مصر... دولة مدنية تحمي نفسها

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من خلال الاحداث التي طالت ما يسمى بدول (الربيع العربي)، ومن خلال المقارنة بين ما حدث في هذه الدول، نستطيع أن نعرف مدى قوة أو هشاشة هذه الدولة او تلك، فالربيع العربي كما تبيّن لاحقا، لم يكن ربيعا، بل عصفا أو إعصارا جارفا، ومؤذيا أكثر من كونه مفيدا، وقد أثبتت الوقائع اللاحقة صحة هذا القول، حيث تم تدمير البنى الاساسية لدول (الربيع العربي) وانتشرت فيها حالة من الفوضى السياسية، أحرقت الفرص التي كان من الممكن استثمارها لانتقال هذه الدول الى عالم اكثر تقدما.

ومن بين الدول التي تعرضت لإعصار الربيع العربي مصر، هذه الدولة العريقة بتأريخها وشعبها وارضها وانجازاتها الحضارية التي لا يختلف عليها اثنان، مصر التي ضربها الاعصار كما ضرب غيرها من الدول بل كان اكثر حدة في مصر، ومع ذلك تم استيعاب قوة العصف المدمر، ومع انتشار الفوضى في مصر، وانتقال الحكم عبر صناديق الاقتراع الى الاخوان المسلمين، إلا أن سنة من حكم الاخوان كانت كافية كما يرى المعنيون، لكي تتضح الامور بجلاء، فقد تحولت مصر خلال سنة واحدة من حكم محمد مرسي الاخواني لها، الى دولة ضعيفة فقدت قدرتها على الاستمرار كدولة عريقة، وأخطأت في السياسة والاقتصاد والاجتماع في ظل قيادة مرسي وبسبب من قيادته الفاشلة للدولة، وقد اكدت احداث السنة التي حكم فيها الاخوان المسلمون مصر انهم ليسوا اهلا للحكم، حينما ابتدأ حكمهم باقصاء الآخرين والاستحواذ على المناصب والمؤسسات الحساسة، والانفراد بالمناصب الحساسة و وضعها تحت هيمنة عناصر الاخوان حصرا، وقمع الاعلام بشكل واضح، والتجاوز على حرمة القضاء، فجاء معظم تصرفات الاخوان المسلمين والتيار الاسلامي كرد فعل على عقدة الاضطهاد التي عانوا منها، وليس كفعل يهدف الى تصحيح اخطاء النظام المطاح به، ونقل البلاد الى مرحلة متقدمة من الاستقرار والتطور، وقد تدهورت عجلة الاقتصاد في مصر الى درجة لم يسبق لها مثيلا في تاريخ مصر الحديث او المنظور، حيث تضاعف غلاء المعيشة خلال سنة واحدة اكثر من سبع مرات، وبلغ الفقر خطا مخيفا، ومع ان الرئيس المعزول محمد مرسي حاول ان يبرر ما حدث في خطاباته الاخيرة، وحاول ان يلقي اللوم على أعداء الاخوان، إلا أن الامر لا يمكن ان يستمر على هذه الوتيرة من التدهور.

وهكذا استشعرت الدولة المصرية بتأريخها العريق، ومؤسساتها غير المخترَقة، خطر ما تتعرض له هيبة الدولة وتاريخها، فتحركت مؤسسة الجيش، بعد أن قدم الشعب المصري دعما تاما ومتواصلا لهذه المؤسسة، حينما غصّت الشوارع والميادين في القاهرة ومدن اخرى كثيرة، بملايين من المناهضين لتدمير الدولة المصرية، وهكذا تم عزل مرسي بعد سنة من قيادته التي زرعت الفوضى في البلاد وقادتها الى مزالق خطيرة، قد تحول مصر الى امارة وليس دولة، كما كان مخططا لها أن تكون، فقد رأى مراقبون ان مصر كما كان مخططا لها ستتحول الى سوريا ثانية، وسوف يعيث بها الارهاب فسادا، وسوف يعمها الاحتراب الاهلي والاقتتال المستمر، وتشتعل فيها الفتن، وتقتتل فيها الاقليات مع بعضها، وتعمها حروب اهلية مدمرة ومتواصلة، بيد أن هيبة الدولة لا تزال حاضرة في مصر، والمؤسسات القوية لا تزال معافاة وقادرة على التصرف في الوقت المناسب.

وهذا ما حدث بالضبط عندما بدأت مؤسسة الجيش المصري بتغييرات صعبة ومعقدة، لكنها مصيرية من حيث النتائج التي ستتمخض عنها، وقد أكد المراقبون المعنيون، أن هيبة الدولة المصرية ما كان لها الاستمرار والبقاء والصمود بوجه الحسابات الاقليمية والدولية التي خططت للربيع العربي، لو لا قوة المؤسسات فيها، لاسيما مؤسسة الجيش التي استطاعت كما يرى المراقبون تصحيح المسار وعزل مرسي، وتنظيف المجتمع المصري من حالات الاحتقان التي كادت تطيح بهيبة الدولة المصرية وعراقتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آب/2013 - 9/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م