المدنيون السوريون ضحايا الحرب الإقليمية

جميل عوده/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

 تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر طبقا لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، لا يمكن في أي حال من الأحوال تعريض الأشخاص المدنيين وكل الذين كفوا عن المشاركة في القتال لخطر الهجمات بل يجب صيانتهم من أي خطر وحمايتهم. ومع ذلك، لا يعتدّ بهذا المبدأ على أرض الواقع لأن السكان المدنيين ما فتئوا يعانون من النصيب الأكبر من تركة النزاعات المسلح" وخصوصا الفئات الأكثر ضعفا كالأطفال والنساء والشيوخ والنازحين..

 وفي الواقع، لا يعود الإخفاق في حماية السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة وغيرها من حالات العنف إلى عدم مواءمة الإطار القانوني الذي يضعه القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بل إن السبب الرئيس يرجع، مع الأسف، إلى قلة الاحترام التي يبديها حاملو السلاح والمسئولون السياسيون تجاه هذه القواعد الأساسية. فمع التقدم الكبير الذي شهده المجتمع الدولي للالتزام بالمواثيق الدولية، بما تضمنته من أحكام رادعة، وعقوبات واضحة وملموسة، وأحكام قضائية أصدرتها المحاكم الدولية ضد مرتكبي الجرائم الخطيرة، ومنها الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فان العالم يشهد يوميا بعد آخر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يصعب على الضمير الإنساني تحملها أو القبول بها، كما يحدث الآن في سورية.

 ففي بلد مثل سورية تتصارع فيه الإرادات الإقليمية والدولية، ويستخدم فيها المتحاربون مختلف أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا، تؤكد التقارير الأممية استمرار وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فضلا عن تفاقم الوضع الإنساني جراء عدم وصول الإمدادات الإنسانية للمناطق المدنية المنكوبة، وهذه الأعمال العدوانية من الأطراف المتحاربة الموجه ضد المدنيين السوريين بصورة مباشرة أو غير مباشرة تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وخرقا فاضحا للالتزامات الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وللقرارات العديدة لمجلس الأمن، ابتداء من القرار رقم (1894) الذي طلب من جميع الأطراف في النزاعات المسلحة أن تنفذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة تنفيذاً تاماً، وأن تتخذ جميع التدابير اللازمة من أجل احترام وحماية السكان المدنيين، وتلبية احتياجاتهم الأساسية.

 وقد أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية في 22 آب/أغسطس 2011 المشكلة بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان S-17/1 الذي اعتُمد في دورته الاستثنائية السابعة عشرة وعُهد إليها بولاية التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ آذار/مارس 2011 في الجمهورية العربية السورية، أكدت على أن الحكومة والقوات الموالية لها والمجموعات المسلحة قد ارتكبتا على السواء جرائم حرب بما يشمل أعمال قتل وتعذيب واحتجاز رهائن وهجمات على أملاك محمية... واعتبر التقرير انه "حين تقصف مجموعات مسلحة مناطق مدنية بشكل خاص، إنما تنشر الرعب وذلك يمكن اعتباره جرائم حرب". وأشار التقرير إلى أن "الآلية المدمرة للحرب الأهلية لا تترك أثاراً فقط على السكان المدنيين وإنما تقضي أيضا على كل الهيكلية الاجتماعية المعقدة للبلاد، وتعرض للخطر الأجيال المستقبلية وتهدد السلام والأمن في كل المنطقة ".

 وما يُعقد الأوضاع الإنسانية في سورية هو انخراط بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة انخراطاً مباشراً في تأجيج الأحداث بعيدا عن مظلة الأمم المتحدة، تحت عنوان "حماية المدنيين" مثل تقديم الأموال للأطراف المتحاربة، وتزويدهم بالأسلحة المتطورة، ومدهم بالجنود والمقاتلين غير السوريين، ومثل تقديم النصح والمشورة لطرف دون طرف مثل الدعوة الصريحة التي وجهتها الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى الجماعات المسلحة في سورية بعدم تسليم أسلحتها أو تسليم نفسها إلى السلطات السورية تماشيا مع قرار الحكومة السورية بالعفو العام عن كل من يسلم نفسه وسلاحه إلى السلطات الحكومية. إذ أن مثل هذه الأعمال الداعمة للعمليات القتالية والمؤيدة لها من شأنها أن تزيد معاناة المدنيين السوريين وتصعب على الجهات الإنسانية تقديم الدعم والمعونة اللازمة لحفظ حياتهم!!.

