العراق والإرهاب... كابوس يطارد المدنيين

 

شبكة النبأ: يشهد العراق منذ بداية العام هجمات إرهابية عنيفة بشكل شبه يومي أزهق أراوح آلاف المواطنين، وشهد كل شهر من الشهور الأربعة الماضية سقوط عدد أكبر من الضحايا مقارنة بكل الشهور التي سبقته على مدى خمس سنوات.

إذ يعيش العراق اليوم نزاعات وتحديات جديدة تلوح بآفاق أمنية سياسية مضطربة، نتيجة لصراع إثبات الوجود، مما قد يفاقم من هشاشة الدولة، ويعرقل التطور السياسي، خصوصا بعد تصاعدت وتجددت أعمال العنف على نحو مضطرد وخطير خلال الاونة الأخيرة، كما تشكل التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم القاعدة بؤر متجددة للصراع الأمني والأبرز للحكومة العراقية والمؤسسة الأمنية المربكة، حيث تأتي أعمال العنف الاخيرة بعد اسابيع من هجمات واسعة اعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، استهدفت سجونا قرب بغداد ادت الى فرار مئات المسلحين، لتعلن مسؤوليتها أيضا عن موجة التفجيرات الاخيرة، وقد حذر محللون من ان هرب هؤلاء السجناء يمكن ان يؤدي الى زيادة الهجمات لان العديد منهم مرتبطون بتنظيم ما يسمى بـ الدولة الإسلامية في العراق والشام.

في المقابل شنت القوات العراقية عمليات عسكرية متواصلة من خلال حملة اعتقالات وإعدامات منذ عملية الهروب الجماعي وسلسلة الهجمات المنسقة التي هرن البلاد مؤخرا والذي تبنتهما تنظيم القاعدة وتأتي الهجمات غداة تعهد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بمواصلة العمليات العسكرية وضرب حواضن الإرهاب بدون هوادة حتى حماية الشعب من الإرهاب، وقالت وزارة الداخلية إنها لن تسمح لتنظيم القاعدة الذي تحمله المسؤولية عن موجة من العنف الطائفي بتحويل العراق إلى سوريا أخرى.

فقد أشارت معظم التقارير المتخصصة بشؤون الإرهاب إلى أن أغلب هذه الهجمات تدبّرها القاعدة في العراق التي يقودها أبو بكر البغدادي المدرج على لائحة الإرهاب الأميركية والخاضع لعقوبات مجلس الأمن الخاصة بتنظيم القاعدة، وتذكي الهجمات العنيفة الأخيرة عودة لإعمال العنف التي تحمل على التخوف من عودة الصراع الطائفي الذي حصل في 2006-2007، فقد رأى مراقبون بأن هذه الموجة من هجمات الإرهابية زادت من المخاوف بشأن عودة العنف الواسع النطاق، وقد أعتبرها البعض تصفية حسابات أيضاً من ميراث الحرب الأهلية،  في حين يرى بعض المحللين أن الصراع في سوريا أذكى التوترات الطائفية في المنطقة وزاد من نشاط الارهابين في العراق بما في ذلك تنظيم القاعدة، وتجلت مظاهر التدهور الامني في العراق بهروب مئات السجناء وهجمات الاخيرة مما اثار تساؤلات بشأن قدرة الاجهزة الامنية على محاربة القاعدة.

بينما يعتبر محللون آخرون أنه على الرغم من العمليات الواسعة النطاق التي تقوم بها القوات المسلحة وهي الاكبر منذ الانسحاب الاميركي في 2011، إلا أن جذور المشكلة لم تعالج، فلا تزال بلا الرافدين تعاني من مشاكل عديدة على المستويات كافة، أبرزها شيوع الفوضى وانعدام الأمن بسبب انقسام قادتها الجدد وصراع الإرهاب، مما يثير قلق المستثمرين الأجانب ويعكر صفو مستقبل البلاد المنتجة للنفط.

في حين يرى محللون آخرون أن الوضع الامني في العراق متردي جدا لذا فأنه يحتاج الى رؤى والإستراتيجيات رصينة وحديثة تتواءم مع حدة الخطر الإرهابي الموجه للعراق، فضلا عن انتقاء قادة أمنيين وعسكريين ذو كفاءة عالية وأتباع سياسات وآليات تنفيذية متطورة، وأنه ليس من الصعب إصلاح وضع الأمني العراقي إذا ما أحسن استغلال  الموارد البشرية المتخصصة، وغيرها من محركات الامن التي تأثرت بالمرحلة السياسية الراهنة وتحتاج إلى برامج إصلاح جذرية، وعليه فأن الوضع الأمني في العراق مازال من الأزمات المستعصية التي تشكل كابوسا مرعبا يطارد كل العراقيين.

