بوتين وماكين... معارك مخابراتية وحرب اعلامية

متابعة محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بشكل مفضوح ومثير للسخرية انتقل الصراع الدائر بين الرئيس الروسي فلادمير بوتين والسيناتور المتشدد جون ماكين من معارك مخابراتية في الظل الى حرب اعلام تنافسية بشكل غير مسبوق.

واكثر ما يثير الاستهزاء مبادرة طرفي الصراع الى نقل المنازلة الكلامية الى عقر دار احدهما الآخر، ومحاولتهما كسب ود الرأي العام كلا خارج حدود بلده، سيما بعد اشتداد وطيس الازمة السورية.

حيث سعى بوتين وبجرأة الى مخاطبة الشعوب الامريكية واقناعها بصواب سياسته ازاء دمشق، لسحب البساط من تحت اقدام تكتل بعض الساسة المحرضين على مهاجمة سوريا. في الوقت الذي يرمي ماكين في نشر مقالا له في الصحافة الروسية تحرض على معارضة سياسات بوتين وتدينها.

وكانت أحدث وسيلة اختارها بوتين للهجوم تمثلت في مقال افتتاحي في صحيفة نيويورك تايمز وكانت تحولا غير عادي بالنسبة لبوتين رغم انه لم يكن مقاله الأول في الصحيفة إذ سبق أن كتب واحدا يدافع فيه عن قراره بإرسال قوات للحرب في الشيشان في 1999.

وإيجاد وسيلة "للتحدث مباشرة للشعب الأمريكي" - كما يقول هو- يبرز ثقته المتزايدة في أن المقترح الروسي لوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت السيطرة الدولية مكنه من انتزاع زمام المبادرة السياسية والأفضلية الأخلاقية من نظيره الأمريكي باراك اوباما.

ويبدو بوتين الآن عازما على الاستفادة محليا من ذلك الوضع من خلال تقديم نفسه حيثما كان باعتباره الرجل الذي يقود جهود السلام العالمية في سوريا لينال من أوباما حتى على صفحات جريدة أمريكية رائدة.

ومنح الاهتمام الذي لاقاه المقال في الاعلام الأمريكي والعالمي والروسي الكرملين مبررا للشعور ببعض البهجة. وقال مصدر في الكرملين "الفكرة جاءت قبل فترة قصيرة جدا. التعديلات الأخيرة جرت الليلة الماضية" ملمحا إلى أن مساعد بوتين للشؤون الخارجية يوروي اوشاكوف كان أحد المشجعين على الفكرة.

وتقدم شركة كيتشوم للعلاقات العامة التي مقرها نيويورك المشورة للكرملين. كما اجرى بوتين مقابلة مع مؤسسة أسوشييتد برس الاخبارية الأمريكية لتوصيل رسالته للشعب الأمريكي لكن مصادر قريبة من الكرملين قالت إن المقال الذي كتبه لنيويورك تايمز هو الأول من نوعه في الصحافة الأمريكية منذ 1999.

وكانت الصورة التي عرضها هي لروسيا كصانع سلام وللولايات المتحدة كمروج للحرب ليقلب الطاولة على أوباما بعدما صور بوتين في الغرب على أنه عقبة أمام السلام لأغلب الوقت منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا في 2011.

وبدا الرئيس السوري بشار الأسد كما لو كان يتصرف وفق اتفاق مسبق عندما أيد بوتين بقوله لقناة تلفزيونية روسية "سوريا ستضع أسلحتها الكيماوية تحت السيطرة الدولية بسبب روسيا. التهديدات الأمريكية لم يكن لها تأثير لدى اتخاذ القرار." لكن تأثير المقال لم يكن طيبا على واشنطن.

وتحدث بوتين في المقال عن التحالف بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية التي هزمت فيها المانيا النازية، ما مهد الطريق لتاسيس مجلس الامن الدولي الذي يحظى فيه الحلفاء المنتصرون بمقاعد دائمة.

ورسم بوتين صورة كارثية لكلفة القيام باي عمل عسكري ضد سوريا حيث حذر من "موجة جديدة من الارهاب" وانهيار النظام الدبلوماسي العالمي الذي يقوم على الامم المتحدة. وقال "نحن لا نحمي الحكومة السورية بل نحمي القانون الدولي".

