شبكة النبأ: لايزال تدهور الأوضاع
الأمنية و انعدام النظام في ليبيا بسبب الضعف الحكومي الذي ساعد باتساع
النزاعات القبلية و استفحال المليشيات المتمردة الموالية لبعض التيارات
الإسلامية المتشددة محط اهتمام وترقب العديد الشعبية والسياسية في
البلاد، وبحسب بعض المراقبين فان تردي الأوضاع الأمنية قد اثر بشكل
سلبي على اقتصاد البلاد خصوصا قطاع النفط الذي يعتبر الشريان الأساسي
حيث يشكل النفط نحو 94% من عائدات ليبيا من النقد الأجنبي كما تثير بعض
التقارير الخاصة، وهو ما دفع بعض القوى والأطراف الأخرى الى السعي وراء
هذا المصدر والسيطرة على بعض المجمعات النفطية المهمة بقوة السلاح في
سبيل الاستفادة من والواردات من خلال عمليات التهريب، هذا بالإضافة الى
الإضرابات المتواصلة التي يقوم بها العاملين بين الحين والأخر، وهو ما
اسهم بحدوث خسائر الضخمة في مجال صناعة النفط في البلاد. وفي هذا الشأن
فقد اعلنت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط "حالة القوة القاهرة" في
الموانئ النفطية الرئيسية في البلاد بسبب إعاقة الانتاج فيها من جانب
مسلحين تتهمهم الحكومة بالسعي الى الاستيلاء على النفط. وجاء في بيان
للمؤسسة على موقعها الالكتروني "نتيجة للاعتصامات التى قام بها عدد من
افراد حرس المنشأت النفطية مما ترتب عليه قفل بعض الموانئ النفطية
ميناء الزويتينة، ميناء راس لانوف، ميناء السدرة ، ميناء مرسى البريقة،
الامر الذى ترتب عليه عدم قدرة المؤسسة الوطنية للنفط على الإيفاء
بالتزاماتها بموجب بعض العقود المبرمة مع اطراف خارجية بشأن بيع النفط
الخام مما تطلب منها اعلان حالة القوة القاهرة بالموانئ التى توقف بها
العمل.
وتتيح حالة القوة القاهرة بإعفاء المؤسسة الوطنية للنفط من
مسؤوليتها في حال عدم الايفاء بالالتزامات المترتبة عليها بموجب عقود
تسليم النفط في حال كان ذلك ناجما عن ظروف استثنائية. وتوعدت الحكومة
التي دخلت في نزاع مفتوح مع مجموعة من حراس منشآتها النفطية تتهمهم
بالسعي للاستيلاء على النفط، باستخدام القوة لمنع اي عملية بيع للنفط
لا تمر عبر القنوات الرسمية.
من جانبهم يتهم هؤلاء الحراس السلطات بالفساد عبر بيع النفط الخام
من دون تحديد كميات الشحنات المصدرة. واكدت المؤسسة الوطنية للنفط ان
كل عمليات البيع للنفط كانت قانونية في حين شكلت الحكومة لجنة مؤلفة من
قضاة للتحقيق في هذه الاتهامات. وتسببت هذه الحركات الاحتجاجية التي
انطلقت نهاية تموز/يوليو بشل الموانئ النفطية الرئيسية في ليبيا ما ادى
الى تراجع كبير في الانتاج النفطي الى ما دون 330 الف برميل يوميا قبل
ان يعود الى الارتفاع حتى 670 الف برميل يوميا. ويبلغ معدل الانتاج،
خارج اوقات النزاع، حوالى 1,5 الى 1,6 مليون برميل يوميا.
في السياق ذاته أعلن جهاز حرس المنشآت النفطية في ليبيا عن تعرض
مقره في طرابلس لهجوم من قبل مجموعة مسلحة تتولى حراسة حقل كبير للنفط
مما أدى إلى مقتل شخص واصابة خمسة اخرين. وقال الجهاز في بيان على
صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن المجموعة المسلحة من مدينة
الزنتان الغربية وهم ضمن المكلفين بحراسة حقل الشرارة النفطي. وينتج
الحقل حوالي 350 الف برميل من النفط يوميا. وقال العقيد علي الأحرش من
جهاز حرس المنشآت النفطية إن كل شيء أصبح تحت السيطرة الآن.
