تونس... ملاذ التكفيريّين وقاعدة الإرهاب الأسود؟

مصطفى قطبي

 

كيف تحوّل ربيع تونس على يد السلطات الجديدة، إلى ربيع مسموم: فوضى وتمرد ودعوات إلى القتل والاقتتال وفتنة طائفية وإسقاط رموز الدولة الوطنية؟ وربما الأصح أن نسأل: كيف حوّلت السلطات الإخوانية الغنوشية ربيع تونس إلى ربيع مسموم؟ وهل من أجل ذلك قامت الثورة في تونس؟ وهل أحرق ''بوعزيزي'' نفسه ليصل ''الغنوشي'' وإسلاميوه إلى السلطة؟

لقد تحوّل ربيع تونس على يدي حزب النهضة الاخواني إلى ربيع إخواني سلفي أفغاني ترهيبي، كل واحد فيه ينصّب نفسه قاضياً، ويقيم محكمته الخاصة ليجيز القتل والحرق وبتر الأعضاء وإصدار الفتاوى وإعلان ''الجهاد'' لإقامة الإمارات الإسلامية في طول البلاد وعرضها.

ففي تونس الخضراء، تونس الشعب المنفتح على الحضارة العربية والإنسانية، لم يرضَ أن يتقوقع وينكفىء في ظلّ نظام أخواني/ سلفي يضيّق الحريات، ويقيّد المفكرين والمثقفين، ويمنع الانفتاح والتجديد في مظاهر الحياة الشخصيّة والاجتماعيّة. لذلك تتالى المظاهرات اليوميّة المطالبة برفع سلطة المرشد ''الغنوشي'' عن الحكم وإبعاد الدين عن السياسة، والتخلص ممّا يسمى الإسلام السياسي، وجعل الشعب يقرّر مصيره وحكمه في إطار النظام السياسي/الديمقراطي المنفتح على الآخر، بما يسهم في تقدّم المجتمع وازدهاره.‏

فحركة النهضة الإخوانية لم تقدم خلال الفترة الانتقالية غير خيبة الآمال وركود اقتصادي وتعثر النمو والتنمية واغتيال شخصيتين سياسيتين يساريتين معروفتين في تونس، هما ''شكري بلعيد'' (في 6 شباط/ فبراير الماضي) و''محمد البراهمي'' (في 25 تموز/ يوليو الماضي) وعدد من الجنود في مواجهات مع حلفاء قوى في السلطة من القوى اليمينية المتطرفة، ووصول ضربات قوى الإرهاب داخل العاصمة التونسية.

الاغتيال السياسي في تونس، مثل نقطة تحول في مسار الثورة التونسية التي تعيش اليوم مرحلة الإجهاض بسبب خيبات الأمل المتلاحقة لدى التونسيين بسبب السياسة اللاعقلانية لحركة النهضة الأخوانية التي تحالفت مع الجماعات السلفية التكفيرية، وأنشأت ميليشيات تمارس القتل والإرهاب بإسم ''رابطات حماية الثورة''، لكي تمارس الحكم على طريقة النظام الديكتاتوري السابق، وتصادر ثورة الشعب التونسي من خلال أساليب غير ديمقراطية استهدفت قادة الأحزاب السياسية المنافسة، وبعض الإعلاميين، والأساتذة الجامعيين، ورموز الحركة النسائية ذات الحضور العريق والفاعل في المجتمع التونسي.

والأمر المهم الذي يعرفه الجميع هو أنه إذا كانت حادثة الاغتيال السياسي غريبة على الشعب التونسي، وسابقة في تاريخ تونس، فإن الجميع يعلمون أيضاً أنها ليست غريبة أو جديدة بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين. والعرب في كل بلدانهم يتذكرون كيف حاولت حركة الإخوان المسلمين في مصر اغتيال الزعيم الراحل ''جمال عبد الناصر''، إذ إن نزعة القتل والتصفية الجسدية عن طريق الاغتيال متأصلة في نهج واستراتيجية الإخوان المسلمين منذ تأسيس حركتهم، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، ولا مجال لسرد البعض منها في مثل هذه العجالة من البحث.