سلسلة أعمال عنف متجددة

في سياق متصل قتل 35 شخصا بينهم 15 مدنيا في العراق كما ذكرت مصادر طبية وعسكرية، فيما تقوم قوات الامن بعمليات واسعة النطاق لانهاء العنف، وقد تعهد رئيس الوزراء نوري المالكي متابعة هذه الحملة، فيما تجاوزت حصيلة اعمال العنف 3500 قتيل منذ بداية 2013، كما يفيد احصاء لوكالة فرانس برس، فيما وصفت وزارة الداخلية العراق بأنه "ساحة قتال"، وفي جنوب العاصمة، انفجرت ست سيارات مفخخة مخلفة سبعة قتلى بينهم شرطي، واسفرت هذه التفجيرات التي استهدفت ثلاثة مواقع مختلفة بينها محطتا حافلات عن 98 جريحا، وانفجرت قنبلة داخل مقهى في قرية بشمال العاصمة ما اسفر عن مقتل خمسة اشخاص واصابة 15 اخرين.

وفي شمال بغداد ايضا، اسفر انفجاران في سوق للماشية وفي مركز للشرطة عن ثلاثة قتلى احدهم شرطي وتسعة جرحى، كما ذكرت مصادر امنية وطبية، كذلك، قتل مسلحون ضابطين في الشرطة ومدنيا في شمال البلاد فيما انفجرت قنبلة ممغنطة وضعت على سيارة موظف جامعي وادت الى مقتله، وقتل 16 متمردا بينهم تسعة في انفجار قنبلة جنوب مدينة كركوك. بحسب فرانس برس.

ومن بين الضحايا الذين يشتبه بانتمائهم الى تنظيم القاعدة، كردي وتركماني، كما ذكر مسؤول امني، وقد وضعت القنبلة على ما يبدو مجموعة "انصار السنة"، ردا على هجوم استهدف بعض مقاتليها، والمتمردون السبعة الاخرون الذين قتلوا، قضوا برصاص قوات الامن في شمال بغداد، واعلن ضابط من جهة اخرى ان 116 متمردا تم اعتقالهم منهم عشرات المقاتلين المنتمين الى القاعدة، ودمرت ايضا آليات لهم ومعسكران للتدريب وموقع لتفخيخ السيارات، وفي جنوب العاصمة، انفجرت ست سيارات مفخخة مخلفة سبعة قتلى بينهم شرطي، واسفرت هذه التفجيرات التي استهدفت ثلاثة مواقع مختلفة بينها محطتا حافلات عن 98 جريحا.

كما قتل سبعة من قوات الامن العراقية في هجومين منفصلين في تكريت وديالى، حسبما افادت مصادر امنية عراقية، واوضح مقدم في شرطة صلاح الدين ان "مسلحين مجهولين هاجموا اربعة من عناصر الشرطة اثناء شرائهم الثلج لزملائهم في ناحية دجلة جنوب تكريت"، وفي ديالى، افادت عقيد في الجيش ان "عبوة ناسفة انفجرت قرب دورية للجيش في قضاء المقدادية" (100 كلم شمال شرق بغداد) ما اسفر عن مقتل ثلاثة من عناصر الدورية بينهم ضابط برتبة ملازم، واصيب اربعة من عناصر الجيش في هجوم مماثل في بلدة الشرقاط 300 كلم شمال بغداد، بحسب ما افادت مصادر امنية واخرى طبية.

الى ذلك، اعلنت وزارة الداخلية مقتل امير تنظيم القاعدة في تكريت في عملية امنية، وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن لفرانس برس ان "قوة من شرطة صلاح الدين تمكنت خلال عملية امنية من قتل امير تنظيم القاعدة في تكريت والقت القبض على اثنين من مساعديه".

إعدام 17 الإرهابي

فيما اعلنت وزارة العدل العراقية في بيان انها نفذت احكاما بالاعدام في 17 محكوما ادينوا بجرائم ارهابية بينهم امرأتان ومصري، وقال وزير العدل العراقي حسن الشمري في البيان ان "الوزارة نفذت حكم الاعدام بحق 17 مداناً بينهم بينهم امرأتان وشخص يحمل الجنسية المصرية"، واشار الوزير العراقي الى ان "16 مدانا صدرت عليهم احكاما وفقا للمادة الرابعة من قانون مكافحة الارهاب لارتكابهم جرائم بحق الشعب العراقي"، موضحا ان المصري "اعدم لادانته بقضية جنائية". بحسب فرانس برس.

