قدرات العقل والبناء المجتمعي

مئة كلمة وكلمة في قواعد الحياة

 

شبكة النبأ: توجد في كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين، الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، قواعد للفكر والسلوك، يمكنها، فيما لو التجأ إليها الفرد والمجتمع، أن تفتح مسارات صحيحة لهذا البناء، شريطة الالتزام بالتطبيق بعد الايمان بها، وهي من نوادر الحكم وجواهر الكلم، وكلنا نتفق على ان الانسان يحتاج الى قواعد صحيحة للبناء، لكي يبني حياته بالصورة الصحيحة، وطالما ان المجتمع يتكون من مجموع الافراد وتقاربهم مع بعض، فإن المجتمع برمته يحتاج الى تلك القواعد السليمة حتى يبني عليها حياته، وهذه القواعد موجودة في نهج البلاغة، إذ تهدف سلسة مقالات (مئة كلمة وكلمة)، أن تصل الى قواعد تساعد الانسان على البناء السليم، لاسيما اننا نعيش في عالم محتقن، تحكمه ضوابط ومصالح وأخلاقيات مادية بحتة.

هناك قول معروف يتداوله الناس في مجالسهم واحاديثهم يثمن دور العقل في الحياة، فيُقال أن (العقل زينة الرجال)، ولكن في واقع الحال أن العقل ليس زينة للرجال فقط، وانما وسيلة بنّاءة وأساسية لبناء المجتمع الأفضل، لهذا أكد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، على القدرات الهائلة التي ينطوي عليها العقل، والتي بمقدورها نقل الانسان من واقع الجهل والتخلف والعجز، الى آفاق حياتية عملية فكرية واسعة ومتنورة، تتيح له المشاركة في بناء المجتمع المعاصر، القادر على مواكبة عالم اليوم الذي يضج بالتطورات والابتكارات والاكتشافات الجديدة المذهلة على مدار الساعة.

ومثلما تشترك عدة عناصر في انتاج مادة معينة، فإن العقل يحتاج ايضا الى عناصر داعمة له، تقف معه وتدعمه لتحقيق افضل النتائج المتوخاة في الانتاج الفكري او المادي، وكثيرة تلك العناصر والقيم الداعمة للعقل، والتي تعضّد دوره المهم والاساسي في البناء المجتمعي، من هذه العناصر (التدبير والتقوى والخلق والادب)، وما شابه من قيم تدعم العقل وترسّخ التخطيط السليم لتطويل المجتمع ونقله الى مرتبة افضل.

العقل رصيد الانسان

لا شك أن الامتاز التكوين الاهم بالنسبة للانسان وتفوقه على للمخلوقات كافة، هو العقل كونه ساعد الانسان على التدبير الافضل والتفوق الدائم على الكائنات الاخرى، التي لا تملك هذا التميز، وقد ادرك الانسان مبكرا من خلال المفكرين والفلاسفة والمصلحين، ان الاستخدام الامثل للعقل هو السبيل الاوحد لبناء المجتمع الافضل، ولا سبيل للانسان سوى العقل اذا اراد ان يبني مجتمعا مدنيا معاصرا، يقترب من مدنية المجتمعات المتطورة التي تمكنت من خلال العقل، الوصول الى أعلى المراتب في التحضّر، فضلا عن جعل الحياة اكثر رفاهية، واكثر سهولة للانسان والكائنات كافة.

لقد قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في (نهج البلاغة): (لَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ)، وهذا دليل قاطع على ان الاستخدام الصحيح للعقل يعد بمثابة الحصول على الاموال اللازمة لدعم الحياة بما هو افضل دائما، وفي نهج البلاغة لامير المؤمنين عليه السلام، هناك تركيز على العناصر التيي تدعم العقل، وتسهّل مهمته وتضاعف من قدراته لبناء المجتمع بصورة اكثر ارتقاءا وتطورا، ومن هذه العناصر المهمة الداعمة للعقل، التدبير إذ يرد في نص نهج البلاغة قول الامام عليه السلام في هذا الجانب: (لا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ)، وهكذا يصبح التدبير مرادفا للعقل، بمعنى ان العقل المدبّر هو افضل العقول واكثرها قدرة على استثمار الطاقات البشرية وتوظيفها كليا في خدمة الانسان، والمجتمع البشري بصورة عامة.

ولم يكن العقل غائباً عن ساحة الافكار فمساهماته كثيرة واستدلالاته واسعة وهو فعّال في كافة المجالات فهو يلعب دور الحاكمية الا ان هناك فئة من الناس قاموا باستبداله بأدوات تقوم بدور الحاكم والكاشف، والاتجاه الحسي التجريبي في الغرب والاتجاه الاخباري في الشرق كلاهما استبدلا العقل وأخروه عن مرتبته.

مزايا العقل وتوابعه

لذلك عد العقل رصيد الانسان الذي يدفعه الى الامام نحو سلم الارتقاء، في الفكر والسلوك لكي تتطور الرؤى والافكار والمبتكرات، ثم تحولها الى أطر عملية تصب في خدمة الانسان دائما وأبدا.

ومن الامور المهمة التي يؤكد عليها المصلحون دائما، قضية او ملَكَة التقوى، وقدرتها على دعم العقل، وبالمقابل قدرة العقل على توظيف التقوى لتحقيق ما هو اسمى وأهم وأكمل في البناء المجتمع، كذلك هناك توابع كرة ساندة للعقل، لتجعل منه طاقة مخططة ومنفذة في آن واحد.

لذلك يرد في أقوال الامام علي عليه السلام في مزايا  العقل ما يلي: على قدر العقل يكون الدين، بالعقل يستخرج نور الحكمة، بالعقل صلاح كل أمر، بالعقل صلاح البرية، بالعقول تنال ذروة العلوم، غاية الفضائل العقل، ثمرة العقل الاستقامة، حسن العقل جمال البواطن والظواهر، ظن العاقل أصح من يقين الجاهل، أفضل العقل الأدب، أفضل النعم العقل، أفضل العقل الرشاد، أسعد الناس العاقل، العقل أقوى أساس، العقل شرف كريم لا يبلى، العقل أصل العلم وداعية الفهم، العقل صديق محمود، أعقل الناس من أطاع العقلاء، أعقل الناس أشدهم  مداراة للناس.

وبهذه المزايا الكبيرة والمتعددة الوظائف للعقل، تمكن الانسان من تطويع الطبيعة، وتطوير الحياة البشرية الى مراتب راقية جدا، تم فيها استثمار العقل دائما لصالح البناء المجتمعي الافضل، وهذا يدل على ان القيمة العقلية تتمثل في استخدام الانسان لعقله بصورة سليمة قادرة على الاسهام في تطوير حياته، ونقلها من حال أسوأ الى الحال الافضل على الدوام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آب/2013 - 14/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م