لاشك ان رئيس الوزراء العراقي في أشد حالات الخيبة من أجهزته
الأمنية، بعد الهروب الجماعي لإرهابيي القاعدة من سجني أبي غريب
والتاجي المصنفين بكونهم من غلاة الارهابيين. وحتى لا نزيد رئيس
الوزراء احباطا نقول أن حوادث الهروب من السجون ظاهرة تحصل في كل زمان،
وحدثت في أكثر الدول تشددا وحيطة في اجراءاتها الأمنية داخل وحول
سجونها.
ففي خلال ايام بعد الهروب الجماعي للسجناء حصل هروب محدود من أحد
السجون في الولايات المتحدة الأمريكية تناقلتها وكالات الأنباء
العالمية. وهناك محاولات مشابهة تمت في السجون الأمريكية في أفغانستان،
وما تزال تحدث هناك حتى اليوم. وبرغم ذلك لا أحد يرفع صوته ويتهم
الرئيس أوباما بالتواطؤ مع الهاربين والمهربين.
وفي يناير\كانون الثاني عام 2008 هرب من سجن في مدينة قندهار
الأفغانية ما يمكن أن يكون أكبر عملية هروب من السجن في ذلك البلد الذي
مايزال تحت الاحتلال الأمريكي. عندها هرب حوالي 1000 شخص، بما في ذلك
400 من مسلحي طالبان. وقد أعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن إطلاق سراح
السجناء قائلة، انها استخدمت فيه 30 من الدراجات النارية واثنين من
المفجرين الانتحاريين للتسلل إلى السجن. وكررت العملية في نيسان \ابريل
عام 2011 ونجحت فيها.
المشكلة في العراق أن حوادث الهروب قد تكررت عدة مرات، وفي كل مرة
تحقق القاعدة تقدما مقارنة بالمرة التي سبقتها. ففي آذار\مارس 2007
حدثت واحدة من أكبر عمليات الفرار في العراق، حيث اقتحم عشرات من
المسلحين سجن بادوش في مدينة الموصل، بدون مقاومة تذكر من حراس السجن
اطلق خلالها سراح ما يصل الى 140 سجينا. وعندها تمكن من الافلات من
العقاب ابن أخ صدام حسين أيهم سبعاوي الذي كان متهما بتمويل الارهاب،
وحينها كان العراق ما يزال تحت الاحتلال الأمريكي.
وفي يناير\كانون الثاني من عام 2011 قام اثنا عشر ارهابيا مرتبطا
بتنظيم القاعدة مرتدين زي الشرطة ومشوا ببساطة خارج مركز الاعتقال في
واحد من قصور صدام حسين السابقة في البصرة. كان الهاربون متهمين
بتورطهم في تفجيرات متعددة في جميع أنحاء المنطقة.
وفي حادثة أخرى تمت في سبتمبر\أيلول عام 2012 هرب 102 سجينا من سجن
في تكريت شمال غرب بغداد. وكان العديد من الهاربين مرتبطين بتنظيم
القاعدة في العراق. نجاح عمليات الهروب من السجون بنسبة 100% يعني فشلا
حكوميا بنسبة 100%.
ويكون من المناسب هنا أن نذكر قيادة الدولة العراقية بمقولة للكاتب
نوح رايمان المحرر في صحيفة التايم الأمريكية ذكرها تعليقا على حادثة
الهروب الأخيرة جاء فيه:
" ان تخدعني مرة واحدة عيب عليك، ولكن أن تخدعني مرتين فعيب عليً."
ليس الغرض من ايراد هذا القول الاستخفاف بالحكومة العراقية أو
التشهير بها، وانما للفت نظرها لخطر قد تستهين به، وخاصة بعد أن اتخذت
اجراءات عقابية هنا وزجرية هناك تحت تأثير الصدمة. لكنها ستكون قد
ارتكبت خطئا جسيما أن اعتقدت أن تلك الاجراءات ستمنع تكرار الحدث مرة
ثانية. وسيكون العراق أكثر أمنا لو تم بالفعل تحقيق ذلك على الواقع.