فحركة النهضة الإخوانية التي تقود حكومة الترويكا منذ نهاية عام 2012، ليست لديها رؤية واضحة بشأن قيادة المرحلة الانتقالية الصعبة، باعتبارها مرحلة يعيش من خلالها المجتمع والدولة على وتيرتين متناقضتين: وتيرة التفكك وأزمة السلطة والقطيعة من ناحية، تقابلها وتيرة إعادة البناء، وضرورة تنصيب السلطة، ووجوب التواصل الذي لا بد منه حتى لا تعم الفوضى ويحتد التفكك من ناحية أخرى... وفضلاً عن ذلك، فقد ذهبت حركة النهضة في ممارساتها لسياسة التفرد بالسلطة، إلى ما هو أبعد، وأسوأ، من ذلك، حين حولت حكومة الترويكا إلى جهاز حكومي يعمل تحت سلطة حركة النهضة، ومجلس شورى النهضة هو من يُسير الأمور.

وحين تحالفت حركة النهضة أيضاً مع الجماعات السلفية الجهادية التكفيرية، التي قامت بعمليات تخريب واعتداءات وجرائم لم تنقطع، ليس آخرها اغتيال الشهيدين القائدين ''شكري بلعيد ومحمد البراهمي''، وحين أقدمت حركة النهضة على تشكيل ميليشيا قمعية خاصة بها، تحت مسمى ''رابطات حماية الثورة''، لكي تستغلها في حماية سلطة النهضة الفعلية، وقمع المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية، بل، وكل مخالف لقوى الإسلام السياسي، إذ قامت عناصر هذه الميليشيا بحرق مقرات أحزاب معارضة، والاعتداء على إعلاميين ومحطات إعلامية ومقرات نقابية، منها مقر الاتحاد العام للشغل، في يوم إحياء ذكرى استشهاد مؤسسه، ''فرحات حشاد''.

كما رفضت حركة النهضة التعاون مع أحزاب المعارضة، رغم يقينها المطلق بأنه لا يوجد حزب قادر بمفرده على تسيير شؤون البلاد، مهما بلغت درجة ثوريته، وشعبيته، ولاسيما عندما تكون طبيعة المرحلة الانتقالية تقتضي تحقيق أوسع تحالف سياسي وفاقي.

فحزب النهضة الاخواني لم يستوعب جوهر الثورة وقيمتها، لقد أضفى قراءاته الأيديولوجية على حدود الفقراء المهمشين، فحاد بالثورة عن مسارها الحقيقي، والتجاذبات السياسية التي يشهدها المشهد السياسي العام هو أحد الإفرازات المكشوفة. فحزب ''الغنوشي'' الاخواني لم يجتهد لا قولاً ولا فعلاً لمحاصرة هذا التجاذب الذي بدأ يتوسع ويتطور إلى معتقدات الناس ونمط عيشهم، يحدث هذا بإسم الثورة.

ففي مرحلة ما بعد الثورة، وتحديداً منذ أن استلم حزب النهضة الاخواني السلطة، تزايدت العلامات التي تظهر ''أخونة'' المجتمع التونسي، ومنها سيطرة المجموعات السلفية على مئات المساجد في كامل تراب الجمهورية، من خلال تنصيب أئمة يدينون بالولاء للسلفيين، الذين بدأوا يمارسون العنف ضد المجتمع المدني، تجلى ذلك في الاعتداءات العنيفة المتكررة على أساتذة جامعيين ومثقفين معروفين بانتماءاتهم الأيديولوجية العلمانية والليبرالية، والقيام بالغزوات ''المقدسة''.

لقد طفت أخبار المجموعات السلفية على سطح المشهد السياسي التونسي، وعادت مظاهر العنف و الفوضى والغزوات ''المقدسة'' ضد قطاعات واسعة من التونسيين، وأصبح لافتاً تنامي سريع ومريب لسطوة التيارات السلفية الوهابية التكفيرية التي لم تتردد في أكثر من مناسبة بالتهديد بـ''حرب دينية، من أجل تطبيق شرع الله وبناء ''دولة الخلافة الراشدة'' و''رفض مدنية الدولة'' و''النظام الجمهوري العلماني الكافر''.

