة منذ سقوط الديكتاتور السابق سياد بري في 1990. وذكرت مجموعة من خبراء العقوبات الدولية في تقرير ان المخالفات لا تزال منتشرة حيث يقوم البنك المركزي بمنح الاموال الى افراد من دون تبرير استخدامها. وجاء في التقرير انه خلال فترة الحكومة الحالية في الفترة بين ايلول/سبتمبر 2012 ونيسان/ابريل 2013، قام افراد ب72% من السحوبات. ونظرا الى القتال الذي تشهده البلاد، فان ميزانية العام 2013 تقدر ب84 مليون دولار فقط، الا ان نحو ثلثها يأتي من المانحين الدوليين. بحسب فرانس برس.

وقال تقرير الامم المتحدة ان وزير المالية محمود حسن سليمان قام بكل جهد ممكن لخفض حجم الدفعات، ولكنها منتشرة لدرجة انها تخرج عن سيطرته في ظل عدم وجود اعادة هيكلة اساسية للنظام. واضاف التقرير ان محافظ البنك المركزي الصومالي عبد السلام عمر، الذي يحمل جواز سفر اميركيا، كان عاملا رئيسيا في هذه المخالفات. وقال خبراء الامم المتحدة ان اصدار جوازات سفر صومالية لا يزال عملية مليئة بالاحتيال والنصب وان الرسوم المستوفاة من ميناء مقديشو والتي تعد مصدرا رئيسيا للحكومة، يتم تحويلها. وقالت اللجنة ان ما معدله 33% على الاقل من عائدات رسوم الميناء لا يعرف مصيرها. واضافت اللجنة ان كميات كبيرة من المساعدات الانسانية تتسرب، وان منظمات الاغاثة ومن بينها المنظمات التابعة للامم المتحدة اصبحت تتبنى "ثقافة الانكار والسرية" ولذلك فان حجم المشكلة غير معلن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/أيلول/2013 - 15/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م