ليتذكر السوريون عراق ما بعد التحرير

علي الأسدي

 

قد ينتظر بعض ممثلي القوى السياسية المعارضة لنظام حكم بشار الأسد تدخل الولايات المتحدة لتسريع عملية الاطاحة به، و لعلهم شعروا بالغبطة عند سماع تصريحات الرئيس الأمريكي والناطقين السياسيين الآخرين الذين أبدوا فيها استعدادهم للتدخل العسكري لمساعدة الشعب السوري في ذلك.

لا يجب أن يشك أحد من السوريين ولو للحظة بأن ما حصل للعراق بعد 2003 لن يتكرر في بلادهم، فشعب سوريا موحد لحد هذا اليوم، ويجب أن يبقى موحدا، ولن نتمنى له ولأي شعب في المعمورة أن يمر بتجربتنا المريرة مع الاحتلال والتدخل الفظ في شئوننا العراقية. فقد كنا شعبا موحدا قبل الاحتلال، أما خلاله و بعده فقد تشرذمنا إلى طوائف ومذاهب وقوميات متعارضة ومتعادية في حالة لم نشهدها من قبل، لا في جيلنا الحالي ولا في جيل أبائنا.

لم يكن للفكر السلفي والتكفيري مكانا في المجتمع العراقي، لكنه وفد الينا وترعرع وتعاظم أثناء الاحتلال الأمريكي لبلدنا بحجة مقاومة المحتل، أما أنتم فقد استقبلتم منهم الكثير حتى قبل حصول التدخل الأمريكي. فقد خاض التكفيريون في بلادنا حربا على العراق كله. لم يستثنوا امرأة أو شيخا أو طفلا رضيعا، بيتا أو مدرسة، روضة أطفال او ملعبا رياضيا، مكتبة أو دارا للمعاقين، جامعة أو سوقا شعبيا، مستشفا أو حافلة للركاب، عزاء أو عرسا.

حتى دور العبادة تحولت إلى اهداف لتفجيراتهم وتخريبهم، لا فرق لديهم شيعية كانت أو سنية أو صابئية أو أيزيدية أو مسيحية. الجنود والضباط، الموظفون المدنيون وأصحاب الكفاءات من اساتذة الجامعات والأطباء والعلماء والشعراء والأدباء أصبحوا أهدافا لعملياتهم. حتى أنابيب نقل النفط والغاز ومصافي النفط والمصانع، المتاحف والمواقع الأثرية التاريخية، أفران الخبز ومقاهي ومطاعم، كل شيء في العراق أصبح هدفا لسياراتهم المفخخة وانتحارييهم، ارهاب انتشر كالوباء لا يماثله حتى الطاعون الذي إن أصاب بلادا أفرغها من أهلها.

كل ذلك شاهدناه وقاسيناه إبان تحريرنا من صدام حسين، تحولت بسببه عاصمة العراق واهم مدنه إلى خرائب، بغداد الجميلة لم تعد مدينة، بل مجموعة خرائب نخجل أن ننتمي اليها. بل الأسوء من ذلك كله، لقد اختفت التنمية الاقتصادية من قاموس السياسة والسياسيين، وافرغت الحياة من معانيها، فلم يعد للناس أمل، الحزن عام والفرح استثناء.

تزامنا مع التدخل الأمريكي تفشى الفساد في كل مفاصل الدولة، تمارسه فئة من السياسيين العراقيين بكل حرية ودون حرج، بعلم وتجاهل القادة العسكريون والمستشارون الأمريكان، فاختفت بنتيجته المليارات من أرصدة العراق من العملات الأجنبية من صندوق التنمية الذي تشرف عليه الأمم المتحدة. وعندما لم تكفيها استحوذت على موارد النفط حتى أصبح اختلاس أموال الشعب وظيفة يمارسها كل من له صلة بمال الشعب، لا تحتاج إلى شهادة علمية أو كفاءة أو تدريب على السرقة.