واكد الشمري ان "احكام الإعدام تم تنفيذها بحق الإرهابيين مكتسبة للدرجة القطعية ومصادقة رئاسة الجمهورية"، وشدد على ان "الدستور العراقي أوجب على وزارة العدل تنفيذ القصاص العادل بحق القتلة الذين يسفكون دماء الأبرياء"، وهو اول اعلان عن تنفيذ احكام بالاعدام بعد عملية الهروب الجماعي التي نفذها تنظيم القاعدة الشهر الماضي واسفرت عن فرار اكثر من 500 سجين من سجن ابو غريب بينهم عدد من المحكومين بالاعدام.

المتطرفون الشيعة والسنة يهددون استقرار العراق

على الصعيد نفسه حذر وزير الخارجية الاميركي جون كيري من مخاطر تقويض استقرار العراق بواسطة متطرفين سنة وشيعة، وقال كيري لدى استقباله نظيره العراقي هوشيار زيباري ان "العراق يواجه تطورات اقليمية تزداد اضطرابا وعنفا ولا يمكن توقعها. فالمتطرفون السنة والشيعة على جانبي الشرخ الطائفي في المنطقة، قادرون على تهديد استقرار العراق اذا تعذرت السيطرة عليهم"، ودان وزير الخارجية الاميركي "سلسلة الهجمات الوحشية التي تشنها القاعدة على العراقيين الابرياء وخصوصا الاعتداءات المؤسفة بالقنابل على عائلات كانت تحتفل بعيد الفطر". بحسب فرانس برس.

وقال كيري "نعرف ان شبكة القاعدة تتمدد الى خارج حدود العراق"، ملمحا بذلك الى سوريا، وخلال محادثات بين وفدين من البلدين ستجرى في وزارة الخارجية الاميركية، ينوي كيري "مناقشة تدفق الاسلحة الاتية من سوريا الى العراق وتدفق الاسلحة التي تعبر العراق الى سوريا"، وقال كيري "انه معبر في الاتجاهين ومعبر خطر"، داعيا ضيفه الى "احراز تقدم كبير" على هذا الصعيد، وتتهم الولايات المتحدة منذ اشهر العراق بالتغاضي عن طائرات آتية من ايران وتحلق فوق الاراضي العراقية وتشتبه واشنطن في انها تنقل اسلحة الى نظام الرئيس السوري بشار الاسد، واجاب زيباري ان العراق تبنى "موقفا محايدا ومستقلا حيال النزاع السوري". واضاف "اننا نقف على مسافة من طرفي النزاع ولم يقدم العراق اسلحة ولا مالا ولا نفطا الى النظام السوري"، وفي ما يتعلق بالنزاع بين السنة والشيعة، اكد زيباري ان العراق "لا يواجه لا حربا اهلية ولا حربا طائفية"، واضاف "كنا كذلك في 2007 و 2008، ولن نعود اليها ابدا"، ملمحا الى اعمال العنف الدينية في تلك الفترة.

مواصلة العمليات العسكرية

من جهته  تعهد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بمواصلة العمليات العسكرية وضرب "حواضن الارهاب" دون هوادة "حتى حماية الشعب من الارهاب"، وقال المالكي في كلمته الاسبوعية الاولى "صراعنا بين ارهاب يريد اعادة البلد الى مرحلة اقتتال وبين ارادتنا وارادة شعبنا وقواتنا في ضرورة الحفاظ على المكتسبات والديموقراطية واستعادة كرامة الانسان"، واضاف ان "العمليات التي بدأناها في ملاحقة فلول الارهاب ومن يقف خلفهم ستستمر بلا هوادة حتى حماية ابناء شعبنا من كل ادوات القتل والجريمة والارهاب".

وامر رئيس الوزراء بعد عملية الهروب الجماعي من سجن ابو غريب القوات الامنية بشن عملية عسكرية اطلق عليها "ثأر الشهداء" في المناطق الصحراوية في غرب وشمال العراق، وكشف المالكي عن "اعتقال اكثر من 800 مطلوب للقضاء وقتل العشرات في اشتباكات مسلحة معهم"، واشار الى ان القوات الامنية "تمكنت من تدمير كامل لكل البنية التحتية لتصنيع السيارات المفخخة والاستيلاء على كميات كبيرة جدا من الاسلحة المتطورة وادوات التفجير وتهديم مستعمرات ينطلقون منها لقتل الشعب العراقي".