واكد بوتين مرارا على ان بلاده لا تزال قوة عظمى. وانتقد تصريحات الرئيس الاميركي باراك اوباما بان السياسة الاميركية "هي ما يجعلنا مميزين". وقال "من الخطر للغاية تشجيع الناس على اعتبار انفسهم استثنائيين مهما كان الدافع لذلك".

وقال محللون ان الخطة الروسية نجحت في الضرب على وتر حساس في الغرب، لانه يلعب بمهارة على تردد الحكومات الغربية والبرلمانات والشعوب التي لم تنس حرب العراق في 2003، في شن ضربة عسكرية ضد سوريا.

وعلى المدى القصير، فإن الخطة الروسية تناسب الجميع لانها "لا تطلب المستحيل"، بحسب ما يرى اندري باكلتسكي من المركز الروسي للدراسات السياسية. واضاف "اذا نجحت الامور مع سوريا، فان روسيا تكون قد استعادت بطريقة جيدة مركزها كلاعب مهم في الشرق الاوسط".

واضاف "ولكن إذا بدأت سوريا في اخفاء اسلحتها وما الى ذلك، فان سمعة روسيا وموقعها سيصبحان عندئذ على المحك. انها خطوة جريئة من جانب روسيا، لكن يمكن ان تنجح رغم ذلك".

الا ان ظروف ظهور هذه الخطوة التي يمكن ان تدفع النظام السوري الى تقديم اكبر تنازل له خلال النزاع المستمر منذ اكثر من عامين، لا تزال غامضة، لكن يبدو انها مزيج من التفكير الطويل المدى ورد الفعل السريع.

واعلنت موسكو عن تلك الخطة مستغلة تصريحات لوزير الخارجية الاميركي جون كيري بان تسليم سوريا السريع لاسلحتها الكيميائية يمكن ان يجنبها الضربات العسكرية، وذلك في رد فعل براغماتي سريع من الدبلوماسية الروسية المحافظة.

ولكن الفكرة لم تات كذلك من فراغ، حيث ان الرئيس الاميركي باراك اوباما والكرملين اكدا ان مثل هذا الاقتراح طرح خلال محادثات بين اوباما وبوتين في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في روسيا الاسبوع الماضي.

وقال الكسندر فيلونيك من معهد الدراسات الشرقية في الاكاديمية الروسية للعلوم "الفكرة نفسها كانت مطروحة، وكيري تحدث عنها، وفكرت روسيا فيها، وجرت حركة قوية متبادلة انتهزها الجميع".

ويعود تاريخ التحالف بين سوريا وروسيا الى أيام العلاقات القوية بين الاتحاد السوفياتي والرئيس حافظ الاسد والد بشار الاسد، وراى العديد من المحللين ان موقع الكرملين بشان سوريا يهدف الى الحفاظ على ما تبقى من نفوذ روسيا المتضائل بعد انتهاء الحقبة السوفياتية.

وقال جون بينر رئيس مجلس النواب الأمريكي "أشعر بالإهانة". وأضاف ان المقال يظهر "لماذا قلت أن لدي شكوكا تجاه دوافع الروس والأسد."

وسخرت نانسي بيلوسي النائبة الديمقراطية المخضرمة في مجلس النواب من السطر الأخير في مقال بوتين الذي يقول "لقد خلقنا الله متساوين" مشيرة الى أن روسيا تناهض قوانين الدعاية الخاصة بالمثليين.

وأضافت بيلوسي "هو يقول اننا جميعا خلق الله. أعتقد أن هذا جيد. يحدوني أمل ان ينطبق هذا أيضا على المثليين من الرجال والنساء في روسيا."

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ان بوتين مخطيء عندما يذكر في مقال ان المعارضين السوريين مسؤولون على الأرجح عن الهجوم الكيماوي.

وقال المتحدث جورج ليتل "دعوني أرد على ما ورد في المقال بالآتي: لقد استثمر الرئيس بوتين مصداقيته في وضع أسلحة الأسد الكيماوية تحت السيطرة الدولية وتدميرها في نهاية المطاف." وأضاف ليتل للصحفيين "سيتابع العالم كي يرى ما إذا كانت روسيا ستفي بهذا الالتزام."

