شبكة النبأ: يشهد العراق اليوم تراجعا
أمنيا مضطردا في اطار اسوأ موجة عنف تشهدها البلاد في نحو خمس سنوات،
فمازال العراق يعاني من انتكاسات أمنية متكررة، حتى بعد مرور عشرة
أعوام من سقوط النظام وتولي الحكومة المنتخبة ادارة شؤون الدولة ولكنها
لم تغيير شيئا من واقع هذه الأزمة المزمنة، لتصبح موجات الهجمات
المنسقة التي تقتل عشرات الأشخاص أكثر تفشيا ودموية، فتجسد مأساة
إنسانية قد تطيح بالسلم بالأهلي، وتظهر هذا المأساة واقعاً قاسياً لوضع
يزداد سوء بشكل يومي لمعاناة العراقيين مع تصاعد التوتر الطائفي في
أنحاء البلاد.
حيث يرى أغلب المراقبين بأن هذه الموجة من هجمات الإرهابية زادت من
المخاوف بشأن عودة العنف الواسع النطاق، وقد أعتبرها البعض تصفية
حسابات أيضاً من ميراث الحرب الأهلية، في حين يرى محللون آخرون أن
انعدام الرؤية الإستراتجية الأمنية مع ضعف المؤسسة العسكرية واحد من
أهم الأسباب التي تقف الأسباب تقف وراء ذلك العجز الأمني، في ظل الخروق
الأمنية المستمرة بمختلف أنواعها، كالعجلات المفخخة والعمليات
الانتحارية والاغتيالات وتهريب السجناء.
ويعزو الكثير من المحللين هذا العجز الأمني الى هناك جملة من
الأسباب والمسببات، أبرزها الخلافات الداخلية والتدخلات الخارجية، حيث
تضع الخلافات السياسية الداخلية والصراعات المستدامة بين السياسيين
الكثير من العقبات أمام تحسن الأمن خاصةً في الآونة الأخيرة.
إذ تلعب تلك النزاعات دورا كبيرا في تغدي ديمومة هذه الأزمة، بينما
تشكل تدخلات بعض دول الجوار عاملا رئيسيا في هذا المجال، كون اغلب هذه
الدول تعيش نفس الهواجس والتحديات، على الصعيد الأمني ، فضلا عن اللاعب
الأساسي المتمثل بتنظيم القاعدة وخاصة ما يسمى بجماعة دولة العراق
الإسلامية التابعة له.
وتمثل هذه التفجيرات تحولا في الأساليب التي يشتبه في أن جماعات
مسلحة تتبعها فلم تعد هجماتها المتزايدة تقتصر على نقاط التفتيش
العسكرية والاسواق واصبحت تستهدف كذلك المقاهي وأماكن الترفيه التي
تستخدمها الاسر والاطفال.
وجاءت أحدث تفجيرات في اليوم نفسه الذي أعلن فيه تنظيم القاعدة
مسؤوليته عن سلسلة هجمات في أنحاء العراق قتلت العشرات خلال عطلة عيد
الفطر فيما يزيد المخاوف من اتساع اعمال العنف الطائفي.
فيما أدى تجدد العنف إلى أن تصدر واشنطن بيانا تدين فيه الهجمات
وتعرض العمل عن كثب مع بغداد لمواجهة تنظيم القاعدة وجماعات أخرى،
بينما حمل العراقيون في بغداد ومناطق اخرى السياسيين وقوات الامن
مسؤولية تردي الاوضاع الامنية.
في حين يرى بعض المحللين أن الصراع في سوريا أذكى التوترات الطائفية
في المنطقة وزاد من نشاط الارهابين في العراق بما في ذلك تنظيم
القاعدة، وتجلت مظاهر التدهور الامني في العراق بهروب مئات السجناء
المدانين بعد هجمات متزامنة على اثنين من السجون التي تخضع لحراسة
مشددة مما اثار تساؤلات بشأن قدرة الاجهزة الامنية على محاربة القاعدة.
وتأتي اعمال العنف الاخيرة بعد اسابيع من هجمات واسعة اعلن تنظيم
القاعدة مسؤوليته عنها، استهدفت سجونا قرب بغداد ادت الى فرار مئات
المسلحين، لتعلن مسؤوليتها أيضا عن موجة التفجيرات الاخيرة، وقد حذر
محللون من ان هرب هؤلاء السجناء يمكن ان يؤدي الى زيادة الهجمات لان
العديد منهم مرتبطون بتنظيم ما يسمى بـ الدولة الإسلامية في العراق
والشام.
