بورما... عنف مزمن يستهدف المسلمين

 

شبكة النبأ: شهدت بورما فصولا كثيرة من أعمال العنف الدينية التي استهدفت المسلمين بشكل أساسي في هذا البلد المؤلف من أكثرية بوذية والأقلية مسلمة، مما طرح تساؤلات حول الإصلاحات التي تجريها الحكومة التي خلفت المجلس العسكري المنحل قبل عامين تقريبا، حيث تجد البلاد صعوبة في السيطرة على العنف الديني المتزايد الانتشار، وخاصةَ اعمال العنف الطائفية ضد الروهينجيا الأقلية المسلمة المحرومة من الجنسية في بلادها وتعتبر من الشعوب الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم.

حيث تواصل الاضطرابات الدينية اتساعها في عدة مناطق من انحاء البلاد بعدما كانت مكثفة في غرب البلد على نحو خاص، مما يطرح مؤشرات غير مسبوقة بتجدد واتساع الصدامات العرقية بين البوذيين والمسلمين في دولة ميانمار، حيث شكلت اعمال العنف الاخيرة مأساة إنسانية خطيرة، وتمثل احداث الفوضى الاخيرة اختبارا حقيقيا لمدى الرغبة في الإصلاح لدى الحكومة الحالية شبه المدنية، ومدى قدرتها على احتواء التوترات العرقية والدينية التاريخية التي قمعت خلال ما يقرب من نصف قرن من الحكم العسكري الذي انتهى العام الماضي.

ويرى بعصض المراقبين أن هذه الاحداث ألقت الضوء على معاداة خفية للاسلام، فقد كشفت الهجمات ضد المسلمين الذين يشكلون 4% على الاقل من اجمالي عدد السكان، الانقسامات العميقة في بورما التي يدين غالبية سكانها بالبوذية، ما القى بظلاله على الاصلاحات السياسية التي طبقتها البلاد منذ تسلم الحكومة الحالية سدة الحكم.

ومن جانب آخر ايجابي توصلت بورما الى اتفاق سلام مبدئي مع متمردي اقلية الكاشين الاتنية يهدف الى انهاء اخر اكبر الحروب الاهلية التي مزقت البلاد وادت الى نزوح عشرات الاف السكان، حيث القت اعمال العنف الدامية في ولاية كاشين المحاذية للصين، اضافة الى اعمال عنف دينية في اماكن اخرى في بورما، بظلالها على اصلاحات سياسية لقيت ترحيبا واسعا مع خروج بورما من عقود من الحكم العسكري.

في حين عبرت المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها من قمع الذي يستهدف المسلمين في هذا البلد، بسبب تجدد اعمال الهنف والاعمال الفوضوية بالانتقام وارهاب وقتل بعضهم البعض خطرا متزايدا من العنف والاضطرابات فقد تتأثر بشدة عملية التحول للديمقراطية والتنمية، التي لا تزال في مرحلتها الانتقالية، وبالتالي فقدان الاستقرار والسلام في البلاد.

اندلاع اضطرابات دينية جديدة

في سياق متصل قام نحو الف شخص من المعادين للمسلمين باحراق متاجر ومنازل في اضطرابات دينية جديدة في بورما، بحسب ما افاد مسؤولون، واطلقت الشرطة الطلقات التحذيرية ثلاث مرات منفصلة على مثيري الشغب اثناء محاولتهم اضرام النار في الممتلكات ومهاجمة عربات الاطفاء التي كانت تحاول اخماد النيران في قرية في كانبالو في منطقة ساغينغ وسط البلاد، طبقا لبيان لوزارة الاعلام نشرته على موقعها على الانترنت، وجاء في البيان ان "قوات الامن المحلية تدخلت لوقف مجموعة من نحو الف شخص حاولوا اضرام المنار في منزل .. الا ان الوضع خرج عن السيطرة".