ويبدو واضحاً أن هؤلاء يرومون إلى سيطرة حزبهم على أجهزة الدولة وأخونتها وصولا لتأسيس دولة دينية تنأى بنفسها عن كل شكل من أشكال الديمقراطية ليكون شعارها: العنف في حل الأمور السياسية أو معالجتها، وليس على الإطلاق إشاعة العدل والقانون واحترام آراء الآخرين وعدم استخدام العنف لفض المشاكل وسوء التفاهم بين المتحاورين وأصحاب السلطة عموماً... وليتوالى على هذا النحو وبشكل مؤكد مسلسل العنف والعنف المضاد الذي سيدفع حتماً بتونس وطناً وحكومة وشعباً إلى لجة الهاوية. ‏

لقد تغيرت الخارطة في تونس، ورسمت عكس ما يتمنى الثوريون وأصحاب الآمال العريضة بالديمقراطية والإنجازات والحضارة، عاد هؤلاء إلى بداية الطريق، إلى الشوارع أملاً بأن تنصفهم كما فعلت سابقاً، لا يرغبون بالانزلاق نحو مصير مشابه لما حدث لبعض جيرانهم الأفارقة ممن يشتركون معهم بالمصير. ينشد الثوريون في تونس نشيد ظلم أقسى وأشد بعد أن سلبت مقدراتهم الفكرية منهم، يرفضون التنحي خدمة للمتأسلمين والسلفيين التكفيريين الجدد، يرفضون إخلاء الساحات والإيحاء بأن شيئاً لم يحدث في تونس بعد الثورة، ربما كانت ثورة مزيفة أو الأصح أنها ثورة زيفها من جلس على عرش الحكم اليوم، لكنه لن يستطيع خداع التونسيين أكثر.

''أخونة'' المجتمع التونسي اتخذت طابعاً عنيفاً واضحاً من جانب المجموعات السلفية، التي استفادت من التواطؤ المكشوف من قبل حزب النهضة الاخواني الموجود في السلطة، الذي يحتوي في داخله تياراً سلفياً متشدداً.

فمن يرعى حرب السلفيين التكفيريين في تونس؟ هل هو حزب النهضة، أم جهات خارجية أصبحت لاعباً أساسياَ في دول ما يسمى ''الربيع العربي'' أم القاعدة التي دعا زعيمها ''أيمن الظواهري'' سلفيي تونس إلى الدفاع عن الشريعة الإسلامية ...؟

بغضّ النظر عن الراعي وعن صدق الدعوات وصحة المعلومات، فإن هذه الحرب تتسع كل يوم، تمتد إلى مناطق تونسية جديدة لفرض هيمنة المدّ السلفي الوهابي التكفيري الساعي إلى تغيير الواقع من خلال خلق الأزمات والقيام بأعمال عنف وتخريب في محاولة من السلفيين لتفصيل تونس جديدة تكون على مقاس شريعتهم ودينهم الخاص، وخاضعة لمنطقهم المتطرف. فالسلفيون الذين كانوا تياراً متوارياً لا حسّ لهم ولا خبر طيلة فترة حكم ''زين العابدين بن علي''، والذين نأوا بأنفسهم عن الثورة وعن الخوض في غمارها، وحافظوا على موقع المتفرج والمترقب لما ستؤول إليه الأمور، يستغلون اليوم مفرزات هذه الثورة بدءاً من الحريات وانتهاء بالفوضى وعدم الاستقرار، أي يحاولون فرض نمط عيش معين على المجتمع يتلاءم وشريعتهم الخاصة.

ويبقى السؤال المطروح دائماً:

لماذا يتجرأ السلفيون على رفع وتيرة العنف في البلاد؟ وكيف انقلبوا فجأة من تيار تحت السطح إلى مشكلة حقيقية وأزمة تضرب في عرض البلاد وطولها؟ وكيف أصبح السلفيون مصدر إرهاب؟ ولماذا تسكت هذه الحكومة عن تجاوزاتهم وتحدّ من ممارساتهم الاستفزازية؟ رغم أنها وصفتهم بأنهم مصدر إرهاب؟

كل ما سبق، أسئلة لا تفضي إلا إلى نتيجة واحدة، وهي أن السلفيين يتسلحون بتواطؤ من حكومة ''النهضة الإخوانية'' لفعل كل ما يقومون به، وإلا لماذا هذا الصمت المطبق من جانب مسؤولي الحكومة الذين لم يكلف أحدهم نفسه ليقول شيئاً أو يتخذ موقفاً مطمئناً للشعب سوى وصف هذه الأعمال بالإرهابية كنوع من الترويج الإعلامي ليس إلا.

