سقوط الحضارات... الاخلاق اولا

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما يحدث في مصر او تونس او ليبيا او سوريا وما يحدث في العراق ولبنان ايضا دائما ما نراه يتخفى خلف قناع الدين، وهو هنا الاسلام تحديدا.. فعزل الرئيس المصري محمد مرسي يعتبر انقلابا ومصادرة للاسلام، وما يحدث في تونس هو صراع بين الاسلام واعدائه، وفي ليبيا هو صراع بين المتنورين والظلاميين، وفي سوريا تعددت العناوين بتعدد نسيجها الاجتماعي والديني، ولا احد يستطيع التنبؤ الى ماذا تؤول اليه الاحداث في مستقبل الايام السورية او المصرية او غيرها من بلداننا.

اقحام الدين في السياسة ليست ظاهرة جديدة، بل هي تتكرر في كل زمان ومكان، ردا على تحديات تفرضها السياسة او الاقتصاد او الثقافة مع تسارع الزمن وتطوره في تلك البلدان.. وكثيرا ما ارجعت حركات الاسلام السياسي او المتطرفين من المسلمين ما يحدث في بلدانهم هو مؤامرة عالمية كبرى لمنع نهوض المسلمين واعادة حضارتهم.

هل ما يقوله المسلمون حقيقة واقعة ام هي مجرد تبريرات واعذار لمداراة حجم الفشل والسقوط والانحدار في جميع الميادين، وهل تكفي الاسباب الخارجية وحدها لتبرير هذا السقوط؟

في احدث نوع من هذا القبيل ما قاله العالم البريطاني ريتشارد دوكينز في تغريدة له أثارت موجة من الجدل قال (إن المسلمين حصلوا على جوائز نوبل أقل من التي حصل عليها خريجو كلية ترينتي، وإن إسهامات المسلمين العلمية توقفت منذ العصور الوسطى).

ولم تمر تلك التغريدة مرورا عابرا بل انبرى لها اكثر من معلق يشجب مثل هذا الكلام، بالطريقة التبريرية المعتادة، واعتبرتها صحيفة الغارديان البريطانية تغريدة عنصرية، والعنصرية في تعريفها لا تشمل الدين فقط، كما فهم المعلقون على تلك التغريدة من المسلمين.

في خضم التعليقات وردود الافعال لم يطرح السؤال الجوهري لم توقفت اسهامات المسلمين في الحضارة الانسانية وانساق المسلمون وراء دعوات العنف والارهاب حتى وصم الاسلام بذلك نتيجة تلك الافعال والسلوكيات؟

انها باختصار اجابة بسيطة، وهي موت الامم او موت الحضارات التي كتب عنها الكثير من المؤرخين والباحثين وهم يدرسون اسباب سقوط الدول والحضارات واندثارها بعد ان سادت فترات زمنية طويلة قدمت فيها الكثير من العطاء للانسانية ثم توقفت عن ذلك العطاء..

وكثيرا ما اكد اولئك الباحثون ان انهيار الاخلاق والقيم الروحية هو على سلم الاسباب الرئيسية للانهيارات التي شهدتها تلك الحضارات والدول.. ولعل سقوط الحضارة الاسلامية وتوقفها عن العطاء منذ الفترة التي اشار اليها العالم البريطاني، والانهيارات الجديدة في المجتمعات الاسلامية هو بالدرجة الاساس يعود الى انهيار الاخلاق والقيم الروحية التي جاء بها الاسلام وانتشر بواسطتها ثم تنكب المسلمون عن الطريق القويم ولجؤوا الى (اسلامات) شتى حسب اهوائهم، لا تجد فيها اي ملمح اسلامي اصيل من تسامح او محبة او عفو او احترام للاخر.

يعتبر ابن خلدون أن الامم تموت كما يموت الانسان، أي تولد، ويقوى عودها وتشتد، وتهرم، ثم تموت وتنتهي. وقد قدم تصورا متكاملا لمراحل تطور الدول من قيامها حتى موتها. هذا التصور يقوم على ان الدول تمر بخمسة اطوار :

الطور الاول: طور القيام والنشأة.

والطور الثاني: هو ما يسميه طور الاستبداد والاستئثار بالسلطة والسلطان.

والطور الثالث: طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك.

والطور الرابع: طور الخنوع والمسالمة والتقليد للسابقين بحيث (يقول الانسان ان ما كان عليه آباؤه واجداده هو السليم).

والطور الخامس: هو الاسراف والتبذير واصطناع قرناء السوء وابعاد الصالحين الناصحين.

ثم جاء بعده البريطاني ارنولد توينبي في نظريته شديدة التركيز حول مقولة (التحدي والاستجابة). ومفاد تلك النظرية إن الحضارات تقوم وتصعد استجابة لتحديات محددة سواء كانت هذه التحديات مادية او اجتماعية. وفي تحليله ان الحضارة عندما تصل الى مرحلة تعجز فيها عن الاستجابة للتحديات التي تجابهها، فانها تدخل في مرحلة الانهيار. فحينما تعجز الدولة عن الاستجابة للتحديات وتفقد قوتها الاخلاقية والقيمية والروحية، فإنها ستنهار وتموت ماديا او معنويا والتي يسميها توينبي (شرخ في الروح الذي يقود الى موت القدرة الروحية والاخلاقية على الابداع والتجديد ومجابهة التحديات).

