هل يفتقر العراقيون للتفاؤل؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أستطيع أن أخمِّن من خلال تجربتي الخاصة، ومعرفتي بالشعب العراقي الذي أنتمي إليه، وأعيش في نسيجه الاجتماعي منذ اكثر من نصف قرن، بأن الفرد العراقي يفتقر للروح المتفائلة وللفكر المتفائل، ويميل الى التشاؤم والسلبية في التوقّع والحدس والسلوك بل وفي القول أيضا، بكلمة أوضح، عندما تسأل العراقي عن شيء معين يقبل اكثر من إجابة، فإنك ستحصل منه على الجواب ذي التوقّع السلبي المتشائم، ويتبع هذا الرأي أو القول او الكلام المجرد، سلوك فعلي متشائم، ينبع من حالة نفسية تقوضها الرؤية السلبية للاحداث.

وعندما نحاول أن نستقصي الاسباب التي تقف وراء هذه السلبية، فإننا سنجد الكثير من الاسباب التي تؤكد وجودها وتعمقها، وتجعلها ظاهرة تستحق الدراسة بعناية، وتستحق العلاج المؤكد بطبيعة الحال، والواقع ان هذه السلبية في الرؤية والتفكير والكلام المقترن بالسلوك، يؤثر على طبيعة حياة المجتمع، ويقف كحجر عثرة امام تقدمه، لأن التفكير الايجابي يؤدي في الغالب الى نتائج ايجابية، ولهذا يؤكد علماء النفس أن التفاؤل يؤدي الى النجاح، بسبب الوضع النفسي المتوازن الذي يعيشه الفرد المتفائل، على العكس تماما ممن يحمل رؤية متشائمة، إذ تراه دائما في حالة من العجز والخمول الذي ينم عن ضعف في الارادة فضلا عن النكوص الذي تنطوي عليه أفكاره وأفعاله ايضا.

لهذا يذهب العلماء المعنيون بالنفس، الى أن الفرد المتفائل سيكون ذا شخصية منتجة ناجحة، ويصح العكس، حيث الفشل يلازم الانسان المتشائم على نحو شبه دائم، كونه يفتقر للرؤية السليمة والارادة الصلبة، هذا التوصيف نجده في نفسية الفرد العراقي، إذ يكون في الغالب متلكئا مترددا، مكبلا بالتوقع المسبق للفشل والتراجع، وهذه الظاهرة لاشك انها تؤثر في حركة المجتمع وتطلعه الى امام، حيث ينحصر التفكير في دائرة سلبية وفي افق ضيق، يجعل الفرد والمجتمع غير قادر على الانتقال من حالة السلب الى الإيجاب، أي من حالة السكون والتخلف، الى حالة الحركة والحيوية والتقدم.

وتعزى أسباب هذه الظاهرة الى طبيعة المجتمع العراقي وجذوره ايضا، لذلك لابد من تجديد الرؤى، وبث منظومة تفكير معاصرة، يمكنها مواكبة أنماط التفكير الراهنة التي نقلت المجتمعات الى حالة من التطور والازدهار لا يمكن نفيها او عدم الاعتراف بها، لذلك نلاحظ ان ثمة مجتمعات تتحلى بنوع من الاصرار على التغيير، وتجديد التفكير، تمكنت من نبذ حالة الخمول والعجز والسكون، بسبب نظرتها المتفائلة للحياة، وامتلاكها لقوة الإرادة، الأمر الذي انعكس على سلوك الافراد وتفكيرهم وأقوالهم ايضا، فالفرد المتفائل يكاد قاموسه يخلو من مفردات التردد والجزع واللامبالاة، بالاضافة الى تفكيره الذي ينطوي على بعد النظر دائما، وهو امر يسهم بصورة جادة في نقل المجتمع من الرتابة والتخلف الى حاضنة العصر.

الحديث عن اهمية معالجة هذه الظاهرة تستدعي جهدا من الضخامة بمكان، بحيث تشترك فيه جميع المنظمات الحكومية والمدنية المهتمة والمعنية بالثقافة والفن والتعليم، لزرع وترويج وتطوير منظومة جديدة من التفكير والسلوك، لا علاقة لها بالشعور الراسخ للتشاؤم في الرؤية العراقية الفردية والجمعية على حد سواء، بمعنى مطلوب بذل جهود مضنية وكبيرة ومنسقة لا عشوائية، يتم التخطيط لها بدقة عالية وتخصّص مبرمج وعميق وجاد، لكي نحصل على درجة نجاح أكيدة في درء خطر الرؤى السلبية المسبقة التي تخيّم على العقل والفكر والسلوك الذي يتلبَّس العراقيين بنسبة عالية!.

تُرى هل العراقيون يفتقرون للتفاؤل في الرؤية والسلوك حقا؟؟، نعم هذه ظاهرة يمكن لاصحاب الشأن ملاحظتها، ولا يحتاج الامر الى عناء كبير لمعرفتها، لكن العناء يكمن في الشروع بالمعالجة!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/أيلول/2013 - 2/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م