وهذا ما صرحت به يوم امس المندوبة الجديدة للولايات المتحدة
الاميركية في الامم المتحدة السيدة (سامنتا باور) عندما قالت: ان
مصداقية بلادها على المحك اذا لم تستخدم القوة في سوريا.
فعندما يربط احد رجولته بعمل ما او موقف ما فاغلب الظن انه سيبادر
اليه وينفذه ليس بمعيار الصح والخطأ وانما ليثبت رجولته ليس الا، خاصة
اذا كان حديثه عنها امام النساء، فاحتمالات تنفيذه للعمل ستتضاعف
بالتأكيد.
لقد ورط الرئيس اوباما نفسه وحزبه وبلاده عندما استبق الامور فتحدث
عن العمل العسكري قبل الاخرين ليقول لنا بانه هو من يقود العالم وليس
غيره، فاستبق حديث الانجليز، واوربا بشكل عام، كما انه استبق حتى الامم
المتحدة فلم ينتظر تقرير المفتشين الدوليين ليحددوا فيه هوية مستخدم
السلاح الكيمياوي في الصراع الدائر حاليا في سوريا، هذا التقرير الذي
اصبح في خبر كان، الامر الذي يكفي كدليل على تورط الارهابيين في
استخدام السلاح الكيمياوي وليس غيرهم، انه سبق الجميع لينتزع الموقف،
الا ان حساباته جاءت على خلاف حقيقة البيدر كما يقولون.
ان استعجاله الموقف وضعه في مازق حقيقي، فاذا تراجع عن تصميمه
الاول، فهذا يعني:
اولا: ان الولايات المتحدة الاميركية ليست هي القائد الفعلي
للمجتمع الدولي، وانما غيرها هو من يقود العالم، وتحديدا بريطانيا،
فلقد كان الموقف الدولي موحدا ومنسجما لصالح استخدام القوة حتى لحظة ما
قبل قرار مجلس العموم البريطاني الذي رفض مشاركة حكومته باي عمل عسكري
في المنطقة، ليختلط الحابل بالنابل بشكل عجيب.
ثانيا: اعترافه بنهايته السياسية المبكرة، الامر الذي يسعى
الجمهوريون الى توظيفه من الان لتدمير الديمقراطيين والفوز عليهم في
اية انتخابات نيابية قادمة، وكذلك في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ثالثا: دخول الادارة في صراع ربما غير متكافئ مع اجهزة
الاستخبارات، وعلى راسها السي آي أي، والتي تحرض على الحرب اكثر من
غيرها، كونها الحليف الاساسي لتجار الحروب في اميركا والعالم.
لذلك شاهنا، وشاهد العالم معنا، كم كان ضعيفا الرئيس اوباما وهو
يتحدث في مؤتمره الصحفي الذي عقده على هامش مؤتمر مجموعة العشرين، فلقد
فشل في تسويق ادلته وبراهينه حتى الى الاعلام الاميركي نفسه.
وربما هي المرة الاولى التي يتهم فيها رئيس الولايات المتحدة
الاميركية بالكذب والتدليس من قبل عدد كبير من زعماء العالم، وعلى
راسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، فضلا عن عدد كبير من السياسيين
الاميركان وفيهم وزراء سابقون مهمون مثل وزير الدفاع الاسبق راميسفيلد،
الذي قال: لقد خدعنا العالم، في الحرب على العراق، ونحن كنا نظن باننا
نمتلك معلومات اكيدة عن اسلحة نظام صدام حسين، فما بال الرئيس اليوم
وهو ليس متاكدا مما يقوله بشان ملف السلاح الكيمياوي السوري؟.
اما اذا لم يتراجع الرئيس وقرر مواصلة مساعيه الرامية الى استخدام
القوة في المنطقة، فهذا يعني:
اولا: انه سيعرض مصالح الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة
والعالم لمخاطر جمة، ربما اقلها تعرض حليفته طوال العمر اسرائيل الى ما
لا يحمد عقباه، فضلا عن تعرض حلفائه التقليديين في المنطقة لمثل هذه
المخاطر.
ثانيا: سيكون في مواجهة الراي العام الاميركي التي تشير اغلب
استطلاعات الراي بانه ضد اي عمل عسكري تخوضه بلاده في المنطقة، فضلا عن
انه سيواجه الراي العام العالمي الذي تحشد الكثير من دول العالم
ومنظمات المجتمع المدني ضد العمل العسكري، فجل شعوب اوربا مثلا تعتبر
ان استخدام القوة تورطا جديدا لا طائل منه.
ثالثا: كما انه سيكون عرضة لانتقاد الاعلام الاميركي الذي يلعب
عادة دورا مهما ومفصليا في رسم معالم السياسات العامة لمؤسسات الدولة
الاميركية، والذي يعتمد بالأساس على المؤشر الاقتصادي، المهزوز حاليا.
برايي، فان الادارة الاميركية ستوازن في نهاية المطاف بين ما يمكن
ان تكسبه اسرائيل او تخسره بمثل هذه العملية العسكرية، فهي، كما نعرف،
الاهم في كل الحسابات الاميركية، فاذا كانت ستخسر اكثر مما تربح فان
الادارة ستتراجع عن قرار استخدام القوة شيئا فشيئا، ولكن مع الاحتفاظ
بماء الوجه، للحيلولة دون الانتقاص من رجولة (السيد الرئيس) كأن يفوض
الكونغرس مثلا الرئيس باستخدام القوة ويمنحه الخيار، فيختار الاخير عدم
استخدام القوة، او القوة المحدودة جدا جدا، اي الخجولة، لتقدر الجبهة
الاخرى على استيعابها وامتصاصها.
