الدرس الاول: في خطوة سياسية مدروسة، قبل الامام علي بن موسى الرضا
(عليه السلام) وهو الامام الثامن من ائمة اهل بيت رسول الله (ص) والذي
تصادف اليوم، 11 ذي القعدة، ذكرى ولادته الميمونة في المدينة المنورة
عام 148 للهجرة، ولاية العهد من الخليفة المأمون العباسي، اعتمادا على
ثلاثة اسس مهمة:
الاول: هو تقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة والشخصية
الضيقة، فاذا احتاج الظرف الزماني والمكاني الى تضحية من نوع ما فعلى
المصلح ان يبادر الى تقديم المصلحة العامة التي تنتج سلاما مثلا او
استقرارا او تنمية او صلحا مجتمعيا من نوع خاص او غير ذلك، على اية
مصلحة خاصة ضيقة.
وتختلف التضحية من زمان لآخر، ومن مكان لآخر، فتارة تكون التضحية
ترك السلطة وان كانت شرعية، كما هو حال الامامين علي بن ابي طالب وابنه
الحسن بن علي عليهم السلام، وتارة تكون القبول بالسلطة، كما هو الحال
مرة اخرى مع الامامين امير المؤمنين علي بن ابي طالب وعلي الرضا (ع).
ثانيا: صف الاولويات وتقديم الاهم على المهم، فالشأن العام لا
يحدده الدين المحنط او الاصول الصخرية الجامدة، وانما يحددها الزمان
والمكان وحاجاتهما المختلفة، في عملية اجتهاد محسوبة العواقب والنتائج،
ولهذا السبب نلاحظ ان دور ائمة اهل البيت عليهم السلام اختلف من امام
لآخر، ليس عبثا ولا اعتباطا وانما بالاعتماد على حاجة الزمان والمكان،
وهو الامر الذي يفعله كل مصلح او شهيد على عصره، والذي يجب ان نتعلمه
منهم فلا نتكلس على فكر او نتحنط على موقف او نصدأ على مفهوم.
ثالثا: الالتزام بالضوابط الشرعية والاخلاقية بحذافيرها من دون
تجاهل او تجاوز او تحايل، من خلال استحضار العقل والمنطق والجدال بالتي
هي أحسن، من دون توظيف الوسائل العنفية غير الشرعية باي شكل من الاشكال،
او التوسل بالوسائل غير الشرعية، فالهدف الشرعي لا يتحقق بوسائل غير
شرعية ابدا.
الدرس الثاني: ان الانتماء الى مدرسة اهل البيت عليهم السلام لا
يعني حب الامام علي بن ابي طالب عليه السلام فحسب، ابدا، كما ان المؤشر
على ذلك ليس حب سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهم السلام فقط،
اطلاقا، ان الانتماء الى التشيع يعني تحديدا الاستقامة على هذا الحب
والولاء، والتي تعني، الاستقامة:
الف: الالتزام بالنهج بحذافيره، وعلى مختلف الاصعدة، خاصة على صعيد
السلوك اليومي في العلاقة مع الاخر، فليس شيعيا من يدعي حب علي (ع)
الذي يوصي الاشتر لما ولاه مصر {أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ
حِقْد، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْر، وَتَغَابَ عَنْ كلِّ مَا
لاَ يَضِحُ لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ
السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ} من يزرع بذور
الحقد والكراهية والتكفير والغاء الاخر بالفتن والتمييز والاستعلاء
وتفتيش عقائد الناس وولاءاتهم وتسقط نوايا الاخرين ومحاسبتهم عليها
وفرض آرائه.
باء: الاستمرار على النهج في كل الظروف، فلا يختلف السلوك اذا
اختلفت الظروف، ولا يتغير الالتزام اذا قسى الواقع، ابدا، فعلي (ع) هو
علي (ع) منذ ولادته وحتى استشهاده، وكذلك الحسين بن علي (ع).
ان ادعاء الانتماء الى مدرسة اهل البيت لا يكون صادقا الا اذا
انتهى بصاحبه الى مرضاة الله تعالى فقط، وهو ادعاء صادق اذا انتج وعيا
رساليا ومنهجا صالحا واسلوبا سليما وشخصية موزونة ونموذجا راقيا
ومجتمعا خال من الامراض الاجتماعية ونظاما سياسيا عادلا، والا فهو
لقلقة لسان مجردة عن الحقيقة مهما بكى المرء على الحسين (ع) ومهما صرخ
بحب الامام علي (ع) فكم من مدع لحب امير المؤمنين وسلوكه سلوك معاوية؟
وكم من مدع لعشق الحسين الشهيد في كربلاء ونهجه نهج يزيد بن معاوية
القاتل الفاجر؟.