وقال مصدر داخل الجهاز إن انباء أفادت بأن هؤلاء الاشخاص انتابهم
السخط على ما يبدو بعد تكليف مجموعة اخرى بالاشراف على عملية تنقيب في
المنطقة لكن لم يتم التأكد على الفور من هذه الانباء. وقال بيان جهاز
حرس المنشآت النفطية إن خمسة أشخاص اصيبوا في القتال بينهم ثلاثة من
المارة واثنان من اعضاء قوة الجهاز.
وقال الأحرش في إن أحد المارة لقي حتفه جراء القتال الذي توقف بعد
وصول تعزيزات من قوة حرس المنشآت النفطية لطرد المهاجمين من المقر
الواقع في الضواحي الجنوبية للعاصمة. وقال البيان صعدت المجموعة
المسلحة إلى سطح العمارات المجاورة للموقع واستخدموا الأسلحة الثقيلة.
وأضاف البيان انه جرت مفاوضات مع المهاجمين قبل الاشتباكات لكنه لم
يذكر اي تفاصيل اخرى. وقال الأحرش إن انباء افادت بفرار مجموعة الزنتان
إلى بناية تجمع عندها حشد غاضب في وقت لاحق في اعقاب وفاة أحد المارة.
بحسب رويترز.
واندلعت اشتباكات بعد ذلك بين الحشد المدعوم من ميليشيات مسلحة
وبين مجموعة الزنتان. وقال الأحرش إن القتال كان عنيفا للغاية. ويعمل
جهاز حرس المنشآت النفطية بموجب تكليف رسمي من وزارة الدفاع لكن 2000
فقط من أفراده البالغ عددهم 15 الفا هم الذين تلقوا تدريبات عسكرية.
أما بقية الأفراد فهم من المسلحين السابقين الذين حاربوا للإطاحة بمعمر
القذافي عام 2011.
تدمير الناقلات
الى جانب ذلك هددت ليبيا بأنها ستهاجم وتدمر أي ناقلة تصدر النفط
بطريقة غير قانونية بعد ان اطلقت قوات النار على ناقلة ترفع علم
ليبيريا بالقرب من أكبر مرفأ لتصدير النفط الخام في البلاد. وقال عبد
الرزاق الشباهي المتحدث باسم وزارة الدفاع ان الناقلة التي سعت لتحميل
نفط خام كان محتجون مسلحون يغلقون مواني التصدير الرئيسية في البلاد
يحاولون بيعه بطريقة غير قانونية تمكنت من الفرار. والسدر وهو أكبر
بضعة مواني من بينها راس لانوف المجاور في شرق البلاد اغلقت في معظمها
منذ نهاية يوليو تموز عندما أدت احتجاجات لحراس أمن وعمال للنفط
يطالبون برواتب متأخرة ومطالب سياسية اخرى الي اغلاق حقول نفطية كثيرة.
وقال الشباهي ان القوات المسلحة الليبية كثفت دوريات خفر السواحل
ووضعت ثلاث قواعد جوية في حالة تأهب مع تعليمات الي طائرات حربية بأن
تقصف أي سفينة تقترب من المياه الليبية لمنع المبيعات غير القانونية من
النفط الليبي. واضاف قائلا وضعت ثلاث قواعد جوية في درجة عالية من
التأهب لضرب وتدمير أي ناقلة نفطية لا يكون لديها اتفاقات تعاقدية مع
شركة النفط الوطنية في البلاد. بحسب رويترز.
