الدب الروسي... المال باليمين والسياسة بالشمال

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: نجحت روسيا خلال العقد الماضي في تحقيق طفرات ملحوظة على الصعيد الاقتصادي، مما جعلها منافسا عملاقا بعد ان كانت قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي دولة منهكة تعاني ترديا واسعا على صعيد المداخيل النقدية والحركة الاستثمارية والمالية في البلاد، الى جانب تدهور ملموس في المستوى المعيشي للافراد والمجتمعات في روسيا.

اذ اصبح الدب الروسي بعد ان نفض على جسده غبار الحقب الماضية، في صدارة الاقتصاديات الصاعدة على المستوى العالمي، ومستقطبا بارزا للاستثمارات الاجنبية، يعزز ذلك الاستقرار السياسي والاجتماعي، فضلا عن الحنكة التي ابدتها القيادة الشابة في وضع الحلول الناجعة لادارة دفة الاتحاد الروسي.

ويرى معظم المراقبين الاقتصاديين ان روسيا باتت رقما كبيرا في المعادلات الدولية على صعيد المال والتجارة العالميتين، فيما كان لمساهمتها الاساسية في تأسيس مجموعة البريكس ودولها الصاعدة، دورا بارزا في تعزيز ثقة المراقبين والحكومات الثرية على حد سواء.

فقد قال نائب وزير الاقتصاد الروسي أندريه كليباتش إن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا نما بنسبة 1.8 % على أساس سنوي في تموز (يوليو) مرتفعاً من 1.5 % في حزيران (يونيو) . وأضاف كليباتش أن الناتج المحلي الاجمالي زاد 0.2 في المئة على اساس شهري.

وقال إن نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام بأكمله سيكون أقل من المستوى المتوقع حالياً والبالغ 2.4 %. وسجل الاقتصاد الروسي في الربع الاول من العام أبطأ وتيرة للنمو منذ الركود عام 2009 مسجلا 1.2 % على أساس سنوي، متأثراً بضعف الصادرات وتراجع طلب المستهلكين والمستثمرين في الداخل.

وقال البنك المركزي الروسي في وثيقة إن نمو الاقتصاد قد يتباطأ الي نحو 2% عام 2013. ونما الاقتصاد الروسي بنسبة 3.4 % عام 2012.

ابو ظبي تستثمر في موسكو

فيما اعلن الكرملين ان ابو ظبي تتوقع ايداع حتى خمسة مليارات دولار في صندوق استثماري مشترك مع السلطات الروسية بهدف تمويل مشاريع بنى تحتية في روسيا. وعلى هامش زيارة ولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد ال نهيان لموسكو، سيوقع الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة مع وزارة المالية الاماراتية كتاب نوايا ينص على انشاء شركة مختلطة. واوضح الكرملين في بيان ان "وزارة المالية في ابو ظبي ستودع حتى خمسة مليارات دولار" في هذا الصندوق المشترك الذي سيمول بنى تحتية في روسيا.

وفي حال تنفيذ المشروع "فانه سيتعلق بالاستثمار الاكبر في العالم في كونسورسيوم متخصص في البنى التحتية"، كما قالت الرئاسة الروسية. والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة هو صندوق براسمال عشرة مليارات دولار انشأته الحكومة الروسية لتشجيع الاستثمارات في الشركات الروسية، وفي غالب الاحيان بواسطة آليات استثمار مختلط.

عقد لتزويد بكين بالنفط بقيمة 270 مليار دولار

في سياق متصل وقعت روسيا والصين اتفاقا ينص على زيادة كميات النفط الروسي الى بكين بقيمة 270 مليار دولار على مدة 25 سنة. ووقع الاتفاق شركتا روزنفط الروسية وسي.ان.بي.سي الصينية بحضور الرئيس فلاديمير بوتين خلال منتدى اقتصادي في سان بطرسبورغ.

واعلن رئيس المجموعة الروسية ايغور سيتشين للصحافة ان هذا العقد العملاق يشمل 365 مليون طن اي في المتوسط اقل بقليل من 15 طنا من النفط في السنة وان امدادات النفط قد تبدا خلال السنة الجارية. وقد اعلن مبدئيا عن الاتفاق في اذار/مارس بمناسبة زيارة قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ الى موسكو.

ويهدف الاتفاق الى تكثيف الصادرات الروسية الى الصين التي تبلغ حاليا 15 مليون طن سنويا بينما يحتاج ثاني اقتصاد عالمي الى كميات كبيرة من الطاقة لخطط النمو.