لقد ظل ائمة اهل البيت (ع) يرفضون الانتماء المزور حتى من اقرب
الناس اليهم، فهذا زيد بن الامام الكاظم واخو الامام الرشا عليهم
السلام، والمسمى بزيد النار لكثرة ما احرق من بيوت العباسيين في البصرة
والكوفة عندما قاد ثورة عليهم، يوبخه اخوه الامام الرضا (ع) بقوله:
ويحك يا زيد، ما الذي غرك حتى أرقت الدماء وقطعت السبيل، أغرك حديث
سمعته عن رسول الله (ص) {إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرم الله ذريتها علي
النار؟ وفي رواية ثانية: أغرك قول سفلة أهل الكوفة: إن فاطمة أحصنت
فرجها، فحرم الله ذريتها علي النار} ويحك يا زيد، إن ذلك ليس لي ولا
لك، لقد عنى رسول الله (ص) بذلك حسنا وحسينا (ع) والله ما نالا ذلك إلا
بطاعة الله، فإن كنت ترى أنك تعصي الله وتدخل الجنة، فأنت إذن أكرم على
الله منهما، ومن أبيك موسي بن جعفر، والله يا زيد لا ينال أحد ما عند
الله إلا بطاعته، فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك. فقال له الرضا (ع):
أنت أخي ما أطعت الله عز وجل، إن نوحا قال {رب إن ابني من أهلي وإن
وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} فقال له الله عز وجل {يا نوح إنه ليس من
أهلك إنه عمل غير صالح} فأخرجه الله من أن يكون من أهله بمعصيته لله.
الانتماء الى مدرسة اهل البيت، اذن، ليس بالدم او الهوية الشخصية
او الزي، وانما بالفكر والسلوك.
الدرس الثالث: ان التشيع لاهل البيت عليهم السلام، نهج واضح المعالم
ومدرسة متكاملة، وشخوص ورموز واضحة، ومع كل ذلك فلقد ابتلي ائمة اهل
البيت (ع) بالكثير من المتمردين من (اصحابهم) ممن يدعون الانتماء اليهم
كذبا وزورا، خاصة منذ عهد الامام الصادق (ع) وما بعده من عهود الائمة،
لأسباب معروفة منها وعلى راسها انتشار التشيع بشكل واسع جدا ما حوله
الى تيار شعبي عام يصعب على احد تحديد ضوابط الانتماء اليه، فكثر
المدعون، كل يدعي وصلا بليلى كما يقولون، ولهذا السبب حاول الائمة
تحديد معالم الانتماء من خلال رسم معادلات دقيقة تفضح المدعي الذي لا
يلتزم بها، لمن اراد ان يميز الخبيث من الطيب.
وان واحدة من الادعاءات التي ابتلي بها ائمة اهل البيت منذ القدم
هو ادعاء المهدويين، نسبة الى الامام المهدي (عج) الامام الثاني عشر من
ائمة اهل البيت، او الادعاء بالتمهيد له في زمر واحزاب وجماعات تتنقل
عبر التاريخ، وستستمر الى ان يأذن الله تعالى بالظهور، وهي مسالة غيبية
لا يعلم ساعتها الا هو.
ولا يخلو زماننا هذا من مثل هذه الزمر ولن يخلو، فنرى انها تنتشر
بين الفينة والاخرى في حركات مشبوهة المعالم والشخوص والحجج والاهداف
والتمويل والانتماء وكل شيء، فما هي اسباب الانحرافات في الفكر والمنهج
عند من يدعي الانتماء الى التشيع، فيدعي ما ليس من حقه، ويدعو الى ما
ليس فيه وله؟.
بقراءة سريعة ومتأنية في آن، سنستنتج العوامل والاسباب التالية،
تاريخيا والى الان:
1 سيطرة المصالح الخاصة والانانية الضيقة على من يدعي، والذي يتحول
الى رمز لهذا التيار اما بالمال او بكاريزما الشخصية التي تخدع
المغفلين والمضللين في المجتمع.
2 محاولات تشويه الحقيقة وتزييف الانتماء وتصوير التشيع على انه
حركة خرافية ضعيفة الحجة، خاصة في زماننا هذا الذي تتصدى فيه مدرسة اهل
البيت (ع) كبديل عن الفشل والهزيمة التي منيت بها الانسانية، ولذلك فلو
فتشت عن المصدر الحقيقي لهذه الحركات فستجده عند اعداء اهل البيت (ع).
3 انتشار فكر الخرافة وثقافة الاحلام ومنهجية التسطيح الفكري
والثقافي، باسم التشيع وتحت مسميات الانتماء الى مدرسة اهل البيت (ع)
فتاتي مثل هذه الحركات كمحاولة للهروب من مثل هذا الواقع المريض،
فتسقط، هي الاخرى، في نفس نهج الانحراف ولكن بمسميات مختلفة.
4 انشغال العلماء والفقهاء والمرجعيات والمفكرين والمثقفين والكتاب
الواعين والخطباء المتنورين بالقيل والقال وبخلافاتهم الجانبية
وبمشاكلهم التي تنتجها انانياتهم وما يسمونه ب (حسد العيشة) فتخلو
الساحة عندها من الموجه الحقيقي القادر على قيادة الامة فكريا وثقافيا
الى بر الامان فينبري امثال هؤلاء لملء الفراغ.