ثروات عائلة صدام وحاشيته قدرت بالمليارات هربت إلى الأردن ودول الخليج ودول غربية كثيرة بمعرفة الأمريكان، لم يمسها أحد ولم يسأل عنها أحد، بينما يعيش أكثر من نصف العراقيين في الخرائب. المعاناة شاملة باستثناء اللصوص الكبار، أكثر من ثلث شعبنا يحيا بأقل من دولار واحد في اليوم. مياه الشرب الصحية تتناقص، والمتاح منها لا يتعدى 30 % من حاجة السكان، بينما يتزايد عدد الناس الذين يعانون من الأمراض بسبب تلوث المياه لاختلاطها بالمياه السوداء.

مياه الأنهار العراقية تجف بفعل الاستخدام الجائر من قبل دول المنبع، فلم يتدخل الأمريكان للضغط على حليفتهم تركيا لاحترام الاتفاقات الدولية، وتلوذ السلطات العراقية التي أنجبتها الديمقراطية الأمريكية بصمت القبور أمام تحويل السلطات الايرانية لجريان انهار تنبع من أراضيها كانت تصب في أنهارنا.

هذه صورتنا دون مبالغة أو رتوش منذ احتلال الأمريكان لبلادنا، ومع أن بلادنا من أغنى بلدان العالم فانها تتأخر لا تتقدم، لقد تخلفنا كثيرا عما كنا عليه في العهد الصدامي، مع أننا لم نكن قد تقدمنا كثيرا في ظله. فالحروب التي خاضها نيابة عن أمراء الخليج وأمريكا لم تترك لنا أخضرا، والحصار الاقتصادي الذي فرض علينا من قبل الولايات المتحدة لأحد عشر عاما بعدها قضى على اليابس أيضا.

الدول الأوربية تخلت عن 80% من ديونها، إلا أشقائنا العرب غير الشرعيين، فمع كل غناهم وبذخهم، ومع كل فقر العراقيين وعوزهم أجبرونا على دفع كافة المعونات التي قدموها للعراق اثناء الحرب مع ايران بما فيها الربا المحرم شرعا إيغالا باذلالنا وقهرنا.

وليس هذا فحسب، فقد أعد نائب الرئيس الأمريكي الحالي حين كان عضوا في مجلس الشيوخ وقبل أن يحتل منصبه الحالي، أعد خارطة للعراق الديمقراطي الاتحادي الجديد الذي يتمناه هو لا نحن.

الخارطة جاهزة في درج مكتبه تنتظر التنفيذ، ثلاث جمهوريات قابلة للزيادة حسب الطلب وفق نوازع قومية ومذهبية وربما قبلية، تحمل منذ الآن خلافتها وعدائها تجاه بعضها البعض حول المياه والنفط والغاز والأراضي وحدودها والولائات لدول الجوار العربية والأجنبية.

فهل تعجبكم الجنة التي وعدتنا بها الولايات المتحدة..؟؟

دولة الحرية والتقدم التي لم تطح بصدام فحسب كما وعدت ونفذت، بل أطاحت بآمالنا وأمننا وبالمحبة التي نكنها لبعضنا البعض، أطاحت بالبنية التحتية لتقدمنا، بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. لم تعد الأمهات قادرات على إنجاب أطفالا أصحاء، بل مشوهين غير قابلين للحياة، بسبب التلوث الذي أصاب مياهنا وأراضينا ومياهنا واجوائنا بمخلفات أسلحة أمريكا الكيماوية، وليس أسلحة صدام التي جاءت لتدميرها وانقاذ العالم منها كما أعلنت قبل غزوها لأراضينا.

لا يشك أحد في قدرة الشعب السوري على ادارة شئونه وحل مشاكله بنفسه مع نظامه بالسبل التي يختارها، فله من القوى السياسية الوطنية الواعية، وله نخبة من أساتذة الجامعات ممن خدموا بلادهم في شتى المجالات العلمية والأكاديمية، وفي ميادين التنمية الاقتصادية، فبإمكانهم قيادة البلاد إلى بر الأمان والاستقرار، دون الحاجة إلى تدخل أجنبي بأي صفة كانت.

الاعتماد على القوى الوطنية يعزز من وحدة الشعب السوري ويصون وحدة ترابه الوطني، ويحمي منجزاته. لقد أشاد الشعب السوري منذ الاستقلال منجزات كبرى لا يمكن تجاهلها، فهي مكاسبه بصرف النظر عن من له الفضل فيها، قبل أو إبان أو العهد الحالي، فهي في المحصلة ملكية الشعب السوري وهو من ينتفع منها.

الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تبرعوا بالمساعدة في استخدام القوة للاطاحة بالنظام لانقاذ السوريين مما سمته السلاح الكيماوي. مبررات سمعناها في الأعوام التي سبقت احتلالهم لبلاد الرافدين، وسيكون من واجبنا تجاه أخوتنا في سوريا أن نعيد تذكيرهم بها. فقد رددت الدول الثلاث نفس التبريرات عندما شنت حربها على ليبيا.

حيث قامت وسائل اعلامهم بترديدها أثناء التحضير للهجوم على ليبيا وانهاء الدولة الليبية وتصفية القذافي.، حيث نشرت صحيفة الديلي ميل المحافظة يوم الأربعاء 2 / 3 /2011 قبل الهجوم على ليبيا مقالا في هذا الاتجاه، طافحا بالمعلومات عما سماه بأسلحة الدمار الشامل الليبية، جاء فيه:

" القذافي يملك عددا غير معروف من صواريخ (سكود ب المحملة بغاز الليذال السام) وعددا هائلا من الصواريخ التي يمكن تحميلها بأسلحة كيماوية وبيولوجية، هذا يعني أنه ليس فقط يملك هذا النوع من الأسلحة، بل الوسائل لاستخدامها. لكن هذا لا يعني أن بامكان القذافي أن يوجه صواريخه تلك نحو بريطانيا كما وسبق وأعلنا عن (قدرة صدام حسين بارسال صواريخه إلى بريطانيا خلال 45 دقيقة)، لكنه قد يستخدمها ضد شعبه في مدينة بنغازي".

وجاء في المقال ايضا: يحوز القذافي على ما لايقل عن عشرة أطنان من المواد الكيماوية لتصنيع غاز الخردل، و650 طنا من المواد الكيماوية لتصنيع أسلحة كيماوية، وفي حوزته أيضا حوالي ألف طن من المواد القابلة لصناعة أسلحة ذرية. وفي حوزته غاز الأعصاب أنثراكس، والسارين، وخلايا معدلة جينيا لمرض الجمرة الخبيثة ".

هذه وغيرها سمعناها فترة طويلة قبل شنهم الحرب على العراق، أثبتت القرائن أن لا صحة لها لا في العراق ولا في ليبيا، لكن ذلك كان كمبرر لتدمير الجيش والسلاح والدولة، ووفوا بذلك كل الوفاء. فالعراق وبعد احد عشر عاما على الاحتلال لا يملك طائرة عسكرية واحدة، ولا جيشا وطنيا ملتزما، بل مليشيات لا تؤمن بالوطن بل بالممول والراعي. والحال نفسه في ليبيا اليوم.

رحبت بعض القوى والشخصيات السياسية الليبية بالتدخل العسكري ضد النظام الليبي مقابل وضعهم في قمة الحكم، وهذا ما حصل في العراق أيضا، وسيحصل الشيء نفسه بالنسبة لسوريا، وهذا ما لانتمناه لا لسوريا ولا لغيرها.

بعد نهاية مهمتهم تركوا العراقيين يقاسون الموت والجوع والاقصاء، وها نحن بين مهاجر داخل وخارج الوطن، وأرامل وأيتاما ومعوقين، مشوهين بسبب القنابل والحرائق والتفجيرات، أو مشوهين خلقيا منذ الولادة وإلى نهاية العمر، فنفايات الأسلحة الأمريكية المشبعة باليورانيوم المنضب تشاركنا طعامنا ومياهنا والهواء الذي نتنفسه، يأمل الكثير منا الموت اليوم قبل الغد.

نتمنى لكم النصر المؤزر والسلامة أحباءنا السوريين في نضالكم من أجل سوريا ديمقراطية حرة من الهيمنة الأجنبية والديكتاتورية البغيضة ومن القوى الرجعية الظلامية التي تسعى لإعادة سوريا الى التخلف والبداوة.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/alialasidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/أيلول/2013 - 7/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م