وقال مسؤول بوزارة الدفاع لن تتردد وزارة الدفاع في الرد بأي طريقة
ممكنة على كل من يحاول سرقة ثروة البلاد. وقالت ليبيا في وقت سابق انها
ستستخدم القوة العسكرية اذا اقتضت الضرورة لمنع حراس الامن المضربين من
تصدير النفط بشكل مستقل. وتقع الاحتجاجات بشكل رئيسي في الجزء الشرقي
من ليبيا الذي يطالب بقدر اكبر من الحكم الذاتي منذ ان بدأت الانتفاضة
ضد القذافي. ويقول مسؤولون حكوميون ان الإضرابات ينظمها اصوليون يريدون
مزيدا من الاستقلال لشرق البلاد ويحاولون تمويل قضتيهم بمبيعات غير
قانونية للنفط المخزن في المواني. وتقول الحكومة الليبية انها خسرت حتى
الان ايرادات تصل قيمتها الي حوالي ملياري دولار.
أجواء الفوضى
في السياق ذاته يقول محللون ليبيون وأجانب ان الاضطرابات في مناطق
ليبية والتي تغلق مواني نفطية هي صورة مصغرة لاجواء الفوضى التي تعم
البلاد وتقوض سلطة الحكومة المركزية المهتزة. وفي حين يسيطر نشطاء
يطالبون بحكم ذاتي لمنطقتهم على مواني في شرق ليبيا فإن الهيئة
التشريعية في العاصمة طرابلس بغرب البلاد ينتشر فيها الحديث الذي يوحي
بعدم الثقة في زيدان. ويقول المحللون ان جماعة الاخوان المسلمين تكتسب
فيما يبدو نفوذا وسط الأزمات التي تهز البلاد وان إطاحة الجيش في مصر
بالرئيس الاسلامي محمد مرسي ربما دفعت بعض الليبيين المتشددين الي
تصعيد العنف ضد منتقديهم العلمانيين.
ويجلب الإخوان والإسلاميون الاكثر تشددا الذين ينشطون في بضع دول في
ارجاء لمنطقة نموذجا مسيسا للاسلام غريب على الممارسات الدينية
التقليدية في المنطقة. لكن المحللين يقولون ان ليبيا منقسمة بشدة على
اسس سياسية واقليمية وقبلية بعد عامين من الاطاحة بمعمر القذافي بحيث
لا يمكن لأي جماعة ان تكون لها السيطرة بشكل فعال. وحتى العوامل
الظاهرة للعيان مثل حالة الامن في طرابلس فانها مائعة لدرجة ان السكان
لا يمكنهم الاتفاق بشانها.
وقال هنري سميث من مجموعة كنترول ريسكس للاستشارات ليبيا أسيرة بشكل
اساسي لجماعات مصالح اقليمية ومحلية. الحكومة ليس لديها فعليا القدرة
المسيطرة التي تمكنها من وقفهم. وحصار المواني وهو عامل مهم في هبوط
صادرات النفط الليبية بنسبة 70 بالمئة مصدره في الغالب نشطاء محليون
يهدفون للسيطرة على الإيرادات النفطية لمصلحة منطقة الحكم الذاتي التي
يريدون إقامتها في برقة بشرق ليبيا. والمنطقة التي مركزها بنغازي كانت
منافسا تقليديا للعاصمة الليبية طرابلس في الغرب وحصار المواني هو أكثر
الخطوات القوية التي اتخذها الساعون الى الحكم الذاتي للحث على تنفيذ
مطالبهم للسيطرة على الثروة النفطية في منطقتهم.
وقال صلاح جودة نائب رئيس لجنة الامن القومي بالبرلمان في طرابلس
انهم يتحدثون عن اسلوب فدرالي لادارة البلاد. وامتنع عن مناقشة هذا
الجانب السياسي في المواجهة. وتأججت النزعة المناطقية ايضا في منطقة
فزان الجنوبية حيث بدأت قبائل محلية في المطالبة بحكم ذاتي لمنطقتهم مع
إتهامها طرابلس بعدم امدادهم باموال كافية. ومن الصعب على الهيئة
التشريعية (المؤتمر الوطني العام) ان تتعامل مع هذه التحديات لانها
محصورة في مواجهة بين اكبر كتلة فيها وهي تحالف القوى الوطنية العلماني
وثاني أكبر كتلة والتي يقوها الإخوان المسلمون. ويقاطع التحالف رسميا
المؤتمر الوطني العام لكنه يحضر الجلسات احيانا مما يجعل الليبيون في
حيرة مما يحدث في مجلسهم النيابي.