فعندما يغيب الوعي يستأسد الجهل، وعندما يغيب العقل والمنطق يسيطر
التخلف، وعندما يغيب النور ينتشر الظلام، ظلام التسطيح الفكري
والثقافي، ظلام الادعاءات الفارغة التي لا تعتمد على عقل او منطق.
5 وان للظرف السياسي والاجتماعي، وظروف الهزيمة والنصر، او النجاح
والفشل، دور مهم في ظهور وإنعاش واستمرار مثل هذه الحركات المدعية،
ولذلك فانت لا تجد مكانا لمثلها في مجتمع ناجح او في بيئة نامية
ومتطورة او في زمن الانتصارات، ابدا، انما تراهم في بيئة الهزيمة
والفشل والجهل واللاوعي، فهي اسلوب اما للهرب من المسؤولية او لتبرير
الفشل والهزيمة او لتمنية النفس بما تهوى وتشتهي وتحلم.
ولعل افضل دليل على كذب مثل هذه الحركات هو انك لا تجد اليوم من
بين من يدعي او يدعو فقيه فاضل او عالم عامل او مخرج عالمي او كاتب
عابر للقارات او متدين اشتهر في محيطه بالايمان والتقوى او مصلح عالمي
يمتلك ثقافة عالية قادرة على تقمص النهج الحقيقي للائمة (ع) ابدا،
ولهذا السبب ربما، يختفي راس الحركة ولا يظهر للعيان، فاذا سالت عنه
مريديه ليدلوك عليه يردون بعدم امكانية ذلك، فقد تلتقي بلص مثلا او
مجرم او فاسق او ما اشبه اذا زرته وهو قابع في غار او واد سحيق، من
يدري؟.
ان الممهد يجب ان يكون كرسول الله (ص) في مجتمعه، مشهور ولو بخصلة
اخلاقية او اجتماعية واحدة، الا اننا لم نر في من يدعي انه يمهد للامام
المنقذ ايا من هذه الصفات والمناقبيات.
الممهد عالم عامل مخلص فاضل وتقي يخدم المجتمع ويسلم من يده ولسانه
الناس، لا يشهد الزور ولا يمد يده الى المال العام، تعرف مصادر تمويله،
صادق غير كاذب، هادئ غير مشعوذ، يقول الامام علي (ع) يصف بعض اصحابه:
كَانَ لِي فيِما مَضَى أَخٌ فِي اللهِ، وَكَانَ يُعْظِمُهُ فِي
عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، وَكَانَ خَارِجاً مِنْ
سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلاَ يَشْتَهِي مَا لاَ يَجِدُ وَلاَ يُكْثِرُ
إِذَا وَجَدَ، وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فإِنْ قَالَ بَذَّ
الْقَائِلِينَ وَنَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ، وَكَانَ ضَعِيفاً
مُسْتَضْعَفاً فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وَصِلُّ
وَادٍ لاَ يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً، وَكَانَ لاَ
يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى
يَسْمَعَ اعْتِذَارَهُ، وَكَانَ لاَ يَشْكُو وَجَعاً إِلاَّ عِنْدَ
بُرْئِهِ، وَكَانَ يقُولُ مَا يَفْعَلُ وَلاَ يَقُولُ مَا لاَ
يَفْعَلُ، وَكَانَ إذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلاَمِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى
السُّكُوتِ، وَكَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ
يَتَكَلَّمَ، وَكَان إذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ نَظَرَ أَيُّهُمَا
أَقْرَبُ إِلَى الْهَوَى فيُخَالَفَه. فَعَلَيْكُمْ بِهذِهِ
الْخَلاَئِقِ فَالْزَمُوهَا وَتَنَافَسُوا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقلِيلِ خَيْرٌ مِنْ
تَرْكِ الْكَثِيرِ.
وبصراحة اقول، فان كل دعوة لا تنتج حياة فهي دعوة باطلة، وذلك
بدليل حديث رسول الله (ص) الذي يقول {إن قامت الساعة وفي يد أحدكم
فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها}.
ورحم الله تعالى المرجع الشيرازي فلطالما سمعته يجيب من يسأله عن
علامات آخر الزمان كلما مرت بنا مصيبة او حرب او ازمة، يقول له: ان كان
اول الزمان او آخر الزمان، اد انت الذي عليك من واجبات، وستكون من
انصار وجنود المهدي (عج).
ان المنتظر او الممهد لا يكون كسولا او تنبلا او كلا على مولاه،
يجلس في بيته ينتظر الامام، او يعتزل الناس وهو يمهد للامام، ابدا،
فالمنتظر والممهد مقاتل بعلمه ومنطقه وبيانه وعمله الصالح في ميدان
الحياة.
* ملخص حديثين في مجلس الشرع ومجلس الدكتور كمال الساعدي في مدينة
ديربورن في ولاية ميشيغن الاميركية الاسبوع الماضي وهذا الاسبوع
[email protected]
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/nezarhaider.htm |