ستراتيجية مكافحة الإرهاب.. الواقع والطموح

زاهر الزبيدي

 

 مما لا شك فيه أن واقع العراق بعد عام 2003 عانى كثيراً من وجود تعددية حزبية ومراكز قوى داخلية ومراكز تهديدات خارجية تحاول فرض هيمنتها على بلد ينافس بأن يكون القوة القائدة للمحيط العربي إقتصادياً ؛ مستفيدة بذلك من إذكاء جذوة الصراع الطائفي الذي وصل أوجه خلال الأعوام 2006-2008 ؛ تسببت بمجملها مع العوامل الذاتية لتركيبة المجتمع العراقي في خلق رؤيا مشوهه لستراتيجية لمكافحة الإرهاب في العراق لم تفلح لحد الآن في القضاء أو الحد من خطورة وتأثيرات التنظيمات الإرهابية، فنحن لازلنا حتى يومنا هذا نعاني من فقدان الكثير من الوقت في الإنقضاض على تلك العصابات لنفقد في الوقت ذاته أهم فرصة لنقل البلد من واقعه الحالي الى واقع أفضل على الرغم من أن العراق كان مرهوناً بالقدرة العسكرية للقوات الأمريكية والحليفة لها التي كانت هي أيضاً تعاني من ضربات كبيرة قد تكون أجبرتها على الإنسحاب من العراق وتوقيعا لاتفاقيتي سافا وسوفا اللتان نظمتا العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية.

 لقد كان في مقدمة تلك التهديدات الخارجية أن أحداً لم يتوقع أن يتحول الإرهاب الى تلك الدرجة العالية من التخطيط والمبادرة والإستمكان من الأرض عندما ضرب بقسوة في 18-8-2003 مدمراً مقر الأمم المتحدة في بغداد في حادث راح ضحيته العشرات من موظفي المقر تبعها عدد كبيرة ومنظم من العمليات الإرهابية تكاد تغطي كل مساحات العراق، وبعد عشر سنوات لازال الإرهاب يتمدد ويمد أذرعه لداخل المؤسسات المدنية والعسكرية مستغلاً إنتشار الفساد المالي والإداري وضعف الإداء الحكومي في هذا المجال.

 بعد مرور عشرة سنوات كاملة على التغيير الكامل في ستراتيجيات المؤسسات الأمنية العراقية ومع تنامي تهديدات بيئة الإرهاب لمجتمعنا ؛ تتضح أهمية وجود ستراتيجية ثابتة لمكافحته تتناول رؤياها بعمق الواقع الإجتماعي العراقي وتدرس بحكمة نقاط القوة والضعف في البيئة الداخلية ممثلة بالمؤسسة العسكرية العراقية ودراسة مستوى الفرص والتهديدات التي تنتاب البيئة الخارجية المضطربة والمتمثلة بواقع المجتمع العراقي ووجه التهديد الأكبر المتمثل في المجاميع الإرهابية، العديدة، التي لا تتوانى عن الإتحاد بينها تحت أي مسمى في سبيل إسقاط ما يمكن إسقاطه من العملية السياسية في البلد مما يزيدها ذلك قوة ومتانة يستدعى معها إيجاد الخطط الستراتيجية التي تقف بوجه تهديداتها المستمرة للحياة بصورة عامة.

إن أدوات الحروب التقليدية وخططها لم تعد قادرة بشكل كبير على دخول ساحة المعركة مع الإرهاب حيث أصبحت لديه اليوم ستراتيجية هجومية قاتلة قد يكون وضعها وفقاً لرؤية وأهداف وليس ببعيد أن يكونوا قد سبقونا في التحليل ودراسة نقاط الضعف والقوة والتهديدات واستغلوا بشكل كبير الفرص التي هُيئة لهم وأسهب في ذلك فتلك التنظيمات دولية لها القدرة على الإندماج ولها القابلية على التخفي وسط جموع الشعب تحت مسميات عدة وعبور الحدود بجوازات عدة وبدون تأشيرات دخول لوجود الخلل الكبير في الجدار الأمني العراقي..

انها منظمات عالمية تعتمد التخطيط الدقيق لعملياتها والجدية في التعامل مع الأحداث والمرونة في تقبل الخسائر وإمتصاص زخم القوة المدافعة والتخفي في حواضنها في أي بلد من العالم.. من ذلك تكون قد تلقت تدريباً منظماً في الصحاري والجبال منحها القوة على المطاولة في حرب لاتملك فيها شيئاً لتخسره لذلك تراها تقاتل بقسوة دفاعاً عن الرؤية التي وضعتها لنفسها أو من وضعها لها ممولوها ومرشدوها.