واندلعت الاضطرابات بعد اعتقال رجل مسلم للاشتباه بمحاولته اغتصاب امرأة بوذية، بحسب البيان، وتجمع حشد من نحو 150 شخصا وثلاثة رهبان بوذيين عند مركز الشرطة مطالبين بتسليمهم المتهم، الا ان السلطات رفضت ما دفع الحشد الى مهاجمة ممتلكات للمسلمين في المنطقة، وتزايدت اعداد الحشود وعنفها مع مرور الوقت، ولم ترد تقارير عن وقوع اصابات في اعمال العنف الاخيرة، الا ان بيان وزارة الاعلام ذكر ان 20 منزلا على الاقل دمرت اضافة الى اكثر من 12 متجرا وطاحونة ارز.

حرق متعمد لمنازل مسلمين

فيما تشرد مئات الاشخاص في بورما بعدما اقدم حوالى الف من مثيري الشغب المعادين للمسلمين على حرق منازلهم في ما يشكل اخر فصول اعمال العنف الطائفية في هذا البلد الواقع في جنوب شرق آسيا والمؤلف من اكثرية بوذية.

وقال ميينت ناينغ النائب المحلي عن حزب اونغ سان سو تشي "الرابطة الوطنية من اجل الديموقراطية" المعارض، "كانوا يعيشون بسلام منذ سنوات عديدة. وهذه هي المرة الاولى التي يرون فيها اعمال عنف" في منطقة ساغينغ (وسط) التي كانت بمنأى عن الاضطرابات حتى الان.

ووضعت مدرسة في تصرف اللاجئين، من بين معسكرات كثيرة، وعاد الوضع الى "طبيعته"، كما افادت صحيفة "نيو لايت اوف ميانمار" الرسمية، موضحة ان 12 شخصا قد اعتقلوا، وقد وقعت الاضطرابات في ضواحي قرية كنبالو، واندلعت اعمال الشغب بعد اعتقال مسلم مشبوه بمحاولة اغتصاب بوذية في كنبالو، وعندما رفضت الشرطة تسليم الرجل الى الجموع الذين كان بينهم رهبان بوذيون، عمدت الجموع الى التعرض لمنازل ومتاجر يملكها مسلمون في الضواحي. بحسب فرانس برس.

وهذا اول حادث يستهدف مسلمين في منطقة ساغينغ. وفي اذار/مارس، قتل عشرات الاشخاص في منطقة مكتيلا المجاورة في اعمال عنف استهدفت المسلمين، وكتب الراهب البوذي المتطرف ويراتو، المتهم بتأجيج العنف عبر خطاباته القومية والتحريضية ضد الاسلام، تعليقا على ذلك الحادث على صفحته في الفيسبوك، وباستخدامه لفظة "كالار" المسيئة للاشارة الى المسلمين، قال ان اعضاء هذه الطائفة هم مثيرو اعمال الشغب، مضيفا بذلك عاملا جديدا الى الخطاب المعادي للمسلمين والمتفشي في بورمان واسفرت اعمال عنف بين الطوائف في 2012 عن اكثر من 200 قتيل و140 الف مهجر في ولاية راخين التي تسكنها اكثرية من الروهينجيا الذين تعتبرهم الحكومة مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش.

السجناء السياسيين

فقد اعلن مستشار للرئيس البورمي ان بورما قررت اطلاق سراح حوالى سبعين سجينا سياسيا بعد ايام من وعده باطلاق سراح كل هؤلاء المعتقلين قبل نهاية السنة، ووقع رئيس الدولة ثين سين بنفسه امر العفو، كما قال مستشاره هلا مونغ شوي، موضحا ان العدد الاجمالي للمعتقلين السياسيين في سجون البلاد يبلغ نحو مئة، وكان الرئيس البورمي وعد في كلمة في "تشاتام هاوس" مجموعة الابحاث العريقة في لندن بالافراج عن جميع السجناء السياسيين في بلاده قبل نهاية العام. بحسب فرانس برس.

وقال "اضمن لكم انه بحلول نهاية هذه السنة لن يكون هناك سجناء رأي في بورما"، مؤكدا ان بورما "لا تطمح الا الى الانتقال من نصف قرن من الحكم العسكري والاستبدادي الى الديموقراطية".