ففي ظل انشغال القادة السياسيين بالخلافات السياسية واستمرار مسلسل
المناورات والاتهامات والإستراتيجيات وألأجندات السياسية تحت غطاء
كامن لغايات مجهولة والاهداف غير معروفة المقاصد، مع هيمنت القاعدة
والجماعات الارهابية، كلها امور تضع العراق خلف قضبان العنف، ليصبح عدم
الاستقرار هاجسا مرعبا للشعب العراقي، الغارق في مستنقع العنف المستدام.
انتكاسات أمنية متكررة
فقد قتل 16 شخصا على الاقل واصيب 41 في هجوم انتحاري على مقهى مزدحم
في بلدة بلد التي تبعد 80 كيلومترا شمالي بغداد، وانفجرت قنبلتان
احداهما قرب ملعب والاخرى قرب مدرسة فقتل ستة اشخاص واصيب العشرات
بعضهم اطفال في بلدة المقدادية التي تبعد 80 كيلومترا شمال شرقي
العاصمة.
وأعلنت ما يسمى بـ الدولة الإسلامية في العراق والشام - وهي التنظيم
الذي نشأ هذا العام من اندماج جناحي القاعدة في سوريا والعراق -
مستخدمة مواقع جهادية على الانترنت مسؤوليتها عن الهجمات في بغداد
ومحافظات أخرى في الجنوب، وحذرت الحكومة كذلك من مواجهة مزيد من العنف
ما لم تضع حدا لحملة اعتقال الأشخاص المشتبه بهم.
وقالت الدولة الإسلامية في العراق والشام في بيان نشر على موقع
يراقب تصريحات الجماعات الجهادية "قد استنفرت الدولة الإسلامية جانبا
من الجهد الأمني في بغداد وولاية الجنوب وغيرها لتوصل رسالة سريعة
رادعة في ثالث أيام عيد الفطر إلى دواب الرافضة وأوباشهم وسفهاء
حكومتهم وهي: أنهم سيدفعون ثمنا غاليا جزاء وفاقا لما تقترفه أيديهم
وإنهم لن يحلموا بالأمن في ليل أو نهار في عيد أو غيره فلينظر هؤلاء
مواطن أقدامهم وليوقفوا حملات الاعتقال ويكفوا أذاهم عن عشائر أهل
السنة".
وقالت الشرطة ومصادر طبية إن قنابل انفجرت في أسواق وشوارع ومتنزهات
مع احتفال العائلات العراقية بعيد الفطر وقتل نحو 80 شخصا وأصيب كثيرون،
وأوضحت احصاءات الأمم المتحدة أن شهر يوليو تموز سجل أعلى عدد للقتلى
في شهر واحد منذ عام 2008 مع مقتل أكثر من ألف عراقي. بحسب رويترز.
ووقع أسوأ حادث منفرد في بلدة بلد حيث أبلغ رئيس المجلس البلدي
رويترز ان كل الاصابات كانت بين المدنيين، وقالت الشرطة انه في هجوم
قرب مدينة الموصل التي تبعد 390 كيلومترا الى الشمال من بغداد اعترض
مسلحون سيارة تقل ثلاثة جنود كانوا في طريقهم للانضمام الى وحدتهم
وقتلوهم رميا بالرصاص، ولم يعرف على الفور من الذي وراء اعمال العنف
لكن يرجح ان يشتبه في أن يكون مرتكبها اعضاء الدولة الإسلامية في
العراق والشام.
وقالت الجماعة التي أعلنت المسؤولية عن اقتحام سجون في العراق الشهر
الماضي في هجمات هرب خلالها مئات السجناء المدانين ان حملة الحكومة
لاعتقال المشتبه بهم وتشديد الامن في العاصمة جعل الامور اسوأ، وقالت
وزارة الداخلية إن التقارير الاعلامية عن الهجمات مبالغ فيها وإن
حملتها الآمنية الأخيرة كانت فعالة.