وعلى غرار عدة مجموعات روسية تسعى روزنفط الى تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين لا سيما في وقت تعاني منه اطراف تجارية اخرى في اوروبا من انعكاسات الازمة الاقتصادية.

اوكرانيا والاندماج الاقتصادي

الى ذلك دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمهورية السوفياتية السابقة الى اندماج اقتصادي مع روسيا.

والرئيس الروسي الذي بدأ زيارة تستغرق يومين الى اوكرانيا بمناسبة الذكرى ال1025 لاعتناق المسيحية في المنطقة التي كانت تعرف باسم "كييف روس" في القرون الوسطى، اشاد بما اسماه "وحدة روحية متينة" تصلح لان تكون "قاعدة للصداقة الروسية الاوكرانية".

وقال "نحن جميعا الورثة الروحيين لما حصل هنا قبل 1025 عاما (...) وبهذا المعنى، نحن شعب موحد"، مشيرا الى اعتناق المسيحية في عهد الامير فلاديمير في العام 988، اول دولة للسلافيين في الشرق الذين سينقسمون لاحقا الى روس واوكرانيين وبيلاروس.

والاحتفالات الدينية التي يشارك فيها ايضا الرئيسان الصربي توميسلاف نيكوليتش والمولدافي نيكولاي تيموتي، تجري قبل قمة تعقد في فيلنيوس في تشرين الثاني/نوفمبر وقد تشهد توقيع اتفاق شراكة بين اوكرانيا والاتحاد الاوروبي.

وقال بوتين "سنحترم اي خيار للشعب الاوكراني" في ما يتعلق بالانضمام الى الهيئات التي تشكلت بعد العهد السوفياتي التي تهيمن عليها موسكو، مضيفا ان اقتصادي البلدين سيكونان اكثر تنافسية في حال كانا موحدين.

واعلن الرئيس الروسي ايضا "نشهد اليوم منافسة قوية جدا في الاسواق العالمية. لن نتمكن من ان نصبح تنافسيين ونفوز بهذا النضال القاسي الا اذا وحدنا جهودنا". وتابع يقول "يمكننا ذلك وينبغي ان نقوم به".

من جهته، اعلن الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش "لدينا الكثير من المصالح المشتركة التي يمكن ان توجد ظروفا مشجعة لتنمية اقتصادينا".

وتحض موسكو اوكرانيا منذ سنوات عدة على التخلي عن توجهها الاوروبي والتوجه نحو الشرق، وتدعو هذا البلد الى الانضمام الى وحدة جمركية تضم في الوقت الراهن روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا.

واوكرانيا، الجمهورية السوفياتية السابقة الواقعة على ابواب اوروبا، تتنازعها روسيا والغرب منذ استقلالها في 1991. ومنذ وصوله الى سدة الرئاسة في اوكرانيا في 2010، يسعى الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الى اقامة علاقات اكثر قوة مع الاتحاد الاوروبي مع محاولة الابقاء على علاقات جيدة مع روسيا في الوقت نفسه.

وتدهورت العلاقات بين كييف والاتحاد الاوروبي بشكل كبير منذ سجن رئيسة الوزراء السابقة المعارضة يوليا تيموشنكو في 2011 وهو ما ندد به الاتحاد الاوروبي الذي يشتبه في ممارسة اضطهاد سياسي ضدها. ويتأجل باستمرار توقيع اتفاق شراكة بين الاتحاد الاوروبي واوكرانيا بسبب قضية تيموشنكو.

بوتين يعدل فريقه الاقتصادي

الى ذلك عين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرجل الثاني في البنك المركزي الروسي وزيرا للاقتصاد في اطار تعديل يعكس بحسب الخبراء ارادته استعاده السيطرة على انعاش نمو متعثر.

وعين نائب حاكم البنك المركزي منذ نيسان/ابريل 2004 اليكسي اوليوكاييف (57 عاما) مكان اندري بيلوسوف (54 عاما) الذي انضم الى الكرملين كمستشار اقتصادي وهو منصب بعيد عن الاضواء لكنه نافذ جدا. ويبدو هذا التغيير تاليا لتولي الفيرا نابيولينا الاثنين رئاسة البنك المركزي الروسي بعد ان شغلت حتى الان منصب مستشارة اقتصادية لفلاديمير بوتين.

وتتولى السيدة المقربة من رئيس الجمهورية رئاسة مؤسسة تلقى الاحترام لاستقلاليتها لكنها خاضعة لضغوط السلطات التي اتهمت النسبة المرتفعة للفائدة لتبرير تباطؤ النمو. وهذا العام لا تتوقع الحكومة نموا يتجاوز 2,4% مقابل 3,4% في العام الفائت، وهي نسبة تعتبرها غير كافية لتحديث البلاد.