في غضون ذلك اعلن مصدر في الشرطة ان انفجارا ضعيفا اسفر عن سقوط خمسة جرحى في ماندلاي بعد تجمع ديني احياه كاهن بوذي متشدد يلقي خطبا عنيفة ضد المسلمين، ووقع الانفجار على بعد نحو تسعين مترا من مكان للصلاة في حي سكني في ثاني مدن البلاد، كما قال ضابط في مقر قيادة الشرطة في العاصمة نايبيداو طالبا عدم كشف هويته.

وجرح خمسة اشخاص بينهم طفل وكاهن متدرب وثلاث نساء ورجل، وقال الضابط في الشرطة "لا نعرف بعد طبيعة الانفجار والتحقيق مستمر. لكننا نعتقد انها عبوة يدوية الصنع"، وكان الكاهن ويراثو احتل في تموز/يوليو غلاف مجلة تايم الاميركية بصفته "صورة للارهاب البوذي" بسبب مسؤوليته المفترضة في اعمال العنف الدينية التي اودت بحياة عشرات القتلى في آذار/مارس، واكد الكاهن وقوع الانفجار متهما "الاقلية" التي تحدث عنها مقال المجلة وبالتحديد مسلمي بورما الذين يشكلون 4 بالمئة من السكان. وقررت السلطات منع دخول هذا العدد من المجلة الى البلاد.

فرنسا في بورما

من جهة أخرى دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نظيره البورمي ثين سين الذي استقبل للمرة الاولى في فرنسا في اطار زيارة رسمية، الى مواصلة الاصلاحات والاسراع في الافراج عن السجناء السياسيين، وهذه الزيارة الاولى لرئيس دولة بورما تأتي على خلفية تزايد اعمال العنف التي تستهدف الاقلية المسلمة الروهنجيا، لكن بحسب بيان للاليزيه فان الرئيس الفرنسي "دعا الرئيس ثين سين لمواصلة عملية الانتقال السياسي بحزم وتعميق الاصلاحات الاقتصادية التي بدأها منذ سنتين، واضاف البيان ان هولاند "شدد على ضرورة الافراج سريعا عن جميع سجناء الرأي بدون شروط وان يسلط الضوء كليا على اعمال العنف الطائفية الاخيرة لسوق المسؤولين عنها الى القضاء".

ويحتفظ الجيش في بورما بدور اساسي فيما سلطت اعمال عنف دينية الضوء على مشاعر كره للمسلمين لدى الغالبية البوذية من السكان. ودعا البرلمان الاوروبي الى وضع حد ل"اضطهاد" الروهنجيا مشيرا الى عمليات توقيف وسجن اعتباطي واعمال تعذيب واغتصاب وتدمير ممتلكات او دور عبادة.

وفضلا عن لقاء مع حركة الشركات الفرنسية الرئيسية ميديف زار ثين سين كاتدرائية نوتردام في باريس وبرج ايفل. وسيتوجه الخميس الى فرساي قبل مغادرته فرنسا، وصرح احد مستشاري هولاند ان الهدف من هذه الزيارة التي تجري بعيدا عن الاضواء -ولم يدل خلالها الرئيس البورمي باي تصريحات علنية في باريس- هو "تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي" و"تجنيب رانغون لقاء منفردا مع لندن التي كان لها على الدوام موقفا تجاه بورما مختلفا عن فرنسا". بحسب فرانس برس.

وقد انتقدت زيارة الرئيس البورمي من قبل منظمات غير حكومية عدة بينها منظمة افاز، وهي حركة عالمية على الانترنت، التي شنت حملة لمناصرة الروهنجيا وحذرت في وثيقة نشرتها على الانترنت الاثنين من ان هناك "عوامل مؤشرة" الى احتمال ارتكاب ابادة جماعية بحق الروهنجيا، ولتنبيه الرأي العام قالت افاز انها جمعت اكثر من مليون توقيع على عريضة. كما قامت حركة افاز الاربعاء في ساحة لاريبوبليك الباريسية امام وسائل الاعلام بتنظيم مشهد تمثيلي للقاء بين فرنسوا هولاند وثين سين اذ وضع ناشطان قناعين منتحلين شخصيتي الرئيسين وهما يشربان الشمبانيا امام قبور كرتونية رفع فوقها لافتة تقول "لا تتخلوا عن بورما لتصبح رواندا المقبلة"، ودعت افاز مع منظمات اخرى بينها الاتحاد الدولي لحقوق الانسان هولاند الى "لضغط" على الرئيس البورمي و"عدم السكوت عن وضع حقوق الانسان" في بورما.

