شبكة النبأ: حول مكان جديد للعبادة
وصف بأنه رمز للسلام بين الطوائف الدينية حيا فقيرا في انقرة الى ساحة
معركة وكشف عن التوترات الطائفية الشديدة داخل تركيا. ويصور الرسم
التخطيطي للمشروع مسجدا سنيا يقام جنبا الى جنب مع دار جديدة للتجمع
(بيت للطقوس الدينية) للعلويين الذين يمثلون أكبر أقلية دينية في
تركيا.
لكن ما ان وضع حجر الاساس حتى اشتبه العلويون في انها محاولة
لاستيعاب طائفتهم داخل الغالبية السنية ويواجه شبان من الاقلية العلوية
قوات الامن ليلا. وردا على ذلك طرد رئيس بلدية أنقرة المحتجين ووصفهم
بأنهم "جنود" الاسد في تذكرة غير مريحة بالحرب الاهلية التي تدور على
اساس طائفي الى حد بعيد في سوريا المجاورة.
ويستمد العلويون الذين يشكلون بين 15 و20 بالمئة من عدد سكان تركيا
البالغ 76 مليون نسمة شعائرهم من المذهبين الشيعي والصوفي والتقاليد
الشعبية الاناضولية ويمارسون شعائرهم المختلفة التي يمكن ان تضعهم على
خلاف مع نظرائهم السنة الذين يتهم كثيرون منهم العلويين بالزندقة.
وسكان حي توزلوجاير وهو حي فقير غالبية سكانه من العلويين ويقع على
مشارف أنقرة مصممون على وقف المشروع. وقال كانداس تركيلماز وهو عامل
عمره 29 عاما من توزلوجاير وهو يشير الى عمال الانشاء الذين يزدحم بهم
الموقع في النهار بينما تواصل قوات الامن المراقبة عن كثب من قمة التل
أعلى المكان "لن نكف عن الاحتجاج حتى يتوقف البناء."
وقال تركيلماز "لم يعرف أحد ما الذي يقومون ببنائه في البداية.
اعتقدنا انه مجرد مسجد آخر لكن عندما عرفنا بدأنا في الاحتجاجات. لا
يمكنك ان تقيم بيتا للتجمع بجوار مسجد .. ان معتقداتنا مختلفة."
حتى مع بدء مراسم تدشين المشروع هذا الشهر تدفق العلويون على شوارع
توزلوجاير للاحتجاج. ومنذ ذلك الحين يخوض الشبان العلويون معارك ليلا
مع الشرطة التي تم احضارها لحراسة موقع انشاء المسجد. بحسب رويترز.
ويواجه مئات المتظاهرين وبعضهم مسلح بالحجارة والمقاليع حتى الساعات
الاولى من الصباح قوات الامن التي تطلق الغاز المسيل للدموع ومدافع
المياه. وظهرت مظاهرات أضخم ضد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان هذا الصيف
في الايام الاخيرة من بينها منطقتان علويتان في اسطنبول. واندلعت
احتجاجات ايضا في اقليم هاتاي وهو نقطة اشتعال عرقية ودينية على الحدود
الجنوبية مع سوريا.
والاضطرابات التي اشتدت مرة اخرى بعد موت محتج في مدينة انطاكيا
الاسبوع الماضي مازالت ليست بحجم مظاهرات يونيو حزيران ويوليو تموز
لكنها اتسمت بصبغة أكثر عنفا وطائفية.
وفي توزلوجاير يبدو التوتر واضحا حتى أثناء النهار. وحولت الحواجز
المقامة على الطرق الضاحية الى متاهة وتزين الرسومات والشعارات جدران
المباني. وما أثار الشكوك ايضا أكثر من المفهوم ذاته الشخصان المشرفان
على المجمع وهما الواعظ السني فتح الله جولين ومقره الولايات المتحدة
وعز الدين دوجان وهو مسن علوي في تركيا. وقال تركيلماز "جولين يريد
استيعاب العلويين ويريد تحويلنا الى سنة وعز الدين دوجان لا يمكنه ان
يطأ بقدمه في هذا الحي وهو لا يمثلنا."
ويظهر جولين في المشهد في تركيا التي تعتبر علمانية وفقا للدستور
منذ فترة طويلة . ويقول انصار جولين ان عددهم يقدر بالملايين وينتمي
معظمهم الى طبقة المهنيين ذات التوجهات الدينية المتماثلة التي ساعدت
حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية الذي ينتمي اليه أردوغان في
تحقيق فوز ساحق في انتخابات 2002 التي وضعته في السلطة.
وبينما يوقره المتعاطفون معه باعتباره وجها مستنيرا للاسلام التقدمي
مؤيدا للغرب يشك اخرون في ان أنصاره تسللوا الى الحكومة والمؤسسات
الثقافية ويمارسون النفوذ على المؤسسات المختلفة سواء الشرطة أو القضاء
وحتى البنك المركزي ووسائل الاعلام.
