العراقيون تحت قبة البرلمان

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما يُحاك النسيج المجتمعي من مكونات عدة، فإن تمثيل البرلمانيين لهذه المكونات يصبح أشد وضوحا، لاسيما اذا كانت التجربة البرلمانية الديمقراطية حديثة النشوء، وهذا الوصف ينطبق تماما على البرلمان العراقي، وتجربته حديثة العهد في ممارسة دوره التشريعي الرقابي على مؤسسات الدولة والسلطات التابعة لها.

وطالما أن الشعب العراقي يتكون من مكونات عدة حسب الانتماء العرقي والديني والمذهبي، فضلا عن الانتماء المناطقي، فإن هذه الاختلافات في تشكيل الشخصيات المختلفة للمكونات المذكورة بدت اكثر سطوعا تحت قبة البرلمان، وباتت تنعكس على الشارع العراقي بوضوح، لهذا لابد أن يفهم البرلمانيون بمختلف انتماءاتهم، أنهم يمثلون الشعب العراقي بأعراقه وأديانه، وأن لغتهم في الجدل والنقاش والتقارب والاختلاف، تمثل الشعب وتنعكس عليه بصورة مباشرة، ولاشك أن حداثة التجربة.. تنطوي على حالة من التشنج في العلاقات المتبادلة بين المكونات المجتمعية، وتجعل الاقليات أكثر حرصا وربما خوفا من الاكثرية!، وهو شعور طبيعي لا يتعلق بالمجتمع العراقي وحده.

وربما لم يخطر على بال البرلمانيين العراقيين، أن المجتمع بكل ما ينطوي عليه من قلق وارث قمعي متراكم، يرنو إليهم على أنهم ممثلوه، ويضع ثقته بهم، وينظر غليهم على انهم وحدهم الذين يحمون حقوقه ويحرصون على مصالحه، استنادا الى قاعدة الانتماء العرقي او الديني او المذهبي او حتى المناطقي، لذلك عندما ينشب خلاف ما حول هذه القضية او تلك، ويحدث جدل حاد في هذا المجال او ذاك، وتبدأ اللغة البرلمانية تفقد صوابها، وتصل الامور الى حد العراك بالايدي بعد ان تعجز اللغة عن القيام بدورها، فإن هذه المشاهد المؤسفة ستنعكس حتما على المجتمع، الامر الذي يضاعف من حالات الشقاق بينهم، وبالتالي تصبح حالة عدم الاستقرار، والتخوّف من الآخر أمرا سائدا بين الجميع.

هكذا يمكن أن يتحول البرلمانيون من رموز لها القدرة على زيادة لحمة النسيج المجتمعي للشعب، الى ادوات ضالة فوضوية تزرع الخلاف والعداء بين مكونات المجتمع، بسبب اللجوء الى لغة حادة متعصبة، تقصي الآخر وتتجاوز عليه وعلى كرامته، ليحدث هذا الحال بين التكتلات المختلفة تحت قبة البرلمان، ولينعكس هذا على الشارع والمكونات المختلفة التي تتواجد فيه، الامر الذي يستدعي ضبطا للنفس وللسان معا، فعندما يتكلم البرلماني في شأن معين، عليه أن لا يفقد صوابه ويتحلى برباطة الجأش، وأن يعرف تماما أنه لا يمثل نفسه، وأنه اذا خاض صراعا باللسان او الفكر او اليد، إنما يخوضه نيابة عن مكون معين من المجتمع، وعليه أن يعرف أن هذه اللغة العجفاء او السلوك الشائن، سوف ينتقل الى المكون المجتمعي الذي يمثله، وبالتالي تنتقل الصورة الرديئة لما يجري تحت قبة البرلمان، الى الشارع، وهذا الامر سوف يتسبب بحالة من الصراع المجتمعي، لاشك أن العراقيين في غنى عنها، كونهم يكافحون اليوم من اجل العيش معا بكرامة وسلام.

إن البرلمان العراقي بأعضائه كافة، هو صورة للشعب شاء ذلك أم أبى، وأن التقارب بين مكوناته واعضائه يمثل تقاربا بين مكونات الشعب، أم الخلاف والتصادم واعتماد اللغة الصادمة المتطرفة، أو السلوك الذي لا يرقى الى الاخلاق القويمة، فإنه سوف يتسبب بأذى كبير على الشعب، أقل ما يقال عنه، أنه سلوك غير منضبط، فضلا عن كونه غير اخلاقي ولا يمت بصلة الى قواعد الجدل والحوار الصحيح.

ليس مطلوبا من البرلمانيين القضاء على الخلافات كليا، فهو امر محال ينتسب الى حالة الكمال الفريدة، وربما المستحيلة، ولكن المطلوب إيجاد البديل الى اللغة المتعصبة المتشنجة بين النواب، بالاضافة الى القضاء الكلي على حالات العراك، فهي تعطي انطباعا همجيا متخلفا عن البرلمان والشعب معا، نتمنى أن يفهم البرلمانيون أن درجة الارتقاء التي يصلون اليها، تمثل درجة ارتقاء للمجتمع كله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/أيلول/2013 - 24/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م