ويشير محللون في طرابلس ايضا الى ان مصير زيدان غير مؤكد بعد ان بدا
ان اعضاء المؤتمر الوطني العام مستعدون للدعوة الي إقتراع على الثقة
فيه. واستقال كل من نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بسبب خلافات معه.
وأبلغ زيدان المؤتمر الوطني انه لن يستقيل وان عليهم ان يقترعوا بحجب
الثقة عنه إذا أرادو رحيله. وقال محلل في طرابلس طلب عدم نشر اسمه ذكرت
اسماء اخرى لتحل محله لكن لا أحد تقدم. ولذلك لم يجر أي إقتراع.
وقال خبير ليبي اخر طلب ايضا عدم نشر اسمه ان حزب العدالة والبناء
الذراع السياسي للاخوان المسلمين زاد نفوذه في المؤتمر الوطني العام
منذ ان بدأت مقاطعة التحالف. واضاف قائلا المؤتمر الوطني العام يفقد
شرعيته. وعزز نوري ابوسهمين رئيس المؤتمر الوطني-وهو عضو مستقل نفوذ
الاخوان المسلمين في طرابلس بجلب رجال مما يعرف بميليشيا درع ليبيا
لتدعيم الامن في العاصمة بعد موجة من اعمال العنف هناك.
وقال الخبير انهم في معظمهم من مصراته وتحت قيادة عضو بالاخوان
المسلمين. وفي غياب جيش وشرطة ذات فعالية يتعرض الامن في طرابلس
للاختبار من جانب ميليشيات متنافسة كثيرا ما تشتبك مع بعضها البعض من
اجل السيطرة على اجزاء من المدينة. وقال كل من سميث والخبير الليبي ان
بنغازي ثاني اكبر مدينة في ليبيا شهدت زيادة في العنف في الاسابيع
القليلة الماضية ضد نشاء سياسيين علمانيين يبدو انها غذتها جزئيا قوى
اسلامية هناك.
لكن سميث أكد ان هذا لا يعني ان هناك ائتلافا اوسع للمصالح في الشرق
بين الاخوان المسلمين والفدراليين لأن الاسلاميين يعتبرون الفدراليين
مصدرا للانقسام. وقال جودة المسؤول الامني بالمؤتمر الوطني العام إن
مجرمين هاربين يستهدفون ايضا مسؤولين بالهيئة القضائية ويشنون هجمات
على محاكم بدافع الانتقام من ايداعهم السجون وتدمير أي سجلات عن ماضيهم
خلف القضبان. وعبر الخبير الليبي عن مخاوف من ان النفوذ المتنامي
للاخوان المسلمين وغيرهم من الاسلاميين قد يؤدي الى ظهور منطقة
للجهاديين قرب الحدود المصرية قد يستخدمها اسلاميون مصريون هاربون
كقاعدة ضد بلدهم. بحسب رويترز.
ويعتقد سميث ان القبائل المحلية ستعارض أي "قاعدة خلفية" مثل تلك
التي يبدو ان متشددين مصريين اقاموها في شبه جزيرة سيناء لأن ذلك قد
يؤدي الى إغلاق الحدود مع مصر والتي تريد تلك القبائل ان تبقى مفتوحة
امام التجارة. وقال المحلل الذي حذر من المخاطر إن كثيرين من الليبيين
يأملون بأن تتمكن طرابلس من ممارسة قدر أكبر من السيطرة حال الانتهاء
من صياغة دستور جديد لكنه اضاف انه سيكون هناك حاجة الي المزيد من
العمل. ومضى قائلا ان عدم الاستقرار في ليبيا سيستمر على الارجح الي ما
بعد الدستور... الناس يحتاجون لاستعادة الثقة في الدولة والدولة تحتاج
الى اعادة تأكيد نفسها بطريقة ما وكل ذلك سيستغرق الكثير من الوقت. |