يتوسل السلفيون على اختلاف ألوانهم ومشاربهم في تونس العنف، لكن النموذج المجتمعي الذي يدعون إليه خطير. فرؤيتهم إلى المجتمع ضيقة الأفق، وهي ثمرة مشكلة مزدوجة مع الماضي والحداثة على حد سواء، ويُخشى أن تفضي إلى فتنة وحرب أهلية.‏ فهناك ارتباطً عضوي تنظيمي ولوجستي ومالي بين التيار السلفي المتشدد في تونس، وبين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والإسلاميين المتشددين في ليبيا، حيث يتدرب الشباب التونسي المتطرف في معسكرات بليبيا، ويحاول إنشاء معسكرات تدريب في تونس وفي صالات الرياضة.‏ ويؤكد المختصون في دراسة جماعات الإسلام السياسي، أن ''راشد الغنوشي'' هو نفسه ''سلفي الفكر والعقيدة والمنهج'' وهو ''يحاول استغلال مساحات الحرية التي تعيشها تونس بعد الثورة لـ ''إقناع التونسيين بأن النهضة حزب سياسي في خطابه العلني، وبالمقابل ينتهج خطاب عقائدي لا فرق بينه وبين خطاب أمراء السلفية الجهادية''.

أما ''عمر عاشور''، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز ''بروكنجز''، فيقول: إنه يعتقد أن المصاعب التي تواجه الإخوان وحلفائها في شمال أفريقيا تعكس مشكلة أكبر لعملية التحول الديمقراطي، حيث أن الفائزين بالانتخابات لم يكونوا قادرين على احتواء القوة المعارضة لهم، ولم يكونوا قادرين على الحكم، فبإمكان الأحزاب الإسلامية أن تفوز، لكنها ستجد صعوبة في الحكم. وجزء كبير من ذلك يتعلق بأهمية السلطة، وهذا ما حصل مع وصول الإخوان إلى الحكم في تونس.

فالتونسيون باتوا يتحدثون بصورة أكبر عن حرب أهلية يجاهر السلفيون بسعيهم إليها، بينما السلطات القائمة لا تحرك ساكناً، لا فعلاً ولا قولاً. والمنطق السياسي السليم يقول إن فرض الدولة الرقابة على الجوامع والمساجد واجب. ولا يجوز أن يكون هناك تباين بين استراتيجية الحكومة واستراتيجية حزب النهضة الأخواني. فالحزب يشن حرباً ثقافية ضد النهج العلماني للدولة التونسية من خلال إفساحه في المجال لدعاة السلفية الوهابية لكي يسرحوا و يجولوا في تونس كما يحلو لهم من دون التعرض للمواجهة والملاحقة القانونية، علماً أن المجتمع التونسي منفتح وينبذ العنف ويلفظه.‏

هذه تونس، تونس المسمومة. لقد تلاشت الآمال وانتهت ''الثورة'' في تونس إلى مجرد رقابة صارمة وتعصب متنام وبطالة...

الإسلام السياسي يعدّ تاريخياً فاشلاً في إدارة الاقتصاد، لأنه لا يمتلك أي مشروع للتنمية، ففي عهده تراجع الاقتصاد التونسي بشكل مخيف، إذ زادت معدلات التضخم والبطالة وارتفعت الأسعار بمستوى غير مسبوق، في مقابل ارتفاع نسبة من وقعوا تحت خط الفقر، وتدني قدرة الدولة على تقديم الخدمات للمواطنين، بينما استمرت حركة النهضة في معالجة هذا الأمر بالطريقة التي ألفها الإسلاميون طوال حياتهم، وهي تقديم الصدقات السياسية، وهذه مسألة كان الناس يقبلونها منهم حين كانوا في المعارضة، ولكنها لم تكن مرضية على الإطلاق من سلطة تقدمت إلى الكراسي الكبرى تزف وعود مفرطة زائفة.

لمّا كان الإسلاميون من حركة النهضة يفتقدون إلى أدنى درجة من الكفاءة في إدارة الدولة التونسية، وهي من أرقى الدول المركزية في العالم العربي، وعجزوا عن تسيير أمور الدولة، ولم يعترفوا بغياب هذه الإمكانية عنهم، بل كابروا وتصدروا المشهد الرسمي، ورفضوا فتح أي باب أو نافذة لتعاون أصحاب الكفاءات الحقيقية معهم، وتصرفوا وكأن الدولة أحد مشروعاتهم الخاصة، وفشلوا في تحقيق الأمن للمواطنين التونسيين، ورفضوا بناء أجهزة أمنية على أساس قيم الجمهورية والمواطنة، بل عملوا على تشكيل أجهزة أمنية موازية بعقلية حزبية ضيقة، فتنامت ظاهرة العنف السياسي في تونس بصورة لم تألفها البلاد في تاريخها المعاصر.

