بدائل إنسانية تغني عن احتجاز المهاجرين

 

شبكة النبأ: أصبح احتجاز المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء هو الأسلوب المتبع على نحو متزايد من قبل مختلف البلدان في جميع أنحاء العالم للاستجابة لتدفقاتهم. وتستشهد الدول بمخاوف تتعلق بأمنها القومي، مشيرة إلى أن مثل هذه الاجراءات العقابية ستجعل المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء يفكرون ملياً قبل دخول أراضيها.

ولكن على أرض الواقع، ليس هناك أي دليل على أن التهديد بالاحتجاز يشكل رادعاً للهجرة غير النظامية أو يثبط همة الأشخاص الذين يلتمسون اللجوء، بل على العكس، هناك أدلة كثيرة على أن الاحتجاز يضر بالصحة البدنية والعقلية لكل من يتعرض له تقريباً.

وقد كانت جماعات المجتمع المدني هي الأكثر صخباً بشأن الآثار السلبية للاحتجاز على الأطفال والفئات الضعيفة الأخرى، في حين أشارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنه بمقتضى اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ينبغي أن تمتنع الدول عن فرض عقوبات جزائية على ملتمسي اللجوء بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني، شريطة أن يقدموا أنفسهم إلى السلطات دون إبطاء.

ولكن في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، أصبح تزايد تكلفة الاحتجاز يثير حفيظة العديد من الحكومات. وفي هذا الإطار، قال غرانت ميتشيل، مدير تحالف الاحتجاز الدولي (IDC)، وهي منظمة مظلة تضم 300 مجموعة عضو في 50 دولة، أنه في حين لا تزال هناك "زيادة هائلة" في الاحتجاز في عدد من البلدان، "إلا أننا نرى بنفس القدر أن الكثير من الدول التي تلجأ للاحتجاز منذ 15 أو 20 عاماً باتت تجده مكلفاً وصعب الإدارة ولم تعد تراه وسيلة ناجحة لردع الناس". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

وقد وجد تقرير صدر مؤخراً عن المنتدى الوطني للهجرة أن الولايات المتحدة سوف تنفق أكثر من 5 ملايين دولار يومياً على احتجاز المهاجرين خلال السنة المالية 2013/2014، استناداً إلى قدرتها الحالية التي تبلغ 31,800 سرير احتجاز، ولكن تكلفة احتجاز المهاجرين في الولايات المتحدة التي تبلغ حوالي 159 دولاراً في اليوم الواحد تعتبر منخفضة نسبياً مقارنة بنحو 210 دولارات في اليوم التي تنفقها وكالة خدمات الحدود الكندية لتوفير سرير في أحد سجون المقاطعات، أو مبلغ الـ 540 دولاراً في اليوم الواحد، الذي يصعب تصديقه، والذي تنفقه السويد للاحتفاظ بأحد الأشخاص في أحد مراكز الاحتجاز التابعة لها، مع ذلك، فإن بدائل الاحتجاز، حتى تلك التي تشمل توفير السكن وأنواع مختلفة من الدعم، لا تمثل سوى جزءاً صغيراً من تلك التكلفة.

وفي السياق نفسه، أفاد فيليب أماريل من الجمعية اليسوعية لخدمة اللاجئين (JRS) في أوروبا، الذي أعد تقريراً في عام 2011 عن بدائل الاحتجاز أن "هناك فرصة توفير الكثير من المال" وأضاف في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الحجج الاقتصادية لم تكن مقنعة جداً قبل فترة الركود، لأنه كان ينظر إلى الاحتجاز على أنه تكلفة لا مفر من تحملها. أما الآن، فقد أصبحت الدول أكثر اهتماماً بالتكلفة".

الكثير من الدول التي تلجأ للاحتجاز منذ 15 أو 20 عاماً باتت تجده مكلفاً وصعب الإدارة ولم تعد تراه وسيلة ناجحة لردع الناس كما أصبحت الدول على نحو متزايد ملزمة قانوناً باستخدام الاحتجاز كملاذ أخير، لاسيما في حالة طالبي اللجوء والأطفال. وفي العام الماضي، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مبادئ توجيهية جديدة تتعلق باحتجاز طالبي اللجوء أكدت فيها عدم مشروعية الاحتجاز "التعسفي" الذي لا يأخذ في الاعتبار بدائل أقل قسرية. وينص توجيه الاتحاد الأوروبي الخاص بالعودة أيضاً على أن الدول الأعضاء لا يجب أن تلجأ إلى الاحتجاز إذا "أمكن تطبيق تدابير أخرى كافية ولكن أقل قسرية." مع ذلك، أشار أماريل إلى أنه على الرغم من أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي قد أدمجت بدائل للاحتجاز في قوانينها منذ ذلك الحين، إلا أن معظمها لا ينفذ تلك البدائل على أرض الواقع.