وقال المالكي في كلمته التي نقلها التلفزيون الرسمي "لقد اثبتت العمليات انهم (الارهابيون) جبناء لا يستطيعون مواجهة ابنائكم من الاجهزة الامنية لذلك يهربون لتفخيخ السيارات وتفجيرها في الساحات بين الابرياء". ووجه المالكي كلامه الى بعض الدول العربية والدول المجاورة للعراق قائلا "تحركوا لكسب ود الشعب العراقي، واتركوا سياسة كسب عداوة الشعب العراقي". بحسب فرانس برس.

في غضون ذلك، اعلنت وزارة الداخلية العراقية اعتقال 82 مشتبها بهم بينهم 56 داخل معسكر للتدريب تابع لتنظيم القاعدة في محافظة صلاح الدين، وقال العميد سعد معن المتحدث باسم الوزارة لوكالة فرانس برس ان "قوة من الجيش العراقي اعتقلت 56 ارهابيا لدى اقتحامها معسكر تدريب لتنظيم القاعدة في محافظة صلاح الدين "، واكد ان هذا "المعسكر يعد موقعا مهما لتدريب عناصر القاعدة ودعم الارهاب ". واضاف ان "قوات الامن في اطار عملية +ثأر الشهداء+ اعتقلت كذلك 26 مطلوبا بارتكاب جرائم ارهابية بينهم احد قادة تنظيم القاعدة في محافظة ديالى"، وفككت السلطات العراقية سيارة مفخخة في منطقة الشعلة في شمال بغداد، واخرى في ناحية اللطيفية، الى ذلك، اعلن مسؤول في جهاز مكافحة الارهاب في العراق انه تم اعتقال 12 شخصا يشتبه بضلوعهم في التخطيط لهجوم استهدف سجن ابو غريب.

للقاعدة نصيب الأسد في الهجمات

من جهتها تبنت ما يسمى بـ  تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" التابع للقاعدة موجة الهجمات التي استهدفت بغداد ومناطق عراقية اخرى ، ثالث ايام عيد الاضحى، واوقعت 74 قتيلا ومئات الجرحى، واكد التنظيم ان هذه "الحملة الامنية" نفذتها قوات الحكومة العراقية "ردا على غزوة العشر الأواخر التي كسرت قيود الأسود في سجون المرتدين"، في اشارة الى الهجوم الذي شنته القاعدة على سجني التاجي وابو غريب قرب بغداد في منتصف تموز/يوليو ونجحت في اعقابه في تحرير مئات السجناء وبينهم العديد من كبار المسؤولين في التنظيم المتطرف، وفي المجموع، ادى 16 تفجيرا بسيارات مفخخة او عبوات ناسفة فضلا عن هجمات مسلحة الى سقوط 74 قتيلا و324 جريحا في ثالث ايام عيد الفطر بعد شهر رمضان الذي كان الاكثر دموية منذ سنوات. بحسب فرانس برس.

منفذو التفجيرات هم أعداء الإسلام

الى ذلك أدانت الخارجية الأميركية بشدّة سلسلة الهجمات التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد مخلّفة عشرات القتلى وأكثر من 100 جريح ووصفت منفذيها بأعداء الإسلام، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر بساكي في بيان أمس إن "الولايات المتحدة تدين بأشد العبارات الهجمات الجبانة اليوم في بغداد. إن هذه الهجمات استهدفت عائلات تحتفل بعيد الفطر.. والإرهابيون الذين نفذوا هذه اللإعمال هم أعداء الإسلام وأعداء مشتركون بين الولايات المتحدة والعراق والمجتمع الدولي".

وقالت المتحدثة الأميركية إن البغدادي المعروف أيضاً بأبي دعاء، موجود حالياً في سورية وغيّر اسم القاعدة في العراق إلى الدولية الإسلامية في العراق والشام، وذكرت أن الولايات المتحدة قد خصصت 10 ملايين دولار كمكافأة لمن يقدّم معلومات تساعد السلطات على قتل أو اعتقال البغدادي، وهذه المكافأة هي الثانية من نوعها بعد التي عرضت لقاء معلومات عن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. بحسب يونايتد برس.

وقالت إن هذا "يشير إلى التزامنا المتواصل بمساعدة شركائنا في المنطقة على طرد هذا التهديد من أراضيهم"، مؤكدة التزام واشنطن واستعدادها للعمل بشكل وثيق مع الحكومة العراقية لمواجهة تهديد القاعدة في العراق ومجموعات "إرهابية" أخرى، وذكرت أن الولايات المتحدة تتطلع إلى مناقشة التعاون في هذا الشأن وشؤون أخرى وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجية بين البلدين، خلال الزيارة المقبلة لوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الأسبوع المقبل إلى واشنطن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آب/2013 - 16/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م