هل هذا ما أراده التونسيون الذين فتحوا أبواب ما يسمى الربيع العربي؟

نحن هنا لا نشكك مطلقاً بحسن نيات التونسيين وصدق ثورتهم من أجل حياة ومستقبل أفضل، ومن أجل تونس أكثر استقراراً وأمناً، لكننا نحمل معهم المخاوف والقلق نفسه إزاء ذلك المستقبل الذي أرادوه ناصعاً، بينما حزب النهضة الاخواني السلفي ممن قَادَته المخططات الخارجية إلى واجهة المشهد، يريده مستقبلاً متطرفاً أسود، ويريد العودة بالبلاد إلى عصور الجاهلية... تونس حولها (النهضويون) إلى آثمة تحاسب على حريتها وأفكارها المتقدمة، وتوضع في رقبتها مشنقة متنقلة تقتلها في اليوم الواحد آلاف المرات.

فبعد قرابة العامين من مساعي حركة النهضة لجر تونس إلى حضن تنظيم الأخوان المسلمين وفرض التطرف الديني عليها يسعى الشعب التونسي اليوم عبر الساحات إلى العودة بالبلاد إلى نهج حياته المنفتح الذي اعتاده والتوجه للمستقبل وفق رؤية معاصرة ترضي جميع التونسيين والتوافق الوطني على دستور عصري يحفظ الهوية العربية ويصون الحريات العامة ويشجع الإبداع ويشد عصب المجتمع ويجعله قادرا على مواجهة متطلبات العصر.‏

في تونس ما بعد الثورة، لم يعد الشعب التونسي يرضخ من جديد للديكتاتورية والاستبداد... فالتظاهرات الحاشدة التي تعيشها تونس، هي مرآة رفض التونسيين لحكم المرشد ''الغنوشي''. وتبدو حركة النهضة الاخوانية، ومعها الطبقات المالكة للثروة في تونس في حيرة من أمرها، لا تعرف السبيل إلى النزول عند مطالب الشعب التونسي، في بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي كل مرّة يطل علينا الشيخ ''راشد الغنوشي'' زعيم حركة النهضة بخطابٍ واعِظٍ يتحدث فيه عن امتلاك حركته، ومعها بالتلازم الحكومة، الأكثرية الانتخابية، وهو يضع هذه الأكثرية الانتخابية في مصاف المقدس، والمطلق، فحركة النهضة لا تمتلك سوى 20 في المائة أو أكثر من ذلك بقليل من أصوات الناخبين الذين يحق لهم الانتخاب من الشعب التونسي (أي مليون و250 ألفاً تقريباً من أصل 7 ملايين و600 ألف)، فما بالك إذا قسنا هذه النسبة المئوية مع عدد سكان تونس (11 مليون نسمة)، فسنجد هذه الأكثرية الانتخابية، أقلية بكل ما تعني الكلمة، لأن 80 في المائة من الشعب التونسي ليس مع حركة النهضة.

فالسلطة الديمقراطية من وجهة نظر العدد الأكبر من المواطنين التونسيين، تكمن في أن يعيشوا بحرية، أي أن يبنوا حياتهم الفردية بأن يجمعوا بين ما هم عليه وما هو ساعون إلى تحقيقه، بأن يقاوموا الانحراف الديمقراطي لحركة النهضة الإخوانية (الذي بات يُعرف في تونس بالاستبداد المنتخب أو الانتخابي)، باسم ثورة الحرية والكرامة، وباسم الموروث الثقافي للمجتمع التونسي المتنوع في آن معاً… فقد باتت مكونات المجتمع المدني التونسي ترى أن حركة النهضة الاخوانية في مسعاها نحو تغيير أنموذج المجتمع التونسي المتنوع، والسيطرة على مفاصل الدولة وأخونتها، إنما ترسي أسس الدولة الدينية الاستبدادية.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Mustafaqutbi.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/آب/2013 - 11/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م