وأعلن جولين ودوجان ان المجمع نموذج للسلام والتقارب بين الطائفتين
الدينيتين بعد قرون من الخلافات المستمرة حتى اليوم ويقولان انهما
يتمتعان بتأييد من الطائفة العلوية الاوسع نطاقا.
لكن في الاسبوع الماضي نشرت 11 مؤسسة علوية في تركيا والخارج بيانا
ضد انشاء المجمع رافضين له باعتباره "مشروعا للاستيعاب". واستقال فرع
الشباب بالكامل في مؤسسة بيت التجمع (بيت الطقوس الدينية) التابع
لدوجان وهو واحد من مؤسسات علوية كثيرة في تركيا احتجاجا على المشروع.
ونظمت عضوة البرلمان المعارض العلوية البارزة والمطربة الشعبية
صبحات أكيراز مقاطعة من جانب عدة شركات انتاج موسيقي لقنوات تلفزيون
واذاعة تابعة لمؤسسة بيت التجمع.
ويقول سكان حي توزلوجاير ان تلك المؤسسات العلوية التي ايدت المجمع
لها علاقة بالحكومة وتكون معظمها في السنوات القليلة الماضية بعدد صغير
من الاعضاء.
وحاولت الحكومة ان تنأي بنفسها مؤكدة ان الدولة ليست وراء هذا
المشروع. لكنها قدمت أكثر من دعم ضمني وارسلت وزير العمل ليطلق حمامة
رمزا لتدشين المشروع.
وتساءل نائب رئيس الوزراء بولنت ارينتش عما اذا كان المحتجون يمثلون
حقا العلويين قائلا ان الهدف هو خلق انسجام موجود في المدن التركية
الاخرى حيث تشاهد الكنائس والمساجد متجاورة للغاية.
وكتب رئيس بلدية أنقرة الذي ينتمي لحزب العدالة والتنمية مليح جكجك
الذي يشتهر بتصريحاته الاستفزازية تغريدة بشأن "جنود" الاسد في مطلع
الاسبوع.
ودائما ما يتم الخلط بين العلويين الاتراك والطائفة العلوية التي
ينتمي اليها الرئيس السوري بشار الاسد. والعلويون الاتراك الذين يعرفون
محليا بالعلويين العرب يتمركزون بصفة رئيسية في هاتاي حيث تفجرت توترات
طائفية انفصالية منذ ان بدأت الاضطرابات في سوريا في مارس اذار 2011 .
وبينما توجد أوجه شبه بين الطائفتين فان العلويين في تركيا ينتمون
لاصول عربية بينما العلويون الاتراك أو الاكراد عاشوا بصفة اساسية في
وسط الاناضول. واختار كثير من العلويين الذين تعرضوا للاضطهاد لفترات
طويلة من الدولة التي يهيمن عليها السنة في تركيا والامبراطورية
العثمانية قبل ذلك الاندماج ليصبح من الصعب عمل احصاء لاعدادهم وسقطت
الطائفة ضحية لعدة مذابح في التاريخ.
وأغضبت الحكومة العلويين هذا العام عندما أطلقت على ثالث جسر مزمع
فوق مضيق البوسفور اسم سلطان عثماني ارتكب مذبحة ضد اجدادهم في القرن
السادس عشر. ويتوقع ان تعلن الحكومة قريبا تفاصيل "صفقة لاضفاء
الديمقراطية" من خلال سلسلة اصلاحات تهدف بدرجة كبيرة الى التعامل مع
شكاوى الاكراد والعلويين أيضا في تركيا رغم ان كثرين مازالوا يتشككون
في ان هذه الاجراءات ستكون كافية.
وقال رجل متقاعد في حي توزلوجاير "رئيس الوزراء قال ان سيعلن قريبا
الحقوق التي سيعطيها لنا نحن العلويين. لذلك كيف يأتي الى حينا ويفعل
ذلك؟" . واثار الدعم غير المباشر للمشروع من جانب الحكومة قلق كثير من
العلويين الذين يقولون انهم يفضلون أكثر ان يروا الدولة تلبي المطالب
العالقة لطائفتهم.
وقال محمد اوزنار رئيس بيت التجمع في حي توزلوجاير الذي يقع في مبنى
سكني بسيط "كان عليهم ان يسألوننا: هل تحتاجون الى مسجد؟ لقد بنوا
ثلاثة مساجد جديدة هنا ولم تكن هناك حاجة لذلك. انها خالية ولا احد
يدخل اليها أو يخرج منها." إذ تشير تقديرات سكان الحي الى ان 90 في
المئة من السكان علويون. |