فالامم والحضارات تموت اساسا بسبب عوامل داخلية. وفي القلب من هذه العوامل الداخلية انهيار القيم والقوة الاخلاقية. ولقد لخص هو بنفسه القضية برمتها في عبارة بليغة حقا عندما قال: (الحضارات لا تموت قتلا، وانما تموت انتحارا).

وقد طابق المؤرخ الامريكي ويل ديورانت،توينبي في دراسته لاسباب سقوط الحضارات والامم وقد لخص ديورانت ملامح نظريته في مقال شهير له عنوانه (ما هي الحضارة؟).

 يرى ديورانت أن مقومات الحضارة تقوم على اساس :

1- وجود نظام سياسي.

2- وجود شكل من اشكال الوحدة في اللغة كي تكون وسيلة اتصال وتفاعل عقلي وثقافي.

3- لا بد من وجود معايير قيمية واخلاقية متعارف ومتفق عليها كي تكون موجها وهاديا وحافزا.

4- وجود دين او عقيدة اساسية حاكمة.

5- وجود نظام تعليمي ينقل القيم والثقافة الى الاجيال الجديدة. وفي رأي ديورانت، فان اختفاء او انهيار بعض هذه المقومات، واحيانا انهيار واحد منها فقط يمكن ان يدمر الحضارة ويقود الى انهيارها.

وفي كتابات اخرى كثيرة، يضع ديورانت الانهيار الاخلاقي والديني والاخلاقي في مقدمة عوامل سقوط الحضارة. يقول: (الحضارات العظيمة لا تنهزم الا عندما تدمر نفسها من داخلها). والاسباب الاساسية لانهيار روما مثلا والحضارة الرومانية تكمن في شعبها واخلاقياته، وصراع فئاته وطبقاته، والاستبداد الذي عرفته.

وقد حدد ادوارد جيبون، في كتابه إنهيار وسقوط الامبراطورية الرومانية بدوره خمسة اسباب تفسر في رأيه انهيار وموت الامم، هذه الاسباب هي:

1- انهيار مكانة وقدسية البيت والاسرة باعتبار انها هي اساس المجتمع الانساني.

2- فرض الضرائب المرتفعة، وانفاق المال العام على الكماليات والامور المظهرية.

3- ما يسميه تحول المتعة الى اشكال من الجنون. مثال ذلك ان تصبح الرياضة عاما بعد عام اكثر عنفا ووحشية.

4- انهيار المسئولية الفردية، أي احساس الفرد بمسئوليته تجاه المجتمع.

5- انهيار مكانة الدين في المجتمع، وكقوة مرشدة وموجهة وهادية لأبناء المجتمع تفكيرا وقيما وسلوكا.

وكتب لورد ماكولاي، مؤرخ وكاتب انجليزي عاش في القرن التاسع عشر حول إنهيار وموت الامم، فالامم تمر بمراحل متعددة منها:

1- من العبودية الى الايمان الروحي.

2- من الايمان الى البسالة والشجاعة الفائقة.

3- من الشجاعة الى الحرية.

4- من الحرية الى الوفرة.

5- من الوفرة الى الاستكانة والرضا الفائق عن النفس.

6- من الاستكانة الى الانانية المفرطة.

7- من الانانية الى الاستهتار واللامبالاة.

8- من الاستهتار الى التبعية.

9- من التبعية الى العبودية مجددا.

في بحث للدكتور عباس العبودي تحت عنوان (موت الامم، دراسة في اسباب موت الامم من خلال القران الكريم)

يذكر عددا من العوامل الاساسية التي تؤدي الى هلاك الامم هي:

1- الانحراف عن الصراط ونسيان الله سبحانه وتعالى.

2- الاختلاف والتشتيت وتصدع جدار وحدتها.

3- قطع الروابط الاسرية وتواصل الارحام.

4- غياب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

5- سكوت العلماء عن دورهم ومسؤوليتهم وترك الحكام المستبدين يظلمون ويبررون لظلمهم.

6- تولي السفهاء من الأنصار والذرية والأتباع لمؤسسات الدولة وترك اصحاب الوعي والكفاءة بعيدين عن تحمل المسؤولية.

7- الفساد الاجتماعي والاداري والاقتصادي والسياسي.

8- الوهن الحضاري للامم.

9- الثقافة الجاهلية.

10- الفساد الاجتماعي ومحاصرة اهل الحق، حينما يمارس الفساد في المجتمع وتكون مفاهيم الباطل هي الحاكمة. والفساد قد يتخذ اتجاهات متعدد منها الفساد الاجتماعي ومنها الفساد الاقتصادي ومنها الفساد الاعلامي ومنها الفساد على كل المستويات الاجتماعية والسعي الى مسخ الشخصية الانسانية حتى تتحول الى شخصية ميتة حتى وان كانت حية بيولوجيا وكما عبر عنهم امير المؤمنين (ع) أنهم أموات الاحياء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/آب/2013 - 11/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م