المعروف عالميا أن وكالات التجسس الأمريكية تعتبر أقدر وأخطر
المنظمات الحكومية المعروفة بنشاطاتها السرية التجسسية في العالم
وأكثرها تجاربا، قد لوثت سمعتها من قبل اثنين مغمورين من موظفيها
الصغار لم يخطرا ببال اداراتها العليا. الموظف أدوارد سنودين والمجند
العسكري برادلي مانينج قاما بعمل لم تحلم به المخابرات السوفييتية
سابقا والروسية حاليا. وليس مستبعدا أن يخرج علينا غدا عاملا روسيا
بسيطا في الكي جي بي التجسسية السرية ليأخذ بثأر وكالات التجسس
الأمريكية التي مرغت أنوف مديريها بالوحل.
أثناء سنوات الاحتلال الأمريكي لبلادنا احبطت شرطة معسكر بوكا خلال
شهر مارس\آذار عام 2005 خطة هروب 600 سجينا من أخطر مجرمي القاعدة
كانوا على وشك الهرب من السجن. اكتشفت الخطة كتيبة الشرطة العسكرية رقم
105 المكلفة بادارة المعسكر في اللحظات الأخيرة من تنفيذها.
لقد اكتشفت الكتيبة نفقا يمتد مسافة 357 قدما مكتمل الانجاز تحت
أرض السجن. فما يمنع منظمة القاعدة من محاولة القيام بمثل ذلك في أي
وقت في المستقبل، وربما يقومون حاليا بحفر شبكة أنفاق وليس نفقا واحدا
تحضيرا لعملية أكبر..؟؟
فما اعتقده ان عملية هروب للارهابيين بهذا الحجم ليس الهدف منها
ارسالهم الى سوريا للقتال ضد الأسد فتلك معركة تسير نحو الفشل، انما
لتنفيذ مهمة مقدسة تقربهم أكثر من الله ونبيه والصحابة..؟؟
فما هو الدرس الثمين الذي ينبغي على السلطات العراقية الافادة منه
من كل تلك الاحداث..؟؟
هناك دروسا عدة وليس درسا واحدا يمكن الافادة منها، أولها، التوقف
تماما عن الشعور بالرضا عن النفس، فهو أخر ما ينبغي أن يلجأ اليه
السياسي المحنك، وفي حياة كل شخص تجارب مرة عن هذه الظاهرة المرضية.
لا استبعد أبدا أن تقوم منظمة القاعدة الارهابية المعروفة بنشاطاتها
الاجرامية العبثية بتنفيذ خطة لاختطاف الحكم في العراق واقامة حلمها في
دولة الخلافة الخرافية، عبر فكرة هي أقرب لأفلام الخيال الإلكترونية،
ولها من الخبرة ما يكفي.
فرجالها يتعاملون مع الموت باعتباره مكافئة من نبيهم يفوزون بسببه
بمائة عذراء يكونن بالانتظار عند بوابة جنة الخالدين. اننا أمام صنف من
الكائنات الشاذة مسيرة من قبل زمرة من المشعوذين الضالين المنبوذين
اجتماعيا خدمة لدوائر أجنبية واقليمية ترى في استقرار العراق واستعادته
لدوره الاقليمي يعتبر تهديدا لمصالحها في المنطقة.
عملية الهروب الجماعي الأخير التي كانت ناجحة 100%، وخطط الهروب
السابقة ربما تكون كافية للإقدام على محاولة جنونية جديدة أكبر لتحقيق
هدفهم الأخير باحتلال مقر الحكومة في المنطقة الخضراء. تنفيذ هذا الهدف
قد يأخذ شكل هذا السيناريو ذي المراحل الأربعة، أو أي سيناريو آخر
يعيدون العراق به الى عهود الجاهلية الأولى.
المرحلة الأولى: بناء شبكة من الانفاق تحت أرض المنطقة الخضراء لها
مخارج قريبة داخل مقرات المسئولين الحكوميين المهمين، وبالتأكيد لهم
خريطة مفصلة عن تلك المواقع ومن يشغلها حيث لهم هناك نوابا وحراسا
أمنيين فيما مضى وحاليا.