وأكد أن الدول الأوروبية "تخشى هروب المهاجرين إذا ما أتيحت لهم الفرصة، على الرغم من وجود أدلة تشير إلى أنك إذا وفرت بدائل للاحتجاز توفر خدمات شاملة ومساعدة قانونية وقمت بإطلاعهم على جميع النتائج المحتملة لقضيتهم، فإن معدلات الامتثال ترتفع كثيراً". وأضاف أماريل أن "الدول الأعضاء ليست في وضع يسمح لها بتوفير بدائل جيدة للاحتجاز حتى الآن، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها لا تعرف كيف تستثمر الموارد المتاحة، أو ليست على استعداد لاستثمارها. فلا يكفي مجرد إطلاق مجموعة من الناس في الشوارع وهم يعانون من حالة عوز"، وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية اليسوعية لخدمة اللاجئين تعرف بدائل الاحتجاز على أنها "أي سياسة أو ممارسة أو تشريع يسمح لطالبي اللجوء والمهاجرين بالعيش في المجتمع والتمتع بحرية التنقل... أثناء تعهدهم بإيجاد حل لوضعهم كمهاجرين أ أثناء انتظار إبعادهم عن أراضي الدولة أو كليهما معاً".

وتجري الآن تجربة نماذج متنوعة في بلدان مختلفة، وبمستويات فعالية متفاوتة. وقال ميتشل مدير تحالف الاحتجاز الدولي، الذي أنتج كتيباً عن منع احتجاز المهاجرين غير الضروري: "لم نجد دولة واحدة بها نموذج مثالي، لكننا وجدنا الكثير من الممارسات الجيدة التي يمكن الجمع بينها لخلق برامج فعالة".

وأضاف أن أنجح البرامج بها عناصر مشتركة، مثل توفير الدعم المادي الكافي، والحصول المبكر على مشورة قانونية مجانية، ونظام إدارة حالات يطلع المهاجرين على التطورات في كل مرحلة. كما أوضح أن "الكثير من الحكومات تعتقد أن المشورة القانونية يمكن أن تتسبب في تعثر بعض الطلبات، ولكن أبحاثنا تشير إلى أن توفير المشورة القانونية والتدخل في وقت مبكر يقللان الوقت اللازم لاستكمال الحالة ويزيدان من فرص العودة الطوعية".

من جانبها، تتفق أليس إدواردز، رئيسة قسم سياسة الحماية والمشورة القانونية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي كتبت بحثاً في عام 2011 بشأن بدائل للاحتجاز، مع هذا الطرح، قائلة أن "معاملة الناس معاملة إنسانية منذ البداية تعني أنهم سوف يشاركون بشكل صحيح في هذه العملية".

واستشهد إدواردز وميتشل بالنموذج المستخدم في بلجيكا كمثال لأفضل الممارسات. يوفر هذا البرنامج إقامة للمهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء الذين يصطحبون أطفالاً في شقق مملوكة للحكومة حتى يتم البت في طلباتهم. ويتم تعيين "مدرب" لكل أسرة يشرح لها عملية الهجرة، ويضمن تلبية احتياجاتها الأساسية ويحدد مواعيداً مع الأطباء والمحامين وسلطات الهجرة.

"إن الهدف الأساسي هو إقناع الأسر بالعودة الطوعية، ولكنه ليس الهدف الوحيد. فبالنسبة لنا، ستكون النتيجة إيجابية أيضاً إذا حصلوا على تصريح الإقامة،" كما أوضح غيرت ويربوفيدا، المستشار في مكتب الهجرة البلجيكي.

ولا يزال البرنامج، الذي بدأ في عام 2008، حديثاً نسبياً ويضم 25 وحدة عائلية فقط، ولكن ويربوفيدا قال أن عنصر التدريب أو إدارة الحالات في هذا البرنامج يمكن أن يستخدم أيضاً في المستقبل لمساعدة المهاجرين الذين يعيشون في مساكن خاصة بهم.

وفي السويد، يتم استخدام بديل مماثل لاحتجاز طالبي اللجوء، حيث يقيم 24,000 منهم في شقق تدار من قبل مجلس الهجرة السويدي، ويعيش 13,000 آخرين مع أقارب أو في أماكن الإقامة الخاصة بهم. ولدى وصولهم، يتم تعيين موظف لمتابعة حالتهم وتولي طلب اللجوء الخاص بهم، فضلاً عن موظف الاستقبال الذي يساعدهم في تلبية الاحتياجات اليومية، مثل إيجاد مدارس لأبنائهم والتأكد من حصولهم على بدل الإقامة.