نحن بحاجة الى ستراتيجية جديدة أو لتحديث ما تم وضعه من ستراتيجيات سابقاً على أن يتم من خلالها إجراء تحديث جذري في الوسائل والأدوات المتبعة وفقاً لرؤية صحيحة نرى فيها أن حمل السلاح وتتبع المنظمات الإرهابية ليس هو العمل الوحيد في تلك الستراتيجية المهمة بل أن هناك مفردات أخرى في تلك الستراتيجية يجب إتباعها أهمها أن يكون هناك وئام كامل بين السلطات الثلاث هدفه الحصول على توافق تام بينها على طريق محاولة التقليل من وقت إصدار التشريعات والقوانين العسكرية والمدنية والتقليل من نسب البطالة بشكل كبير من خلال تشريعات هامة على مستوى الدولة قد يقطع الطريق أمام المنظمات الإرهابية في توفير مواردها البشرية محلياً فأغلب من يقومون بالعمليات الإرهابية اليوم كانت قد ضاقت بهم السبل في الحصول على موارد مادية لعوائلهم كما إن القفز بالواقع الخدمي وتوفير مستوى أفضل من المعيشة لها دوراً مهماً أخر في حصر بيئة الإرهاب وتحديد مواطنه من خلال تقديم وطناً لشعب يستحق أن يضحي من أجله ويدافع بكل ما أوتي من قوة للحفاظ عليه.. وطناً لا ينهبه الفساد المالي والإداري.

نحن بحاجة الى أن يشعر كل جندي وشرطي في البيئة العراقية بأهميته وأهمية أن يكون محفَزاً بشكل كبير للدفاع عن حياته وحياة أبناء شعبه، بحاجة الى إعلام متوازن يقف مع صولات الجيش ويشحذ همم أبناء الشعب في التصدي ويرفع في نفوسهم مستوى الجرأة على المواجهة والإسناد الكامل للقوات الأمنية فنحن إذا ما فقدنا حلقة الوصل بين شعبنا وقواته المسلحة نكون قد أفسدنا كل خططنا الإستراتيجية في المواجهة وعلى سبيل المثال.. حدثت خلال فترات سابقة بعض الأحداث الصغيرة نسبياً كإعتداء القوات الأمنية على مواطنين كان آخرها وفاة مدرب نادي كربلاء أثناء شجار مع قوات سوات وما تبعها من موجات إعلامية متواترة شحنت الشارع العراقي على منتسبي تلك القوات، على الرغم من أن موجات العمليات الإرهابية المتعاقبة ألقت بظلالها بشكل كبير على مستوى العلاقة بين الشعب والقوات الأمنية وأفقدت الشعب ثقته بتلك المؤسسات فتعاقب العمليات الإرهابية الروتينية المستمرة للتنظيمات الإرهابية زادت من تلك الهوة في الثقة فالمواطن اليوم يرى أن مدينته مغلقة بالقوات الأمنية المنتشرة في شوارعها الرئيسة ومداخلها وبعد حين تحدث الإنفجارات داخل هذا الحزام الأمني الضيق محدثاً خسائر كبيرة بشرياً ومادياً ذلك ما ولد شكوكاً لدى المواطن وصلت الى حد التشكيك بتلك القوات في أنها من تفتعل تلك التفجيرات على الرغم من عقم هذا الشك.

ما أعلنت عنه الحكومة في الفترة الأخيرة من قرارها توزيع أراض على الفقراء هو واحداً من أهم قرارات الحرب على الإرهاب ولكنه يبقى بحاجة الى إلتزامات حكومية أخرى بتوفير قروض البناء وتوفير المواد الأولية والسيطرة على عدم إرتفاع أسعارها لتصبح بعد حين وبالاً على أصحاب تلك الأراض.. الحكومة مجبرة اليوم على الإستمرار ببناء الوحدات السكنية السريعة وتهيئتها من قبل شركات عالمية كبرى.. إذا ما أضفنا الى ذلك تهيئة المساكن والمدارس والبدء بحملة كبيرة لإمتصاص بطالة الشارع كلها تعتبر عناوين مهمة في ستراتيجية مكافحة الإرهاب.

في ستراتيجية الإرهاب المقترحة ؛ لامكان للخوف الحكومي مطلقاً وعلى خوفنا أن لا يتفاقم من التهديدات، الإعلامية، ليمنح المنظمات الإرهابية قوة متزايدة وليتصاعد ظل خوفنا هذا ليمتد بتأثيراته السلبية على حياة أبناء شعبنا، ففي الأيام القليلة الماضية عطل البرلمان عمله بسبب تهديدات، محتملة، وأغلقت المنطقة الخضراء أبوابها على سكانها وأصبحت الشوارع المؤدية لها تغص بآلاف العجلات على إختلاف أنواعها.. لقد أوقفت تلك التهديدات الحياة عندما تسلل شبح الخوف من أعلى مستويات الدولة الى ابسط مواطن في الشارع وهذا ما ولد تساؤل مهم لدى الشارع.. ممن تخاف الدولة العراقية ولماذا تخاف؟ وهي من تمتلك كل مقومات المواجهة.. وزارة دفاع ووزارة داخلية ومخابرات وإستخبارات وقوات خاصة، سوات، وأمن وطني وشركات أمنية وحمايات خاصة وأسلحة ودبابات ومدافع وطائرات سمتية وعون ستراتيجي متنوع بإمكانها إستغلاله في أي وقت تشاء بعيداً عن المزايدات السياسية أمام حماية أمن الوطن.. فلماذا الخوف من المواجهة الحقيقية في معركة حاسمة؟.. ولماذا نبعد الحسم النهائي عن حساباتنا بهذا الخوف؟.. فنحن لا يمكن مطلقاً أن نستمر بالخوف لأننا بذلك سوف نستمر بالموت... لا أرانا الله سوءاً بوطننا وحفظ الله الوطن وأهله.

[email protected]

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/أيلول/2013 - 2/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م