المرحلة الثانية، وتبدأ بهجوم صاروخي كثيف متعدد الاتجاهات حول
مقرات الحكومة تقوم به وحدات من القاعدة من مواقع حول المنطقة الخضراء.
ويكون الغرض منه خلق حالة من الرعب والاضطراب داخل القوى الأمنية
والحمايات الموزعة في المنطقة الخضراء وشل حركتها تماما واشغالها عما
يجري تحت الأرض..
المرحلة الثالثة، اندفاع مجموعات قتالية و انتحارية عبر منافذ
الأنفاق الموزعة على المواقع الحساسة من المنطقة الخضراء. يلي ذلك تدفق
الجناح السياسي للتنظيم للتمركز في مقرات الحكومة والاعلان من هناك عن
قيام دولة العراق الاسلامية.
المرحلة الرابعة، تدفق قوى قتالية للاسناد تكون على أهبة الاستعداد
داخل الانفاق وفي مواقع قريبة منها في حالة تعرض الوحدات الادارية
والسياسية لأي مقاومة غير متوقعة.
المرحلة الخامسة، تحرك قطعات عسكرية وأمنية موالية باسلحتها الثقيلة
بعد أن تنسلخ من مقرات الجيش والشرطة والأمن الحكومية وتتوزع داخل
وخارج بغداد لتعزيز هيمنة القوى التي اقتحمت وسيطرت على مقرات الحكومة
في المنطقة الخضراء. وتقوم هذه القوات أيضا بقمع أي تحرك تقوم به قوى
موالية للحكومة الشرعية، وعرقلة وصول اي امدادات من خارج العاصمة
لاسترجاع المواقع الحكومية المفقودة.
لكن ما هي نسبة الواقعية في نجاح أو فشل خطة متخيلة كهذه..؟؟
قبل الاجابة على هذا التساؤل ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار الحقائق
التالية:
1- أننا نتعامل هنا مع عدو لا يخشى موتا بيد الكفار الشيعة أعداء
الله، ووفق القناعة الجهادية لهؤلاء فان موتا كهذا يعتبر جهادا في سبيل
الله. وتلقى منظمة القاعدة ومثيلاتها وحليفاتها في البلدان العربية
المجاورة الدعم المالي والمعنوي واللوجستي لوجود وحدة بينهما حول
الموقف من نظام الحكم الحالي في العراق.
2- ان العملية السياسية الراهنة في العراق تمر بأزمة غير مسبوقة،
حيث انقسام سياسي واضح المعالم داخل أحزاب السلطة و في المجتمع أيضا،
معبرا عنه بانقسام طائفي سني\شيعي، وعربي\صفوي، وكردي\كردي، وعربي\كردي
, وشيعي\شيعي، وعراقي\اقليمي.
3- وما يشجع على تلك المغامرة وضع الجيش العراقي الذي ما يزال فقيرا
في تسليحه ونوعية مسلحيه وانضباط قادته. وكمؤسسة حكومية لابد وتعكس
الواقع الحالي المحزن السائد في البلاد حيث الفساد الاداري والمالي
المتفشي، ولا شك بان ذلك يعيقه عن القيام بدوره كقوة قتالية يمكن
الاعتماد عليها في حفظ الأمن الداخلي والدفاع عن حدود العراق.
تلك هي الظروف والعوامل المناسبة جدا لنجاح أي مخطط هدفه الاطاحة
بالنظام السياسي الهش الحالي بقيادته الحالية. حيث هناك بالفعل أخطاء
في ادارة الدولة والحكومة واصرارا على تلك الأخطاء. وكما هو معروف هناك
فسادا اداريا يكابد المجتمع بسببه معاناة يومية لا يشعر بها غير
ضحاياها. وهناك أخطارا أمنية يجري الاستهانة بها. وهناك تفردا باحتكار
القرارات السياسية التي تخص الجوانب اعلاه.