العراقيون يحملون الحكومة مسؤولية تردي الامن
فيما ارتفعت حصيلة ضحايا التفجيرات التي استهدفت مقاهي واسواقا في
العراق الى اكثر من سبعين قتيلا و324 جريحا فيما حمل العراقيون الحكومة
والسياسيين مسؤولية تردي الامن في بلدهم، وقال ابو سامر (64 عاما) وهو
مهندس زراعي متقاعد يعمل في محل تجاري، ان "الصراعات السياسية
والقيادات الامنية الضعيفة والفساد وتعدد الاحزاب كل ذلك سبب لما يحدث
في بلدنا". وعن تحسن الاوضاع مستقبلا، قال ابو سامر الذي ابيض شعره
بالكامل، قال "اذا استمر وجود الاحزاب والصراعات فيما بينها لن يتحسن
وضع العراق اطلاقا". واضاف "لم يعد لدينا اي ثقة بالسياسيين لان وعودهم
كثيرة ومحصلة اعمالهم هي ما يحدث للبلاد في كل يوم"، وقال علي الشمري
وهو بائع سجائر (35 عاما) وهو يجمع ما تبقى من علب الدخان تطايرت بفعل
الانفجار، ان "ضعف الاجهزة الامنية والاستخبارات ليست السبب الوحيد في
وقوع الانفجارات وتكرار الهجمات"، معتبرا ان "كثرة الاحزاب والصراعات
السياسية هي الاسباب كذلك وراء اعمال العنف". واضاف علي الذي يعمل في
هذه المنطقة التي تعرضت للعديد من الانفجارات، منذ عشرة اعوام ان "وجود
حزب واحد واخر معارض له افضل بكثر من عشرات الاحزاب، حتى وان قالوا عن
العراق يحكم بنظام ديكتاتوري"، وتابع ان فهذا افضل بكثير من مقتل
العشرات يوميا".
وفي منطقة الشعب في شمال شرق بغداد حيث انفجرت سيارتان مفخختان مما
ادى الى سقوط ثمانية قتلى و24جريحا فرضت قوات الامن اجراءات مشددة شملت
غلق الطريق الرئيسي المؤدي الى سوق شلال حيث وقع الانفجار، وبدت شوارع
بغداد التي شهدت اجراءات امنية مشددة شبه خالية، الا من قليل من المارة
الذي بدى الخوف واضحا عليهم، وكانت هجمات منسقة بسيارات مفخخة وقعت في
ثمانية احياء شيعية وسنية ومختلطة في بغداد. واستهدفت هذه الهجمات
اسواقا عامة ومقاهي ومطاعم وادت الى مقتل 47 شخصا، طبقا لمسؤولين في
الامن والمستشفيات، كما ذكرت مصادر امنية وطبية. بحسب فراس برس.
وكانت هجمات بسيارات مفخخة اودت بحياة 31 شخصا في بغداد في 31
آب/اغسطس، وفي طوز خورماتو التي تبعد 175 كلم شمال بغداد، فجر انتحاري
سيارة مفخخة بالقرب نقطة تفتيش للشرطة ما ادى الى مقتل تسعة اشخاص وجرح
48 اخرين، وادى انفجار سيارة مفخخة في كركوك (شمال) الى مقتل مهندس،
كما انفجرت سيارتان مفخختان في مدينة الناصرية (300 كلم جنوب بغداد)
مما ادى الى مقتل اربعة اشخاص، وادى انفجار سيارة مفخخة في مدينة
كربلاء الشيعية المقدسة الى مقتل خمسة اشخاص اخرين، وقتل ثلاثة اشخاص
وجرح خمسة اخرون في هجمات في محافظتي بابل ونينوى.
وقد اعلنت قيادة عمليات بغداد عن ضبط معمل لتفخيخ السيارات، وثماني
سيارات و13 دراجة معدة للتفخيخ، ومواد كيميائية في احد اطراف العاصمة،
وفي تكريت (160 كلم شمال بغداد) قال ضابط برتبة مقدم في الشرطة ان
"انفجار سيارة مفخخة مركونة امام منزل القاضي ساجر العزاوي رئيس محكمة
الجنح ادى الى مقتله واصابة زوجته بجروح بليغة".
ووقع الانفجار عند منزل القاضي في وسط تكريت، وفقا للمصدر ذاته.
وقال الملازم اول عبد الله الجبوري من شرطة الموصل (350 كلم شمال بغداد)
ان "ثلاثة جنود قتلوا واصيب اربعة من رفاقهم بجروح جراء انفجار عبوة
استهدف دوريتهم في منطقة عين جحش (60 كلم جنوب الموصل)"، وفي هجوم اخر،
اغتال مسلحون مجهولون رجلا واصابوا ابنه بجروح بعدما فتحوا النار عليه
داخل منزله في ناحية الرياض، الواقعة غرب مدينة كركوك (240 كلم شمال
بغداد).