وفي روسيا برز المقال في نشرات الأخبار دون تعليق إلى حد كبير من جانب وسائل الإعلام الحكومية لكنه اثار تعليقات ساخرة أيضا. واشار منتقدون إلى أن المقال الذي كتبه بوتين في 1999 في نيويورك تايمز تبنى رؤية معاكسة بدفاعه عن العمل العسكري الروسي في صراع داخلي ضد الانفصاليين في الشيشان.

فيما قال متحدث ان السناتور الامريكي جون مكين سينشر مقال رأي في صحيفة برافدا الروسية ردا على مقال افتتاحي نشره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية اثار غضب العديد من اعضاء الكونجرس.

وقال بريان روجرز المتحدث باسم السناتور الجمهوري البارز على ساحة العلاقات الخارجية "السناتور مكين سعيد بقبول العرض وسوف يقدم مقالا."

وجاء هذا الاعلان بعد يوم واحد من نشر الصحيفة الامريكية الشهيرة لمقال بوتين الذي صور الرئيس الروسي نفسه فيه كصانع للسلام وبدا انه ينصح واشنطن بخصوص ما وصفه بأنه عزم على استخدام "القوة الوحشية" في السياسة الدولية.

وأبدى عدد من المشرعين الامريكيين عدم ترحيبهم بتدخل الرئيس الروسي في نقاشهم بخصوص الموافقة على الضربات الصاروخية الامريكية ردا على ما يبدو استخداما لاسلحة كيماوية في سوريا من جانب قوات الرئيس السوري بشار الاسد.

وقال السناتور روبرت مننديز النائب الديمقراطي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لقناة سي ان ان تعليقا على مقال بوتين "كدت أتقيأ".

وكان مكين ومننديز من بين عشرة نواب في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ صوتوا بالموافقة على قرار يصرح للرئيس الامريكي باراك اوباما باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا.

وجاء قرار مكين بنشر مقال في برافدا بعد ان ارسلت صحيفة فورين بوليسي الامريكية للصحيفة الروسية تفريغا لمقابلة اجرتها سي ان ان مع مكين وناقش فيها القيود التي تفرضها روسيا على التعبير عن الرأي وقال ممازحا انه يود كتابة مقال لصحيفة برافدا. وقالت فورين بوليسي ان الصحيفة الروسية ردت قائلة انه يسعدها ان تنشر مقالا "لسياسي بارز مثل جون مكين."

الى ذلك استغرب الحزب الشيوعي الروسي اعلان السناتور الاميركي جون ماكين انه سينشر قريبا مقالا في صحيفة "برافدا" التابعة للحزب المذكور.

وكان المتحدث باسم ماكين المعروف بانتقاده السلطات الروسية اعلن ان السناتور الجمهوري وافق على عرض برافدا ان تنشر له مقالا، لكن الشيوعيين الروس اكدوا ان لا علم لهم بهذا العرض.

وقال رئيس تحرير برافدا بوريس كوموتسكي في بيان على الموقع الالكتروني للحزب الشيوعي "ليس هناك سوى برافدا واحدة في روسيا، انها تابعة للحزب الشيوعي، ولم نسمع بنية السناتور الجمهوري" نشر مقال فيها.

بدوره، ابدى رئيس الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف استغرابه "الا يكون ماكين قد كلف نفسه عناء ابلاغ قيادة الحزب او (ادارة) الصحيفة بنياته".

وفي مقابلة مع شبكة سي ان ان، علق جون ماكين هازئا على نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقالا الخميس في صحيفة نيويورك تايمز "اود جدا ان انشر مقالا في برافدا".

وعلى الاثر، افادت مجلة فورن بوليسي الاميركية انها سالت رئيس تحرير النسخة الانكليزية للصحيفة الروسية ديمتري سوداكوف عن الامر فابدى ترحيبه، وسارع ماكين الى قبول العرض.

ولكن يبدو ان فورن بوليسي لم تتصل بالصحيفة الروسية بل بموقع "برافدا دوت او يو" الذي لا علاقة له بالصحيفة من قريب او بعيد.

في اي حال، فقد اعلن زيوغانوف السبت ان برافدا مستعدة لنشر مقال لماكين شرط ان يتبنى موقف الحزب الشيوعي الروسي حيال ما يجري في سوريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/أيلول/2013 - 10/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م