فلولا سياسة التفرد باحتكار القرارات السياسية والأمنية
والاقتصادية، لما انتهى الحال برئيس الوزراء دون وزراء، ودون حلفاء،
ودون أصدقاء. مثل هذه السياسة لا تتقدم ببناء الدولة المدنية خطوة
واحدة ولا تأتي لها بالاستقرار السياسي.
بل بالعكس قد أضرت ضررا مدمرا بالوحدة الوطنية، وأحلت الشقاق
والنفاق والانتهازية السياسية بدلها، فقادت الى تدمير العملية السياسية
والديمقراطية وهي ما تزال في المهد. وهذا بالذات المناخ الملائم لنجاح
المؤامرات والانقلابات السياسية والعسكرية. فكما تفيد تجارب التاريخ
العراقي ان انتصار الرجعية والفاشية في عام 1963 ما كان ليحدث لو وعت
القوى الوطنية بما فيها عبد الكريم قاسم الخطر الذي كان ماثلا حينها.
رد الفعل السياسي من رئيس الوزراء على حادث الهروب الجماعي لم يكن
في مستوى المسئولية الوطنية، بينما تطلب الحدث أن يقدم رئيس الوزراء
وكل حكومته استقالاتهم. وكان عليه أن يبادر بتشكيل جبهة وطنية تضم
ممثلي الأحزاب السياسية بما فيها التيار الديمقراطي المهمش حاليا.
وتكون مهمة الجبهة الوطنية تشكيل حكومة انقاذ وطنية تضع برنامجا لإعادة
توحيد الصف الوطني وانعاش الاقتصاد وحفظ الأمن في البلاد ومعالجة
الفساد علاجا جذريا لا رحمة فيه.
التفرد بالسلطة وحصرها بكتلة الاتحاد الوطني، ثم اختزالها بمجموعة
محدودة من مقربي السيد المالكي منظور قصير النظر، وأثبت فشله فشلا
ذريعا لما تمخض عنه من تفريط بالدور السني الكفة الثانية المكافئة في
ميزان القوى الطائفية. الطائفة السنية واقع مادي وتاريخي واجتماعي لا
يجب ولا يمكن أن يكون صوتها مغيبا في تقرير السياسات الحكومية في مختلف
مجالات الحياة.
افتعال الخلافات مع ممثلي الطائفة في قيادة الدولة كما حدث مع السيد
طارق الهاشمي وثم مع الدكتور راسم العيساوي وزير المالية ونائب رئيس
الوزراء كان تصرفا غير مقبول، وقد أضر كثيرا بالعلاقة التاريخية بين
المكونين، بدليل ما تبعه من شرخ في الوحدة الوطنية والسياسية
والمجتمعية.
القبول بالآخر لا يفترض تكييفه واعادة تشكيله بما يتناسب ورؤية رجل
السلطة لخدمة اهدافه غير المعلنة، قبول مثل هذا غير جائز ولا مقبول في
النظم الديمقراطية، ولايمارس الا في ظل الديكتاتوريات الشمولية، وهذه
في طريقها للزوال لأنها لا انسانية ولا اخلاقية.
استقرار العراق وتطوره يتطلب مشاركة كافة مكوناته، وينبغي بذل اقصى
ما يمكن من جهد لإبقاء التحالف السني\الشيعي\الكردي قائما وايجابيا ما
بقي العراق واحدا أرضا وشعبا فعلا وقولا وحلما. فهل سيستطيع السيد
المالكي من تحقيق ذلك لو استمر في سياسته الحالية..؟؟
الاجابة: لا بكل تأكيد، لأن تلك السياسة لم تحقق للأسف أي نجاح،
وبالعكس اعادت العراق عقودا الى الوراء. والحل يكمن بتشكيل حكومة
الجبهة الوطنية الديمقراطية التي تعمل على وضع وتنفيذ برنامج وطني
للاصلاح الاقتصادي والسياسي، يعزز من أسس الدولة المدنية الديمقراطية
ويعالج الفساد الاداري والمالي جذريا..؟؟
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/alialasidy.htm |