اتفاق سلام بين بورما ومتمردي الكاشين

الى ذلك قام ممثلون عن الحكومة والمتمردين الذين التقوا على الاراضي البورمية للمرة الاولى منذ تجدد القتال قبل عامين، بالتوقيع على خطة من سبع نقاط تنص على انهاء الاعمال العدائية في الشمال النائي، وقال المفاوض مين زاو اوو، المدير في "مركز ميانمار للسلام" الممول من الاتحاد الاوروبي والذي شارك في المحادثات التي عقدت في ميتكينيا عاصمة ولاية كاشين "اعتقد اننا توصلنا لاختراق"، واضاف "الاتفاقية تتعلق بوقف القتال في هذه المرحلة وبعد ذلك سيكون هناك نقاشات مفصلة حول اعادة تموضع الجنود"، وبحسب ترجمة رسمية للنص يتعهد الطرفان بالسعي "لمنع التصعيد ووقف الاعمال العدائية".

ووافق الطرفان ايضا على اجراء حوار سياسي، وهو مطلب رئيسي للكاشين الذين طالما اصروا على ان المفاوضات يجب ان تعالج مطالبهم بالمزيد من الحقوق السياسية والحكم الذاتي، واتفق الطرفان على اجراء محادثات بشان اعادة الاهالي الذين نزحوا بسبب القتال وتشكيل فريق مراقبة مشترك، ورحب متحدث رئاسي بالاتفاق ووصفه "بالاخبار السارة حقا". ولم يتسن الاتصال بممثلين عن متمردي "جيش استقلال كاشين" للتعليق. بحسب فرانس برس.

واجرى ممثلون عن "جيش استقلال كاشين" وحكومة الرئيس ثين سين الاصلاحية 3 ايام من المحادثات في ميتكينا. وكانت جولات المحادثات السابقة اجريت على الجانب الاخر من الحدود في الصين، وانضم فيجاي نمبيار المستشار الخاص للامين العام للامم المتحدة بان كي مون للاجتماع للمرة الاولى بصفة مراقب، الى جانب ممثلين عن الصين واقليات اتنية اخرىن وبورما التي يطلق عليها ايضا ميانمار واستقلت عن بريطانيا في 1948، شهدت مناطق منها حربا اهلية، وفيما يعد متمردو "جيش استقلال كاشين" اخر مجموعة رئيسية متمردة توافق على اتفاق سلام مبدئي، لا تزال مناوشات تندلع من وقت لاخر بين الحكومة ومجموعات اخرى.

وكانت حكومة ثين سين وافقت على اتفاقات مبدئية لوقف اطلاق النار مع غالبية مجموعات التمرد الاتنية في اطار اصلاحاتها لكن القتال في ولاية كاشين استمر، واثار قيام الجيش بعمليات قصف جوي ضد "جيش تحرير كاشين" في كانون الاول/ديسمبر الماضي تنديدا دوليا لكن اعمال العنف توقفت منذ ذلك الحين، ومنذ توليه الحكم قبل عامين فاجأ ثين سين حتى منتقديه، بافراجه عن مئات السجناء السياسيين وتخفيفه الرقابة وسماحه لزعيمة المعارضة اونغ سان سو تشي بدخول البرلمان، غير ان التفاؤل الدولي بشان الاصلاحات الواسعة تاثر بالنزاع في كاشين والاشتباكات العديدة بين بوذيين ومسلمين في انحاء البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/آب/2013 - 21/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م