وعلق ايفان تشاكاروف كبير اقتصاديي رينيسانس كابيتال بالقول انه "قد يفسر هذا التعديل على انه اعادة تركيز للسياسة الاقتصادية حول الرئيس بوتين" الذي يعتبر بيلوسوف مقربا منه.

وفبيلوسوف كان مستشارا اقتصاديا لبوتين عندما كان الاخير رئيسا للوزراء، حيث اتخذ اجراءات انعاش الاقتصاد في اثناء ازمة 2008-2009. وبعد توليه حقيبة وزارية بعد عودة بوتين الى الكرملين في العام الفائت تحدث علنا تكرارا عن خطر حدوث انكماش في روسيا بغياب اجراءات جديدة لدعم النشاط الاقتصادي. وقال في مؤتمر صحافي في 13 حزيران/يونيو ان "خطر الانكماش قائم" واضاف "يمكننا تجنبه".

كما دافع عن فكرة برامج استثمارات عامة معتبرا انها يجب ان تنال الاولوية على التقشف في الميزانية. وابقى بوتين على هذه الاستراتيجية فاعلن في اثناء منتدى اقتصادي في شانت بطرسبرغ عن برنامج اعمال كبرى بقيمة 450 مليار روبل (11 مليار يورو).

ويقضي المشروع ببناء خط قطار سريع بين موسكو وكازان (800 كلم شرقا)، واعادة بناء طريق دائرية على مدار 40 كلم حول موسكو وتطوير سكة حديد عابرة لسيبيريا بطول عشرة الاف كلم.

واعتبر اقتصاديو الفا بانك ان تعيين بيلوسوف يظهر ان "الرئيس الروسي سيصبح اكثر تدخلا في القرار الاقتصادي" وينبئ بسياسة اكثر ميلا الى دعم النمو. ووصفها مصدر تحدثت اليه النسخة الروسية لمجلة فوربس كطريقة لبيلوسوف "للتقرب من الرئيس" على خلفية تزايد الانتقادات الى فريق رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف.

وكان خلفه اليكسي اوليوكاييف يعتبر الافضل حظوظا من بين المدافعين عن استقلالية البنك المركزي لتولي رئاسته بعد مغادرة سيرغي ايغناتييف المقررة. لكن بعد اختيار بوتين نابيولينا تعذر عليه البقاء في منصبه على ما اعتبرت فوربس مؤخرا.

وصرح الاقتصادي ايفان تشاكاروف "يمكننا كذلك الافتراض ان بوتين يحاول عبر سحب اولياكاييف من البنك المركزي تسهيل مهمة نابيولينا لاعتماد سياسة نقدية اكثر مرونة".

عفوا عن الجرائم الاقتصادية

على صعيد متصل اعلن فلاديمير تأييده اصدار عفو مشروط عن المسجونين بتهم تتعلق بجرائم اقتصادية يفترض، وفق تقديره، اقراره قبل العطلة الصيفية. وقال بوتين خلال منتدى اقتصادي في سان بطرسبورغ ان "مشروع العفو تم انجازه من جانب مجتمع الاعمال والنواب في مجلس الدوما. انا على استعداد للموافقة عليه واطلب من الدوما درسه واقراره". واضاف "اعول على القيام بذلك في اسرع الاجال، قبل عطلة الصيف".

الا ان بوتين اشار الى ان مثل هذا العفو يجب الا يشمل مزوري العملة ومنفذي "الهجمات" على الشركات كذلك الاشخاص المدانين بتهم مرتبطة بالعنف. ولفت الى ان العفو لا يمكن ان يشمل الا الاشخاص المدانين للمرة الاولى، ما يستثني القطب النفطي السابق ميخائيل خودوركوفسكي المعروف بانتقاده الكرملين والمعتقل منذ العام 2003.

وصدر حكم بادانة خودوركوفسكي في العام 2005 بتهمة الاحتيال والتهرب الضريبي، وقضى الحكم بسجنه ثمانية اعوام. ثم حكم عليه مرة ثانية في كانون الاول/ديسمبر 2010 في محاكمة ثانية بتهمة السرقة، لتصل مدة عقوبته التراكمية الى 14 عاما. وبموجب تعديل في التشريعات، تم نخفيض عقوبته عامين ما يحدد تاريخ اطلاق سراحه في تشرين الاول/اكتوبر 2014.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/أيلول/2013 - 8/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م