"إذا شعر الناس أنهم يتلقون رعاية وأن قضيتهم تخضع للتدقيق بشكل صحيح، سيكونون أكثر تقبلاً للنتيجة،" كما أكد نيكلاس أكسيلسون، وهو أخصائي قضايا الاحتجاز في مجلس الهجرة السويدي، في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، مضيفاً أن "الأمر يتعلق بحسن إدارة السلوك ومعاملة الناس باحترام والتواصل معهم بشكل جيد"، ولا تزال السويد تحتفظ بتسع وحدات احتجاز صغيرة في خمس مدن، ولكن الاحتجاز يستخدم في المقام الأول للتعامل مع طالبي اللجوء الذين يرفضون قبول القرار السلبي أو العودة الطوعية إلى ديارهم. وأضاف أكسيلسون: "لا نريد أن نلجأ إلى الاحتجاز إلا إذا كان ذلك ضرورياً".

من ناحية أخرى، تستخدم منظمة غير ربحية في تورونتو تسمى برنامج تورونتو للكفالة (TBP) نموذجاً يختلف قليلاً عن ذلك. ففي كندا، يتم إطلاق أكثر من 90 بالمائة من طالبي اللجوء في المجتمع بحد أدنى من الشروط، التي قد تشمل دفع كفالة. أما غير القادرين على تحمل مبلغ الكفالة أو الذين يرجح هربهم، فقد يتم إرسال طلب إلى برنامج تورونتو للكفالة لقبولهم كعملاء. وكبديل عن الكفالة، يوفر برنامج تورونتو للكفالة الإشراف المهني على حوالي 312 عميلاً بتكلفة تزيد قليلاً عن 9 دولارات يومياً. في البداية، يطلب البرنامج من العملاء، بما في ذلك المهاجرون غير الشرعيين وطالبو اللجوء، أن يمثلوا أمام مكتب برنامج تورونتو للكفالة مرتين في الأسبوع، "اذا أثبتوا لنا أنهم يفعلون شيئاً بناءً في حياتهم، يمكننا تقليل عدد الزيارات إلى الحد الأدنى،" كما أشار ديف سكوت، مؤسس برنامج تورونتو للكفالة ومديره التنفيذي.

ويعتبر معظم طالبي اللجوء مؤهلين للحصول على تصاريح العمل، ولكن برنامج تورونتو للكفالة يساعدهم أيضاً على التقدم بطلب للحصول على استحقاقات الرعاية والخدمات الاجتماعية. كما يحصل العملاء الذين يعانون من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية أو الإدمان على إشراف إضافي من الموظفين المؤهلين. وبلغت نسبة فقدان العملاء في برنامج تورونتو للكفالة لعام 2012/2013 المالي أقل من 5 بالمائة، وهي أقل بكثير من نسبة الـ 10 بالمائة التي تنص عليها لوائح وكالة خدمات الحدود الكندية، ويشمل نهج سكوت العملي الفحص الدقيق للعملاء المحتملين، حيث قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "أقوم بالتأكد إن كان بالإمكان الإفراج عن هذا الشخص دون شروط، كما أنني لا أريد أن أتورط مع الأشخاص الذين على وشك الترحيل أو حالات الإجرام الخطير، فأنا لست الكنيسة الكاثوليكية أو جيش الإنقاذ".

وأفاد أماريل من الجمعية اليسوعية لخدمة اللاجئين أن بدائل برامج الاحتجاز التي كانت أقل نجاحاً هي تلك التي يتم استخدامها فقط عندما تمتلئ مراكز الاحتجاز، أو عندما يواجه طالب اللجوء الذي رُفض طلبه الترحيل الوشيك، وأضاف أن هذا "كان سبب فشل البرنامج في المملكة المتحدة، لأنهم يبدؤون في المرحلة النهائية عندما تكون النتيجة قد تقررت بالفعل. لا ينجح هذا الأسلوب عندما ترفض السلطات منح المهاجرين فرصة لاستكشاف جميع النتائج المحتملة منذ البداية"، وتتقاسم البدائل الناجحة لبرامج الاحتجاز نتائج متطابقة تقريباً، وفقاً للبحث الذي أجراه تحالف الاحتجاز الدولي، وهي تشمل خفض التكاليف بنحو 80 بالمائة في المتوسط مقارنة مع الاحتجاز، ومعدل امتثال يبلغ 95 بالمائة في المتوسط، وهذا يعني أن عدداً قليلاً للغاية من المهاجرين لا يمتثل لمتطلبات الإبلاغ أو لا يمثل أمام المحكمة.

ويرى أكسيلسون من مجلس الهجرة السويدي أن تكرار البرامج الناجحة في بلدان أخرى لا يعتمد فقط على وجود السياسات والموارد المناسبة، ولكن أيضاً على الإرادة السياسية. وأضاف قائلاً "إذا نظرت إلى طالبي اللجوء على أنهم مجرمون، أعتقد أنك قد تواجه مشكلة"، وأكد أيضاً أنه "من المهم أن تحاول تغيير وجهات النظر وتسأل نفسك، كيف أود أن أُعامل إذا كنت أنا مقدم الطلب؟"

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/أيلول/2013 - 26/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م