واقول بصراحة، فلو انني كنت اعتقد بان استخدام القوة سيفيد الشعب
السوري مثقال ذرة، لكنت من اول الداعين اليها، الا انني على يقين بان
استخدام القوة سيمكن الارهابيين اكثر مما يمكن الشعب السوري، وهي تضر
بالديمقراطية، التي تقول واشنطن انها تسعى لمساعدة الشعوب على انجازها،
اكثر مما تنفعها، وهي الحقيقة التي تعرفها الادارة اكثر من غيرها،
ولكن، ولكون مصداقيتها على المحك، لذلك فهي تتجاهل كل الحقائق من اجل
المصداقية، وهذا شيء خطير جدا ترتكبه واشنطن في المنطقة، على العكس
مثلا من دول المجتمع الدولي الاخرى مثل بريطانيا وروسيا والصين، والتي
تأخذ بنظر الاعتبار عواقب مثل هذا الامر اكثر من تفكيرها بالمصداقية
مثلا.
واذا كان الرئيس اوباما يتحلى بقليل من الشجاعة فليخاطب شعبه وتجار
الحروب بما خاطب به عتبة بن ربيعة قومه بقوله (يا قوم، اعصبوها براسي
وقولوا جبن عتبة) ولعدل عن قراره وساير المجتمع الدولي حتى اذا جاء مثل
على القرار على حساب مصداقيته (رجولته) فالحرب ستكسبه مصداقية مؤقتة،
اما السلم فسيكسبه مصداقية استراتيجية بعيدة المدى، مع الشعوب، وهذا هو
المهم، الامر الذي تصفه واشنطن بانه الهدف الماثل امامها دائما.
هذا، على الرغم من اننا نعرف جميعا بان القوة التي ينوي الرئيس
استخدامها في المنطقة ليست لتغيير المعادلة في الصراع المحتدم في
سوريا، ابدا، وانما لإعادة التوازن في هذا الصراع.
انهم، ومعهم اسرائيل، يريدون لهذا الصراع ان يستمر على قاعدة (لا
غالب ولا مغلوب) وللفترة التي يريدونها، من اجل استنزاف البلد وتدميرها
وكذلك من اجل استنزاف كل القوى (المعادية) في المنطقة مثل ايران وحزب
الله والعراق وغيرهم، فهي طريقتهم المثلى في اشغال بعض (الظالمين) لهم
ببعض، كما تعاملوا من قبل مع الحرب العراقية الايرانية، فلقد راينا كيف
ان الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية، كانت تفزع فتسارع لنجدة
نظام الطاغية الذليل صدام حسين كلما اقتربت الجمهورية الاسلامية في
ايران من الحسم، وهكذا حتى استمرت الحرب ثمان سنوات عجاف استنزفت
البلدين والمنطقة بدرجة كبيرة جدا، لازالت آثارها بادية للعيان الى
الان.
كما ان الضربة المحدودة والمتوقعة تهدف الى طمأنة الانظمة ذات
العلاقات التاريخية التقليدية مع الولايات المتحدة الاميركية في
المنطقة وعلى راسها نظام القبيلة الحاكم في نجد والحجاز، ولذلك فانه من
اكثر المتضررين والخائفين اذا عدلت واشنطن عن استخدام القوة، لانه
كالعنين، بتشديد النون الاولى، فبماذا يفتخر؟.
ان هذه الحقيقة يجب ان ينتبه اليها كل المعنيين بالامر خاصة
المستنزفون بسببها (ايران لوحدها انفقت حتى الان اكثر من 100 مليار
دولار في هذا الصراع) ولعل افضل طريقة لوقف هذا النزيف والاستنزاف هو
ان نمسك الولايات المتحدة الاميركية من اليد التي توجعها واقصد بها
نظام القبيلة الحاكم في منطقة الخليج، فلو ان سلطة آل سعود تعرضت لخطر
حقيقي وجدي لاستنجدت بنفسها بالولايات المتحدة لإنقاذها من الورطة بدلا
من ان تظل تبذل الغالي والنفيس لاستمرار هذا النزيف.
انها توظف المال للاعلام المضلل، والدين لاصدار فتاوى التكفير
والجهاد المزيف على لسان فقهاء التكفير لتحشيد المغرر بهم في ساحة
المعركة، والدبلوماسية والمال والعلاقات التاريخية مع المجتمع الدولي
لاستصدار قرارات الحرب، فضلا عن انها توظف كل ذلك لتحشيد (جامعة الدول
العربية) لاستصدار كل ما من شانه ان يمنح المظلة المطلوبة لاي عمل
عسكري دولي او اميركي في المنطقة.
عرضوا نظام القبيلة، اذن، للخطر سيتوقف النزيف والاستنزاف ليس في
سوريا فحسب وانما في العراق ولبنان كذلك وفي بقية مناطق العالم العربي
والاسلامي، فنظام القبيلة اس البلاء، فهو الشيطان الاكبر الذي يحرض
بقية شياطين الارض على فعل المنكر.
ليقف الاحرار الى جانب الحراك الشعبي الجدي الذي تشهده مناطق عدة
في (المملكة) فان ذلك يشغل نظام القبيلة بنفسه، ويعرضه للخطر، فليس
ادعى لهذا النظام من خطر الحراك الداخلي، الذي ترتعد منه فرائصه.
[email protected]
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/nezarhaider.htm |