خطط اوباما في سوريا

النوايا القذرة

حاتم حميد محسن

 

امريكا لا تريد الافصاح عن اهدافها في سوريا.

الدليل على ذلك يتضح من خلال ما اُعلن عنه يوم امس من خطط ضد سوريا. المتحدث باسم البيت الابيض (جاي كارني) رفض اثناء المؤتمر الصحفي ان يكون الهدف من خطط اوباما هو تغيير النظام في سوريا. "الخيارات التي ندرسها هي ليست حول تغيير النظام". "الهدف هو الرد على الانتهاك الواضح للقانون الدولي الذي يمنع استخدام الاسلحة الكيميائية". غير ان الخطط العسكرية المقترحة سوف لن تؤدي الاّ الى ادامة المأساة- وهي الهدف من كل تلك الخطط.

ان الحل الحقيقي للصراع في سوريا هو صعب ومعقد للغاية حتى قبل سنتين من الآن. انه سيأخذ وقتاً طويلاً ومزيداً من الاموال، وهو الامر المحبب لكل من بريطانيا وامريكا. حل هذه المشكلة يعني محاولة التوفيق بين طائفتين تراكمت بينهما الكراهية لدرجة أريقت فيها دماء الآلاف من الناس طوال سنوات من القتال. انها محاولة مستحيلة.

ولكن لا احد يتحدث عن الحل، فما سبب ذلك؟

امريكا ليست معنيةً بتغيير النظام. اوباما لا يريد ان يكون رئيساً في زمن الحرب. وهو لا يهمّهُ ايضا حديث التدخل لأغراض انسانية اكثر من مجرد اللغة البلاغية. النظرة الخاطفة تبيّن مدى سخافة الـ "خط الاحمر" الذي وضعهُ اوباما لاستخدام السلاح الكيميائي. عدد قتلى الحرب في سوريا تجاوز الـمائة الف شخص. الخطاب دعا الى ضرورة معاقبة منْ استخدم الاسلحة الكيميائية ، ولكن لماذا؟ الوسائل التي استُخدمت لبلوغ هذا العدد من الضحايا ليست هامة مقابل ذلك الرعب. الناس لا يهمّهم سواء قُتلوا بقذيفة هاون او بقنبلة او بالغاز؟

الحقيقة هي ان خيار الغرب الاخير في سوريا – والذي جسّدهُ الغرب سلفاً عبر إمداد الجماعات المسلحة بالسلاح والمال- اريد به تحويل الصراع الدموي الى حالة دائمة من القتل والتدمير، لا يمتلك فيها اي جانب القدرة على الحسم ، حيث يتم إضعاف المزايا التكتيكية للجيش السوري وبالشكل الذي يحافظ فقط على استمرارية الوضع القائم المخيف.

ذلك هو ما ترغبه الحكومة الامريكية. حاليا، الصراع في سوريا يعمل كمستنقع ، لجذب القوى المعادية لامريكا الى مكان محدد. انه الثقب الاسود للمتشددين. عندما استعاد الجيش السوري مدينة القصير في حزيران الماضي، كان قد حصل على الدعم من حزب الله اللبناني. ايران، ايضا، تقدم المساعدة للجيش السوري: حسبما اشارت جريدة الانديبيندنت في عدد الاحد حزيران ان 4000 عنصر من الحرس الثوري سيُرسلون للقتال الى جانب الحكومة السورية. طهران هددت ايضا بضرب اسرائيل اذا تعرضت سوريا لهجوم امريكي، وهو ما يشير الى بداية سلسلة كارثية من الأحداث.

وعلى الجانب الاخر، تُعتبر جبهة النصرة من اقوى الجماعات المتشددة وافضلها تدريبا وهي التي تعلن صراحة عن ارتباطها بالقاعدة التي تطلق على نفسها الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، وهي تشكل جزءاً فعالاً مما يُسمى الجيش السوري الحر.

وبقدر ما يتعلق الامر بالبيت الابيض، تُعتبر هذه لعبة ليس فيها غالب ولا مغلوب (اي ربح لأحد الجانبين تساويه خسارة للجانب الآخر). ومع نشوب الاقتتال بين الجماعات المسلحة ذاتها وانفاقها للموارد فان الخطر الذي تشكله للغرب يتضائل كثيراً. اذا كانت القاعدة تسعى للاطاحة بالنظام، فهي لا تنفذ عملاً مشابها لهجوم 11سبتمبر، وهي ربما ستشكر الولايات المتحدة على المساعدة الضئيلة المحمولة جواً. فكما يقول المثل عدو عدوي صديقي.

ان اوباما ومستشاريه يتوقعون ايضا ان انتصار المسلحين في سوريا سوف يؤدي الى تنامي المشاعر المعادية للغرب في ظل نظام اسلامي متشدد. تجربة العراق في التاريخ الحديث كشفت كيف سارت الاحداث نحو الجحيم بعد سقوط صدام حسين.

ذلك يقودنا الى الاستنتاج الخطير بان التدخل الجوي الخجول في سوريا صُمم ليس لضرب القارب الدموي وانما لابقائه عائماً.

موقف الرئيس بوتن هو مشابه كثيرا لموقف اوباماً. ادامة الحرب الاهلية في سوريا تخدم روسيا بنفس القدر الذي تخدم فيه الولايات المتحدة. روسيا لديها علاقات اقتصادية هائلة مع سوريا- تعادل قيمتها 20 مليار دولار، طبقا لخدمة ابحاث الكونغرس، وهي ستخسر هذه المصالح لو اطيح بالنظام- بالاضافة لخسارتها القاعدة البحرية الروسية الوحيدة خارج حدودها. كذلك سوريا هي ايضا مستورد كبير للسلاح الروسي، أنفقت ما يقارب 5 بليون دولار في غضون اربع سنوات (حتى عام 2010)، وهذا الرقم تصاعد بعد اندلاع الصراع، حيث وقّعت الحكومة السورية عقداً في الاشهر الاخيرة لشراء صواريخ اس 300 وصواريخ مضادة للطائرات وطائرات ميغ 29.

ومن المهم جداً، ان الصراع السوري يسمح لبوتين بالحصول على مزيد من الدعم السياسي المحلي في وقت تتزايد فيه الاضطرابات والاحتجاجات ضد امريكا وضد الغرب. ومع التأثير الفعال لروسيا والولايات المتحدة في مجلس الامن، لا امكانية لصدور قرار محتمل عن مجلس الامن، مع ان معظم الوزراء الروس يلوّحون بنتائج كارثية للتدخل الغربي.

ان روسيا لا تريد المسلحين ان يربحوا، لأنها سوف تخسر مصالحها وقاعدتها البحرية. امريكا لا تريد المسلحين ان يربحوا لأن الدولة التي سيشكلونها ستكون متشددة تقودها القاعدة المغذي الرئيسي للارهاب.

لذا فان سوريا وبموجب اتفاق ضمني بين روسيا وامريكا، اصبحت عملياً كرجل القش، ستستمر بالاحتراق، ولا احد من الجانبين سيهتم بعدد الضحايا الذين يسقطون في الحرب.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/hatimhameed.htm

.........................................................

Nicky Woolf مندوب نيوستيتمن البريطانية من امريكا، نيوستيتمن عدد 29 أغسطس 2013.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/أيلول/2013 - 25/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م