 ناهيك عن أن دعوة بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى احتلال سورية وغزوها خارج إطار الشرعية الدولية تحت إطار "تغيير النظام " أو "حماية المدنيين" من النزاعات المسلحة ذريعة لا تنسجم كليا مع أحكام الميثاق سيما مبدأ "حماية المدنيين" وستزيد الأمور تعقيدا وسوف تؤدي بحياة عدد كبير من المدنيين، وتسبب نزوح الملايين منهم، وتساعد على هجرة السوريين إلى دول الجوار المتأثرة من تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في سورية، كالعراق والأردن وتركيا جراء اتساع رقعة الصراعات الأهلية، وستدمر كامل البنى التحتية للخدمات العامة منها على وجه الخصوص: الخدمات التعليمية والصحية والإنارة والنقل، فضلا عن الآثار الدينية والأماكن المقدسة..

 إن الشعب السوري والعالم أجمع يتطلع إلى اتخاذ مجلس الأمن إجراءات عادلة وفعالة لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ووضع حد لانتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل كل الأطراف المتحاربة دون محاباة لطرف على طرف، ودون تحميل مجموعة المسؤولية القانونية وغض النظر عن أعمال مجموعة أخرى، شريطة أن تكون تلك الجهود الدولية الرامية إلى "حماية المدنيين" في حالات النزاعات المسلحة تتم في إطار الاحترام الصارم للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة والقاضية بضرورة احترام سيادة الدول واستقلالها السياسي وسلامة أراضيها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبضرورة أن تتماشى هذه الجهود مع أحكام اتفاقيات جنيف والقانون الإنساني الدولي.

 وبناء عليه، فان حماية المدنيين في سورية يجب أن تبدأ أولا من دعم وتشجيع الحلول السياسية الفورية بين الأطراف المتحاربة على الأرض السورية، ومنع تدفق المقاتلين والعتاد إلى الطرفين، ورفع اليد عن الدعم الإعلامي والسياسي الذي تتبناه بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لهذا الطرف على حساب الطرف الآخر. فقد خلص تقرير اللجنة الدولية المعنية بالشأن السوري إلى القول " ليس هناك حل عسكري للنزاع.. ووقف الأعمال الحربية بشكل دائم يبقى ذات أهمية أساسية لوقف العنف والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان".

 ومن أجل ضمان المساعدة الإنسانية للمدنيين السوريين بدون تمييز وتوفير الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم، ينبغي العمل على وضع إستراتجية دولية كاملة تتبنى تقييم الآثار الإنسانية والاجتماعية التي خلفتها النزاعات الأهلية في سورية، على أن تستند هذه الإستراتيجية إلى بيانات جديرة بالثقة وبعيدة عن كل الاعتبارات السياسية. فأحد أهم الآثار الإنسانية الرئيسية التي خلفتها النزاعات في سورية تتجسد بشكل واضح في الانقسام السكاني على أساس الدين والمذهب والولاء السياسي، وقتل وتعذيب وتعويق آلاف من المدنيين، وتدمير البنى التحتية، وتلويث بالبيئة، والنزوح السكاني الواسع النطاق وغيرها..

 فالحقيقة التي يجب أن يدركها المجتمع الدولي أن حماية المدنيين في سورية لا تتحقق إلا بالوقف الفوري للعمليات العسكرية، وأن النهوض بسورية مجددا -إذا أريد لها النهوض- لا يمكن أن يتحقق إلا بمساعدة ودعم دولي متواصل ومستمر لعقود من الزمن؛ لان الدمار الذي أصاب المواطنين السوريين أعظم مما يُتصور!!.

.....................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

موبايل/009647712421188

http://adamrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/أيلول/2013 - 26/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م