من جهتها دانت الولايات المتحدة الهجمات ووصفت مرتكبيها بانهم "اعداء
الاسلام". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي
في بيان انها "اعتداءات جبانة (...) استهدفت عائلات كانت تحتفل بعيد
الفطر"، واضافت ان "الارهابيين الذين ارتكبوا هذه الاعتداءات هم اعداء
الاسلام وهم عدو مشترك للولايات المتحدة والعراق والمجتمع الدولي"،
مذكرة بان "الولايات المتحدة رصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لكل
معلومة تساعد السلطات في اعتقال او قتل ابو بكر البغدادي" زعيم تنظيم
القاعدة في العراق.
امن العراق لم ينهار والدور قادم على جيران
يخربون في المنطقة
من جهته أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان الانتكاسات
الامنية الاخيرة في البلاد لا ترقى الى مستوى "الانهيار"، محذرا دولا
مجاورة "تخرب" في العراق والمنطقة من ان "الدور قادم" عليها/ وقال
المالكي في كلمة خلال لقاء مع عدد من القادة الامنيين والعسكريين بثتها
قناة "العراقية" الحكومية اليوم الجمعة "لم ينهار الامن"، مقرا رغم ذلك
بحدوث "انتكاسات امنية"، وشدد على ان العراق يخوض "مواجهة لن نخسرها
باذن الله بل نربحها حتما"، داعيا المجتمع الى الوحدة بعيدا عن "التمييز
الطائفي"، والشرطة والجيش الى عدم التهاون "فنحن لم نتجاوز المحنة بعد
(...) والتحدي كبير وسيبقى خطير".
وشدد المالكي في كلمته على انه "يجب الا نسمح لهم بان يعبثوا بامن
البلد وتاريخه (...) مهما دعمهم الاشرار من دول الجوار، والدور قادم
على هؤلاء الذين يخربون في هذه المنطقة (...) لان الشر لا يمكن ان
يحاصر ابدا"، وتابع "اذا ارادوا تصدير الشر الى العراق فليتحضروا ايضا
هم لاستقبال هؤلاء الاشرار"، مضيفا "لا يتصور احد انه يتدخل ويشعل
النار في بلد وفي ارواح مواطنيه وفي عزته وكرامته ويبقى هو وشعبه
بعيدين عن ان يتدخل احد في شؤونهم"، وذكر ان "السلاح الذي يتدفق على
هذه المنطقة يتدفق على جميع دولها (...) ومن يتحدث عن امكانية ان ينعزل
ببلده عن المؤثرات فهو مشتبه"، داعيا "اخواننا في المنطقة الى التعاون
لان مكافحة الارهاب مهمة انسانية". بحسب فرانس برس.
واعاد المالكي ربط ما يحدث في العراق بالتطورات الاقلمية، وخصوصا
سوريا، قائلا ان "معالجة الحالة العراقية بعيدا عن الحالات الاخرى في
المنطقة" امر غير ممكن، ويعارض العراق تسليح المعارضة في سوريا التي
تقاتل القوات النظامية، على النقيض من دول اقليمية اخرى، على راسها
السعودية وتركيا وقطر، وختم المالكي قائلا "سنبقى نحن مشروع استشهاد،
كل منا ينبغي ان يكون مشروع استشهاد".
أكثر من 1000 عراقي قتلوا فيشهر واحد
الى ذلك قالت الامم المتحدة ان أكثر من 1000 عراقي قتلوا في العنف
الطائفي في يوليو تموز وهو أكبر عدد من القتلى يسقط خلال شهر منذ عام
2008 مع تصعيد جماعات سنية هجماتها على الحكومة التي يقودها الشيعة في
العراق. بحسب رويترز.
وكان أغلب الضحايا البالغ عددهم 1057 شخصا مدنيين قتلوا في حملة
تفجيرات واطلاق نار يخشى بعض العراقيين من انها قد تجر البلاد الى حرب
اخرى، وقال جورجي بوستين القائم بعمل مبعوث الامم المتحدة لدى العراق
في بيان "لم نر مثل هذه الاعداد على مدى أكثر من خمس سنوات بدأ فيها
انحسار الغضب الاعمى للصراع الطائفي الذي خلف جراحا عميقة بهذا البلد"،
ودعا بوستين المسؤولين العراقيين لاتخاذ اجراء فوري وحاسم لوقف "اراقة
الدماء التي تسيل بلا معنى" ومنع العودة الى "الايام السوداء" لعام
2006-2007 عندما كان عدد الاشخاص الذين يقتلون في الشهر يتجاوز 3000،
وباضافة قتلى يوليو تموز يرتفع عدد الذين قتلوا منذ بداية العام الى
4137. |